الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

وقفة مع قاعدة "الاستثناء معيار العموم"

 

وقفة

مع قاعدة "الاستثناء معيار العموم"

معنى المعيار : أنه آلة يعرف بهما عموم اللفظ, , لكنه إنما كان معيارا للعموم الاصطلاحي إذا كان اللفظ محتملا للعموم مستغرقا لجميع أفراده بلا حصر وكانت دلالته كلية.

والاستثناء إذا أطلق أريد به المتصل لا المنقطع, قال ابن العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 14): (وظاهر أن المراد الاستثناء المتصل؛ لأن لفظ الاستثناء حقيقة فيه فلا يدخل المنقطع في المعيارية)

وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول (ص: 241): (منشأ الخلاف في هذه المسألة أن العرب هل وضعت (إلاّ) لتركبها مع جنس ما قبلها، أو تركيبها مع الجنس وغيره؛ فيكون الخلاف في أنه مجاز يرجع إلى هذا...)

وهنا سؤال: هل كل ما يقبل الاستثناء يكون عاما؟

وجوابه: أن ما قَبْل أداة الاستثناء يجب أن يكون عاما؛ لأن الاستثناء: إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه, فكل الأفراد واجبة الاندراج, وكونه إخراجا هو ما ذهب إليه متقدموا أهل اللغة, وأكثر الأصوليين, قال الطوفي في شرح مختصر الروضة (2/ 582): ( أن متقدمي أهل العربية عرفوه بالإخراج، قال ابن جني، وحسبك به مقدما في هذا الشأن: الاستثناء: أن تخرج شيئا أدخلت فيه غيره، أو تدخله فيما أخرجت منه غيره، وحينئذ يجب المصير إلى ما قالوه)

 إلا أن المراد بالعموم هنا ما هو أعم من المعنى الاصطلاحي, فيدخل فيه: ما كان له أفراد وأجزاء من كل, كـ: صمت هذا الشهر إلا يوما, وأكلت السمكة إلا رأسها, وعندي عشرة إلا دينارا.

ومن باب أولى: ما كان من دلالة الكلي على جزئياته مستغرقًا لها, كـ: أكرم الطلاب إلا زيدا.

قال القرافي في شرح تنقيح الفصول (ص: 237) لما تكلم عن الاستثناء: (في حده

وهو عبارة عن إخراج بعض ما دل اللفظ عليه ذاتاً كان أو عدداً أو ما لم يدل عليه، وهو إما محل المدلول أو أمر عام بلفظ إلاّ أو ما يقوم مقامها، فالذات نحو رأيت زيداً إلاّ يده، والعدد أما متناه نحو له عندي عشرة إلاّ اثنين، أو غير متناه نحو اقتلوا المشركين إلاّ أهل الذمة، ومحل المدلول نحو أعتق رقبة إلاّ الكفار، وصل إلاّ عند زوال الشمس.

إن قلنا إن الأمر ليس للتكرار، فإن الرقبة أمر مشترك عام يقبل أن يعين في محال كثيرة من الأشخاص، فإن كلّ شخص هو محل لأعمه، وكذلك العمل حقيقة كليّة تقبل الوقوع في أي زمان كان، والأزمان محل الأفعال والأشخاص محل الحقائق. والأمر العام نحو قوله تعالى: «لتأتنني به إلاّ أن يحاط بكم»  أي لتأتنني به في كلّ حالة من الحالات إلاّ في حالة الإحاطة بكم، فالحالة أمر عام لم يدل عليها اللفظ وكذلك محال المدلول ليس مدلولة اللفظ فإن فرعت على أن الاستثناء المنقطع مجاز فقط كمل الحد، فأنا إنّما نحد الحقيقة)

وقال ابن العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 14): ((قوله: مما لا حصر فيه) خرج أسماء العدد فإنه يصح الاستثناء منها لاستغراقها للأفراد لكن لما كانت محصورة لم تكن عامة عموما اصطلاحيا وفي التلويح فإن قيل المستثنى منه قد يكون خاصا اسم عدد نحو عندي عشرة إلا واحدا، أو اسما علما نحو كسرت زيدا إلا رأسه أو غير ذلك نحو صمت هذا الشهر إلا يوم كذا وأكرمت هؤلاء الرجال إلا زيدا فلا يكون الاستثناء دليل العموم أجيب بوجوه:

الأول: أن المستثنى منه في مثل هذه الصور وإن لم يكن عاما لكنه يتضمن صيغة عموم باعتبار ما يصح الاستثناء وهو جميع مضاف إلى المعرفة أي جميع أجزاء العشرة وأعضاء زيد وأيام هذا الشهر وآحاد هذا الجمع الثاني ذكر ما أشار إليه الشارح من الجواب بقوله ما لا حصر فيه إلخ.

الثالث: أن المراد استثناء ما هو من أفراد مدلول اللفظ لا ما هو من أجزائه كما هو في الصور المذكورة...)

ولا يرد عليه النكرة في سياق الإثبات كأكرم قوما إلا زيدا؛ لأن أفرادها لم تدخل, فزيد لم يتحقق دخوله في القوم حتى يخرج.

وهذا بخلاف ما عليه ابن مالك من تجويز الاستثناء من النكرة في الإثبات بشرط الفائدة نحو: جاءنى قوم صالحون الا زيدا.

فيتلخص مما سبق: وجوب تقدم العموم على أداة الاستثناء.

تنبيه: الأصل في العموم الاصطلاحي: الاستغراق وعدم التخصيص إلا بدليل أو قرينة, فالعام المخصوص خلاف الأصل.

قال ابن بدران في المدخل (ص: 240): (أقسام ألفاظ العموم المذكورة تقتضي العموم عندنا بقصد واضع اللغة إفادتها العموم ما لم يقم دليل أو قرينة تدل على أن المراد بها الخصوص فيكون من باب إطلاق العام وإرادة الخاص )

وقد جعل الأصوليون عدا الحنفية دلالة العام على أفراده من باب الظاهر, ولا يخرج عن الظاهر إلا بدليل.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق