الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته 


جرت عادة الأئمة على اعتبار حال المتكلِّم وسيرته وأصوله عند تفسير كلامه المحتمل؛ إذ إن استصحاب الحال دليل اعتمدته الشريعة، ولأن العاقل يجري في كلامه على عادته وأصوله...

ولذا نجد العلماء يستدلون باستصحاب حال النبي صلى الله عليه وسلم في كونه جاء لتعليم الناس الشرع 

على حمل حكمه على الشرعي إذا احتمل أن يكون شرعيا أو عقليا...


وهذا أصل ...

ومن هنا تقرَّر أن الكلام المحتمل لا يُفهم إلا مع ملاحظة حال قائله، وقد الجويني في البرهان وغيره أن القرأئن تحول الظاهر المحتمل إلى نص لا يحتمل إلا معنى واحدا، وأن القرائن تدخل على الصيغ المطلقة لتدل على المعنى الذي يريده المتكلم. 


ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجرّ إلى مذاهب قبيحة”الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 201).

يقول ابن القيم: “والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما محضَ الحق، ويريد الآخر أكبر الباطل، والعبرة بسيرة الرجل ومنهجه وما يدعو إليه، وما يناظر عليه”مدارج السالكين (3/ 409) 


فالنتيجة: لا يُفسَّر كلام المتكلم اعتمادًا على ألفاظهم المجرَّدة، بل يُفهم في ضوء أصولهم وسيرتهم ومنهجهم؛ إذ بذلك يُدرك المراد الصحيح وتُسد أبواب الانحراف في الفهم والاستدلال. 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_30.html

الاثنين، 29 سبتمبر 2025

المطابقة والتضمن والالتزام في تقرير أصول أهل السنة

 


نعيش اليوم أزمةً كبرى، تتمثل في التشكيك في أصول أهل السنة والجماعة تحت شعار التحرر والمراجعة.

فترى بعضهم يُعيب على من يجعل مسائل الاجتهاد في مرتبة القطعيات، وهذا في أصله صحيح، غير أنهم تجاوزوا الحد فجعلوا القطعي ظنيًا، والأصل فرعًا! وبذلك انحرفوا عن منهج أهل السنة في الاستدلال وضبط الأصول والفروع. 


والأمر بالأصل عند أهل السنة أمر بثلاثة أمور: 

• الأمر بماهية ذلك الأصل.

• الأمر بما تضمنه.

• الأمر باللازم الذي لا ينفك عنه.


فالأمر بما تضمنه الأصل وباللازم عنه هو من ضرورة الأمر بالأصل، ولا نحتاج إلى تنصيص خاص في كل جزئية من لوازم الأصل، إذ إن دليل الأصل نفسه يتضمنها.


وهذا لا يفقهه من لم يستوعب المنظومة الاستدلالية لأهل الحديث.

فيا أسفي .... !!!!


ومن هنا يتبين أن النهي عن منازعة الولاة في ولايتهم: 

• يشمل ماهية المنازعة ذاتها.

• ويشمل ما تتضمنته ولوازمها التي لا تنفك 


• وبهذا نفهم لماذا ربط السلف الإنكار العلني حال غيبة الحاكم بالخروج والمنازعة في الولاية؟. 


فالإنكار العلني حال الغيبة -فضلا عن تسويغ الخروج- هو من لوازم النهي عن المنازعة؛ ولا يُشترط نص مستقل يُصرّح به، إذ هو من مقتضيات الأصل. 


• فأهل السنة يلتزمون بالأصول وما تقتضيه من لوازم لا تنفك. 


ولهذا نجد أن أهل السنة والجماعة حين تكلموا عن أصولهم في أبواب الصفات أو الإيمان أو القدر، لم يقتصروا على الأصول المنصوصة صراحةً فحسب، بل أدخلوا فيها أيضًا اللوازم التي لا تنفك عنها.


فليس كل ما أورده أهل السنة من الأصول الفارقة 

قد نص عليه السلف أو جعلوه أصلًا مستقلاً بذاته، وإنما طائفة منها إنما هو لوازم مأخوذة من أصول الصحابة والتابعين الثابتة.


ولديَّ في هذا الباب تجربة علمية خاصة مع شيخ الإسلام اب نتيمية؛ إذ إنني كتبتُ رسالتَي الماجستير والدكتوراه في بيان موافقة شيخ الإسلام ابن تيمية لأئمة السلف في أبواب الصفات ومسائل الإيمان والكفر.

وقد وقفتُ من خلال البحث على أن الأصول التي قررها شيخ الإسلام نوعان:

١-ما كان موافقًا للسلف بالمطابقة.

٢-ما كان موافقًا لهم بالتضمن والالتزام، أي لوازم لا تنفك عن أصولهم.


وهذا يبين دقة منهج شيخ الإسلام في استقراء كلام السلف، وجمعه بين الأصل ولوازمه، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر..


وأخيرا

الحذر الحذر ممن لا يحسن التأصيل...


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 27 سبتمبر 2025

هل وفاة النبي ﷺ نكبة؟

 


لم يُعرف عن أحدٍ من العلماء، لا في القديم ولا في الحديث، أنه وصف وفاة النبي ﷺ بـ"النكبة"، حتى جاء محمد الحسن الددو فاستعمل هذا الوصف، وسعى هو ومن وافقه إلى جعله مرادفًا للمصيبة. 


ولتحرير هذه المسألة أقول: 


كلمة المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب), وهذا الجذر: الصاد والواو والباء أصل صحيح يدل على نزول شيء واستقراره [مقاييس اللغة (3/ 317)]

ويُستعمل في الخير والشر من حيث أصل المعنى، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾. 

غير أن العرب غلبوا استعماله في جانب الشر. 


وأما النكبة فهي من جذر (ن ك ب) وأصلها الميل، فإذا أطلقت دلت على ميل أو انحراف، فهي أخص من المصيبة، وتوحي بشيء زائد على مجرد وقوع البلاء. 


وبعضهم توهم من تفسير بعض أهل المعاجم النكبة بالمصيبة أنهما مترادفان، وغفل أن من عادة أهل المعاجم أنهم قد يفسرون اللفظ بما يقاربه أو بما هو أعم وأوضح، دون قصد الترادف التام. 


وقد فسرها كثير منهم بحوادث الدهر وكوارثه وثدماته..

ولهذا فإن "النكبة" في الاستعمال تحمل معنى الانحراف والميل، وقد ارتبطت في أذهان الناس بالجراحات والمآسي والانتكاسات التي تنشأ من تقصير وتفريط.

(وانتبه لهذا)

وعليه، فإطلاق "النكبة" على وفاة النبي ﷺ غير مناسب، لأنها مشعرة بالميل والانحراف والتقصير والتفريط، وكأن الوفاة حدثت دون تمام التبليغ، وإنما الأليق وصفها بـ"المصيبة" بالنظر إلى كونها نازلة وقعت على الأمة. 


ومع ذلك، فوفاته ﷺ ليست مصيبة بإطلاق؛ إذ هي:

-مصيبة باعتبار انقطاع الوحي وظهور الفتن، ...

وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم- مصيبة فقال: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب.  رواه الدارمي 


-ورحمة وفضل باعتبار دفع الهلكة عن أمته وكونه فرطا لهم يوم القيامة, ، إذ قال النبي ﷺ: «إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطًا وسلفًا بين يديها» (رواه مسلم). 


✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار



الخميس، 25 سبتمبر 2025

الشيخ محمد ولد #الددو الشنقيطي للأسف داعية ضلالة وليس عالم أمة

 الشيخ محمد ولد #الددو الشنقيطي

للأسف

داعية ضلالة وليس عالم أمة كما يزعمون 


سمعت له مقطعا بُث من قناة الجزيرة أرسله لي أحد الإخوة

يزعم فيه أن إثبات الوجه صفة الله واليد صفة لله

هذه عقيدة الحنابلة وليس هو عقيدة السلف، وإنما هو اجتهاد منهم ولم تدل عليه اللغة هكذا زعم 


ثم زعم أنهم يثبتون الجنب صفة والشخص صفة ...!!

ثم كذب على السلف وجعل مذهبهم تفويض المعنى،..

!!! 


والغريب أنه يجعل الخلاف في الصفات خلافا سائغا، وأن المختلفين ينطلقون من أصل واحد وإنما اختلف اجتهادهم... 


هكذا بكل تسطيح وعدم فهم لنظرية التأويل والتفويض عند المتكلمين وهو ممن درس في جامعة الإمام ...!!! 


نظرية المتكلمين في التأويل والتفويض تتلخص في: 


أن الاصل الذي ثبت به حجية الكتاب والسنة هو العقل، ولما توقف الاحتجاج بالكتاب والسنة على معرفة الله وصفاته وإثبات النبوة 

لم يصح الاحتجاج على بابي الإلهيات والنبوات بالكتاب والسنة؛ لأنه يلزم منه الدور

وتفرع على ذلك تأويل أو تفويض الأدلة النقلية 


وهذا الذي حذا بالمعتزلة أن يقولوا باستحالة أن يكون النقل دليلا بنفسه يمكن الاستدلال به

وإنما هو مجرد مؤكد للعقل تابع له، كما قال أبو علي الجبائي:(إن سائر ما ورد به القرآن في التوحيد والعدل ورد مؤكدا لما في العقول، وأما أن يكون دليلا بنفسه، يمكن الاستدلال به فمحال)

والزمخشري جعل وظيفة الرسل منحصرة في التنبيه عن الغفلة؛ لأن الرسل لم يتوصلوا إلى معرفة الله إلا بالادلة العقلية... 


وهذه الفكرة بدأت عند #الأشاعرة من الباقلاني، وقد صرح بها في كتاب التقريب والإرشاد الصغير (١/٢٢٨)

واستقرت على يد الجويني...

مما جعلهم يعظمون علم الكلام 


والغريب أن الجويني لما حاول أن يعتمد على النقل في نفي النقائص عن الله 

اعترض عليه أصحابه كالرازي وغيره

ومما قاله ابن العربي في قانون التأويل:( وتعجبوا من رأس المحققين يعول في نفي الآفات على السمع، ولا يجوز أن يكون السمع طريقا إلى معرفة البارئ ولا شيء من صفاته...) 


وعمنا الشيخ #الددو مش فاهم ويضل في الأمة ...

ويستدل ببعض تأويلات السلف على التأويل الكلامي الذي يقوم على نظرية معقدة مركبة وليست بسيطة.... 


مش قضية من أول من السلف أنه ينطلق من أن العقل أصل النقل، وإنما ينطلق من أن النقل يفهم من النقل، فيؤول ظاهر آية لآية أخرى أو حديث.... 


وأما نظرية الدور التي وقع فيها المتكلمون فنقضها من وجوه

من أهمها أن الادلة النقلية اشتملت على أدلة عقلية وبراهين، وليست هي مجرد أخبار.

والغريب ان كثيرا من أدلة المتكلمين قاموا هم بأنفسهم بنقدها وتضعيفها...

ثم إن معرفة الله فطرية... 


والكلام يطول

أخيرا ليست إشكالية الشيخ في هذا الباب فقط، بل إشكاليته في عدة أبواب...


فالعلم دين..


كتبه ناصحا للأمة

د. أحمد محمد الصادق النجار

#النكبة المزعومة من الددو… أهي مجرد كلمة أم انعكاس لمنهج فكري؟



لا يُستغرب ممن يسير على نهج #محمد_الحسن_الددو أن يسارع إلى إيجاد الأعذار له، أو يحاول تسويغ عباراته؛ فالمشترك المنهجي والفكري يفسّر هذا الدفاع. 


لكن المستغرَب حقًا هو موقف بعض #إخواننا الذين حملوا كلام الددو على أحسن المحامل من غير أن يراعوا أصوله الفكرية وبيئته التي صاغت منطقه وخطابه، فتعاملوا مع مجرد ألفاظ، وغفلوا عن السياق المنهجي الذي أفرزها. 


فالخطأ في عبارة عابرة قد يُعذر فيه صاحبه إذا لم يقصد باطلاً، أما إذا كان الخطأ متولّدًا من منهج مضطرب يجمع بين #الإخوانية الحركية، و #التصوف الذوقي، و #التلفيق الفقهي؛ فإن العثرة تتكرر وتتحول إلى انحراف في التصورات. 


ومن هنا فزلّة الددو ليست مجرد أنه قال "نكبة" بدل "مصيبة"، وإنما هي انعكاس لخلفيته الفكرية التي يشاركه فيها المدافعون عنه. 


ومن المعلوم أن #الددو منفتح على الأدبيات الإخوانية والقطبية التي تمزج بين الدين والسياسة تحت شعار "إقامة الدولة الإسلامية". 

وهذا جعله يتبنى خطابًا تلفيقيًا توسعيًا لا يضبطه ميزان السلف في تحرير الأصول والمقاصد. 


فوصفه #وفاة_النبي ﷺ بأنها نكبة على الأمة لم ينطلق فيه إلا من زاوية سياسية/دستورية، إذ اعتبر أن النكبة هي غياب "النص التفصيلي" في شأن الإمامة، وهذا عين ما ينظر إليه الإخوان والقطبيون الذين جعلوا الإسلام في المقام الأول مشروع حكم ودولة، واختزلوا كلمة التوحيد في "الحاكمية". 


من هنا نفهم #أطروحات هذا التيار: فمعيار التدين عندهم، والولاء والبراء، ليس هو تحقيق التوحيد بأبوابه الكبرى (الألوهية، الأسماء والصفات، القدر، الإيمان) ولا لزوم السنة على وجهها والتخذير من البدعة، فهذه عندهم قضايا ثانوية تجاوزها الزمن، وإنما معيارهم الأوحد هو إقامة "الدولة الإسلامية". 


ولا شك أن قيام الدولة المسلمة مطلب شرعي عظيم، لكن لا بد أن يفهم في سياقه الصحيح، فلا يُجعل معيار الكمال الديني ولا محور الدين كله. 


فالإخوان والقطبيون يرى كثير منهم أن غياب "وثيقة دستورية مكتوبة تفصيلية" يشكل نكبة على الأمة وإشكالًا كان ينبغي سدّه بتأصيل معاصر، انبهارًا منهم بالنموذج الغربي في آليته. بينما السلف رأوا أن النصوص القطعية العامة (البيعة، الشورى، طاعة ولي الأمر، إقامة الدين) مقرونةً بالإجماع العملي للصحابة = تشريع كامل كافٍ يغني عن كل دستور وضعي تفصيلي. 


وبهذا يتبين أن الإشكالية الحقيقية في كلام #الددو، والتي حاول المدافعون عنه إخفاءها، أنه جعل غياب "الدستور التفصيلي" إشكالا، ورتب عليه أن وفاة النبي ﷺ كانت نكبة للأمة. وهذا يوحي – بلسان الحال – أن الشريعة تركت شيئا لم تكنله مما سبب نكبة، وهو ما يناقض قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾. 


نعم، لم يقل أحد من #النقاد المعتبرين إن الددو يصرّح بأن الشريعة ناقصة، إذ لو صرّح لكُفر، ولكن موضع البحث هو في لازم كلامه، واللازم ليس قولًا حتى يلتزمه صاحبه. غير أن المشكلة أن هذا اللازم ينبع من المنهج الفكري الذي يتبناه.... 


✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

نقد محمد الددو في وصف وفاة النبي ﷺ بأنها "نكبة"

 


ما صدر عن #محمد_الددو الشنقيطي من وصف وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها #نكبة من نكبات الأمة، بحجة أنه لم يترك دستورًا مكتوبًا ولا بيّن طريقة تنصيب الحاكم ومحاسبته وعزله، وأن جمهور المسلمين ارتدّ بسبب ذلك، قول خطير يكشف قصورًا في فهم الشريعة..
ولو أن #الددو جعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد ترتب عليها كونا حصول اختلاف وافتراق واقتتال لاحتُمٍل ذلك منه
أما أن يجعلها نكبة على الأمة بزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمة بلا بيان في باب اختيار الحاكم وطرق تنصيبه...، فهذا لا يُحتمل، بل فيه ما لا يليق بالنبي ولا بشريعته، ويلزم منه الطعن في كمال الشريعة ومقام النبي الكريم ﷺ.
ولازم القول ليس بقول...

أولاً:
الشريعة الإسلامية كاملة وشاملة، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3].
فلا يوجد أمر ديني أو دنيوي إلا وفي نصوص الشرع وقواعده ما يكفي لفهم حكمه واستخراج الموقف الصحيح منه
وكون أحكام الشريعة وقواعدها تستوعب كل فعل للإنسان لا يمنع من ترك مساحة للاجتهاد وتحقيق المناط...

ثانياً:
من مقاصد السياسة الشرعية:
• إقامة العدل.
• دفع الفساد.
• تقديم درء المفاسد على جلب المصالح.

ولهذا، تركت للناس اختيار الوسائل ما دامت منسجمة مع هذه المقاصد وتحقق كليات الشريعة، فالوسائل لا تقصد لذاتها وإنما ينظر إلى غاياتها مادام أنها لا تخالف الشريعة

فمن الطبيعي أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض التفصيلات لاجتهاد الأمة، كما ترك ضبط بعض الألفاظ والوسائل للأعراف المتجددة
فكم من ألفاظ في الشريعة لم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ترك تحديدها للناس بحسب أعرافهم!
وكم من وسائل لم تحدّد من الشارع ولم تعين، فتركت تقديرها للمكلف!!

ثالثا
اختيار الحاكم وتعيينه لم تتركه الشريعة من غير بيان وإنما وضعت للاختيار شروطا وراعت مقاصد، وأمرت بما في الوسع والمستطاع وبما لا يترتب عليه فتنة عامة....

ولما نصب النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء في الغزو وخلف من ينوب عنه في المدينة
بين للأمة طريقة التعامل معهم، وليس من شرط البيان أن يضع دستورا ...
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر  الأمة أن تعمل بسنة الخلقاء الراشدين بعده، والتي من سنتهم ما يتعلق بطرق تولية الحاكم وطريقة التعامل معه...

فأين النكبة التي يُزعم أنها بسبب "ترك البيان"؟! بل الوصف نفسه يلزم منه ما لا يليق بالشريعة ولا بمقام النبي صلى الله عليه وسلم...
وكأن الددو يميل إلى أن الأكمل هي الوصية والتنصيص التفصيلي على أحكام الولاية
أأنتم أعلم أم الله؟

رابعا:
خلافة أبي بكر
وقد اختلف العلماء في خلافة أبي بكر هل ثبتت باختيار المسلمين له ؟ أو بالنص الخفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فذهب جمهور العلماء والفقهاء وأهل الحديث إلى أنها بالاختيار .
وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنها بالنص الخفي...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(والتحقيق في " خلافة أبي بكر " وهو الذي يدل عليه كلام أحمد : أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضى بها ; وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته . فهذه الأوجه الثلاثة : الخبر والأمر والإرشاد)

خامسا:
ما وقع فيه الددو ليس زلة عابرة، بل انعكاس لفكر حزبي متأثر بالمدرسة الإخوانية، التي جعلت السياسة رأس الأولويات، وزعمت أن إسلام المسلم لا يتم إلا إذا كان سياسيًا. ولما لم يجدوا في النصوص الشرعية وفقه السلف ما يحقق تلونهم في التعامل مع النظام الدولي جاءت فكرة عدم البيان...
قال حسن البنَّا:”أستطيع أن أجهر في صراحة بأنَّ المسلم لن يتمَّ إسلامه إلاَّ إذا كان سياسيًّا، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها … وأنَّ على كلِّ جمعيَّة إسلاميَّة أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمَّتها السياسية وإلاَّ كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام” (مجموعة الرسائل)ص159.

سادسا: لو صدر هذا الكلام من غير الددو لاسيما إذا كان حاكما لانبرت أقلامٌ في تكفيره وتسفيهه لكنه لما صدر ممن يوافق أهواءهم لم تر إلا الدفاع ومحاولة تخريج الكلام وحمله على محمل حسن..

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 20 سبتمبر 2025

حال بعض حكام السلف ممن أُمر الناس بالصبر عليهم

 


كثيرًا ما يزعم بعض الناس أنّ النصوص والآثار الواردة في وجوب الصبر على جور الحكام إنما كانت خاصة بحكّام السلف، وأن حكام زماننا يختلفون عنهم، فلا تنطبق عليهم تلك الأحاديث. 

وهذا خطأ بيّن وضلال ظاهر؛ إذ إن مناط تلك النصوص ليس شخص الحاكم بعينه ولا درجة صلاحه أو فساده، ما دام مسلمًا قد استقر له الأمر، وإنما مناطها درء الفتنة العامة وحفظ جماعة المسلمين، والنظر إلى مآلات الأفعال وما يترتب على عدم الصبر من الفتن وسفك الدماء وضياع الجماعة، ولذلك استوى في ذلك كل حاكم مسلم،

وقد تقرر في نصوص الوحي أن المصلحة الكبرى هي حفظ الدين والجماعة وبقاء شعائر الإسلام ظاهرة في البلد، لا مجرد الخلاص من ظلم حاكم... 


ولنأخذ مثال الحجاج بن يوسف الثقفي: 


أولا: جاء عَنْ ‏‏الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ‏‏قَالَ : أَتَيْنَا ‏‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ ‏‏الْحَجَّاجِ ‏فَقَالَ ‏‏: اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  رواهُ البخاري (7068) 


ثانيا: ما حال الحجاج؟

قال القاسم بن مخيمرة: "كان الحجاج ينقض عُرى الإسلام عروة عروة".

وعَنِ ابْنِ طَاوُوْسٍ ، عَنْ أَبِيْه ِ، قَالَ : عَجِبْتُ لإِخْوَتِنَا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ ، يُسَمُّوْنَ الحَجَّاجَ مُؤْمِناً .

وقال عاصم بن أبي النجود: "ما بقيت لله تعالى حرمه إلا وقد انتهكها الحجاج".

وقَالَ الصَّلْتُ بنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: "ابْنُ مَسْعُودٍ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، لَوْ أَدْرَكْتُهُ لأَسْقَيْتُ الأَرْضَ مِنْ دَمِهِ".

وقال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " : فإن الحجاجَ كان عثمانياً أموياً ، يميلُ إليهم ميلاً عظيماً ، ويرى أن خلافَهم كفرٌ ، يستحلُ بذلك الدماءَ ، ولا تأخذه في ذلك لومةُ لائمٍ .ا.هـ.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر..)

وقال الذهبي في السير:( وَكَانَ ظَلُوْماً ، جَبَّاراً ، نَاصِبِيّاً ، خَبِيْثاً ، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ ، ...)

....وكفره بعض التابعين..وفي تكفيره نظر.. 


ومع هذا كله، لم ير من أدركه من الصحابة وكثير من السلف الخروج عليه، بل أمروا بالصبر اتقاءً للفتنة؛ لدرء الفتنة العامة، ولم ينظروا إلى حال الخاكم مادام مسلما قد استقر اه الأمر.. 


وحتى من خرج عليه من السلف ندم، وتمتى أنه لم يخرج... 


فإذا كان هذا الحكم جارياً في حق الحجاج مع ما كان عليه ومع وجود من كفره عينا، فغيره من الحكام في كل زمان أيضا يدخلون في النصوص، ما داموا مسلمين قد استقرت لهم الولاية، وأقيمت بهم شعائر الإسلام الظاهرة. 


واخيرا: الصواب في الحجاج أننا لا نلعنه بعينه ولا نكفره

روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال : وأخبرني محمدُ بنُ علي قال : ثنا صالح أنه قال لأبيه : الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ فيلعنهُ ؟ قال : لا يعجبني لو عبر فقال : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين .ما حال حكام السبف الذين أُمر التاس بالصبر عليهم؟ 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 18 سبتمبر 2025

بين النصيحة والإنكار: منهج السلف في معاملة الحكام

 


قرأت مقالا أرسله لي أحد الإخوة -هداني الله وإياه- حاول فيه الكاتب أن يفرق بين النصيحة والإنكار، ورتب على هذه التفريق أنه في مقام النصيحة ينصح الحاكم سرا، وأما في مقام الإنكار فينكر عليه علنا وباسمه سواء كان حاضرا أو غائبا...


وهنا أقول:


لا فرق بين نصيحة السلطان والإنكار عليه من جهة سد ذريعة الفتنة العامة

وقد أجمع السلف على أصل كلي وهو: منع كل وسيلة تفضي إلى الخروج أو إثارة الناس على السلطان، وكانوا ينهون عن سبّ الأمراء؛ لما فيه من إيغار الصدور وإثارة الفتنة 


ومما يدل على أن النصيحة والإنكار يشتركان في هذا الباب:

حديث عياض بن غنم -رضي الله عنه الذي جاء بلفظ النصيحة-:«مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطان في أمرٍ فلا يُبدِهِ علانية ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ» 

كان سبب وروده منكرا وقع من الحاكم، فقد أنكر هشام بن حكيم -رضي الله عنه- على عياض بن غنم -رضي الله عنه- -وكان أميرا- جَلْدَهُ لصاحب الدارٍ....

فمع أن المقام مقام إنكار سماه نصيحة وجعل الأصل فيه الإسرار. 


وبهذا تعلم أن النصيحة وإن كانت أوسع دائرة من الإنكار إلا أن الإنكار إذا تعلق بالحاكم ساوى النصيحة في الإسرار؛ لعلة مظنة الإفضاء إلى الفتنة العامة، ولا ينفك عنه إلا في الصور التي تنتفي فيها مظنة الإفضاء.......

وهذا أصل كلي يُسدّ به باب الفتنة والتهييج، وهو مقدّم على الوقائع الجزئية،والأصوليون يقررون: أن المعنى الكلي إذا عارضه جزئي نادر، قدّم الكلي، ويحمل الجزئي على أحوال خاصة. 


قد يُقال: الإنكار العلني وقع من الصحابة والتابعين.

فنقول: نعم، لكنه لم يكن منهجًا مطّردًا ولا أصلاً عامًا، بل كان وقائع عارضة لها سياقات خاصة. والسؤال الأهم: هل الإنكار الذي منعه الأئمة هو نفس ما فعله الصحابة؟ أو أن ما وقع منهم كان استثناءً مقيدًا بظروف؟ 


للإنكار العلني صور:

الأولى: إنكار الفعل من غير تسمية الفاعل، وهذه الصورة فعلها الأئمة 


الثانية: إنكار المنكر أمام الحاكم وبين يديه، وهذه فعلها السلف. 


الثالثة: أن يتكلم الحاكم بمسألة شرعية فيُبَين له خطؤه، وهذا الصورة فعلها السلف 


الرابعة: ذكر منكر الحاكم وتسميته في مجلس خاص لا يترتب على هذا الذكر فتنة ولا تهييج العامة، وهذه الصورة فعلها بعض السلف 


الخامسة: ترك طاعة الأمير في معصية والنهي عن طاعته في ذلك ، وهذه الصورة فعلها ابن عمر رضي الله عنه 


السادسة: الإنكار على الحاكم وهو غائب والتشهير به أمام الناس وتسفيهه والطعن فيه، وهذه الصورة لم يفعلها إلا الخوارج وأذنابهم

ويتفق كل من انتسب للسلفية على منعها، وتجويزها لا يصدر إلا ممن تأثر بالفكر المنحرف، وهي علامة ظاهرة على انحراف الرجل وتبدل أصوله... 


السابعة: الإنكار على الحاكم وهو غائب بذكر المنكر وتسميته لكن من غير طعن وسب ولا نزع أصل الولاية، مع الأمن من الفتنة، وهذه الصورة هي التي تبناها بعض من ينتسب للسلفية، حيث زعموا أنه لا تلازم بين هذا النوع من الإنكار والخروج ونزع أصل الولاية، واستدلوا ببعض الآثار لكن استدلالهم مردود؛ إذ إن الآثار التي احتجوا بها إنما تعود للصور الجائزة لا لهذه الصورة. 


ولو فرضنا أن بعضها يصح الاستدلال به على هذه الصورة 

لكن غاب عن هؤلاء المجوزين أن هذه الآثار أفعال اقتضاها واقع خاص وليست هي منهجا مطردا عند السلف ولا أصلا عاما

فكيف يأتي من يجعل العارض أصلا مطردا، ويساوي بين الاستثناء والقاعدة؟!!

وكيف غاب عنهم أن السلف كانوا يحذّرون من الوسائل المفضية إلى الخروج؟!.

ثم إننا في زمن أصبح الإنكار العلني حال الغيبة شعارا على خوارج العصر

فحتى لو قلنا بأن أصلها الجواز إلا أنه لما أصبحت شعارا على الخوارج وعلامة عليهم لم يصح لمنتسب للسلفية أن يقول بجوازها في وقتتا هذا.

فالخوارج في أصلهم فكر قبل أن يكونوا سيفًا مسلطا على الأمة؛ شعارهم التشهير والطعن في الولاة وإيغار الصدور، ثم آل أمرهم إلى السيف. ولهذا عد الأئمة التشهير من سمات الخوارج. 


نعم

قال الشيخ الألباني" فإذا الحاكم خالف الشريعةَ علنًا فالإنكار عليه علنًا لا مخالفةَ للشرع في ذلك"،

لكن ما مقصوده بالإنكار؟ وعلى أي صورة يتكلم؟ وهل كان من منهج الشيخ وطريقته التشهير بالحكام وسبهم؟

الجواب، لا، فكلام الشيخ محمول على الصور الجائزة.... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

إشكالية الفكر الثوري الداعشي

إشكالية الفكر الثوري الداعشي

🔹من أبرز إشكاليات الفكر الثوري الداعشي أنه يُعيد صياغة الوعي الديني للأجيال على قاعدة مغلوطة، مؤداها أن الجهاد هو المعيار المطلق والحل الأوحد لصلاح الأمة، دون اعتبار لواقعها وإمكاناتها. وهنا تكمن الخطورة، إذ يُغفل هذا الفكر الحكمة الشرعية التي قررها القرآن والسنة في التعامل مع مراحل الضعف والابتلاء، فيقفز مباشرة إلى مواجهة غير محسوبة، لا تملك الأمة مقوماتها، فتكون النتيجة: فشلٌ، إحباط، ودماء مهدورة وديار مخربة، وفاتورة باهظة تدفعها الأمة من أمنها وطاقاتها.
وما حال غ ززة عنا ببعيد.

🔹والواقع أن الأمة أصابها الوهن الذي أخبر به النبي ﷺ: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها... قالوا: أومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل...» (رواه أبو داود).

🔹فالأمة في أوقات الاستضعاف لا تحتاج إلى مغامرات عبثية، بل إلى تربية ترسّخ العقيدة، وتغرس معاني الصبر والثبات على الحق، وتبني الوعي الشرعي الراشد. وبهذا تُنشأ أجيال قادرة على حمل الأمانة يوم يقدّر الله لها التمكين.
فالنصر في سنن الله لا يُنال بالاندفاع العاطفي الأجوف، وإنما بالإعداد الإيماني والعلمي والعملي، كما قال تعالى﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].

🔹وقد نبّه العلماء المعتبرون إلى هذا الخلل في الفكر الثوري، ومنهم الإمام المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين #الألباني رحمه الله، الذي قرّر بوضوح ما قرره سلف الأمة وأئمتها وفقهاؤها عبر قرون
أن الجهاد مرتبط بالقدرة والاستطاعة - لا فرق في ذلك بين جهاد طلب ولا جهاد دفع إذا كان للناس فيه اختيار-، وأن الأمة في حال الاستضعاف إنما واجبها: الصبر، وإصلاح النفوس، والدعوة بالحكمة، والإعداد للجهاد، لا المغامرة غير المحسوبة بالدماء والطاقات. وهذا عين فقه المرحلة الذي أهمله دعاة الفكر الثوري القطبي والصحوي.

🔹وإذا عُلِّم الشباب أن القتال هو الحل في كل زمان ومكان، وأن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مهما كان حال الأمة؛ فإن ذلك لا ينتج إلا أحد مسارين خطيرين:

• الغلو وتكفير المسلمين ووصفهم بالنفاق، والعنف عند محاولة تطبيقه في غير موضعه.

• اليأس والإحباط عند العجز عن إنزاله على الواقع.

🔹فالدواعش لم تكن إشكاليتهم في مجرد سفك الدماء المعصومة فقط، وإنما الإشكالية ابتداء في التربية على الفكر الثوري...
• وأخطر ما في هذا الفكر أنه يدعو لمواجهة مفتوحة دون نظر في النتائج، مع أن الشريعة راعت المآلات: فإذا كان القتال سيجلب مفسدة أعظم، كإبادة الشعوب أو احتلال شامل، فإنه يُمنع.

🔹وأخيرا
ليس هذا الطرح من التخذيل أو الإرجاء في شيء كما يروّج أصحاب هذا الفكر:

• فـ التخذيل المذموم هو تثبيط المسلمين عن واجب شرعي متعيّن مع القدرة عليه، أما الدعوة إلى الصبر والثبات والتصفية والتربية في حال الاستضعاف فهي من صميم فقه السنن الشرعية.

• وأما الإرجاء فهو اختزال الدين في مجرد التصديق بلا عمل، بينما التربية على الصبر والتمسك بالشريعة زمن الابتلاء وإعداد الأمة بالتصفية والتربية: عمل شرعي معتبر، اقتضاه العارض الذي اعتبره الشرع نفسه، وأمرت به النصوص الشرعية، وهو الذي يُبقي جذوة الإيمان حيّة حتى يحين أوان الجهاد المشروع.

🔹وبهذا يتضح أن الفكر الثوري الداعشي ليس إلا انحرافًا عن منهج الوحي، وجهلًا بفقه المراحل، وغفلةً عن سنن الله في التغيير، وقد انتشر في ليبيا وغيره وتبنته مؤسسات في بعض الدول المسلمة، وكثرت الدندنة حوله في مواقع التواصل الاجتماعي
والله غالب على أمره

🔹فالحل ليس في شتم #الحكام ولا في بث الكراهية كما يفعله الخطاب السروري،
وإنما الحل في إصلاح الداخل بتربية الأجيال على الإيمان والعلم، والدعوة إلى وحدة الصف على منهج السلف، والنهوض بالاقتصاد، وإعداد القوة الحقيقية؛ حتى تستعيد الأمة عافيتها، وعندها سيتغير حال حكامها أو يُستبدلون بغيرهم، لكن قبل ذلك فلن يغيّر الصراخ  ولا التحريض والتثوير شيئًا، وإنما سيزيد من وهن الأمة.

✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_17.html


الأحد، 14 سبتمبر 2025

شرعية الولاية الاضطرارية بين المنهج السلفي والطرح السروري

شرعية الولاية الاضطرارية بين المنهج السلفي والطرح السروري

من أبرز القضايا الخلافية المعاصرة والتي ظهرت جليا بعد أحداث الخليج: مسألة مناط إسقاط شرعية الولاية الاضطرارية: أهو كفر الحاكم عينا أم فساد النظام والمنظومة التي يدير بها الدولة؟

1-ثبوت الولاية الشرعية الاضطرارية عند أهل السنة مرتبط أولاً وأساسًا بإسلام الحاكم، لا بمجرد عدله أو النظر إلى نظام حكمه وفساد منظومته، ما لم يصل ظلمه أو نظامه إلى الكفر البواح الموجب للكفر (العيني) الذي يخرج من الملة. ولهذا جاء في الأحاديث: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان».
فالعبرة بتحقق الكفر العيني في الحاكم، لا بمجرد فساد النظام أو انحراف المنظومة، وأما جَوْر الحاكم وظلمه وفساد نظامه يُعَدّ منكرًا، لكنه يُعالج عند أهل السنة بالوسائل الشرعية:، لا بإسقاط الشرعية بالكلية ما دام الحاكم مسلمًا.
ومعنى قوله : « مَا أَقَامُوا الصَّلاَةَ فِيكُم » : أي ما داموا على حكم أهل القبلة والصلاة، ولم يرتدوا ويبدلوا الدين، وهو معنى حديث : « إلاَّ أن تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً ».

2-جَعْل معيار الشرعية قائما على النظر إلى عدالة النظام أو صورة الحكم مع التغاضي عن إسلام الحاكم نفسه = منهج تبناه التيارات ذات النزعة #القطبية و #السرورية، التي ركزت على النظام وبنيته ورفض الظلم المتعدي وجعلته كمعيار
وأسقطت به شرعية الحاكم حتى لو بقي في دائرة الإسلام

3-إذا نظرنا في النصوص الشرعية:  وجدنا أنها علقت نزع أصل الولاية الشرعية على تحقق الكفر البواح العيني في الحاكم الذي توفرت فيه شروط المكلف من حبث هو مكلف، لا على مجرد فساد النظام ومنظومته التي يدير بها الدولة ما لم يصل الأمر إلى الكفر العيني........وهذا ما فهمه الأئمة
ففي عهد الواثق والمعتصم فُرض القول بخلق القرآن، واعتُبر من خالفه مجرمًا يُقتل أو يُسجن. وسُفك الدم الحرام بسبب ذلك، وحوربَ المصلحونَ ...
ومع ذلك لم يرَ الأئمة إسقاط شرعية هؤلاء الخلفاء، لأن مناط الشرعية عندهم هو إسلام الحاكم، لا فساد النظام واشتماله على الكفر الأكبر
بغض النظر عن كون هؤلاء الخلفاء كانوا يعتقدون أن هذا هو الدين أو لا، فالعبرة بحقيقة الأمر لا بظنهم...
أرأيتم لو أن حاكما ظن أن فصل الدين عن السياسة هو ما دل عليه الشرع، فهل سيبرأ نظامه من الفساد لظنه؟!!

4-تعليق شرعية الولاية على إسلام الحاكم نفسه ليس هو من الظاهرية والجمود على ظاهر النص كما توهمه المتوهمون، بل هو عين فقه المقاصد الذي يوازن بين النصوص والمآلات.وبين حفظ الدين واستقرار الأمة....

فإبقاء ولاية الحاكم المسلم ولو فسد نظامه يضمن بقاء أصل الإسلام في الأمة ويحافظ على بقاء الشرائع ظاهرة في المجتمع، كما أن الحاكم المسلم يبقى قائمًا بالشهادة وأحكام الإسلام، فلا يزول حكمه إلا إذا وقع في كفر بواح ظاهر..
أضف إلى ذلك أن الشريعة جاءت باجتماع الكلمة وهو مقصد كلي، ولو تحت إمام جائر ونظامه فاسد، على أن يُعالج الظلم بالوسائل الشرعية، لا بتمزيق الصف.
وحتى مع ظلم الحاكم وفساد نظامه، تبقى هناك مصالح عامة لا تتحقق إلا بالولاية: الأمن، القضاء، إقامة الشعائر.
وفي المقاصد ينظر إلى مجموع المصلحة لا إلى جانب واحد فقط.

5-الطرح القطبي/السروري الذي ينظر إلى بنية النظام دون مراعاة إسلام الحاكم هو في الحقيقة يمثل نظرة ظاهرية، إذ تعلّق الأحكام على مظاهر النظام دون مراعاة لمآلات إسقاط الشرعية.

6- الغريب أنك ترى تناقضا بين التنظير والتنزيل على الواقع، فإذا ما سألتهم عن حاكم تركيا أو حكم الإخوان قالوا ولايتهم شرعية....
فإن قلت لهم: على أصولكم لا تكون الولاية شرعية؛ لأن نظام الحكم إما علماني وإما دستور فيه من الكفريات ما فيه
وها هي سوريا اليوم تدخل تحت النظام الدولي وووو
قالوا: هم حكام مسلمون يريدون الإصلاح
قلنا لهم: إذن نظرتكم اختلفتم فأصبحتم تنظرون إلى إسلام الحاكم وصلاحه في إثبات الولاية بغضّ النظر عن طبيعة النظام الذي يحكم به !!!وهذا من تناقضكم

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

https://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_14.html


الخميس، 11 سبتمبر 2025

نواب الحاكم هل يأخذون حكم الحاكم في الإنكار؟

 لم نقل يوما إن نواب الحاكم المسلم يأخذون حكم الحاكم المسلم في مسألة عدم الإنكار عليهم علانية بإطلاق، فذلك ليس من منهج السلف، وإنما هو افتراء من بعض الخصوم لما أعيتهم الحجج ولم يجدوا إلا رجل القش...كعادتهم


فمجرد إنابة الحاكم للمفتي في الفتوى لا يقتضي أن تُنزَّل عليه أحكام ولاة الأمر من كل وجه، ولا أن تكون له مكانته بحيث تترتب نفس المفاسد المترتبة في حال الإنكار على الحاكم نفسه. 

ومن المعلوم أن النهي عن الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته إنما هو معلَّل بعلة معقولة، وليس تعبديًا محضًا. 

وهذه العلة – أعني خشية الفتنة العامة – غير متحققة في حال دور الإفتاء والوزارات، بل هي منتفية أو مرجوحة.


ثم إن إنابة الحاكم لهم لا تعني إطلاق العنان لهم في الكلام في دين الله بلا ضابط ولا منهجية مطردة، وإنما هي مشروطة بالتزامهم أصول الشريعة وقواعدها، وعدم مخالفتهم منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والمسائل. فإذا خالف أحدهم أصلًا من أصول السنة، أو أخطأ قواعد الاستدلال 

فإن هذه الإنابة لا تُسوِّغ مخالفته، ولا تمنع من الإنكار عليه علانية؛ صيانةً للشريعة وحفظًا لها من التحريف. 

ولهذا أنكر أئمة أهل الحديث – كالإمام أحمد وغيره – على القضاة الذين ولّاهم المأمون والواثق، وذكروا أسماءهم صراحة.


فإن قيل: لِمَ لا يُقال مثل هذا في الحاكم؟

فالجواب: إن المنع من الإنكار العلني على الحاكم حال الغيبة إنما هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار عليه وبين الفوضى والفتنة العامة المؤدية إلى الخروج، وهذا هو الذي راعاه السلف. 


أما في شأن دور الإفتاء والوزارات، فلا يتحقق هذا الإفضاء إلى الفتنة العامة؛ إذ بوسع الحاكم عزلهم من مناصبهم متى شاء، بخلاف ما لو كان الإنكار متوجهًا إليه هو.


✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار


---

الاثنين، 8 سبتمبر 2025

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

 🌟

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

فقد زعم بعض أدعياء العلم أن كل فلس يدفعه المستهلك في شراء "البيبسي" يصل يقينًا إلى آلة القتل الصهيوونية، مستندًا إلى فرضية محاسبية تقول: إن كل فلسٍ يدفعه المستهلك يتحول جزء منه يقينًا إلى نسبة رقمية تدخل في تشكيل الأرباح النهائية التي يُقتطع منها الدعم المقدم للكيان.!!! 


🌟والمقدمة الكلية صحيحة وهي أن كل إعانة للعدو على المسلمين فهي محرمة 

إلا أن الإشكال في المقدمة الصغرى،وهي جعل هذا الافتراض المحاسبي من صور الإعانة المحرمة الموجبة للإثم! 

🌟

وهنا نسأل كم بقي من الدينار الذي يدفعه المستهلك الفرد ليتحوّل إلى جزء من أرباح الشركة بعد الخصومات؟

ثم ما مدى تأثير هذا المتبقي في تمكين الشركة من فعل المحرم؟...!!!

🌟

عندما نتحدث عن الإيجاب الفردي وتأثيم كل شخص، فنحن نقصد أثر مال الشخص الواحد بعينه الذي لا يذهب مباشرة لتمويل محرم:

وهذا المال نسبته ضئيلة جدًا لا يظهر أثرها في ميزانية الشركة ....فهو غير مباشر وغير مؤثر.. فكيف يؤثم المشتري للبيبسي؟!!!

والفقهاء ينظرون إلى الأثر وغالبية الإفضاء، ويظهر ذلك جلياً في اختلافهم في بيع ما يصنع به السلاح كالحديد للحربي، وفي كلاهم في باب سد الذرائع....

🌟

ولتدرك مدى خطورة هذا التصوّر الفرضي الحسابي، سألفت نظرك إلى ما يترتب عليه من تحريم معاملات هي في الحقيقة جائزة باتفاق الفقهاء

ففي ثبت الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه)

مع أن جزءا من ثمن الطعام سيدخل ضمن أرباح عامة لذلك اليهودي ويُصرَف في معاملات ربوية وشراء أمور محرمة كالخمر ، فأين ذهبت تلك الفرضية؟!!!

وكذلك الصحابة كانوا يتعاملون معهم..مما يدل على أن مجرد دخول المال في جزء من أرباحهم ليس هو مناط تحريم الإعانة على الإثم. 


قال الشافعي:(لا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق وطعام ولا شيء غيره) الأم (٧/٣٥٢)

فلو صحّت تلك الفرضية المحاسبية، للزم القول بتحريم هذه المعاملة، لأن جزءا من أموال المسلمين ستشكل أرباحا للحربي مما تزيد اقتصاد العدو الحربي وتعينه على قتال المسلمين، فكيف غاب ذلك عن الشافعي حتى قال بالجواز؟!!!! وكيف غاب عنه وأدركه الدعي؟!!! 


وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآناً وسنة. ا.هـ 


بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أجاز البيع للتتار إذا كان في مأكول أو ملبوس، ولم يجعل ذلك من الإعانة، ولا خطر على باله تلك الفلسلفة المحاسبية، قال ابن تيمية:(يجوز أن يبيع من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم) 

🌟

ولو طُبّقت هذه الفرضية الحسابية وجُعلت مناطا شرعيا للزم: تحريم الشراء من محلات المواد الغذائية التي تبيع الدخان؛ لأن جزءا من مال الشراء سيدخل في الأرباح ويذهب لشراء الدخان... 


بل يلزم منها تحريم أغلب المعاملات المعاصرة؛ لأن كثيرا من الشركات تساهم بطريقة أو بأخرى في محرم ما. 


وهذا لا يقول به من هو مجاور للفقهاء فضلا عن أن يقول به فقيه، بل لا يقول به عاقل يعي ما يقول!

🌟

ولا يراد بعين المال: الورقة النقدية نفسها التي تخرج من جيب المشتري 

فتصوير  (عين المال) كأنه يوضع في صرّة يُكتب عليها اسم المشتري، وأن التحريم متعلّق بتيقّن وصول هذه الصرّة بعينها للعدو الصهيوني

ما هو إلا فهم ساذج لا يليق بمن يتكلم في العلم، ولا يستحق الرد...

🌟

ولا أدري بماذا سيصف هؤلاء الشيخ العثيمين الذي أعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة

فقد سئل: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية فما حكم شراب هذا المشروب؟ و ما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان؟.

فكان جوابه : ألم يبلغك أن النبي  اشترى من يهودي طعاماً لأهله؟ ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي ، ألم يبلغك أن الرسول  قبل الهدية من اليهود؟ .... شريط لقاء الباب المفتوح رقم 61-70 

🌟

وأخيرا لا أتكلم هنا عن المقاطعة من باب السياسة الشرعية والضغط الاقتصادي، وإنما أتكلم عنها من باب الإثم الشرعي الفردي.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 5 سبتمبر 2025

#مقاطعة_شركة_البيبسي ونظائرها

 قال الصادق الغرياني:( كل من يستخدم سلعة داعمة للكيان يمكن الاستغناء عنها فعو شريك لما يحدث في غزة)


1-من أبرز الإشكالات في فتاوى الشيخ #الغرياني ـ هداني الله وإياه ـ تعجّله في القطع بالأحكام دون تفصيل. فقد جزم سابقاً بأن كل لحم مستورد من البرازيل غير مذكى، وعدّ آكله كمن يأكل الميتة! مع أن الكلام فيما هو مجهول ومشكوك فيه وليس فيما علم أنه ذبح بغير ذكاة شرعية

ثم عاد في مسألة المقاطعة ليحكم بأن كل من لم يقاطع شريك للعدو في قتل المسلمين. فأي فقه هذا؟ 


2-إن دار الإفتاء بهذه الإطلاقات المتعسفة صارت كأنها "دولة داخل دولة"، مع أن القضايا الكبرى كالمقاطعة تدخل في باب السياسة الشرعية، وتحتاج لتقدير مشترك بين العلماء وأهل الاقتصاد والسياسة، إذ قد تكون المصلحة في المقاطعة، وقد تكون في عدمها.


3-ملاحظات على إطلاقات الشيخ 

قوله بوجوب المقاطعة على كل مسلم، وتأثيم كل من لم يقاطع، والحكم عليه بأنه شريك لليهود في قتل المسلمين – بإطلاق – لا يستقيم شرعاً؛ لأن المناط الشرعي للتأثيم: علم المسلم -سواء كان بيقين أو بغلبة ظن- أن المال الذي يدفعه بعينه سيذهب إلى قتل المسلمين أو دعم عدوهم مباشرة...وليس مجرد الشك..


• وقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله حين سُئل عن استئجار ضيعة أوقفها النصارى للكنيسة فقال: "لا يأخذها بشيء لا يُعينهم على ما هم فيه". 


• وجاء في بلغة السالك: "يُمنع بيع كل شيء عُلِم أن المشتري قصد به أمراً محرماً". 


فمن تحقق عنده هذا العلم أو غلب على ظنه وجبت عليه المقاطعة، وإلا فلا يجب ولا إثم عليه، وإن كانت المقاطعة مشروعة من باب الاحتياط.


4-فالشيخ لا يميز في الحكم بالتأثيم بين من شك ومن علم، ويعطي الشاك حكم العالم، وهذا من غر يب ما يذكر!!!!! 


5-وأما الكلام عن أصل المقاطعة فهذا مبني على باب السياسة الشرعية 

ولا تقوم به #دار_الإفتاء وحدها بل لابد من مشاركة خبراء الاقتصاد والتجارة وأهل السياسة، فليس كل ما صلح لأهل بلد يصلح للبلد الآخر، فخسارة الشركة الأم بالمقاطعة قد يقابلها خسارة أكبر لبلد مسلم، وخذا يحتاج إلى فقه الموازنات...


6-ما يروّجه بعض المتحمسين من أن جدوى المقاطعة وحدها تكفي لإثبات وجوبها العيني، جهلٌ بمناط الحكم؛ لأن جدوى المقاطعة من حيث تأثيرها الاقتصادي أمر معتبر، لكنه لا يجعلها بالضرورة واجبة على كل فرد بعينه؛ لأن مناط الوجوب العيني ليس الجدوى الاقتصادية

وكذلك الحكم العام ليس مناطه تأثيرها الاقتصادي على العدو فقط، وإنما يراعى في ذلك أيضا تأثيرها على البلد المقاطع، ومن المعلوم أن تقدير المصلحة العامة لا يختص به الأفراد أو أهل العلم وحدهم، بل هو شأن تشاوري بين الفقهاء وأهل السياسة والاقتصاد. 


والخلاصة

لا نوجب المقاطعة على كل مسلم وإنما نوجبها على من علم أن ماله يذهب لدعم الكيان 

وهذا لا ينفي أصل مشروعية المقاطعة .. 


🌟

من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.

فقد زعم بعض أدعياء العلم أن كل فلس يدفعه المستهلك في شراء "البيبسي" يصل يقينًا إلى آلة القتل الصهيوونية، مستندًا إلى فرضية محاسبية تقول: إن كل فلسٍ يدفعه المستهلك يتحول جزء منه يقينًا إلى نسبة رقمية تدخل في تشكيل الأرباح النهائية التي يُقتطع منها الدعم المقدم للكيان.!!! 


🌟والمقدمة الكلية صحيحة وهي أن كل إعانة للعدو على المسلمين فهي محرمة 

إلا أن الإشكال في المقدمة الصغرى،وهي جعل هذا الافتراض المحاسبي من صور الإعانة المحرمة الموجبة للإثم! 

🌟

وهنا نسأل كم بقي من الدينار الذي يدفعه المستهلك الفرد ليتحوّل إلى جزء من أرباح الشركة بعد الخصومات؟

ثم ما مدى تأثير هذا المتبقي في تمكين الشركة من فعل المحرم؟...!!!

🌟

عندما نتحدث عن الإيجاب الفردي وتأثيم كل شخص، فنحن نقصد أثر مال الشخص الواحد بعينه الذي لا يذهب مباشرة لتمويل محرم:

وهذا المال نسبته ضئيلة جدًا لا يظهر أثرها في ميزانية الشركة ....فهو غير مباشر وغير مؤثر.. فكيف يؤثم المشتري للبيبسي؟!!!

والفقهاء ينظرون إلى الأثر وغالبية الإفضاء، ويظهر ذلك جلياً في اختلافهم في بيع ما يصنع به السلاح كالحديد للحربي، وفي كلاهم في باب سد الذرائع....

🌟

ولتدرك مدى خطورة هذا التصوّر الفرضي الحسابي، سألفت نظرك إلى ما يترتب عليه من تحريم معاملات هي في الحقيقة جائزة باتفاق الفقهاء

ففي ثبت الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه)

مع أن جزءا من ثمن الطعام سيدخل ضمن أرباح عامة لذلك اليهودي ويُصرَف في معاملات ربوية وشراء أمور محرمة كالخمر ، فأين ذهبت تلك الفرضية؟!!!

وكذلك الصحابة كانوا يتعاملون معهم..مما يدل على أن مجرد دخول المال في جزء من أرباحهم ليس هو مناط تحريم الإعانة على الإثم. 


قال الشافعي:(لا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق وطعام ولا شيء غيره) الأم (٧/٣٥٢)

فلو صحّت تلك الفرضية المحاسبية، للزم القول بتحريم هذه المعاملة، لأن جزءا من أموال المسلمين ستشكل أرباحا للحربي مما تزيد اقتصاد العدو الحربي وتعينه على قتال المسلمين، فكيف غاب ذلك عن الشافعي حتى قال بالجواز؟!!!! وكيف غاب عنه وأدركه الدعي؟!!! 


وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآناً وسنة. ا.هـ 


بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أجاز البيع للتتار إذا كان في مأكول أو ملبوس، ولم يجعل ذلك من الإعانة، ولا خطر على باله تلك الفلسلفة المحاسبية، قال ابن تيمية:(يجوز أن يبيع من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم) 

🌟

ولو طُبّقت هذه الفرضية الحسابية وجُعلت مناطا شرعيا للزم: تحريم الشراء من محلات المواد الغذائية التي تبيع الدخان؛ لأن جزءا من مال الشراء سيدخل في الأرباح ويذهب لشراء الدخان... 


بل يلزم منها تحريم أغلب المعاملات المعاصرة؛ لأن كثيرا من الشركات تساهم بطريقة أو بأخرى في محرم ما. 


وهذا لا يقول به من هو مجاور للفقهاء فضلا عن أن يقول به فقيه، بل لا يقول به عاقل يعي ما يقول!

🌟

ولا يراد بعين المال: الورقة النقدية نفسها التي تخرج من جيب المشتري 

فتصوير (عين المال) كأنه يوضع في صرّة يُكتب عليها اسم المشتري، وأن التحريم متعلّق بتيقّن وصول هذه الصرّة بعينها للعدو الصهيوني

ما هو إلا فهم ساذج لا يليق بمن يتكلم في العلم، ولا يستحق الرد...

🌟

ولا أدري بماذا سيصف هؤلاء الشيخ العثيمين الذي أعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة

فقد سئل: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية فما حكم شراب هذا المشروب؟ و ما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان؟.

فكان جوابه : ألم يبلغك أن النبي  اشترى من يهودي طعاماً لأهله؟ ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي ، ألم يبلغك أن الرسول  قبل الهدية من اليهود؟ .... شريط لقاء الباب المفتوح رقم 61-70 

🌟

وأخيرا لا أتكلم هنا عن المقاطعة من باب السياسة الشرعية والضغط الاقتصادي، وإنما أتكلم عنها من باب الإثم الشرعي الفردي.

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

يحتج بعضهم فيقول: لو كان ترك النبي ﷺ للفعل دليلًا على المنع، لكان ركوب السيارة واستعمال التقنية حرامًا

 🌟يحتج بعضهم فيقول: لو كان ترك النبي ﷺ للفعل دليلًا على المنع، لكان ركوب السيارة واستعمال التقنية حرامًا، ولكانت صلاة التراويح بدعة

ويظن أنه قد أقام الحجة وأسكت الخصم! 

وما يدري المسكين أن المسألة أعمق من ذلك، وأن الترك ليس على مرتبة واحدة، فليس كل ترك يدل على المنع، وإنما هو ترك مخصوص..


🔹 أولًا:

القاعدة لا تجري في الأمور الدنيوية ولا العادات المحضة ولا وسائلهما، وقد قال النبي ﷺ قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم».

فركوب السيارة أو استعمال التقنية أمر دنيوي محض، لا علاقة له بمبحث البدعة وليس هل محل الترك ابذي يدل على المنع

فلا تتفلسف....

القاعدة متعلقة بالتشريع وبالأمور الدينية، وليست بالأمور الدنيوية 


🔹 ثانيا: 

الأصل أن النبي ﷺ لم يترك خيرًا يقرب إلى الله إلا وأرشد إليه، فإذا وُجد السبب في عهده ولم يوجد مانع، ومع ذلك ترك الفعل ولم يشرع لأمته، دل ذلك على أن هذا الترك مقصود تشريعًا. 


🔹 ثالثا: 

انتبه حتى في الأمور الدينية ليس كل ترك يدل على المنع

وإنما الترك الذي وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا مانع يمنعه من الفعل

فخرجت بذلك صلاة التروايح لأن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها هو خشية أن تفرض على الأمة 


وحتى في الذي وجد داعيه ولا مانع ليس كل ترك يدل على المنع

وإنما الترك الذي لا يوجد فيه آثار عن الصحابة والتابعين في تجويز الفعل 

ولم يجر عمل المسلمين أو جمهور السلف على تجويز الفعل.... 


🌟أحد المتفيقهين يسأل إذا كان الاحتفال بالمولد بدعة لترك النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا لا يكون دعاء ختم القرآن في التراويح بدعة؛ لترك النبي صلى الله عليه وسلم؟ 


🌟وجوابه كما تقدم، يشترط في الترك حتى يصح إعماله في المنع ألا يجري عليه عمل جمهور السلف

ولما سئل الإمام أحمد عن مستنده في القول بجواز دعاء الختم قال:(رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة

قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركنا الناس بالبصرة ومكة...اه 


🌟ولهذا كان الحكم واضحًا: 


• دعاء الختم لم يُعد بدعة لثبوته عن جماعة من السلف.

• والاحتفال بالمولد حُكم ببدعيته لكونه محدثًا بعد القرون المفضلة، دون مستند من هدي النبي ﷺ ولا عمل السلف ولا جماعة منهم. 


ولمزيد تفصيل راجع هذه الرسالة

https://t.me/dr_alnjar/3586


د. أحمد محمد الصادق النجار