[لا يصح الإطلاق؛ لأن الوجوب على كل فرد من أفراد الأمة مقيد بما في إمكانه, وهذا يتفاوت الناس فيه, ولا يجمعهم فيه حكم واحد؛ بحيث يمكننا إطلاق القول بالتأثيم أو عدمه.
ومتى عزم المسلم على القتا ل فقعد السلطان أو منعه: لم يأثم, قال ابن الهمام في فتح القدير(5/ 440): (ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج، وقعوده لعدم خروج الناس وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه)]
وتحرير ذلك:
أولا: لولا وجود من يُطلق ويؤثم وينطلق من عاطفته ما صح لي أن أتكلم في هذا الوقت, لكن عند اشتباه الأحكام ووجود من يخلط بين الأمور وجب البيان ولو كان في وقت القتال ...
ثانيا: يشكل على غير المتخصص في أصول الفقه عدم ذكر قيود المسألة في موطن واحد, فالأصوليون لا يذكرون الموانع والعوارض التي يسقط بهما الإثم عند كلامهم عن الواجب الكفائي؛ لاكتفائهم بذكرها في شروط التكليف أو في عوارض الأهلية, فقد يظن غير المتخصص أن كل الأمة تأثم إذا لم يقم بالواجب الكفائي أصحابه المختصون به, وإذا انتبه قد يستثني الصبي والمجنون والعاجز عجزا حسيا, ومن فعل جميع الأسباب..!!
من غير التفات إلى المانع الشرعي والعجز الحكمي, ومما يدخل في المانع الشرعي: ما مفسدته أرجح من مصلحته..
ولهذا جاء في شرح عليش المالكي على خليل هذا القيد: ( ...إن لم يخش غير المفجوئين معرة على نسائهم وعيالهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بالدفع عمن فجأهم العدو)
فحتى وإن تعين الفعل لابد من انتفاء المانع الشرعي والعجز الحكمي حتى يستحق الإثم ولو كان بالغا عاقلا سليم الآلة.
وقد يجوز تخلفه لحفظ المكان والأهل, وقد يعذر بتخلفه لمنع السلطان له, فكيف يقال بأنهم أثمون؟!!
قال ابن قدامة: (واجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا ...ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال, ومن يمنعه الأمير من الخروج..)
وكثير من أفراد الأمة يعجز بل أكثرهم لا يمكنه أن يصل إلى غ ز ة إلا بما مفسدته أرجح فهؤلاء لا يقال عنهم آثمون بترك الجها د؛ لوجود مانع شرعي,
وليس المطلوب منهم شرعا أن يثوروا على حكا مهم كما يدعو إليه الحركيون؛ لما في ذلك من مفاسد راجحة ....
ثالثا: ترك الواجب الكفائي مقتض لتأثيم جميع الأمة, وليس موجبا كما يظنه البعض, بمعنى أن التأثيم متوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع الشرعية
ولا أتكلم هنا عن العجز الحسي كأن يكون أعمى أو مريض, فهذا واضح ومفروغ منه, وإنما أتكلم عن العجز الحكمي.
رابعا: ليس كل من ترك فعل الأسباب المشروعة أو الوسائل التي توصل إلى إيجاد الواجب الكفائي يكون آثما؛ لأنه قد يكون عدم فعله السبب لعدم علمه به, والعلم شرط في التكليف, وقد يكون عالما به لكنه فاقد لطريق الوصول إليه والتمكن من فعله, وقد يكون عالما به قادرا على وسيلته إلا أنه منشغل بما هو أوجب في حقه, أو يترتب على فعله ما هو أكثر مفسدة وأعظم.
خامسا: تعميم التأثيم فيما يحتمل صورا وأحكاما مختلفة ليس هو الأليق؛ لأن المسألة إذا احتملت صورا واحكاما مختلفة كان الإطلاق موهما ومشتبها, ومتى كان الإطلاق موهما استوجب التفصيل, والتفصيل هنا لا يضيع خطر ترك الواجب الكفائي, وإنما يدفع الاشتباه الذي يترتب عليه ظلم وبغي.
ولذا لما أطلق الخوارج أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر لم يحتمل الصحابة هذا الإطلاق منهم؛ لأن الإطلاق كان لمسألة اختلفت صورها وأحكامها .
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق