للتاريخ وفضح التآمر على الدعوة السلفية
[إمارة كُنَر الإسلامية (1990–1991) ]
🔹شهدت الساحة الأفغانية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حالة من الانقسام الحاد بين الفصائل، خصوصاً بعد انسحاب القوات السوفيتية. فقد كانت الصراعات قائمة بين قادة مثل حكمتيار (الحزب الإسلامي)، وبرهان الدين رباني، وأحمد شاه مسعود، وغيرهم. في خضم هذا التناحر برزت تجربة مختلفة في ولاية كُنَر بقيادة الشيخ جميل الرحمن رحمه الله، حيث أسس إمارةً إسلامية اتسمت بقدر من الاستقرار والنزاهة مقارنة ببقية المناطق.
🔹لم يكن الخلاف مع الشيخ جميل الرحمن مجرد "نزاع على السلطة"، بل كان صراعاً عقدياً ومنهجياً بين السلفية التي تبنّاها الشيخ، وبين تحالف الفصائل ذات المرجعيات المختلفة كالإخوانية وغيرها.
وقد قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه "مقتل الشيخ جميل الرحمن " : " فقد أخبرني بعض إخواني في الله أنه كان في بعض المعسكرات وسمع بعض الأفغان يقول : إذا انتهينا من الشيوعيين سنبدأ بالوهابية."
وهذا يكشف أن الصراع كان بالأساس ضد المنهج السلفي الذي جسّدته إمارة كُنَر.
🔹أعلن الشيخ جميل الرحمن إمارة كُنَر الإسلامية عام 1990م، مستنداً إلى منهج السلف الصالح في تطبيق الشريعة، ورافضاً إدخال الفكر الحزبي إلى المشروع الإسلامي.
وقد جاء إعلان الإمارة نتيجة فراغ سياسي وأمني، إذ لم تكن "الحكومة المؤقتة" التي شكّلتها بعض الفصائل تملك أي سلطة فعلية على الأرض.
🔹وعندما ضغطت الأحزاب على الشيخ لإجراء انتخابات، وافق أخيراً وأقيمت الانتخابات، ففاز بها الشيخ وأُعلن أميراً لإمارة كُنَر. لكن النتيجة لم ترضِ الأحزاب، فبدأت المؤامرات والتحريض ضده بسبب منهجه السلفي.
يذكر الشيخ مقبل الوادعي: "...(...الأحزاب السبعة تمالأت والحمد لله عندنا وثائق قدر مجلد صغير وصلت هذه الوثائق في اليوم الثامن من ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وألف (8 ربيع أول 1412?). وبعد ذلك اتضحت الحقيقة، وعرف الناس أنه أمر متواطأ عليه بين الأحزاب كلها، وبين الإخوان المفلسين وإلا فما معنى المقابلة التي نشرتْها جريدة (الصحوة) لا بارك الله فيها مع (حكمتيار) وتسأله عن ولاية (كنر)؟ فيقول: (إن بها عملاء لأعداء الإسلام). ..."
وقد ظهر ذلك جلياً في مقابلة نشرتها جريدة الصحوة مع حكمتيار، حيث وصف ولاية كُنَر بأنها تضم "عملاء لأعداء الإسلام".
🔹وقد كان للدكتور عبد الله عزام دور في عدم إيصال المساعدات إلى الشيخ جميل الرحمن، والتشويش عليه، وقد عقّب الشيخ الألباني رحمه الله على ذلك قائلاً:
"عبد الله عزام مع الأسف يعني مع أنه عنده اتجاه سلفي ، لكنه مغلوب بالإخوانية أي نعم ، يعني الحزبية هذه من الصعب أن الإنسان يتخلى عنها ."
🔹وفي أجواء التحريض الإعلامي ضد الإمارة، عاش شاب مصري يُدعى عبد الله الرومي في صفوف الحزب الإسلامي (حكمتيار)، وكان يعمل صحفياً في مجلة الجهاد الصادرة عن مكتب الخدمات في بيشاور.
أُقنع الرومي بأن الشيخ جميل الرحمن هو العقبة الوحيدة أمام إقامة "دولة إسلامية" بقيادة الحزب الإسلامي، وأنه يفتت الصف الأفغاني.
فتمكّن القاتل صباح يوم الجمعة من دخول بيت الشيخ بحجّة السلام عليه، فجلس ينتظر حتى يفرغ الشيخ من اجتماعه. وبعد أن انتهى الشيخ من مجلسه جلس في ساحة البيت مترقبًا وقت الصلاة، فإذا بالقاتل يدنو منه ويطلق عليه الرصاص الغادر.
لقد توهّم هؤلاء أن بقتل الشيخ ستنطفئ جذوة الدعوة السلفية، تلك الدعوة المباركة التي ما زالت تُحارَب إلى يومنا هذا على أيدي الماتريدية الصوفية المتعصبة للمذهب الحنفي.
كان الخلاف بين الشيخ جميل والفصائل الأخرى خلافًا عميقًا في العقيدة والمنهج، لا مجرد خصومة سياسية. فقد أبى الشيخ المزايدات الحزبية والانتماءات الضيقة، وتمسك بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح. وكونه قد انتسب في بداياته إلى صفوف حكمتيار لا ينفي أن الخلاف العقدي قد ظهر لاحقًا، حين تكشّفت الممارسات المخالفة للشريعة.
وقد شهد المشايخ الثلاثة: الألباني وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، بصفاء دعوته ونبل مسعاه، فما كانوا يومًا ضد الشيخ أو ضد منهجه السلفي، بل أثنوا على جهوده ودعوا إلى الصلح وحقن الدماء..
إن إعلان الإمارة لم يكن مؤامرة خارجية ولا إملاءً سياسيًا، بل كان قرارًا ذاتيًا اتخذه الشيخ بعد أن مكّنه الله من أرض كنر، ليقيم شرع الله ويُظهر السنة. وكل من عايشه يشهد بزهده واستقلاله ووضوح دعوته، بعيدًا عن دهاليز المخابرات ومكائد السياسة.
د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/19901991.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق