ملخص
#من_هو_السني؟
المسلم لا يكون سنيا إلا إذا وُجد فيه موجِب كونه سنيا, فمن تخلف فيه هذا الموجب فهو وإن كان مسلما إلا أنه لا يكون سنيا, فكل سني مسلم وليس العكس, وأما العلاقة بين السني والمبتدع فعلاقة تقابل, بحيث إذا وجد أحدهما ارتفع الآخر, كما أن معرفة حقيقة المبتدع متوقفة على معرفة حقيقة السني؛ لأنهما حقيقتان متضادتان, وهذا يدلك على أهمية معرفة موجِب كون المسلم سنيا.
والمستقرئ كلام أئمة أهل الحديث يجد أن السني المعين عندهم: من سلمت له المنظومة الاستدلالية, بأن يعتمد على الكتاب والسنة والإجماع اعتمادا كليا في جميع أبواب الدين.
سواء اعتمد عليها في نفس الأمر أو بحسب ظنه واعتقاده.
فالتسمية بالسني تعتمد على ما كانت عليه الجماعة في القرون الثلاثة وطريقتهم في الاستدلال, وأما المخالف لطريقتهم ومنظومتهم الاستدلالية فهو الذي يسمى مبتدعا ولا يكون سنيا.
فسلامة المنظومة الاستدلالية الشرعية تقوم على التسليم لظاهر النص الشرعي والإجماع من غير أن يعارضا بآراء الرجال وعقولهم في جميع أبواب الدين.
وتبديع المعين مباشرة ينظر فيه لعدم تحقق موجب كونه سنيا؛ ذلك أنه إذا انتفى موجب كونه سنيا قام به مباشرة موجوب كونه مبتدعا, فاستحق التبديع مباشرة ولم يعتبر فيه مانع الجهل والتأويل
فإن قيل: لم اعتبرتم المانع فيمن سلم له مصدر التلقي ولم تعتبروه فيمن لم يسلم له وتلبس ببدعة كفرية أو مفسقة؟
قيل: لم نعتبر المانع فيمن لم تسلم له المنظومة الاستدلالية لأنه يصاحبها التقصير واتباع الهوى...
واعتبرناه فيمن سلمت له المنظومة الاستدلالية وتلبس ببدعة إذا تحققنا أنه ليس متبعا لهواه..
ولا يشكل على هذا التقرير ما ورد عن بعض السلف من الحكم على الرجل بكونه مبتدعا عينا؛ لبطانته.
أولا: هذه الآثار محلها المعاشرة والمخالطة والمودة لمن عرف حالهم.
ثانيا: أن المعاشر لهم والمخالط لغير مصلحة شرعية راجحة لا يخلو من حالين:
الأول: أن يقول بقولهم وينطلق من منظومتهم فهذا يلحق بهم اسما وحكما....
الثاني: أن يقول بقول أهل السنة وينطلق من منظومتهم الشرعية إلا أنه يجالس المبتدعة ويخالطهم لغير مصلحة الشرعية فهذا يلحق بهم في الحكم لا في التسمية, فيعامل معاملة أهل البدع.
فإن قيل: هل التبديع تفسيق؟
قيل: التبديع تفسيق اعتقادي؛ لأن البدعة فسق اعتقادي, قال ابن القيم: (وفسق الاعتقاد, كفسق أهل البدع)
إلا أن لفظ المبتدع قد يطلق على معنى من وقع في بدعة – وهو قليل الاستعمال-, فتراهم مثلا يقولون: مبتدع كافر ومبتدع غير كافر, أو هذا المبتدع: كافر, كما يطلق الأئمة على المعين بأنه جهمي ويعنون به وافق جهما في قوله, ولا يريدون الحكم عليه.
ويطلق المبتدع على معنى الفسق الاعتقادي, وهو الذي كثر استعماله عند السلف والأئمة, فيعنون بكونه مبتدعا أنه فاسق من جهة الاعتقاد, فلا يجمعون بينه وبين الكفر في المعين, فلا يقولون في مقام الحكم: مبتدع كافر, كما لا يحكمون على المعين بأنه فاسق كافر, ويعنون بالفسق ما دون الكفر.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2024/07/blog-post_27.html
السبت، 27 يوليو 2024
من هو السني؟
الجمعة، 19 يوليو 2024
حديث الجارية أين الله؟
ورد هذا الحديث بعدة ألفاظ, فقد ورد بلفظ "أين الله" فكان جوابها "في السماء", وورد بلفظ "أين ربك" فأشارت إلى السماء, وورد بلفظ" أفتشهدين أ ن لا إله إلا الله فأجابت :نعم"
وهذه الروايات أخرجها أحمد في مسنده وغيره,
فرواية «أين الله؟» فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة في المسند (13/ 285) ح ,7906
ورواية «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟» قالت: نعم, في المسند (25/ 19) –ح 15743
ورواية «أين الله؟» فقالت: في السماء. في المسند (39/ 176) ح 23762
والمعنى متقارب, ويمكن فيها الجمع والترجيح, وبذلك تنتفي دعوى الاضطراب.
أما الرواية التي أثبتها مسلم في صحيحه, فبلفظ فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. صحيح مسلم (1/ 381)
فهي من رواية هلال بن أبي ميمونة وقد احتج به البخاري ومسلم وقد وثقه غير واحد من الأئمة.
وهذه الرواية ثبوتها قطعي؛ إذ لم يتعقبها أحد من أئمة أهل الحديث, ومنهم الحفاظ النقاد, فهي رواية تلقتها الأمة بالقبول, ولم يضعفها إلا بعض المتأخرين ممن تلوث بلوثة علم الكلام.
وقد استدل بها الأئمة في المسائل الفقهية, كمالك والشافعي وكثير من أئمة أهل الإسلام؛ بناء على صحتها.
وممن احتج بهذه الرواية على إثبات استواء الله على عرشه وأن الله في السماء: الدارمي في الرد على الجهمية (ص: 45), وابن أبي عاصم في السنة (1/ 215), وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 278), وابن منده في كتاب الإيمان (1/ 230), واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 430), وغيرهم...
قال سليمان التيمي: (لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء) خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 37)
وقال عبد الغني المقدسي: (ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً ممن يقول إنه لا يجوز أن يقال: أين الله، بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله " أين الله "؟!) الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي (ص: 53)
وقال الذهبي: (...ففي الخبر مسألتان: إحداهما: شرعية قول المسلم أين الله.
وثانيهما: قول المسؤول في السماء؟ فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم) العلو للعلي الغفار (ص: 28)
فقه الحديث:
قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية بقوله أين الله؟ أجابت في السماء...
فإجابتها كانت موافقة للفطرة, وهي عربية تعرف ما تقول، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم جوابها, ومعنى قولها في السماء: في العلو, فكل ما علاك في لغة العرب فهو سماء، وعلوه جل وعلا علو ذات وقدر وشرف.
فالله لما خلق الخلق خلقهم خارج ذاته, فهو بائن من خلقه في العلو فوق مخلوقاته
ولم يخطر ببال سليمي الفطرة أن المراد بالسماء: السماء المخلوقة وأنها تحيط به وتحويه أو هو في جهة مخلوقة، وليس هذا هو الظاهر ...
قال #ابن_عبد_البر #المالكي في الاستذكار (7/ 337): (وأما قوله في هذا الحديث للجارية أين الله؟ فعلى ذلك جماعة #أهل_السنة وهم #أهل_الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته
كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه: (الرحمن على العرش استوى) طه 5 , وأن الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان, وهو ظاهر القرآن في قوله عز وجل (ءامنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) الملك 16)) انتهى كلامه
ولا ينكر هذا السؤال "أين الله؟" إلا #الجهمية ومن وافق أصولهم, فالجهمية لا يثبتون علو الله على عرشه, قال ابن المبارك: «لا نقول كما قالت الجهمية إنه في الأرض ههنا!!!!، بل على العرش استوى» ، وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ قال: «#فوق سماواته على عرشه.
وقال سعيد بن عامر: " الجهمية أشر قولا من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى، وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى #على_العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء "]
ولا يجوز بحال النزاع في صحة السؤال؛ لأنه يلزم منه أن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ينطق بما لا يجوز أو بما يوهم معنى فاسدا، أو بما ينافي كمال الله !!
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
السبت، 13 يوليو 2024
ضابط قضايا الأعيان
ضابط #قضايا_الأعيان
صورة #قضية_العين: أن يقع فعل أو قول على حادثة معينة أو يخص شخصا بعينه, ويحتمل الفعل أو القول وجوها متعددة.
ومحل إعمالها: إذا اقتضى ظاهره معارضة حكم عام مع إمكان أن يكون موافقًا لا مخالفًا من وجه آخر
وهذه التي قال عنه الشاطبي في الموافقات (4/ 8): (إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة. فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان، ولا حكايات الأحوال)
ومعنى ذلك أن يَرد معنا حكم عام، ثم تَرد معنا قضية عين يحتمل ظاهرها مخالفة ذلك العام ويحتمل الموافقة في بعض الوجوه.
فهنا تُنَزل قضية العين على وفق الحكم العام, فتحمل على بعض وجوهها.
وانتبهوا هنا أنه إذا لم تكن فيها وجه معارضة لحكم عام كأن تكون موافقة أو لعدم وجود حكم عام فلا تكون من باب قضايا الأعيان التي تنزل على وفق الحكم العام, وإنما تستقرى هذه الجزئيات ويؤخذ منها حكم عام.
