من الأصول الفاسدة عند بعض الناس الإلزام بتبديع شيخ بعينه, أو مجموعة شيوخ كـ(المشايخ الثلاثة), فمن لم يبدع من بدعه فلان فهو مبتدع, أو تحت المناصحة, أو محذَّرٌ منه
ويدلس بعضهم فيربط ذلك بالدليل, فمادام أن الشيخ المعين قد أقام الدليل فلا تسوغ مخالفته, فيجعلون رد تبديع فلانٍ من المشايخ ردا للدليل, وهذا من التدليس, وربطٍ للمسألة بغير مناطها؛ لأنهم يفرضون أن الشيخ المبدِّع الحق معه قطعا, والدليل يوافق قوله نصا, وقد يكون الأمر بخلافه
ثم لو فرضنا أن الحق معه قطعا, والدليل يوافقه نصا فقد يكون المخاطَب عنده شبهة, أو تاوَّل النص, فكيف يُلزم بالتبديع ويرمى بالبدعة؟!!
فعُلم من ذلك أن الإلزام يصح في حال ضيقة وهي:
1-أن يكون المبدَّع قد خالف أصلا من أصول اهل السنة, وأقيمت عليه الحجة وأزيلت عنه الشبهة.
فخرج بذلك من لم يخالف أصلا, أو لم تقم عليه الحجة
2-أن يكون الذي يراد إلزامه أيضا قد أقيمت عليه الحجة وأزيلت عنه الشبهة.
هذا في التبديع
وأما في المجالسة وعدم الهجر فيضاف إلى ما تقدم انتفاء المصلحة الراجحة.
ويكفي في بطلان هذا الأصل الفاسد, وهو الإلزام بالتبديع : نقضه
فعلماء أهل البخارى وكذلك الإمام مسلم لم يأخذوا بكلام الذهلي في الإمام البخاري وقد رماه باللفظ مع كون الذهلي إماما من أئمة أهل السنة وهو إمام أيضا من أئمة الجرح والتعديل.
فتحقق فيه وصف أنه إمام من أئمة الجرح والتعديل ومع ذلك لم يؤخذ بقوله.
جاء في سير أعلام النبلاء (12/ 463)
كتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة.
فقرأ كتابه على أهل بخارى، فقالوا: لا نفارقه، فأمره الامير بالخروج من البلد، فخرج. اهـ
هؤلاء الذين يلزمون بالتبديع حقيقة أمرهم أنهم ينزلون أقوال من ليس معصوما منزلة أقوال المعصوم, ويرتبون على أقوال من ليس معصوما ما يُرتَّب على أقوال من كان معصوما.
وهذا مزلق خطير
والواجب أن تكون أقوال من ليس معصوما تابعة لأقوال المعصوم, لا العكس.
قال ابن تيمية: (( فأقوال العلماء تابعة لقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, ليس قول الله ورسوله تابعا لأقوالهم ))
ومن أقوال العلماء المعاصرين في عدم الإلزام ما يأتي:
قال الشيخ الألبانــــي رحمه الله تعالى : « ليس شرطا أبدا أن من كفر شخصا وأقام عليه الحجة أن يكـون كـــل النـاس معه في التكفير ، لأنه قد يكون هو متأولا ، ويرى العالم الآخر أنــه لا يجوز تكفيـــره ، وكذلــك التفسيق والتبديع ، فهذه الحقيقة من فتن العصر الحاضر ومـــــن تسرع بعض الشبـــاب في إدعاء العلم . المقصود أن هذا التسلسل وهذا الإلزام غيـــــر لازم أبدا ، هذا باب واسع قـــــد يرى عالم الأمر واجبا ويراه الآخر ليس كذلك ، وما اختلـــــــــف العلمــــاء من قبل ومن بعد إلا لأنه من باب الاجتهاد ، لا يلزم الآخرين أن يأخذوا برأيـــــه ، الذي يلـــــزم بأخذ برأي الآخر إنما هو المقلد الذي لا علم عنده وهو الذي يجب عليــــــــــه أن يقلـد ، أما من كـان عالما فالذي كفّر أو فسّق أو بدّع ولا يرى مثل رأيه فلا يلزمه أبدا أن يتابع ذلك العالم»سلسلة الهدى والنور (778) الوجه الأول
وسُئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان :ما حكم الذين يلزمون الناس بتبديع بعض الدعاة وبناء الولاء والبراء على ذلك وهجر من لم يبدع ؟
فأجاب : لا تلتزم بهذا ولا تطيعهم في هذا ، قل أنا بريء من هذا ومعافيني الله من هذا ولا أدخل فيه ولا أعرف عنه شيء , نعم . اهـ
وغاية ما يحتج به هؤلاء الذين يلزمون: ما جاء عن بعض السلف من التحذير ممن يماشي أهل البدع وأنه يلحق به, ونحو ذلك
ولجهل هؤلاء يتشبتون بالالفاظ من غير معرفة للمعاني التي لأجلها جاء هذا التحذير, والحِكَم المقصودة منه
فيجيدون نقل الآثار من غير فهمٍ لها فهما صحيحا.
فهذه الآثار جاءت فيمن يعلم أنه مبتدع ومع ذلك يصاحبه ويواليه من غير سبب شرعي أو عذر معتبر.
فمن جالسهم وصاحبهم ممن يجب عليه هجرهم؛ لانتفاء مصلحة عدم الهجر , فلا يخلو :
1-أن يكون جهلا منه, فهذا يبين له خطر مجالستهم, وينصح.
قال أيوب رآني سعيد بن جبير جلست إلى طلق بن حبيب فقال لي: لا تجالسنه.
2-أن يكون سبب جلوسه أنه يدين ببدعتهم لكنه يكتمها, فهذا يلحق بهم.
وقد جاء عن ابن مسعود أنه قال:
( إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه, ومن هو مثله )
وليس من أجل مطلق المصاحبة والجلوس, وإلا لما سلم أحد من الأئمة إلا من شاء الله
ولو كان مناط التحذير ممن جالس المبتدع أو من بُدع: مطلق المصاحبة لما سلم المشايخ الذين يعظَّمون, فإننا نراهم في الجامعة الإسلامية يصافحون ويضحكون ويتحدثون ويعانقون من يرون أنهم من أهل بدع, والحزبين, فيلزم من ذلك أن نلحقهم بهم على هذا التأصيل.
وأخيرا: أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق