[#حرية_الاعتقاد حقيقة أم خيال؟]
لابد عند الكلام عن حرية العقيدة من تحليل هذه العبارة وإدراك مقدماتها وهل هي مقدمات صحيحة؟
وهل هذه المقدمات يلزم منها النتيجة؟ أو لا تلازم بين المقدمات والنتيجة...
فنحن نخاطب جيلا انفتحت عليه الشبهات والتشككات ولم يعد يفلح معه الترهيب، وأصبح بعضهم لا يقبل الاحتكام إلى القديم
فنحتاج أن تتكلم منه بعقلانية منضبطة بالشرع عندنا
معنى هذه العبارة: أن للإنسان أن يعتقد ما يشاء؛ لأنه حر الإرادة والاختيار
فهل هو حقا حر الإرادة والاختيار؟
يصور المنادون بحرية العقيدة: أن للإنسان إرادة مستقلة عن كل قيد من الخارج
فالحياة حوله لا تؤثر في إرادته واختياره، ومجتمعه وبيئته وأرسرته وقراءاته والعالم الافتراضي الذي يعيشه ...
وهذا تصور خيالي ذهني لا حقيقة له خارج الذهن؛ لأنه لا إرادة للإنسان -المتبع لهواه- مستقلة عن مطلق القيد الخارجي، فإرادة الإنسان واختياره ناتجان عن ميوله، وميوله ناتج عن تصوراته
وهي تابعة للتأثير الخارجي من البيئة والصحبة ونحو ذلك ...
فتأثير الصحبة والإعلام ومواقع التواصل والمنظمات الدولية على تصور الإنسان وتحريف فطرته يؤثر على ميوله وإرادته
فيحسب أن ما اختاره: اختاره بإرادته، وهو في الحقيقة واقع تحت أسر ورق من حرف فطرته وأفسد تصوراته وأغلق عليه صحة نظره ومقتضى فطرته
وهذه هي عبودية الهوى قال تعالى:[ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان]
فمن أعظم عمل الشيطان هو: التزيين والإغواء.
والمقدمة التي تبنى عليها حرية الاعتقاد: أن الإنسان يملك نفسه وله أن يتصرف فيها على هواه ...
وهي مقدمة باطلة؛ فمن كان مخلوقا مربوبا وجد بعد العدم فإنه لا يملك نفسه ولا يستقل؛ بالضرورة العقلية والفطرية والحسية والشرعية.
وإنما يجب أن يكون في ذلك تبعا لما يريده منه خالقه ومولاه
وقد أعطى الخالق للعبد من الآلات وأقام من الأدلة ما يتمكن به من تصورات عقلية صحيحة وميول طبعي سليم
ولذا كانت الحرية الحقيقية إرادة ما يحبه خالقه الذي هو محتاج إليه في الوجود والبقاء
ولا تحصل هذه الإرادة إلا إذا استقام تصور العبد واستقامت فطرته
وقد خلق الله في العبد شهوة وخلق فيه ما يحكمها ويمنع من تغليبها
فجعل العقل المبني على فطرة سليمة وتصور حسن هو المانع من تغليب الشهوانية
فالاعتقاد المنحرف يمنع منه العقل المبني على تصور العقائد المنحرفة التي تناقض الفطرة والعقل والمستند على البدهيات والقطعيات
والشذوذ يمنع منه الفطرة السوية وما خلق الله عليه العباد من طباع تنفر من المثلية...
والخروج عن مقتضى الفطرة السوية والعقل السليم بهيمية لا حرية، قال تعالى:[أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليهم وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا]
وهذه البهيمية أضل من بهيمية الأنعام، ومن السفه أن تجعل حرية شخصية.
إلا أن الله عز وجل مكن العبد من الاختيار وجعل له إرادة وقدرة، وجعل تبين الرشد من الغي مغنيا عن الإكراه فقال سبحانه[لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي]
فسبب عدم الإكراه على الدين أن الرشد قد ظهر وتبين، من غير أن يُسَوِّغ للإنسان حرية الاختيار، وإنما أمره أن يختار الإسلام دون غيره
فكون الإنسان لا يكره؛ لظهور أدلة الحق لا يعني أن الله يأمر العبد أن يختار ما شاء أو يجوز له ذلك.
ولذا رتب حد الردة على من بدل دينه، وأمر بجهاد الكفار؛ لاختيارهم الكفر، وأمر ببغضهم وعدم موالاتهم...
وأما قوله:[فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر] فهو تهديد ووعيد.
وقد ختمها الله بقوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ).
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة