تحرير قول من جوز #الترحم_على_الكافر بعد موته
إن المجوزين للترحم على بعض من مات من الكفار افترقوا إلى طائفتين:
طائفة جوزت الترحم على الكفار, بمعنى: إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, ومغفرة الشرك له!!
وهذه الطائفة خالفت قطعيات الشريعة وأصولها, فالكافر مخلد في نار جهنم, ولا حسنة ترفع الكفر إلا التوحيد.
وهؤلاء ضعف تصور التوحيد وعظم الكفر عندهم ظاهر.!
وقد ثبت بالتواتر أن الدعاء للكافر بالنجاة من النار والاستغفار له بعد موته منهي عنه ولا ينفع وإن كان الداعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى {ما كان للنّبِيّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أولي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لهُمْ أنهم أصْحَابُ الجحيم}, وقال تعالى: {فما تَنْفَعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي".
وطائفة جوزت الترحم بمعنى تخفيف العذاب عنه, وأن النهي محصور في المغفرة بدخول الجنة ومغفرة الشرك.
وأشكل على هذه الطائفة: إثباتهم جواز تخفيف العذاب على الكافر بسبب أعمال صالحة في الآخرة, وهذا الإشكال هو الأصل عندهم.
والجواب:
أولا: عدم التسليم بتخفيف العذاب بسبب أعمال صالحة لكل كافر, فقد جاءت آيات محكمات بعموم نفي تخفيف العذاب على كل كافر, قال تعالى: [والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور]
وإذا نفي عموم التخفيف عن كل كافر كان الدعاء لآحاد الكفار بالتخفيف الذي هو مقتضى الرحمة عندهم اعتداء في الدعاء؛ لعدم وقوعه, وترتب على عدم الوقوع عدم إذن الشارع.
ثانيا: على إثبات وجوده فهو خاص لا عام؛ لأنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم, فقد ورد خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب, والخصوصيات لا يقاس عليها, وهو متعلق بأمر غيبي, والغيبيات لا يتجاوز فيها النص الشرعي.
ثالثا: على إثبات عمومه فقد جاء في النصوص مناطا بالشفاعة لا بالترحم, وهو محض فضل الله سبحانه يأذن بها لمن يشاء يوم القيامة, فهي من أحكام الآخرة.
وأشكل عليهم أيضا التفريق لغة بين الرحمة والمغفرة,
والجواب:
أولا: أن الفروقات اللغوية يكون لها تأثير في الحكم الشرعي إذا علق الحكم عليها, كتعليق حكم على الإهاب وتعليق حكم آخر على المدبوغ.
ثانيا: أن الحكم الشرعي هو النهي عن مطلق الدعاء بما ينفع في الآخرة, فلم ينظر الشرع للفرق لغة بين الاستغفار وبين الرحمة؛ لأن المقصود النهي عن كل دعاء يتضمن نفعا في الآخرة.
ثالثا: كما أن هناك رحمة عامة وخاصة هناك أيضا مغفرة عامة وخاصة, فإذا كان وجود رحمة عامة سببا لتجويز الترحم, فليقولوا أيضا بجواز الاستغفار لوجود مغفرة عامة لا تختص بالمسلم.
ومما يدل على منع الترحم على الكافر الميت:
أولا: أن في الدعاء بالرحمة إيهام أن المقصود إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, وهو مخالف لقطعيات الشريعة كما تقدم, فالدعاء بالرحمة فيه مفسدة ظاهرة راجحة, وذريعة لاعتقاد فاسد, وهذا يقتضي شرعا سدها..
ولذا منع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الدعاء بالمغفرة لعمه أبي طالب مع حصول نوع مغفرة له يوم القيامة بتخفيف العذاب.
فتخفيف العذاب نوع مغفرة, قال الزين بن المنير: (ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر)
فتعقبه ابن حجر, فقال: وهي غفلة شديدة منه؛ فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه, وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة) فتح الباري لابن حجر (8/ 507)
ثانيا: أن من الكفار من وقع منه مناصرة للمسلمين في القرون الثلاثة وبعدها ولم يعرف عنهم دعاء له بالرحمة مع وجود مقتضيه ولا مانع فدل ذلك على منع الدعاء.
ثالثا: لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار إلى الرحمة بعد أن نهي عن الاستغفار, وهو أرحم الخلق وأحرصهم على نفع الآخرين.
كتبه مختصرا د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق