الأحد، 28 أبريل 2024

#الحوار_بين_الأديان

 الحوار بين الأديان والتسامح بين أتباعها

لا يقصد به في وقتنا المصالحة والهدنة ومجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم ونقاشهم أو محاولة تغيير ما يعتقدونه، أو المتاجرة معهم...

وإنما يقصد به إذابة الخلاف، ويظهرون ذلك تحت شعار تحقيق التفاهم المشترك والعمل على القواسم المشتركة ويركزون على أن المواطنة تقتضي إعطاء الجميع نفس الحقوق واحترام اعتقاد الآخر..

وقد جنح الغرب لهذا الطرح؛ إدراكا منهم لتأثير الأديان على الشعوب، حتى قال الألماني هانز كونغ: (لن يكون هناك سلام بين الأمم ما لم يكن هناك سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان ما لم يكن هناك حوار بين الأديان)
ومثل هذا الطرح هو في حقيقة الأمر يخدم العالمانية التي تريد فصل الدين عن جوانب الحياة؛ لأن فكرة الحوار الحقيقية ناشئة عن كون الأديان هي سبب الدمار والشرور...

ودعاتها الأصليون يرون أنها مرحلة لأجل أن تذوب فيها الهوية الدينية وثوابت الدين ثم يسهل بعد ذلك الانتقال عنه والتحرر منه

وهذا المقصود وهو التحرر من الدين وقيام الإنسانية مكانه لما كان صعب المنال في الوقت الحالي اتخذوا استراتيجية يمكن تفعليها وهي جعل موضوع الحوار هو التعايش السلمي والتعاون على القضايا المشتركة  العنف...
وحتى يبعدوا الدين عن الاستدلال به والاعتماد عليه كخطوة أولى وضعوا لذلك التعاون وتلك المحافظة مواثيق وقوانين وبنود منها ينطلقون وعليها يعتمدون؛ لإفهام الناس أنه يمكن الاستغناء عن الدين ...

وقد أصبح الحوار في عصرنا طريقا لدخول الطقوس الدينية الوثنية وغيرها في بلدان المسلمين وإنشاء المعابد لهم...
وطريقا لنزع أن يكون الإسلام هو الحق المطلق والأوحد، وأن الله لا يقبل دينا سواه...

ولا يمكن أن يقاس على تعايش النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهو د؛ لأن التعايش قائم على ظهور دين الإسلام، والقيام بأصل الولاء والبراء، ومحله : حسن المعاملة والعدل والتعاون فيما فيه مصلحة المسلمين...

لكن تبقي مسألة إطلاق الزندقة والكفر وتضييع الأمانة والاتهام بهدم الولاء والبراء لكل من يشارك فيه أو يؤيده من وجه
فهذا بعيد كل البعد عن التحقيق
لاسيما وأن الشعارات المرفوعة وتفسيرهم للحوار لم يرق بعد إلى دمج الأديان واعتقاد صحتها وتسويغ اعتقاداتها ، أو حتى هدم الولاء والبراء...

فليس كل من شارك أو أيد المشاركة أو استعمل مصطلح الحوار نظر إلى المعنى الفاسد الذي يحوم حول الحوار، خصوصا وأن الحوار قائم به أو بدونه، وليس هو من أصحاب القرار ولا المؤثر عليهم..........

وهذا يقتضي فقها في التعامل مع الواقع الذي لا يمكن دفعه، واقتضاه ضعف الأمة وهيمنة الغرب
وحتى على مستوى الدول التي يفرض عليها مثل هذه الحوارات أو الجامعات
لابد أن تكون المشاركة وفق ضوابط وبما يحافظ على علو الإسلام وظهوره
فبناء عمل مشترك بين الأديان لمواجهة الإلحاد مثلا أو الشذوذ الجنسي او انفكاك الأسرة ...
يتوقف تسويغ ذلك على إمكانية إظهار الهوية الإسلامية وبيان علوها، وأن تكون هي المرجع

وكما نحتاج إلى هذا النوع من المشاركة حتى لا ينفرد بالمشاركة من يمثل ما يدعى زورا بالإسلام الليبرالي،  ومن اشتري بالمال من مشايخ السوء...
نحتاج أيضا إلى خطاب تنفيري من مثل هذه الحوارات وبيان حقيقتها من غير اتهام بالزندقة والردة والكفر لكل من يشارك.

وأخيرا
قد راعى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الصحيح الذي تضمنه حلف الفضول من نصرة المظلوم وإعادة الحقوق إلى أهلها وقال لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت
وليس المقصود هنا تفسير حوار الأديان أو حوار أتباع الأديان بالحلف، وإنما المقصود التنبيه إلى الوسيلة التي رضيها النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق معنى يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم...

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 27 أبريل 2024

لماذا تحارب #دار_الإفتاء الليبية؟

 لماذا تحارب #دار_الإفتاء الليبية؟

(أنت فاهمني غلط)

كثيرا ما أُسأل هذا السؤال، وجوابه:

لم أحارب يوما دار الإفتاء كمؤسسة
لم أحارب دار الإفتاء لألغي جهود العاملين فيها
لم أحارب دار الإفتاء في مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف
فكون الدار تأخذ بمشهور المذهب المالكي لا إشكال في ذلك، ولم نعترض عليه...

ثم إن كلمة أحارب ليست دقيقة في التعبير عن موقفي من الدار
لأن الحرب فيه معنى السلب والإتلاف، وأما ردودي فقد قامت على العلم والأدب والحفاظ على رأس المال نقيا صافيا...

المهم
ردودي إنما كانت على من دخل تحت مظلة هذه المؤسسة الرسمية التابعة للدولة ليمرر منهجا وفكرا دخيلين...
كيف ذلك؟

عندما يلتف على الدار من عرفوا بغلوهم أيام حرب الخليج، ومن يبرئ منهم ابن لا دن من الغلو في التكفير، كان لا بد من الوقوف ضدهم وبيان حالهم؛ حتى لا يكونوا سببا في إغلاق المؤسسة بعد أن فرحنا بوجودها؛ إذ إن هذا المنهج ما دخل مكانا إلا وكان سببا في زواله وإسقاطه.......

ولا غرابة من دخولهم تحت هذه المظلة مع أنها تتبع الدولة التي لا يقرون بولايتها الولاية الشرعيةإلا أن الغاية قد تبرر الوسيلة، ولما كانت أفكارهم لا تتعارض مع طريقة الشيخ وأسلوبه في تناوله قضايا الأمة مع أحكامه المطلقة التي لا يراعي فيها المناط الخاصة للوقائع ولا عوارض الأهلية ووجود الموانع في الأعيان؛ حتى جعله بعضهم شيخ الإسلام والإمام الأوحد...
التفوا حوله ...
من هنا كان لابد من بيان حالهم وتوالي الردود عليهم...........

عندما يظهر جليا بين سطور بيانات مجلس البحوث التلويح بالردة والكفر في مسائل تحتمل، خصوصا ما تعلق منها بموالاة الكفا ر ... كان لابد من الردود عليهم......................

عندما يُجعل الكلام في قضايا الأمة بما يتوافق مع ميولهم وما يقتضيه منهجهم هو المعيار في الولاء والبراء والحب والبغض كان لابد من الردود عليهم..................

عندما يُجعل الكلام حول العقيدة الصحيحة وبيان ان الخلاف مع الفرق خلاف أصول: كلاما غير مرغوب فيه بل يقرب المنحرف في العقيدة ويقدم للناس على أنه عالم ومفت في وقت يحتاج فيه إلى بيان معتقده بل وبيان محاربته للاعتقاد الصحيح كان لابد من الردود عليهم..................
ولما كنت أدرس عندهم في المعهد وأبين المعتقد الصحيح أخذوا مني مادة العقيدة وأعطوني مادة أخرى
فرفضت
وللأسف جملة من الطلاب انحرفوا عما كانوا عليه...

عندما يجعلون الإفتاء بما خالف مشهور المذهب من التشويش على الناس وإذكاء الفتنة مع أنه لا فتنة في واقع الأمر؛ لأن الناس يستفتون دار الإفتاء في مسائل الفروع؛ لكونها مؤسسة تتبع الدولة، فكان من الطبيعي أن يتوجهوا إليها في الفروع
ويستفتون غيرها
وقد تآلف الناس على وجود الخلاف في الفروع من غير أن يحدث بينهم فتنة كان لابد من الردود عليهم في إحياء التعصب..................

عندما يأخذون بقول شاذ في الاعتماد على قول الفلكيين في النفي ويتركون ما دلت عليه النصوص الشرعية في أمر متعلق بركن من أركان الإسلام كان لابد من الردود عليهم..................

عندما تستعمل قواعد في غير محلها كقاعدة اجتماع المباشر والسبب، ويخلط بين مجرد الترك والامتناع في مسألة مشاركة الفاعل في الفعل والعقوبة، ويتساهل في تنزيل الأحكام المطلقة على واقع خاص كان لابد من الردود عليهم..................

عندما يصبح المتحكم في تصور الشأن العام والحكم عليه أشخاصا معينين لهم تأثيرهم التام على الفتاوى والبيانات  كان لابد من فضحهم والردود عليهم.......
...........

عندنا ينشئون تيارا يريدون به أن يتفردوا بالقول ويحملوا الشعب عليه
وما عدا قولهم واجتهادهم فإنه يعد تشويشا وتشغيبا وتحنبلا!! هذا في الفروع ..
وأما في الأصول؛ فيريد كثير منهم أن يسوغ عقائد الجميع ولو كانت عقيدة معتزلية!؛ ليتسنى بعد ذلك إقناع الناس برباعيتهم؛ بحجة أنه عمل أهل البلد!!
وأما في السياسة فما أريكم إلا ما أرى !!!
كان لابد من فضحهم والردود عليهم.......
...........

عندما يُنَظِّر بعضهم إلى الالتفات إلى المآسي المجتمعية وقضايا العامة
ثم يقومون بفتح ملفات على قناتهم وفي صفحاتهم ليس من المصلحة على تنظيرهم فتحها؛ إذ إن فتحها يقتضي ممن يخالفهم فتحها أيضا...
كان لابد من فضحهم والردود عليهم.......
...........

إلى غير ذلك
فليست القضية قضية شخصية، ولا المقصود مجرد الإسقاط
وإنما هو النصح والبيان...

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأربعاء، 17 أبريل 2024

الأحوط في الرخص


محل الأخذ بالاحتياط والاحتجاج به

■ذكرت في منشور سابق أن باب #الرخص كالمسح على الجورب ليس محلا للأخذ فيه بالأحوط؛ لأن الباب مبني على التسهيل والتيسير, فلا يناسبه الأحوط؛ لأن الأخذ بالأحوط فيه تشديد, فتنافت الحقيقتان...
■وبينت أن محل #الأخذ_بالأحوط والاحتحاج به بالنسبة للناظر هو #التردد والشك، فإذا تردد في كون الفعل #رخصة أو لا؛ لأنه لم يتبين له ساغ له حينئذ الأخذ بالأحوط, وإنما ساغ للمتردد أو الشاك الأخذ بالأحوط لأن ذمته مشغولة بالعبادة, فلا تبرأ ذمته إلا بيقين, والرخصة هنا مشكوك فيها عنده.
■وفسرت ذلك ببيان الغلط, وهو أن ينطلق الناظر ابتداء في عدم المسح على الجوربين مثلا من #الأحوط؛ اعتمادا على وجود #خلاف أو اعتمادا على أن المسح مختلف فيه والغسل متفق عليه...
وانتبه لهذا؛ لأنه مهم (الانطلاق من كونه أحوط)

■فاعترض أحد الإخوة بما لا يصح أن يعترض به, وأخذ يجمع أقوال الأئمة من غير أن ينقح مناطها ويهذبه كما هي عادته في غير مسألة
■فزعم وفقه الله أن السلف حرصوا على #الاحتياط_في_الرخص, ومن ذلك  -على زعمه- احتياط بعضهم في مسألة المسح على الخفين, فأورد أثرا لعمر وابن عمر ولأبي أيوب...
●ففي الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر (1/ 439)
قال روينا عن عمر بن الخطاب أنه أمرهم أن يمسحوا على خفافهم، وخلع هو خفيه وتوضأ، وقال: إنما خلعت؛ لأنه حبب إلي الطهور،
وكان أبو أيوب يأمر بالمسح على الخفين ويغسل قدميه، ويقول: أحب إلي الوضوء، وروينا عن ابن عمر أنه قال: إني لمولع بغسل قدمي، فلا تقتدوا بي.

■تحليل الروايات ومناطاتها:
●1-هم مقرون بثبوت رخصة #المسح_على_الخفين, ولهذا أمروا الناس بالمسح.
●2-علة غسلهم القدمين وتقديمه على المسح أن الغسل أحب إليهم, وليس الشك في المسح أو في عدم إجزائه, أو لاحتمال بطلان العبادة كما ادعى, فلا مدخل للأحوط هنا؛ لأنه مبنى على هذه الاحتمالات...
وأما ابن عمر فعلل بميله الطبيعي إلى غسل القدمين.
■□فكونه أحب أو أميل للطبيعة ليس فيه أخذا بالأحوط على النحو المتقدم, ولا عللوا بالعمل بما هو أضمن وأوكد في القبول.

□غريب الاستدلال بأقوالهم على الأحوط!!!!

■وأما قول الأخ:(وهذا دليل ظاهر على أن ترك الرخصة الاجتهادية المؤدية لاحتمال بطلان للعبادة الواجبة ليس تشديدا مذموما)
●لما تقرر في نفسه أن الأحوط في مسألة الرخص لابد أن يصاحبه احتمال عدم الإجزاء أو شك احتاج أن يذكره فنقض نفسه من حيث لا يدري, وهو دليل على عدم تنقيحه المناط, وأخذه الآثار من غير فقه لها, وقد تقدم نحو ذلك في عدة مسائل كمسألة الإنكار العلني, وضابط الولاية الشرعية, ومعنى القدرة الشرعية المشترطة في جها د الدفع ...


وأما ما أورده عن #الإمام_مالك (المسح [على الخفَّين] في السفر والحضر يقين لا شك فيه، ولكني كنت آخذ في نفسي بالطهور [بغسل الرجلين]، فمن مسح فلا أراه مقصرا).

●فهذه إحدى الروايات عن مالك
فقد ذكر يحيى بن إسحاق بن يحيى الأندلسي في كتابه عن أصبغ ابن الفرج قال: اختلف قول مالك في المسح على الخفين بأقاويل ثلاثة ، أخبرنا بها ابن القاسم وأشهب وابن وهب، مرة قال: لا يمسح في حضر ولا سفر، ومرة قال: يمسح في السفر ولا يمسح في الحضر، ومرة قال: يمسح على كل حال في السفر والحضر ولا يوقت وقتا ولا غيره، وهو أعم قوله في موطأه  وغيره. انظر اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر(ص: 67)

■ومبنى هذا القول على مسألة الأفضل لا على الأحوط, فاتقاه في نفسه لا على وجه الشك فيه واحتمال عدم الإجزاء, وإنما نظر إلى معنى آخر...
●قال صاحب الاستذكار والمازري: ينبغي أن يحمل قوله بالمنع على الإطلاق على الكراهة في خاصة نفسه, كالفطر في السفر جائز والأفضل تركه, انظر الذخيرة للقرافي (1/ 322)
●وقد أشار إلى هذا ابن قدامة في المغني  (620) (3/ 126) لما تكلم عن القصر في السفر: (ولا أعلم فيه مخالفا من الأئمة إلا الشافعي في أحد قوليه, قال : الإتمام أفضل ؛ لأنه أكثر عملا وعددا ، وهو الأصل ، فكان أفضل ، كغسل الرجلين) . فعلل بكونه أفضل؛ لكونه أكثر عملا, وقاسه على غسل الرجلين في الوضوء.

■والغريب أن الأخ الكريم أورد عدة مسائل لا علاقة لها بالاحتياط فجعل الداعي لها الاحتياط!!, كالحرص على صلاة الجماعة مع وجود المرض الشديد, فكون الإنسان يتحامل على نفسه ويأخذ بالشدة لا يدل على أنه فعل ذلك احتياطا؛ لأن الذمة بريئة بصلاته في بيته...
■وأورد مسألة تقديم الصوم على الفطر في السفر, وفيها أدلة محتملة...
■ومسألة القصر في السفر تركها بعض السلف حتى لا يفهم أنها فرضت كذلك, قال الشاطبي في الموافقات (4/ 102):( ( الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لما فهموا هذا الأصل من الشريعة، وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ فتركوا أشياء وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة؛ فمن ذلك ترك عثمان القصر في السفر في خلافته، وقال: "إني إمام الناس، فينظر إلي الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين؛ فيقولون: هكذا فرضت")

■وليته وقف عند هذا الحد في النقل مع عدم تحريره تلك النقول, وإنما جاوز ذلك فنقل كلاما عن بعض العلماء لا علاقة له بالمسألة المبحوثة أصلا كنقله عن #الشاطبي قوله: (فالأحرى بمن يريد براءة ذمته وخلاص نفسه الرجوع إلى أصل العزيمة، إلا أن هذه الأحروية تارة تكون من باب الندب، وتارة تكون من باب الوجوب) الموافقات (1/ 516)
●وهنا فيه بتر في كلامه, فالشاطبي قبل هذه الجملة كان يتكلم عن الرخصة التي لم يوجد شرطها.

■كما أوهم أن الشاطبي يتبنى أن الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة سائغ بل قد يكون مستحبا, لما نقل قوله: "... فثبت أن الوقوف مع العزائم أولى، والأخذ بها في محال الترخص أحر).
●مع أن الشاطبي إنما يذكر حجج من أخذ بالعزيمة والتي ذكر منها هذا القول:" فثبت أن الوقوف مع العزائم أولى", ثم ذكر حجج من لم يقدم الأخذ بالعزيمة إلى أن قال: (فإن قيل: الحاصل مما تقدم إيراد أدلة متعارضة، وذلك وضع إشكال في المسألة؛ فهل له مخلص أم لا؟ قيل: نعم، من وجهين: أحدهما:
أن يوكل ذلك إلى نظر المجتهد؛ فإنما أورد هنا استدلال كل فريق، من غير أن يقع بين الطرفين ترجيح، فيبقى موقوفا على المجتهد، حتى يترجح له أحدهما مطلقا، أو يترجح له أحدهما في بعض المواضع، والآخر في بعض المواضع، أو بحسب الأحوال). الموافقات (1/ 531)

■ثم نقل الأخ وفقه الله عن #الونشريسي وعليش كلاهما عن العز بن عبد السلام قوله: "الأخذ بالرخص محبوب ودين الله يسر ... وإن كان الأفضل الأخذ بالعزيمة تورعاً واحتياطاً واجتناباً لمظان الريب والتهم" انتهي
●والغريب أنه أهمل السياق, فالكلام في سياق تتبع الرخص, ولا شك أن الأخذ بالعزيمة مقدم على تتبع الرخص, وقد رد الونشريسي على العز قوله الأخذ بالرخص محبوب.

■وأما استعمال الأئمة للأحوط في غير الرخص لغير علة التردد والشك فهذا لا إشكال فيه وله ضابطه, وهو خارج محل البحث, وهذه مغالطة..

■ثم خلص لاستخراج نتائج لا محل لها, والوقت لا يسع لمناقشتها, فيكفي ما تقدم, والاشتغال بالتخطئة ممن لا يحسن النظر في المعاني ليس من العلم والعقل والدين.

وأختم بقول #شيخ_الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/ 54):(فإن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا تبينت السنة فاتباعها أولى).

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 14 أبريل 2024

فتوى اقتحام المعابر في الميزان الشرعي

 

فتوى اقتحام المعابر في الميزان الشرعي

(تقصير الأمة حكاما وشعوبا في تحرير الأ قصى وإنقاذ إخوانهم, وعدم استعدادها, وبعدها عن دينها: لا يعالج بإقحامهم في أمر مضرته راجحة, ويؤدي إلى إزهاق أنفس مسلمة بما لا مصلحة فيه راجحة, ويفتح الباب لتسلط الاعداء على بلدان المسلمين واحتلالها)

لنتصور المسألة

(بعيدا عن تصور صاحب اللحظات, وإطلاقاته, وعدم تحقيقه للمناطات,...)

 

بلاد فلس طين محتلة, وواجب على (جميع المسلمين من حيث هو جميع) جها دهم, ويتعين ابتداء على أهل فلس طين من ذوي الأهلية وعدم المانع عند (وجود القدرة الشرعية), لأن الواجب يحصل بهم؛ لحضورهم, فإن عجزوا فمن يليهم بقيد (وجود الاستطاعة الشرعية), إلى أن يعم جميع الأمة بنفس القيد ...

وهذه (الاستطاعة الشرعية) المشروطة لا تعني الخوف من الموت؛ حتى يقال فتنة علو الكفر أعظم من فتنة الموت, ولا تعني حصرها في العجز الحسي؛ حتى تحصر في الأعمى ونحوه, ولا تعني التمكن من هزيمة العدو ...

ولا علاقة لها باشتراط (التكافؤ بين الجيشين), فلم تشترط الشريعة في المقاتلين التكافؤ في العدد والعدة؛ لأنه يبذل نفسه فيما فيه مصلحة للمسلمين، بل يجب على المقاتلين ألا يتركوا القتال وإن كانوا لا طاقة لهم بقتال الكفار إذا ترتب على انصرافهم من القتال استيلاء الكفار على النساء ومن يخلفون من المسلمين.

 

طيب ماذا تعني القدرة الشرعية أو الاستطاعة الشرعية؟

وإنما تعني ألا يكون في الإقدام على الفعل مع سلامة الآلات مفسدة راجحة, كما قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (3/ 49): (فالشارع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية).

وهذا له نظائر في الشريعة, كمن يقدر على الصلاة قائما إلا أنه يلحقه ضرر بالقيام, أو يقدر على الحج إلا أنه يلحقه ضرر راجح إذا حج؛ فهنا لا يعد قادرا في الشريعة ولا مستطيعا الاستطاعة الشرعية.

قال الجويني: (وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن من غلب على الظن إفضاء خروجه إلى الحج إلى تعرضه أو تعرض طوائف من المسلمين للغرر والخطر، لم يجز له أن يغرر بنفسه وبذويه، ومن يتصل به ويليه، بل يتعين عليه تأخير ما ينتحيه، إلى أن يتحقق تمام الاستمكان فيه). الغياثي (ص: 176)

ولعدم فهم هذا القيد على وجهه جاءت مثل هذه الفتاوى التي لم يراع فيها المآلات ولا لوحظت فيها القدرة الشرعية.

(والغريب أن التصور الخاطئ لسألة من يتوجه إليه الخطاب ويتعين في الواجب العيني والواجب الكفائي هو من منشأ الغلط عند الكثير في هذه المسائل

فعندما يأتي أحدهم ويقول: جها د الدفع واجب على الأعيان, وأن اشتراط القدرة الشرعية هو من باب الخلط بين جها د الطلب وجها د الدفع: عندها تدرك حقيقة الإشكال عند هؤلاء.

وبعضهم يظهر الإشكال عنده في تفسيره شرط القدرة بمجرد وجود مقاتلين بعتادهم مما يتحقق معه نكاية بالعدو, وبتفسيره انتفاء المفسَدة المحضة بحصول الموت في المسلمين مع عدم النكاية بعدوهم,

والجامع لغلطهم, هو: عدم تصور شرط القدرة الشرعية على وجهه, وظنهم أن النكاية بالعدو مقصد شرعي في جها د الدفع, بينما هي مقصد في جها د الطلب.)

 

وحتى لا أطيل, سأقتصر على بيان خطأ التصور في توجه الخطاب وتعينه؛ لأن له تعلقا بفتوى اقتحام المعابر:

إذا اقتحم العدو بلدة مسلمة , فهل يصبح قتاله فرض عين على كل واحد في الأمة ؟

هنا تأتي مسألة توجه الخطاب وتعينه

المطلوب شرعا دفع العد و, ويتعين دفعه ابتداء على أهل تلك البلدة, وعندما نقول يتعين على أهل تلك البلدة لابد أن نلحظ تحقق الأهلية وعدم المانع, ولابد أن نلحظ أمرا آخر مهما يغفل عنه الكثير, وهو: ألا يترتب عليه إضرار أكبر بالمسلمين وإذهاب للدين...

وتعين القتال على أهل تلك البلدة ينفي تعينه على غيرهم, فإذا لم تحصل الكفاية بأهل تلك البلدة,

فمن جهة تعلق الخطاب وتوجهه فإنه يتوجه إلى جميع أهل البلدة المجاورة من حيث هو جميع, وذلك بإيقاعه منهم من أي فاعل فعله حتى يدفع العدو, ولا يتعين على كل واحد, وإنما يتعين إما بأمر الحاكم, أو أن يغلب على ظن المكلف أن غيره لم يقم به...إلخ

ولا يتعين إلا على من تتحقق به المصلحة وتدفع به المفسدة, وقد أبدع الشاطبي لما تكلم عن الواجب الكفائي فقال: (... وكذلك الجهاد -حيث يكون فرض كفاية-  إنما يتعين القيام به على من فيه نجدة وشجاعة، وما أشبه ذلك من الخطط الشرعية؛ إذ لا يصح أن يطلب بها من لا يبدئ فيها ولا يعيد؛ فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلف، ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلبة أو المفسدة المستدفعة، وكلاهما باطل شرعا.) الموافقات (1/ 278)

وانتقال التعين إلى من يليهم مقيد بوجود القدرة الشرعية, فعند عدم وجودها ينتفي تعين القتال, ولهذا استثنى بعض الفقهاء  إذا خشي غير المفجوئين معرة على نسائهم وعيالهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بالدفع عمن فجأهم العدو.

 ولا يلزم من انتفاء تعين القتال انتفاء واجب النصرة؛ لأنه أعم...

 (ولا نشك في تقصير الحكا م والشعوب, وعدم فعلهم ما يجب عليهم من التهيئة والاستعداد...إلخ)

وفتوى اقتحام المعابر بنيت على عدم اعتبار القدرة الشرعية في تعين القتال من جهة, وعلى نظر خاطئ في تعين القتال على كل معين في الأردن ومصر من جهة أخرى؛ حتى جُعل موت أهل الأردن ومصر ليس بأولى من موت أهل غ ز ة, هكذا بكل سطحية.

والدعوة إلى وجوب نصرة أهلنا في غ ز ة لا يلزم منها أن يكون باقتحام المعابر الذي ضرره أكثر من نفعه, ولا أظن أن عاقلا ينازع في الضرر الذي سيحصل للمسلمين في هذا الاقتحام...

وأما وصف عدم اقتحامهم بالتخذيل فبعيد عن التحقيق؛ لأن عدم وجود القدرة الشرعية مانع شرعي.

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار