انتشر كلام الشريف حاتم العوني في تقريره أن الاحتفال بالمولد النبوي يمكن اعتباره من باب المصالح المرسلة إذا كان لمجرد التذكير بالسيرة النبوية، وإذكاء محبة النبي ﷺ في القلوب، دون اعتقاد فضيلة خاصة ليوم المولد.
وقد وجد هذا الرأي قبولًا عند بعض من كان يعتقد بدعية الاحتفال، بسبب ضعف تأصيلهم الأصولي.
قال العوني:"صورة يكون فيها المولد من المصالح المرسلة، وذلك إذا كان بقصد استثمار تاريخ هذا الحدث الجليل، للتذكير بسيرته صلى الله عليه وسلم، أو لإذكاء جذوة محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب، من غير اعتقاد فضيلة خاصة لليوم، تجيز تخصيصه بعبادة أو باعتقاد لا دليل عليه".
والرد على هذه الدعوى من أوجه:
أولًا: هناك تشابه بين المصلحة المرسلة و البدعة الإضافية من بعض الوجوه، وهو ما قد يوقع في الخلط ويستغله بعض الناس لتمرير البدع والتلبيس على العامة.
ولذا لابد من ييان الفرق بين المصلحة المرسلة والبدعة:
• المصلحة المرسلة: هي المنفعة التي لم يشهد الشرع باعتبار عينها ولا بإلغائها، لكن جنسها ملائم لتصرفات الشريعة، وقد اعتبره الشارع في الجملة، ولم يرد دليل خاص يصادمه في عين المسألة.
• فمثلا جمع القرآن، المنفعة منه وهي حفظ القرآن وصيانته اعتبرها الله في الأحكام الشرعية، إلا أنه لم يرد دليل خاص على اغتبارها في جمع القرآن، واعتبارها في ذات الجمع ليس هناك دليل يصادمه ويمنع من اعتبارها فكان جمع القرآن من المصالح المرسلة وكذاك تأليف الكتب وبناء المدارس والمسابقات الشرعية ووو
• وأما البدعة: فهي ما أُحدث في الدين مما لم يأت به النبي ﷺ، سواء قصد به التعبد مباشرة، أو جُعل طريقًا يضاهي الطريقة الشرعية.
• وليست البدعة خاصة بما يقصد به التقرب والتعبد كما يتصور بعضهم!!!
أوجه التشابه بين المصلحة النرسلة والبدعة:
• كلاهما أمر محدث.
• أن جنس الوصف فيهما قد اعتبره الشارع.
أوجه الافتراق:
• المصلحة المرسلة لا تعارض دليلا شرعيًا خاصًا، بخلاف البدعة فإنها تصادم الشرع وتعارض دليلاً خاصًا. قال ابن تيمية في "المجموع":"المصالح المرسلة: أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة، وليس في الشرع ما ينفيه".
• في البدع: عدم الفعل مقصود شرعًا، أما في المصالح المرسلة فالأمر على العكس.
• المصالح المرسلة وسيلة لحفظ مقصد من مقاصد الشارع، وضروري من الضرورات الخمس، بخلاف البدع فهي إحداث في الدين وهي تؤدي إلى هدم الدين.
تطبيق هذا على الاحتفال بالمولد:
• لا شك أن جنس المنفعة معتبر: محبة النبي ﷺ والتذكير بسيرته والاقتداء به.
• لكن اعتبار هذه المنفعة في عين الاحتفال بالمولد يصادمه دليل خاص، وهو:
• ترك النبي ﷺ للاحتفال مع قيام المقتضي وزوال المانع.
• ترك الصحابة لذلك، مما يعد إجماعًا منهم.
وهذا يدل على أن الاحتفال معارض للدليل الخاص، فيخرج من كونه مصلحة مرسلة إلى كونه بدعة محدثة.
وهناك أوجه مصادمة أخرى للشرع:
• أن المشروع في يوم الاثنين هو الصيام، لا اتخاذه يوم احتفال. فترك المشروع والانشغال بغيره مخالفة للشرع.
• جعل المولد احتفالًا متكررًا على جهة التعظيم يجعله في معنى العيد، والعيد شريعة توقيفية تحتاج إلى دليل خاص.
• التزام الناس بالاحتفال لما اعتقدوا فيه من "المصلحة" هو في حقيقته التزام بما لم يشرعه الله، فيفتح باب البدع.
والخلاصة:
• الاحتفال بالمولد ليس وسيلة شرعية صحيحة لمقصد شرعي معتبر، بل هو إحداث في الدين.
• ولو سلّمنا جدلًا أن فيه مصلحة (كتذكير السيرة والمحبة)، فإن فيه مفسدة راجحة، وهي:
• الابتداع في الدين، ولازمه اتهام النبي ﷺ بأنه لم يبلّغ هذه "المصلحة".
• فتح باب الغلو فيه ﷺ بما يرفعه فوق منزلته.
ودفع المفاسد الراجحة مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا كانت هذه المصلحة موهومة أصلاً؟
وأخيرا:
يتضح مما سبق أن تنزيل العوني للمصلحة المرسلة على الاحتفال بالمولد غير صحيح؛ لأنه لم يراع القيود والضوابط الأصولية. والخلل في التصور أنتج خللاً في الحكم، فكان قوله خطأً ظاهرًا.
وقد سبق أن ناقشت شبهات أخرى لأصحاب القول بجواز الاحتفال بالمولد في مقال مستقل منشور على الشبكة، ولم نعرض هنا إلا واحدة من جهات الخطأ في تقرير العوني، مع أن وجوه بدعية الاحتفال بالمولد كثيرة.
✍️ كتبه: أحمد محمد الصادق النجار