الرد على
المخالف
من
(حفظ الدين)
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن الله جل وعلا أرسل رسوله لإظهاره دينه وإعلائه, وشرع أمورا
وجودية لحفظه وإقامته, وأمورا عدمية لدرء ما يفسده, أو ينقصه.
وهذه الأمور منها ما هو مقاصد, ومنها ما هو وسائل.
ومن الأمور التي يحفظ بها الدين: الرد على المخالف.
والإنكار على المخالف والرد عليه من التعاون على البر
والتقوى, وقد أمر الله بالتعاون, قال تعالى: [وتعاونوا على البر والتقوى].
ومن تغيير المنكر, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر, قال
صلى الله عليه وسلم[من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم
يستطع فبقلبه, وهو: أضعف الإيمان ))
ويدخل: تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقد الله أمر بذلك, قال
تعالى: [ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ].
وهو من النصيحة, لا من الغيبة.
ويحقق مقصد الاجتماع على الحق.
وهو من الجهاد في سبيل الله.
عن محمد بن يحيى الذهلي: سمعت يحيى بن معين يقول: الذب عن السنة أفضل من
الجهاد في سبيل الله.
فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله، ويتعب نفسه، ويجاهد، فهذا أفضل منه ! ؟ قال:
نعم، بكثير. سير أعلام النبلاء (10/ 518)
وكان يحيى بن يحيى يقول : " الذب عن السنة أفضل من الجهاد " مجموع
الفتاوى (4/ 13)
وفيه المحافظة على المسلمين, وتقوية لهم على أعدائهم الكفرة, وهو مقدَّم
على قتال الكفرة إذا اقتضت المصلحة.
قال الحميدي – شيخ البخاري-: (( والله لان أغزو هؤلاء الذين يردون حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك )). سير أعلام
النبلاء (10/ 619)
وقال ابن هبيرة: (( وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين
والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ
رأس المال أولى )) فتح الباري لابن حجر (12/ 301)
وحكمه: أنه فرض كفاية.
ونفعه: متعدٍّ, لا قاصر.
قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل
البدع؟ فقال: (( إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع
فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل )).
علق ابن تيمية فقال: ((فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس
الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء
وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر
هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا
استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون
القلوب ابتداء )). مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (5/ 110).
وإذا كان فرض كفاية فمن قام به على وجهه وكان أهلا لذلك فالواجب
أن يُمدح ويؤزر ويناصَر؛ لأنه أسقط فرض الكفاية عن غيره.
وهنا أسئلة مهمة, وهي:
1-من المخالف؟
2- متى يكون الرد مشروعا؟
3- من المخاطَب بالرد؟
4-ما هي لغة الرد على المخالف؟
5-ما هي آداب الرد على المخالف؟
س1/من المخالف؟
-المخالف, هو: المسلم الذي خالف أصلا من أصول أهل السنة
والجماعة.
فليس المقصود مطلق المخالفة, وإنما هي مخالفة مخصوصة, وليس مدار الكلام
عمن خالف فيما يسع فيه الخلاف.
ولا يلزم من المخالفة, أو الرد على المخالف أن يكون المخالف
مبتدعا, فقد يكون مبتدعا, وقد يكون سنيا قد أخطأ.
وأما متى يكون الرجل مبتدعا؛ فقد بينتُ ذلك في
رسالتي:"تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف".
والسني إذا خالف أصلا لا يخلو:
1-أن ينتشر خطؤه, فإذا انتشر فلا يلزم النصح قبل الرد؛ لتقديم المصلحة
العامة على الخاصة, وإنما يبيَّن
الخطأ من غير نصحٍ- إذا ترجحت المصلحة -, ويكون ذلك بعلم وإنصاف وحفظٍ لكرامة
السني.
فالسني بشر
يخطئ, وقد تخفى عليه الأدلة, وقد لا يوفق إلى الحق.
ومراعاة
هذه الأمور من حفظ الشريعة؛
لأن أهل العلم هم نقلة الشريعة، والذين حفظ الله بهم الدين.
ولا يلزم من الرد:
التبديع أو الطعن.
2-ألا ينتشر الخطأ, فهنا يناصَح ويبيَّن له, فتراعى
المصلحة الخاصة.
س2/متى يكون الرد مشروعا؟
-الرد يكون مشروعا إذا حقق مقصد الشارع, والمقصد الذي يرجع
إليه الرد هو: حفظ الدين.
فالرد وسيلة, والوسائل لها أحكام المقاصد.
ولما كان مقصد: حفظ الدين واجبا كان ما توقف عليه حفظ
الدين واجبا.
وإذا خرج الراد بالرد عن مقصده تغير حكمه.
والخلاصة: أن الرد يُنْهَى عنها إذا كان ممن لا يقوم بواجبه,
أو كانت فيه مفسدة راجحة.
والرد على المخالف يدور
على تحقيق المصلحة الراجحة.
والمصلحة هنا: إبقاء الشريعة صافية نقية, كما أنزلها الله سبحانه.
وعليه: فلا ينظر إلى مكانة المردود عليه ومنزلته؛
لأن حفظ الشريعة مقدَّمٌ على مصلحة الشخص.
س3/من المخاطَب بالرد؟
-المخاطَب بالرد, هم: أهل العلم الذين يعرفون أصول أهل السنة
وأدلتها, والأقوياء في الحجة, والقادرون على إزالة الشبهة.
فهؤلاء هم الذين تتحقق بهم مصلحة الرد على المخالف.
ولابد من القوة في بيان الحق
ورد الباطل مع الإخلاص.
قال الذهبي في سير
أعلام النبلاء (11/ 234): (( الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا
قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا، فهو صديق.
ومن ضعف، فلا أقل
من التألم والإنكار بالقلب.
ليس وراء ذلك
إيمان، فلا قوة إلا بالله )).
وأما من كان ضعيفَ
العلمِ بالحُجَّةِ ولا يستطيع إزالة الشبهة, وليس عنده قوة
فإنه يُنْهَى عن الرد؛ لأنه سيفسد, ويضر المردود عليه, ويضر المسلمين بلا منفعة.
قال الذهبي في سير
أعلام النبلاء (11/ 82): (( فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على
المنابر )).
س4/ما هي لغة الرد على المخالف؟
-لغة الرد على
المخالف يجب أن تكون علمية, بعيدة عن الطعن والسب, فلغة
العلم هي لغة الرد؛ لتتحقق المصلحة بها.
وتكون بأصول أهل
السنة والجماعة, لا بأصول أهل البدع, والهوى.
وتستعمل فيها
الأدلة النقلية والعقلية, وتُرتَّب الحجج ترتيبا واضحا بعد تصوير الخطأ, و على وجهه,
وتحرير محله.
وكلما كان القول
المخالف أبعد عن أصول أهل السنة كان أيسر في الرد, وإبطال ما يستند عليه من شبه.
وينبغي أن يكون
الرد ابتداء متوجها إلى أصول القول؛ لأن الأصول إذا فسدت فسد ما كان فرعا لها, وهو
القول نفسه.
وبيان فساد الأصول
يكون بـ:
-إفساد مقدمات
الأصول, ويكون ذلك بطرق مبسوطة في محالها.
س5/ما هي آداب الرد على المخالف؟
-آداب الرد على
المخالف كثيرة, منها:
1- الإخلاص.
2-أن يكون الباعث
على الرد: نصرة دين الله, لا نصرة النفس أو من يعظِّم من الأشياخ.
3-العدل والإنصاف.
4-الحكمة.
5-إعمال المصالح
والمفاسد.
6-عدم التعدي
والبغي.
7-التثبت من القول
المخالف ونسبته للمخالِف.
8-إعطاء المخالِف
حقه الشرعي, وإنزاله منزلته, فليس من كان مجتهدا كمن كان مكابرا معاندا, وهكذا.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
23-6-2437هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق