لم نقل يوما إن نواب الحاكم المسلم يأخذون حكم الحاكم المسلم في مسألة عدم الإنكار عليهم علانية بإطلاق، فذلك ليس من منهج السلف، وإنما هو افتراء من بعض الخصوم لما أعيتهم الحجج ولم يجدوا إلا رجل القش...كعادتهم
فمجرد إنابة الحاكم للمفتي في الفتوى لا يقتضي أن تُنزَّل عليه أحكام ولاة الأمر من كل وجه، ولا أن تكون له مكانته بحيث تترتب نفس المفاسد المترتبة في حال الإنكار على الحاكم نفسه.
ومن المعلوم أن النهي عن الإنكار العلني على الحاكم حال غيبته إنما هو معلَّل بعلة معقولة، وليس تعبديًا محضًا.
وهذه العلة – أعني خشية الفتنة العامة – غير متحققة في حال دور الإفتاء والوزارات، بل هي منتفية أو مرجوحة.
ثم إن إنابة الحاكم لهم لا تعني إطلاق العنان لهم في الكلام في دين الله بلا ضابط ولا منهجية مطردة، وإنما هي مشروطة بالتزامهم أصول الشريعة وقواعدها، وعدم مخالفتهم منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والمسائل. فإذا خالف أحدهم أصلًا من أصول السنة، أو أخطأ قواعد الاستدلال
فإن هذه الإنابة لا تُسوِّغ مخالفته، ولا تمنع من الإنكار عليه علانية؛ صيانةً للشريعة وحفظًا لها من التحريف.
ولهذا أنكر أئمة أهل الحديث – كالإمام أحمد وغيره – على القضاة الذين ولّاهم المأمون والواثق، وذكروا أسماءهم صراحة.
فإن قيل: لِمَ لا يُقال مثل هذا في الحاكم؟
فالجواب: إن المنع من الإنكار العلني على الحاكم حال الغيبة إنما هو بالنظر إلى قوة التلازم بين الإنكار عليه وبين الفوضى والفتنة العامة المؤدية إلى الخروج، وهذا هو الذي راعاه السلف.
أما في شأن دور الإفتاء والوزارات، فلا يتحقق هذا الإفضاء إلى الفتنة العامة؛ إذ بوسع الحاكم عزلهم من مناصبهم متى شاء، بخلاف ما لو كان الإنكار متوجهًا إليه هو.
✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار
---
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق