الجمعة، 29 أبريل 2016

من أوجه الشبه بين غلاة التكفير وغلاة التجريح


من أوجه الشبه بين غلاة التكفير
وغلاة التجريح

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن المقصد من إثبات المشابهة بينهما من وجه دون وجه هو: التنفير من الفعل المحدث, وبيان خروجه عن منهج السلف الصالح.
ولا يفهم من إثبات المشابهة من وجه: المطابقة والمماثلة.
وإن من ضلال غلاة التكفير:
1-المسارعة في التكفير, وهذه الخصلة اشترك فيها الخوارج قديما وحديثا.
ومن أمثلة مسارعتهم في التكفير: ما جاء في الكامل في اللغة و الأدب (3/ 206)
أن مولى لبني هاشم جاء إلى نافع، فقال له: إن أطفال المشركين في النار، وإن من خالفنا مشرك، فدماء هؤلاء الأطفال لنا حلال، قال له نافع: (( كفرت وأحللت بنفسك ))
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم يسارعون إلى التبديع والتحذير من غير بينةٍ شرعية, ولا تحقيقٍ للمناط الشرعي.
2-تنزيل النصوص التي نزلت في الكفار على المسلمين.
فقد جاء في شرح السنة للبغوي (10/ 233): (( وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين )).
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم ينزلون نصوص السلف في المبتدعة على أهل السنة ممن يخالفونهم.
3-الطعن في أهل العلم من أهل السنة, ورميهم بالتهم والبدع.
ففي مسند أحمد (2/ 85): (( ...فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس، فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم، قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه:[ قوم خصمون ] فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله ...))
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم يطعنون في مشايخ أهل السنة, ويرمونهم بالبدع, ويحذرون منهم ومن دروسهم.
وكل ما ذكرته عن غلاة التجريح يشهد به الواقع, فهو مقطوع به حسا.
وقد انتقل هذا التشابه من تشابه في الأقوال والأفعال من وجه إلى تشابه في الأصل الذي تفرعت منه الأقوال والأفعال, وهو تشابه من وجه دون وجه.
فغلاة التكفير انطلقوا من أصل فاسد, وهو: أنه لا يجتمع في الإنسان إيمان وكفر, وحب وبغض, وموالاة ومعاداة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 353): (( وطوائف " أهل الأهواء " من الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة كراميهم وغير كراميهم يقولون : إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق ...))
وهذا الأصل الفاسد ترده الأدلة, وليس هذا محل بسطها.
وغلاة التجريح انطلقوا من أصل فاسد, وهو: أنه لا يجتمع في الإنسان سنة وبدعة, وحب وبغض, وموالاة ومعاداة.
قال ابن تيمية في بيان مخالفة هذا الأصل لاتفاق أهل السنة في مجموع الفتاوى (28/ 209): (( وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خير وشر, وفجور وطاعة ومعصية, وسنة وبدعة : استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير, واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر, فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة, فيجتمع له من هذا وهذا, كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته .
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة, وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه ...))
وأما احتجاج من احتج بأن السلف هجروا أهل البدع, وذموهم.
فليس في هذا نفي أن تجتمع فيهم سنة وبدعة, وأنهم يستحقون الموالاة بقدر ما عندهم من خير, والمعاداة والعقاب بحسب ما عندهم من الشر, وإنما غاية ما يدل عليه صنيع السلف: تقديم مصلحة عقوبتهم وهجرهم وتغليبها على مصلحة عدم عقوبتهم؛ لرجحان المصلحة.
فغُلِّب جانب عقوبتهم على جانب عدم عقوبتهم؛ للمصلحة الراجحة, ولتحقيق مقصد الشارع من العقوبات.
كما أن هناك فرقا في العقوبة بين الداعية وغير الداعية.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 205): (( ... وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة : إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون .
فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية ؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرا من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم ))
ومن موالاة المبتدع: الترحم عليه, والصلاة عليه إلا لمصلحة راجحة.
ولا تلازم بين إثبات اجتماع سنة وبدعة في الشخص, واستحقاق المولاة والمعاداة وبين الهجر والقطيعة, وتلقيبه بالمبتدع.
فالبابان مختلفان.
كما أنه لا يلزم من إثبات وجود سنة وبدعة في الشخص أن يكون سنيا مبتدعا, أو أنه لا يخرج أحد من السنة, كما يروجه البعض ممن لا يفقه الكلام على وجهه؛ ذلك أن وجود شعبة من شعب السنة لا يلزم منها أن يكون صاحبها سنيا مع وجود البدعة التي ترفع الاسم.
ومن ذلك: الخوارج الأول, فقد كانوا يثبتون صفات الله سبحانه.
فكانوا على السنة في هذا الباب, لكن لما وجدت فيهم بدعة رفعت الاسم عنهم: كانوا مبتدعة.
وقُل مثل ذلك في المعتزلة الأول.

فهذه بعض الأوجه, ولا خروج منها إلا بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح, وفهم كلامهم فهما صحيحا.
ثبتنا الله على السنة.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق