اعترض بعض المتكلفين على مسألة أول واجب على العباد, بعدة اعتراضات منها:
أولا: أنه سؤال محدث؛ لأنه لم يرد في النصوص الشرعية بلفظ السؤال, وإنما أحدثه المتكلمون.
ثانيا: أن السؤال في نفسه بهذا الإطلاق غير صحيح, وإنما يخاطب به من أراد الدخول في الإسلام, فيكون الجواب الصحيح هو أن أول واجب في حق من لم يدخل الإسلام هو الشهادتان, وليس جوابه التوحيد بإطلاق..
ومنشأ الغلط عند هؤلاء: فهمهم أن المخاطب بالسؤال كل مكلف بعينه على كل حال.
وجوابه:
أولا كون السؤال محدثا من جهة ألفاظه لا يعني حدوثه من جهة معناه, فقد جاء بمضمون السؤال وجوابه الحديثِ الصَّحِيحِ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ لما بعَثَهُ إلى اليمن: (( إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ...)), والسؤال وجوابه من الأسئلة المميزة والفارقة بين أهل الحديث وغيرهم؛ فصح تلقينه الأطفال وغيرهم, ولا يلزم من حدوث السؤال أن نترك مخاطبة الناس به, وإذا منعنا السؤال لكونه محدثا فلنمنع السؤال عن القرآن أمخلوق أو لا؟ ووو
ثانيا: إن المقصود بهذا السؤال في باب العقائد: بيان العلم الواجب ابتداء على العبد من حيث الإطلاق,
بمعنى أن المقصود من ذكره في باب العقائد بيان أن التوحيد أول الواجبات على الإطلاق, فصارت مسألة أول واجب على العبد عنوانا على أن التوحيد أولا, هذا هو المقصد الأصلي.
والمخاطب بهذه الأولية: العبد من حيث هو مكلف لا باعتبار آخر؛ لوجوب وجود التوحيد عند التكليف, فإذا وجد منه قبل البلوغ كفاه ولا يطالب بتجديده؛ لأنه موجود عنده بعد البلوغ.
فأول ما يؤديه العبد من الواجبات: التوحيد, وهي أولية مطلقة في الواجبات, والمخاطب بذلك العبد من حيث هو مكلف, وليس المخاطب به كل مكلف على كل حال.
وإنما لا يصح الإطلاق إذا كان المقصود المخاطب به المكلف على كل حال, وهذا غير مقصود, وهو منشأ الغلط.
وقد اختلفت أنظار الناس في الأولية المطلقة بحسب عقائدهم, فأوجب المتكلمون النظر على كل أحد باعتبار كونه مكلفا.
والذي عليه أهل الحديث أن أول ما يجب على العبد من حيث هو مكلف: التوحيد أو الشهادتان, فالأولية المطلقة للواجبات: التوحيد, وليس النظر والمعرفة: لأن معرفة الله فطرية, والمخاطب بذلك العبد من حيث هو مكلف, وليس المخاطب به كل معين
فعند التعيين تختلف الأولية في الواجبات بحسب أحوال الناس, فتكون أولية نسبية, فيجب على بعض الناس ابتداء ما لا يجب على غيرهم, فالأولية بالنسبة للمسلم المعين أن يأتي بالطهارة والصلاة؛ لكونه أتى بالتوحيد, وهكذا ...
قال ابن تيمية عند كلامه في التعيين: (فإنما يأمر العبد ابتداء بما لم يؤده من الواجبات دون ما أداه, فلم يخاطب المشركين ابتداء بالمعرفة إذا كانوا مقرين بالصانع وإنما أمرهم بالشهادتين, ولو لم يكونوا مقرين بالصانع فإنه لم يأمرهم بإقرار مجرد عن الشهادتين بل أمرهم بالشهادتين ابتداء والشهادتان تتضمن المعرفة...)
وتلقين الأطفال هذا السؤال ليس من باب أن إسلامهم متوقف على أن يعلموا السؤال وجوابه, أو أنهم لم يدخلوا في الإسلام بعد, وإنما يلقنون ما يجب عليهم اعتقاده من كون التوحيد أولا أولية مطلقة ويخاطب به العبد من حيث إنه مكلف, فإذا أتى به انتفت انتفت مخاطبته به لا لكون التوحيد ليس أولا وإنما لكونه قد أتى به...
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق