الاثنين، 8 ديسمبر 2025

#توصيف_معركة_الأمة (معركة الأمة هي في إصلاح الداخل وتهيئة الأمة للوقوف أمام العدو الخارجي )

يكشف واقع المسلمين اليوم عن تفرّقٍ وتنازعٍ بين الفرق والطوائف والجماعات لاختلاف المعتقدات والمناهج، في الوقت الذي يوجّه فيه الاستعمار الحديث والهيمنة الغربية عداءهما إلى الإسلام وأمّته جمعاء دون تمييز. 


هذا الواقع دفع بعض الجماعات والأفراد إلى طرح خطابٍ تجميعيٍّ يدعو إلى استيعاب جميع مكوّنات الأمة من رافضة وجهمية وأباضية ومعتزلة وصوفية وإخوان ووو على ما يسمونه أصول الإسلام الكبرى، بعيدا عن خطاب الطائفة والتحذير من المخالف ... 


وهذا الطرح في ظاهره يبهج العقول ويحرّك العاطفة، إلا أنك إذا حللته وجدت أنه يدعو كل طائفة إلى السكوت عن الدعوة إلى مذهبها، وإذا أعطيت مجالا أوسع للطوائف فهو يسمح بدعوة كل فرقة إلى مذهبها إلا أنه يلغي أحكام التبديع والتفسبق ويلغي التمييز بين الفرقة الناجية وغيرها، إلى غير ذلك

فهذا الخطاب التجميعي لا يستقيم إلا بترك شيء من الدين...

وليس هو مقصورا على ترك العنف واستعمال الألفاظ الخارجة عن أدب العلم وأهله كما صوره بعضهم...!!! 


ومن مزالق هذا الخطاب أنه يصور أن الذي يُخرج الأمة من ضعفها هو تجميعها على ما سموه أصول الإسلام الكبرى مهما اختلفت الفرق والجماعات فيما دون تلك الأصول ولو خالفوا الكتاب المستبين والسنة المستفيضة والإجماع القطعي..!!!! 


بعد هذا التحليل نسأل: هل هذا الخطاب دعت إليه الشريعة؟ وهل يمكن تحققه في الواقع أو هو مجرد خيال؟ 


أولا: إنَّ الذي أمرنا بالاجتماع وإعداد العدة لإرهاب أعداء الله هو الذي أمرنا بالاجتماع على أصول أهل السنة ومنهجهم كما قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» [آل عمران: 103]....وهو الذي حذرنا من البدعة وأهلها...وأمر بالولاء والبراء على السنة... واستعمال أحكام التبديع والتفسيق والتكفير إذا وجد موجبها الشرعي..

وهو الذي أمرنا عند ظهور البدع أن نبين حقيقة البدعة ونحذر الأمة منها ومن أهلها، ... ولا يمكن أن يقع تعارض حقيقي بين أوامر الله سبحانه، فضلا عن التناقض والاختلاف.. 


ثانيا: إن التحذير من أهل البدع بضوابط الشرع ليس صراعًا حزبيًا ولا تعصبًا طائفيًا، بل هو امتثال لأمر شرعي، يُراد منه صيانة الدين وحماية السنة. 


ثالثا: إقامة الواجب الشرعي لا تتحقق في الأصل إلا بمن سلمت أصوله وصح منهجه، ولهذا كان السلف أشدَّ ما يكونون حرصًا على تصحيح العقيدة والتحذير من أهل الانحراف وحضوا على هجرهم إذا اقتضت المصلحة الراجحة

إلا أنهم أجازوا التعاون في البر مع أهل البدع في الحالات العارضة التي لا يمكن تحقيق الواجب إلا بهذا التعاون، كما قال ابن تيمية: «فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس»

فهذه حال طارئة ومصلحة عارضة، ويغلط من يجعل العارض أصلا ثابتا، ويخاطب الناس به في جميع الأحوال ... 


رابعا: إن وجود الهيمنة الغربية والاستعمار الحديث ليس مسوّغًا شرعيًا مطلقًا لاجتماع الفرق والطوائف والجماعات على ما يسمونه “أصول الإسلام الكبرى” دون تصحيح الانحراف العقدي والتحذير من الخطأ وأهله..

فالإصلاح يبدأ من تحقيق التوحيد والاتباع؛ لأن فقدان النقاء العقدي هو الذي جعل الأمة مهيمنة عليها. 


وعليه

فـالمعركة الحقيقية مزدوجة:

داخلية: لتصحيح العقيدة والمنهج، وخارجية: لمواجهة الهيمنة والاستعمار.

ولا يمكن خوض الثانية بنجاح حقيقي قبل إصلاح الأولى. 


خامسا: أثبت الواقع أن هذا النوع من الخطاب هو خيال لا يمكن تحققه إلا في الحالات الطارئة والعارضة، وليس هو مما يريده الله شرعا، فانتفى فيه الوقوع والإرادة الشرعية... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق