🌟
من الجهل المركّب أن يُبنى وجوب المقاطعة العيني الفردي على افتراض محاسبي لا يرقى إلى مرتبة غلبة الظن، فضلاً عن اليقين.
فقد زعم بعض أدعياء العلم أن كل فلس يدفعه المستهلك في شراء "البيبسي" يصل يقينًا إلى آلة القتل الصهيوونية، مستندًا إلى فرضية محاسبية تقول: إن كل فلسٍ يدفعه المستهلك يتحول جزء منه يقينًا إلى نسبة رقمية تدخل في تشكيل الأرباح النهائية التي يُقتطع منها الدعم المقدم للكيان.!!!
🌟والمقدمة الكلية صحيحة وهي أن كل إعانة للعدو على المسلمين فهي محرمة
إلا أن الإشكال في المقدمة الصغرى،وهي جعل هذا الافتراض المحاسبي من صور الإعانة المحرمة الموجبة للإثم!
🌟
وهنا نسأل كم بقي من الدينار الذي يدفعه المستهلك الفرد ليتحوّل إلى جزء من أرباح الشركة بعد الخصومات؟
ثم ما مدى تأثير هذا المتبقي في تمكين الشركة من فعل المحرم؟...!!!
🌟
عندما نتحدث عن الإيجاب الفردي وتأثيم كل شخص، فنحن نقصد أثر مال الشخص الواحد بعينه الذي لا يذهب مباشرة لتمويل محرم:
وهذا المال نسبته ضئيلة جدًا لا يظهر أثرها في ميزانية الشركة ....فهو غير مباشر وغير مؤثر.. فكيف يؤثم المشتري للبيبسي؟!!!
والفقهاء ينظرون إلى الأثر وغالبية الإفضاء، ويظهر ذلك جلياً في اختلافهم في بيع ما يصنع به السلاح كالحديد للحربي، وفي كلاهم في باب سد الذرائع....
🌟
ولتدرك مدى خطورة هذا التصوّر الفرضي الحسابي، سألفت نظرك إلى ما يترتب عليه من تحريم معاملات هي في الحقيقة جائزة باتفاق الفقهاء
ففي ثبت الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه)
مع أن جزءا من ثمن الطعام سيدخل ضمن أرباح عامة لذلك اليهودي ويُصرَف في معاملات ربوية وشراء أمور محرمة كالخمر ، فأين ذهبت تلك الفرضية؟!!!
وكذلك الصحابة كانوا يتعاملون معهم..مما يدل على أن مجرد دخول المال في جزء من أرباحهم ليس هو مناط تحريم الإعانة على الإثم.
قال الشافعي:(لا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق وطعام ولا شيء غيره) الأم (٧/٣٥٢)
فلو صحّت تلك الفرضية المحاسبية، للزم القول بتحريم هذه المعاملة، لأن جزءا من أموال المسلمين ستشكل أرباحا للحربي مما تزيد اقتصاد العدو الحربي وتعينه على قتال المسلمين، فكيف غاب ذلك عن الشافعي حتى قال بالجواز؟!!!! وكيف غاب عنه وأدركه الدعي؟!!!
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحامهم ما حرم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآناً وسنة. ا.هـ
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه أجاز البيع للتتار إذا كان في مأكول أو ملبوس، ولم يجعل ذلك من الإعانة، ولا خطر على باله تلك الفلسلفة المحاسبية، قال ابن تيمية:(يجوز أن يبيع من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم)
🌟
ولو طُبّقت هذه الفرضية الحسابية وجُعلت مناطا شرعيا للزم: تحريم الشراء من محلات المواد الغذائية التي تبيع الدخان؛ لأن جزءا من مال الشراء سيدخل في الأرباح ويذهب لشراء الدخان...
بل يلزم منها تحريم أغلب المعاملات المعاصرة؛ لأن كثيرا من الشركات تساهم بطريقة أو بأخرى في محرم ما.
وهذا لا يقول به من هو مجاور للفقهاء فضلا عن أن يقول به فقيه، بل لا يقول به عاقل يعي ما يقول!
🌟
ولا يراد بعين المال: الورقة النقدية نفسها التي تخرج من جيب المشتري
فتصوير (عين المال) كأنه يوضع في صرّة يُكتب عليها اسم المشتري، وأن التحريم متعلّق بتيقّن وصول هذه الصرّة بعينها للعدو الصهيوني
ما هو إلا فهم ساذج لا يليق بمن يتكلم في العلم، ولا يستحق الرد...
🌟
ولا أدري بماذا سيصف هؤلاء الشيخ العثيمين الذي أعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة
فقد سئل: فضيلة الشيخ يوجد مشروب يسمى الكولا تنتجه شركة يهودية فما حكم شراب هذا المشروب؟ و ما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان؟.
فكان جوابه : ألم يبلغك أن النبي اشترى من يهودي طعاماً لأهله؟ ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي ، ألم يبلغك أن الرسول قبل الهدية من اليهود؟ .... شريط لقاء الباب المفتوح رقم 61-70
🌟
وأخيرا لا أتكلم هنا عن المقاطعة من باب السياسة الشرعية والضغط الاقتصادي، وإنما أتكلم عنها من باب الإثم الشرعي الفردي.
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق