الأحد، 19 مايو 2024

متى تتعين إغاثة الملهوف؟

 


1-من الخطأ أن ينطلق أحد من أن إغاثة الملهوف يعتبر (فرض عين) على كل مكلف ابتداء حتى (تحصل الإغاثة) يقينا أو على غلبة الظن , وأن (الخطاب) يتوجه إلى (كل معين حال وروده), ثم ينظر بعد ذلك في الكفاية فإذا لم تحصل فهو (واجب عيني) في حق كل مكلف, 

بمعنى أنه يتعين عندهم في حالين: حال ورود الخطاب وحال عدم حصول الكفاية, وهذا تخبط عجيب!!


2-وإنما الذي يقرره أكثر الأصوليين أن (التعين) منوط بغلبة الظن, ولا يؤخذ من ورود الخطاب.


3-معرفة تعين الواجب الكفائي من أدق مسائل العلم, ويحصل الخلط عندما لا يفرق من (يجب عليه) الفعل المأمور به ومن (يتعين عليه) ويقع منه الامتثال, ولذلك أنكر قولي: "لا يجب دفع المال إلا إذا تعين.."


4-جعل جمهور الأصوليين مدار (التعين) الذي هو تكليف المعين على غلبة الظن, ولم يجعلوا مداره على (توجه الخطاب), بمعنى أن تَعَيُّن الفعل ليس على كل أحد وإن كان الجميع مخاطبا بالوجوب من حيث هو جميع, فالله خاطب الجميع على السوية من غير أن يقصد صدور الفعل من كل واحد منهم, ولا من واحد بخصوصه, فلم يقصد بالذات عين من يتولاه. ولكن بالفرض إذ لا بد للفعل من فاعل, فهو إنما قصد إيقاع الفعل في الخارج من أي واحد منهم, فلا يتخصص ولا يتعين على واحد بعينه إلا بمرجح خارجي.

قال المرداوي في التحبير شرح التحرير (2/877): (فائدة: إذا قلنا تعلق بالجميع, فهل معناه: أنه يتعلق بكل واحد, أو بالجميع من حيث هو جميع؟ مقتضى كلام الباقلاني الأول, ومقتضى كلام الأكثرين الثاني)

وقال ابن باديس في مبادئ الأصول (ص24): (ثم الخطاب التكليفي...وإن كان بما تتوقف عليه مصلحة المجموع ومصلحة الفرد من حيث إنه جزء من المجموع توجه للمجموع, وسمي الخطاب خطابا كفائيا)


5-هذه المسألة يغيب تأصيلها على أهل #التحريض والتهييج ومن عُرف بالتكفير المنفلت, والذين يسارعون إلى تأثيم آحاد الأمة بمجرد ورود الخطاب وإطلاقه من غير تحقيق تعينه. 


6-وجوب إطعام الجائع الذي يقرب من الهلاك: حكمه أنه واجب وجوبا كفائيا, والواجب الكفائي لابد فيه من (مأمور يتوجه إليه الخطاب), فالخطاب يتوجه ابتداء إلى (جميع الأمة من حيث هو جميع), فيتعلق الحكم بذمة الجميع ويتساوون في الخطاب من غير أن يتعين على فرد فرد, كما هو مذهب جمهور الأصوليين...


7-احتجنا إلى تقييد الجميع بكونه من حيث هو جميع؛ لبيان عدم مطلوبية الإتيان به من كل فرد؛ لأنه متى وجد الفعل في الخارج تحقق المقصود وسقط الوجوب, ولو جعلنا العموم في الأفراد المخاطبين بالوجوب من العموم الاستغراقي لاقتضى ذلك أن يتعين على كل فرد, وأنه إذا أتى به من يكفي أمكن توجيه الخطاب إلى غيرهم, وهذا ينافي حقيقة الكفائي.


8-ليس المقصود بكونه جميعا من حيث هو جميع أن المخاطب به المجموع على سبيل الاشتراك والانضمام, بأن تشترك فيه الأمة


9-وجه استحقاق العقاب جميع الأمة إذا لم يقم به أحد فهو: عدم تحقق مقصود الشارع وهو إيجاد الفعل, لا أن استحقاق العقاب راجع لوجوب فعله من كل فرد فرد...


10-كون الخطاب متوجها إلى الجميع من حيث هو جميع لا يعني ذلك تعينه على كل فرد من الأمة, وإنما يتعين بأسباب أخرى, كما لو غلب على ظن الفرد المعين أنه لم يقم به غيره فهنا يتعين عليه بناء على هذا السبب, وكذلك إذا شك في قيام غيره به فيتعين عليه؛ ذلك أنه لما كانت ذمة جميع الأمة من حيث هو جميع مشغولة بالوجوب لم تبرأ الذمة بالشك...


11-ثم إنه لا يكفي في إلزام العبد بالفعل أن يغلب على ظنه أنه لم يقم به غيره, بل لابد مع ذلك من تحقق الأهلية وعدم المانع, فوجوب كل واجب مناط بشروط ومنها العلم والقدرة الشرعية. 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق