[لننطلق ابتداء من المتفق عليه]
أولا: لا خلاف بين العلماء في تحريم صنع التماثيل المجسمة مكتملة الصورة مما له روح وله حقيقة موجودة إذا كان يدوم.. في غير لعب الأطفال
قال خليل المالكي: “التماثيل إن كان بغير حيوان كالشجر جاز، وإن كان بحيوان مما له ظل قائم فهو حرام بإجماع”
وقال الدردير: “يحرم تصوير حيوان عاقل أو غيره إذا كان كامل الأعضاء إذا كان يدوم إجماعًا، وكذا إن لم يدم على الراجح كتصويره من نحو قشر بطيخ”
وقال النووي رحمه الله: “وأجمعوا على منع ما كان له ظلٌّ، ووجوب تغييره، قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك”
ثانيا: اتفق العلماء على وجوب تحطيم التماثيل التي تعبد من دون الله سبحانه...أو التي تعظم بما يفضي إلى عبادتها...
قال عكرمة: «كانوا يكرهون ما نُصِبَ من التماثيل نصباً، ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام». وقال محمد بن سيرين: «كانوا لا يرون ما وُطِئَ وبُسِطَ من التصاوير مثل الذي نُصِبَ».
ثالثا: ما كان من التماثيل مطموسًا أو مدفونًا لا يُنبَش ولا يُستخرج لأجل تحطيمه، إذ الأصل تركه ما دام لا يُفتن به.
رابعا: ثبت في النصوص الشرعية تحطيم التماثيل وطمس الصور
فقد روى مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفا إلا سويته " .
إلا أن محل البحث هل تعم هذه النصوص كل تمثال حتى وإن لم يعبد من دون الله سبحانه، ويعظم أو هي مخصوصة بالتي تعبد من دون الله؟
والجواب أن من نظر إلى عموم الشريعة وقواعدها واستقرأ النظائر وجد أن الشريعة تضيق في باب الشرك وذرائعه، فتمنع كل ما يكون ذريعة إلى الشرك، ولهذا نهت عن اتخاذ القبور مساجد ونهت عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر وأمرت بتسوية القبور. إلى غير ذلك
لذا فإن إبقاء التماثيل في المتاحف لأغراض علمية أو تاريخية ليس ضرورة تبيح المحظور.
يبقى سؤال: لماذا ترك بعض الصحابة تحطيم التماثيل في بعض البلدان التي فتحوها مع تحطيمهم لها في بلدان أخرى؟
وجوابه عند من يحتج بالترك على منع البدع:
أولا: هذا الترك من بعض الصحابة يعارضه أصل شرعي كما أن الحكم العام الذي جاءت به النصوص ينافيه، وما كان هذا حاله لا يصح تعميمه على جميع الأحوال؛ وإنما هي وقائع أعيان لا يتعدى بها محالها...
ثانيا: ترك الصحابة تحطيم بعض التماثيل في البلاد المفتوحة مرده إلى الاستطاعة؛ فما قدروا على إزالته أزالوه، وما لم يقدروا عليه تركوه، لأن التكليف منوط بالقدرة.
وقد منع بعض الخلفاء من تحطيم التماثيل في أزمانهم لعجز بيت المال عن تحمل نفقاتها.
ثالثا: إن كثيرا من هذه التماثيل كانت مدفونة لما دخل الصحابة البلدان التي توجد فيها
وما لم يكن منها مدفون فيحتمل أن تركهم له لوجود مانع منعهم من تحطيمه، ولا يُحتج بتركهم مع احتمال وجود مانع؛ إذ الأصل هو العمل بعموم النصوص الواردة في النهي عن إبقائها.
وأما تعليل من علل بأن مناط إبقاء الصحابة لها هو أنها لا تعبد
فمنقوض بتحطيم الصحابة ومن بعدهم لتماثيل لم تعبد؛ سدا لذريعة أن تعبد من دون الله.
وأخيرا وضعها في متحف: نوع من أنواع تنصيبها الذي حذر منه السلف، وربما نوع من أنواع تعظيمها...
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق