هل ثبت الإجماع على كفر تارك الصلاة كسلا؟
وهل يسوغ فيها الخلاف؟
إن الناظر في أقوال أهل العلم في هذه المسألة يجد أن من الأئمة من حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة
ومن تلك الإجماعات المحكية قول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رواه الترمذي (2622)
وقول إسحاق بن راهويه :" هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا "
"الاستذكار" (2 /150) .
وقول أيوب السختياني:(ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) تعظيم قدر الصلاة للمروزي(٢/٩٢٥)
ومنهم من حكى الخلاف فيها...
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك ،
واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها ، وهو على القيام بها قادر " انتهى من "الاستذكار" (2 /149) .
ولما كان الإجماع أنواعا ويختلف قوة وضعفا
أمكن حمل الإجماع المحكي في هذا الباب على نوع من أنواع الإجماع بالنظر إلى الآثار المنقولة في الباب
لأن ظاهر المنقول عن بعض الصحابة هو تكفير تارك الصلاة
ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة
وهذا يعد إجماعا سكوتيا في الصنعة الأصولية...
وهذا النوع من الإجماع اختلف العلماء في حجيته
وهو عند من احتج به ظني وليس قطعيا؛ لاحتمالية وجود المخالف واحتمالية أن يكون سكوته على غير رضا.
ولذا لم يجمع أصحاب الحديث على هذا الإجماع المحكي في كفر تارك الصلاة كما أجمعوا على أن القرآن غير مخلوق وأن الإيمان قول وعمل...
فيخطئ من يسوي بين الإجماعين ويعاملهما معاملة واحدة
كمن يسوي بين مسألة إثبات استواء الله على عرشه
ومسألة الخلو من العرش!!
وهو منشأ الغلط عند من نفى تسويغ الخلاف في هذه المسألة-كفر تارك الصلاة-!!
فعدم إجماع من صحت عقيدته ولم يدخلها الإرجاء مع احتمالية الأدلة ووجود المخالف من الصحابة يجعل المسألة ظنية ويجعل الإجماع المحكي فيها ظنيا...
ومن العلماء من تعامل مع هذه الإجماعات المحكية إما بإثبات علة تقدح في حجية بعضها
أو بنقضها بإثبات وجود المخالف في بعضها الآخر.
فيتلخص لنا أن الإجماع المنقول ليس قطعيا، وأن المسألة يصح فيها الخلاف من أوجه:
١-أنه إجماع لا يخلو من نظر، وأما آثار الصحابة فتحتمل الإجماع السكوتي..
٢-أن أصحاب الحديث المعتنين بالآثار لم يجمعوا على كفر تارك الصلاة، قال محمد المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٩٣٦):(قد حكينا مقالة هؤلاء ابذين أكفروا تارك الصلاة متعمدا، وحكينا جملة ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث
وقد خالفهم جماعة أخرى من أصحاب الحديث...)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 73):(وهو المنقول عن جماهير السلف لقول الله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة ... )
وقال في المجموع (20/ 97):(وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين)
٣-ممن نقل عنه عدم تكفير تارك الصلاة: ابن شهاب الزهري كما ذكر ذلك المروزي (٩٥٦) الذي كان من أعلم الناس بآثار الصحابة
عن صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، فقال: تعال نكتب السُّنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة، قال: فكتب ولم نكتب، فأنجح وضيَّعت.
٤-جمهور أصحاب مالك والشافعي ينسبون إليهما عدم التكفير بترك الصلاة، وأهل المذهب أدرى بروايات صاحب المذهب من غيرهم
وسواء صح عنهما أو لا فقد ثبت ذلك عن جماعة من أهل الحديث؛ مما ينفي قطعية المسألة، ويثبت نقض الإجماع بوجود المخالف من السلف.
٥-استقر الأمر عند الفقهاء على حكاية الخلاف وتسويغه.
وليس المقام مقام ترجيح وإنما المقام مقام تنبيه على نوع المسألة.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق