الأربعاء، 13 أغسطس 2025

مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب


مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب

بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار –

يُثار هذه الأيام سؤال مهم: هل يجوز نقد القيادات المقاومة زمن الحرب، خاصة إذا كان القتال مع الكفار أو أن هذا النقد يُضعف الصف ويُعد خيانة أو نفاقًا؟؟
وقد عبّر الشيخ فيصل قزاز عن موقف مانع من النقد وجعله من باب الخيانة والنفاق، معتبرًا أن هذا النقد لا يُعرف في تاريخ المسلمين إلا من الخونة والمنافقين.

قال:"لا يعرف في تاريخ المسلمين أن حربًا قامت بين المسلمين والكفار ووقف عالم من علماء المسلمين ينتقد المسلمين والحرب قائمة، بل لا يعرف هذا إلا من الخونة والمنافقين...

وإذا أردنا مناقشته:
.أولا: من حيث التأصيل الشرعي

النهي عن نقد المسلمين زمن الحرب ليس حكمًا مطلقًا عند علماء أهل السنة، بل هو مقيّد بحال تحقق الجهاد الشرعي واستكمال شروطه وانتفاء موانعه، مع رجحان المصلحة في السكوت
• أما إذا كان القتال فاقدًا لشروطه الشرعية، أو محققًا لمفسدة أكبر، فإن بيان الحكم الشرعي يصبح واجبًا، ولو في زمن الحرب، بشرط أن يكون بأسلوب منضبط يراعي المصلحة ويدرأ المفسدة.

والواقع أن الشيخ فيصل ومن على شاكلته يتكلمون عن أحكام الجهاد الشرعي الذي وُجد سببه وتحقّق شرطه، بينما يتحدث السلفيون عن قتال وُجد سببه لكن لم يتحقق شرطه الشرعي...

ثانيا: من حيث الاستقراء التاريخي

الاستقراء الذي يذكره الشيخ فيصل غير مكتمل؛ فالتاريخ الإسلامي شهد حالات نقد وتصحيح زمن الحرب إذا كان القتال غير مستوفٍ لشروطه.
ومن ذلك ما جرى زمن اجتياح التتار لدمشق، حيث خرج كثير من الناس يستغيثون بالأموات، فأنكر العلماء ذلك رغم أن العدو على الأبواب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولِما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا..."

فهذا المثال يدل على أن النقد زمن الحرب قد يكون مشروعًا إذا كان الهدف إصلاح المسار وتصحيح الفعل قبل المضي فيه.

ومن هنا، فإن من ذمّ الإقدام على قتال لم تكتمل حقيقته الشرعية، لم يذمه لأنه قاتل الكفار أو شارك في جهاد مستوفٍ لشروطه، بل ذمه؛ لأنه أقدم على فعل ناقص الشروط، ترتّب عليه ضرر عام ومفسدة راجحة لا تقرّها الشريعة...

وأما رميه لمخالفيه بتهم التخذيل والخيانة والنفاق فهو تعد ظاهر ولم يراعِ المعنى الذي اعتبرته الشريعة في النهي عن التثبيط والتخذيل في جهاد وجد سببه وتحقق شرطه، وهو:التأثير السلبي المباشر والراجح على سير الجهاد في ساحة المعركة.[انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (12/217)]
فما كان ضرره على الجهاد في ميدان القتال عظيماً، مُنع منه شرعاً.
أما ما كان ضرره مرجوحاً ومصلحته راجحة، أو كان الشروع في القتال خطأً لعدم تحقق شرطه الشرعي – ولو كان جهاد دفع – فإن التصحيح واجب؛ حماية للأرواح والمصالح الشرعية.

والذي يؤسفني -حقيقة- الحال الذي وصل إليه الشيخ فيصل قزاز بسبب خصوماته مع بعض المشايخ، فضيع البوصلة...

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_13.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق