موافقة الشيخ عبيد الجابري للأشاعرة في
أن صفتي السمع والبصر ذاتيتان
سئل الشيخ عبيد الجابري كما في موقع ميراث الأنبياء:
حفظكم الله, وهذا سائلٌ آخر يسأل عن صفتيْ السمع والبصر؛
وهل هُما من الصفات الفعليَّة؟
فأجاب: (( جاءت في القرآن وفي السنَّة,
ويُمكن أن يُقال يعني أنا لا أعلم أحدًا فَصَّلَ في السمع, فقال هو ذاتيَّة
باعتبار وفعليَّة باعتبار.
وكذلك البصر؛ لا أعلم أحدًا فَصَّلَ هذا التفصيل, فأنا
حتَّى هذه الساعة على أنَّهُما صفتان ذاتيتَّان لله – عزَّ وجل – ..))
والرد بإيجاز:
ما قرره الشيخ في هاتين الصفتين هو عين ما
قرره الأشاعرة فيهما, وليس هذا من مذهب السلف في شيء.
فمذهب الأشاعرة أن السمع والبصر أزليان, وحكى عبد القاهر في
أصول الدين ص(90). على
ذلك الإجماع.
وقال البيجوري في تحفة المريد عن البصر: (( صفة
أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات الذوات وغيرها ))
وقال عن السمع : ((صفة
أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات, والأصوات, وغيرها كالذوات ))
ولا يثبتون تجددا, وإنما يثبتون تعلقا.
وأما مذهب السلف في هاتين الصفتين فهو: أنهما ذاتيان من جهة النوع, فعليتان من
جهة الآحاد.
وهو صريح القرآن, كما قال تعالى: قد سمع
الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما
فقد جاء السمع بصيغة الفعل:"سمع –
يسمع" .
ثم إن تحاورهما لم يكن في الأزل؛ مما يدل
على التجدد, فسمع قولها بعد تكلمها.
ومما ذكرته في كتابي: "التعليقات السنية على مقدمة ابن
عاشر الاعتقادية الأشعرية":
(( والحق عند أهل السنة: أن السمع والبصر غير
العلم, وهذا متقرر لغة وشرعًا.
وأنهما صفتان ذاتيتان من جهة النوع, متجددتان من جهة
الآحاد.
ولا يلزم من تجددهما باعتبار الآحاد أن ينتفي عنه السمع
والبصر في وقت من الأوقات, لكن لما تجدد الكلام المسموع مثلًا تجدد السمع, فلما
تكلمت المجادلة سمع الله قولها حين تكلمت لا في الأزل)) اهـ
وهذه
بعض أقوال من قرر التجدد في صفتي السمع والبصر من جهة الآحاد :
قال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين (ص: 465): (( وقد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل
على أنه سميع بصير, والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم, فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه,
وإذا دعاه عباده سمع دعاءهم وسمع نجواهم, كما قال تعالى: [قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركماٍ] المجادلة
أي: تشتكي إليه وهو يسمع التحاور,
والتحاور تراجع الكلام بينها وبين الرسول,...))
وقال في جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 15): (( وَكَذَلِكَ
" السّمع " و " الْبَصَر " " وَالنَّظَر " . قَالَ الله
تَعَالَى : { وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله } هَذَا فِي حق الْمُنَافِقين
وَقَالَ فِي حق التائبين : { وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون
} فَقَوله { فسيرى الله } دَلِيل على أَنه يَرَاهَا بعد نزُول هَذِه الْآيَة الكريمة.
والمنازع إما أن ينفي الرؤية
؛ وإما أن يثبت رؤية قديمة أزلية فقط .
وكذلك قوله { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون
} ولام " كي " تقتضي أن ما بعدها متأخر عن المعلول فنظره كيف يعملون هو بعد
جعلهم خلائف .
وكذلك { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله
يسمع تحاوركما } أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل وتشتكي إلى الله .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " { إذا قال الإمام سمع الله لمن
حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم } " فجعل سمعه لنا جزاء وجوابا للحمد
فيكون ذلك بعد الحمد والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته .
ومنه قول الخليل { إن ربي لسميع الدعاء } . وكذلك قوله : { لقد سمع
الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } وقوله لموسى وهارون : { إنني معكما
أسمع وأرى } .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية : (( الأشاعرة والماتريدية
وجماعات يقولون سمعه قديم .
يثبتون السع ولكن السمع عندهم ليس بحادث ، السمع قديم .
فسمع الكلام في القدم لعلمه به هكذا يزعمون .
وهذا الكلام فيه التكذيب للقرآن ولولا التأويل لكانوا كفارا بذلك ،
لأن الله جل وعلا يقول ?وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا? وقال ?قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ? وإذا كان السماع في الماضي قبل مجيء الكلام وقبل حصوله
وقبل حصول المجادلة بين المرأة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يصح أن يقال
?قَدْ سَمِعَ? بصيغة الماضي ؟
وإنما يقال ?قَدْ سَمِعَ? إذا كان الأمر قد وقع وانتهى ولهذا قال: نجد في النصوص لفظ الماضي ولفظ المضارع فقد
يكون في إثبات السمع القديم البصر القديم دون البصر الحادث والسمع الحادث والكلام الحادث
فيه نفي لدلالات النصوص وفيه تكذيب لها لأن الله جل وعلا يقول ?قَدْ سَمِعَ? وهؤلاء
يقولون سمعه قديم .
كيف ؟ سمع في القدم قبل حدوث الكلام ؟
هذا لا يصح أن يقال ?قَدْ سَمِعَ? .
قال جل وعلا ?وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا? هذا فعل مضارع دلالته
على الحال يعني يسمع تحاوركما الآن ))
وبهذا يتبين لنا خطأ الشيخ عبيد في
هذه المسألة, وموافقته لقول الأشاعرة.
تنبيه:
قد بينت في عدة مقالات أخطاء المشايخ:
عبيد الجابري, ومحمد المدخلي, وعبد الله البخاري, لا لقصد الطعن فيهم, فالسب
والطعن بضاعة المفلس الذي لا حجة له, وإنما المقصد: توقيف جماعة من الشباب السلفي
على أخطاء الذين يعظمونهم تعظيما غير شرعي, ويدَّعون فيهم العصمة معنى لا لفظا في
العقيدة والمنهج, وينزلون أقوالهم منزلة الوحي الذي لا يجوز مخالفته, مغلفين ذلك
أنهم يتكلمون بالدليل.
ومعلوم أن صحة الدليل لا يلزم منه صحة الاستدلال
.
ولما كان الافتتان بهم عظيما - خصوصا في ليبيا وغيرها - كانت المصلحة
راجحة في بيان شيء من أخطائهم؛ ليتنبه الشباب أن آحاد أهل السنة غير معصومين,
وأنهم يخطئون.
وهذا من الذب عن السنة وأهلها.
وأقول لجماعة من الشباب السلفي: لو كنت سأتعامل معهم بمثل ما تتعاملون به
مع مشايخ أهل السنة الذين حُذِّر منهم, لربما حذرتُ من هؤلاء المشايخ, أو قلت: لا
تحضروا لدروسهم؛ لأنهم تحت المناصحة, كما تفعلون.
لكني أتعامل بمنهج أهل السنة والجماعة: فأبين خطأ السني إذا أخطأ وانتشر, من غير
أن أطعن فيه.
وأقول نصحا للأمة: تفاصيل ودقائق باب الاعتقاد لا تؤخذ من
هؤلاء المشايخ إلا إذا تابعوا أحدا من أهل العلم؛ للأخطاء التي عندهم في تفاصيل
باب الاعتقاد.
وهذا ليس طعنا فيهم, فالعلم أرزاق, ولا يلزم أن يكون الشيخ
محيطا بتفاصيل كل علم.
وأخيرا: أسأل الله أن أكون قد بينتُ
ونصحتُ, كما أسأله سبحانه الإخلاص والتوفيق.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .شيخنا بارك الله في علمكم .عندي سؤال وهو:
ردحذفهل كل من قال ان صفة السمع والبص هما ذاتيتان وينفي انهما فعليتان قد وافق الاشاعرة ؟ ام ان الخلاف لفظي وهو قد يوافق في المعنى .جزاكم الله خيرا