وأمثل على هذا بتبديع المعين وتكفيره
عندنا صور:
الصورة الأولى: ما ورد عن السلف من #تبديع_المعين إذا خالف مصدر التلقي وفق المنظومة الاستدلالية البدعية من غير إقامة الحجة
الصورة الثانية ما ورد عن السلف من تبديع المعين إذا خالف في أصل مع سلامة مصدر التلقي من غير إقامة الحجة.
الصورة الثالثة: ما ورد عن السلف من تكفير المعين المسلم من غير إقامة الحجة
ففي الصورة الثانية والثالثة عندنا حكم عام وقاعدة كلية وهي أن المعين لا يبدع إذا لم يخالف في مصدر التلقي إلا بعد إقامة الحجة؛ لتحقق الوصف المقتضي لكونه سنيا, فلا يرفع عنه إلا بيقين، وكونه قد سلم له مصدر التلقي يجعل مخالفته لأصل مقتضيا للتبديع لا موجبا
ولا يكفر إذا وقع في أمر كفري إلا بعد إقامة الحجة؛ لتحقق الوصف المقتضي لإسلامه، فلا يرغع عنه إلا بيقين، وكونه قد نطق بالشهادين يجعل وقوعه في أمر كفري مقتضيا للتكفير لا موجبا
وكونه مقتضيا يعني يتوقف على شروط وموانع
فإذا ورد عن السلف تبديع أو تكفير لمعين كان ذلك محتملا لكون الإمام قد أقام عليه الحجة ومحتملا لعدم إقامتها, فيكون ما ورد عن السلف قضية عين تفهم على وفق القاعدة الكلية فتحمل على أنه قد أقام عليه الحجة.
وأما الصورة الأولى فلما لم تكن هناك قاعدة عامة تخالف ما ورد عن السلف من تبديع المعين المخالف في مصدر التلقي وفق ما بينته في منشورات سابقة وليس هناك أصل يمنع من رفعه إلا بيقين أخذنا حكما عاما من مجموع هذه الجزئيات التي فيها تبديع السلف لأعيانٍ بموجب مخالفتهم المنظومة الاستدلالية الشرعية, وهذا الحكم هو التبديع العيني على من خالف في مصدر التلقي وفق المنظومة الاستدلالية البدعية من غير إقامة الحجة.
قال أبو حامد الإسفراييني: ( يا بني بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلال..) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 598)
والخلاصة: أن ما ورد عن السلف من تبديع المخالف في مصدر التلقي ليس من باب #قضايا_الأعيان؛ لعدم ثبوت المقدمة وهي وجود حكم عام على أن المعين لا يبدع مطلقا إلا بعد إقامة الحجة.
فمن يقوللو افترضنا صحة هذا التعميم في تبديع كل أعيان المعتزلة فإنه يلزم منه أيضا صحة تكفير كل أعيانهم أخذا من تكفير الإمام أحمد لابن أبي دؤاد..)
فهذا لم يفقه الفرق ومحل قاعدة قضايا الاعيان, وخلط بين المسائل...!!!!
ولا يقال أيضا: إذا أقررت على أن #تكفير_المعين قاعدته العامة لابد فيه من إقامة الحجة فلتقر بذلك في التبديع
وجواب هذا: أن القاعدة العامة في تكفير المعين مقيدة بمن ثبت له أصل الإسلام الذي لا يرفع إلا بيقين, فلا يقال في المجوسي لا نكفره إلا بعد إقامة الحجة؛ لأنه لم يأت بأصل الإسلام, وكذلك التبديع تعتبر فيه إقامة الحجة لمن ثبت له أصل السنة؛ لأن هذا الاصل لا يرفع إلا بيقين، بخلاف من لم يثبت له الأصل فليس هناك ما يمنع من تبديعه عينا
فلا فرق بين باب التكفير وباب التبديع في شرط إقامة الحجة لمن ثبت له الأصل, وأما من خالف فمنع الاحتجاج بأصل السنة؛ لدلائل عقلية كلامية, فهذا لم يثبت له الأصل فلم يشترط في تبديعه إقامة الحجة.
فموجب تبديعه عدم ثبوت أصل السنة, لا أن موجب تبديعه أن الحجة مقامة عليه كما يصور ذلك من لا يفهم.
ومن هنا تعلم: أن السني يقابله المبتدع, فمن لم يكن سنيا يكون مبتدعا, ومن لم يكن مبتدعا يكون سنيا, فمن ارتفع عنه موجب تسميته سنيا كان مبتدعا , ولا تنافي بين كونه مبتدعا ومسلما؛ لأنه لا تقابل بينهما, وإذا ارتفع عن المعين موجب تسميته سنيا لم يرتفع عنه موجب تسميته مسلما؛ لاختلاف المناطين
والعلم فقه وتحقيق, لا تلبيس وتدليس وإعمال قواعد في غير محالها
د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2024/07/blog-post_13.html
السبت، 6 يوليو 2024
تحرير مسالة تبديع المعين مباشرة
تبديع المعين مباشرة من غير إقامة الحجة
ضابطه أن يخالف في مصدر التلقي
بمعنى أن ينطلق في الاستدلال بغير الكتاب والسنة والإجماع
معتقدا قصور دلالتها عن إفادة القطع أو جعل دلالتها كفرية ...
وهذا لا يكون خطؤه إلا لتفريط منه وتقصير واتباع للهوى
ولهذا استحق التبديع مباشرة من غير اشتراط إقامة الحجة وإزالة الشبهة
قال السجزي: "...من قال في نفسه قولاً، وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له؛ لا ينبغي أن يلتفت إليه لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم؛ يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص100-101) ([37])
فجعل من خالف في مصدر التلقي مستحقا لأن يسمى مبتدعا.
وهذا المخالف لا يعذر بالجهل في استحقاق التبديع؛ لأن مخالفته (وفق تلك المنظومة الاستدلالية الكلامية) تلازم التفريط والتقصير ومتابعة الهوى
قال ابن تيمية: "الجاهل عليه أن يرجع، ولا يصر على جهله، ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين؛ فإنه يكون بذلك مبتدعاً جاهلاً ضالاً"اهـ (مجموع الفتاوى 7/682) ([44])
وقال: "قد يكون كل من المتنازعين مبتدعاً، وكلاهما جاهل متأول"اهـ (مجموع الفتاوى 23/356)
ونعني بنوع التقصير والتفريط هنا هو النوع الذي يثبت به حكم التبديع، لا النوع الذي يكون موجبا لعدم المغفرة
وقد جعل ابن تيمية العدول عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم سببا لتبديع المعين مع كونه مجتهدا مغفورا له؛ لأن مناط تبديع المعين يختلف عن مناط المغفرة، ولأنه لا تلازم بين تبديعه وتأثيمه، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13/ 361): "و فِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَايُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُه".
وعندما نعبر بمخالقة مصدر التلقي نعني به المنظومة الاستدلالية الكلامية
في سياق كلامنا عن الفرق العقدية
فلا يتصور واقعا عدم التلازم بين الأخذ بالمنظومة الاستدلالية كاملة والتفريط في الواجب والتقصير فيه واتباع الهوى
الذي هو العلة الحقيقية لتبديعه
إلا أنه لما كان خفيا غير منضبط علق بمظنته وهو المخالفة في مصدر التلقي...
ولا تدخل في ذلك صورة من أخذ ببعض المنظومة الاستدلالية الكلامية تقليدا
فتكون المخالفة في مصدر التلقي جزئية؛ ظنا منه أنه وافق مقتضى نص شرعي أو إجماع
كمن ينطلق في تأويل بعض الصفات وتقديم العقل من قوله تعالى:[ليس كمثله شيء] ظنا منه أن هذا هو مقتضى النص، ولم يتسلسل الأمر عنده وفق المنظومة الكلامية.
فهذه الصورة يتصور أن يتخلف عنها اتباع الهوى؛ لانه انطلق مما ظنه مقتضى النص الشرعي، ويتخلف عنها أيضا التفريط والتقصير؛ لانتفاء التمكن من معرفة الحق والوصول إليه.
ومتى تخلف التفريط والتقصير واتباع الهوى تخلف معه حكم التبديع مباشرة.
وهذا حال كثير من شراح الحديث والفقهاء والمفسرين فتراهم يأخذون شيئا من المنظومة الاستدلالية الكلامية ظنا منهم أن هذا هو مقتضى النص الشرعي أو هو الموافق للإجماع...
فهم لم يعملوا المنظومة الاستدلالية الكلامية كاملة ومتسلسلة في القول البدعي الكفري الذي وافقوا فيه الأشعرية مثلا
ولو كان مجرد الموافقة يكفي في الحكم بالتبديع لما سلمت طائفة ممن اتفق أهل السنة على إمامتهم في السنة.
والخلاصة
من خالف في مصدر التلفي بُدع من غير إقامة الحجة؛ لخروجه عن المنظومة الاستدلالية الشرعية، ولا يعذر بالجهل في استحقاق التبديع؛ لأن مخالفته (وفق تلك المنظومة الاستدلالية الكلامية) تلازم التفريط والتقصير ومتابعة الهوى
فلا يشترط في تبديعه إقامة الحجة على أن الوحي هدى ولا يدل على الكفر ولا يقتضيه ... إلى آخره
وإقامتها تقتضي تكفيره لا تبديعه
وأما من لم يخرج عن المنظومة الشرعية إلا أنه وافق قولا للجهمية فهذا لابد من إقامة الحجة عليه.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار