موقف الشيخ #الألباني من جماعة #الإخوان_المسلمين
بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار
لم يكن للشيخ الألباني موقف واحد ثابت من بداية حياته إلى نهايتها رحمه الله، وإنما تطوّر بحسب ما بان له من حال هذه الجماعة وأخذها بمنهج أهل السنة وابتعادها عنه، وازاد الامر وضوحا بعد ما وقف عليه من تجاربها وواقع تطبيقاتها ومناقشة أفرادها، مما يستدعي تتبّع أقواله استقرائيًا وتحليلها في سياقاتها التاريخية والفكرية.
ففي المرحلة الأولى كان الشيخ يحسن الظن بجماعة الإخوان المسلمين؛ بناء على رفعهم شعار اتباع الكتاب والسنة،
وكان يشير إلى أنهم من ضمن دائرة أهل السنّة والجماعة؛ لما أظهروه من الاعتماد على الكتاب والسنة في منهجهم..
والذي يستمع أشرطته التي يمدح فيها الإخوان يجد أن الشيخ الألباني يذكر بعض قادة الإخوان الذين كان بعضهم من تلاميذه ويحضرون دروسه ويؤيدونه في دعوته قبل أن تأتيهم الأوامر من التنظيم.. وكان في هذه المرحلة يثني على كتاب فقه السنة لسيد سابق لأنه يلتقي مع دعوة الشيخ الألباني ويثني أيضا على زهير شاويش..
ومع المدح كان الشيخ ينتقد ضعف الجماعة العقدي وانشغالهم بالسياسة على حساب التوحيد والمنهج العلمي.
هكذا اتسمت المرحلة الأولى للشيخ...
وفي المرحلة الثانية بدأ يظهر للشيخ الألباني شيئا من انحرافهم في التطبيق وقد تغير بعض القادة الذين كانوا ينتهجون نهج الشيخ الألباني وألف بعضهم كتابا في ذم الدعوة السلفية وأنها لا تهتم إلا بالقشور ..فاشتد نقده لهم وأصبح أكثر وضوحًا في التفريق بين المنهج السلفي ومنهج الإخوان، واستبعد أن يوجد سلفي حقيقة ويتبنى منهج الإخوان؛ لما عرفوا به من التساهل في العقيدة والسنة من أجل التكتل السياسي؛ حتى قال الإمام الالباني:(ما أعتقد أن سلفيًا عقيدة وسلوكًا بإمكانه أن يتبنى منهج الإخوان المسلمين وأمثالهم،ط...)
وتبين للشيخ بوضوح أن منهجهم قائم على التكتيل والتجميع كيفما كانت العقائد، وما وصلوا إليه من التقارب مع الرافضة، وتقديم السياسة على التصحيح العقدي والمنهجي، وعد الشيخ هذا الأمر انحرافا خطيرا عن المنهج القرآني فقال:(فهم منذ أن كان مرشدهم حسن البنا رحمه الله جمعهم وكتلهم، جمعهم وكتلهم على خلاف المنهج القرآني الذي يقول مثلا : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ...)
ومع ذلك كان يراهم أقرب، فكان يقول «الإخوان المسلمون هم أقرب الجماعات إلى الحق، لكنهم ليسوا على الحق.»
وفي المرحلة الأخيرة ظهر رفض صريح للجماعة من الإمام الالباني، ورأى أنها تفسد أكثر مما تصلح، وأنها سبب في انحراف كثير من الشباب السلفي، فاشتدّ نقد الألباني تجاهها، وأصبح يركّز على جذور النقص التي يراها في المنهج لا في الأشخاص فحسب، حتى قال«خلافنا مع الإخوان المسلمين خلافٌ في الأصول لا في الفروع فقط» ، وقال «… ليس صواباً أن يُقال الإخوان المسلمون من أهل السنّة، لأنهم يحاربون السنّة».
واستقرَّ رأي الألباني – رحمه الله – إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست على منهج السلف الصالح، ويحذر من تبنّي هذا المنهج الحزبي والحركي
كما يجدر في هذا السياق الإشارة إلى كلام الشيخ الألباني مع أبي الحسن حين بيّن الشيخ أن من أخطأ في جزئية ما
لا يوجب إخراجه من دائرة أهل السنة مطلقا
على وزان ما ذكره الشيخ ابن باز في الأشاعرة لما قال هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة
فلم يُعطِهم الشيخ ابن باز الاسم المطلق ولا وصفهم بـالسنة المحضة، وإنما نسبهم إلى السنة نسبة مقيَّدة بقدر ما وافقوا فيه منهج السلف
وأما كون الشيخ لم ير إلحاق جماعة الإخوان بالفرق الضالة الواردة في حديث الافتراق
فهذا صواب؛ لأن تعيين الفرق يحتاج إل دليل خاص، ولا دليل...
ولذلك، كان الشيخ يتحدث عن الجماعة بوصفها منحرفةً عن المنهج السلفي في جملة من أصولها...
هذا من جهة
ومن جهةٍ أخرى، كان حديث الشيخ الألباني مع أبي الحسن منصبًّا على الأفراد لا على الجماعة تنظيميًا، ولهذا علَّل الشيخ حكمه بأن هؤلاء الأفراد يُعلنون التزامهم بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ثم استدرك قائلاً:«وإن كانت هذه دعوى تحتاج إلى تطبيقها عمليًا، وذلك ما لا نراه من الجماعة».
فهو إذن يُقرّ بأن الدعوى قائمة، ولكن الواقع العملي للجماعة لا يوافقها تمامًا.
ثم ذكر الشيخ كلمته التي فرح بها من فرح، وهي قوله:«لا أجد رخصةً لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة».
ومراده بذلك – كما يتضح من سياق كلامه – الفرق التي انحرفت في أصل مصدر التلقي، فأعلنت صراحةً مخالفتها للكتاب والسنة ومنهج السلف، كالجهمية والمعتزلة ونحوهم..
وبهذا يُفهم كلام الشيخ على وجهه الصحيح: فهو لم يُطلق التزكية للجماعة، ولا أدخلها في السنة مطلقا، وإنما نفى عنها وصف الافتراق العقدي المحض، مع إثبات الانحراف المنهجي العملي الذي جعله يحذر منها لاحقًا.
وأخيرا أقول
للأسف، يأتي في هذا العصر من يُحسب على العلم أو ينتسب إلى السلفية، فينسب إلى الشيخ الألباني – رحمه الله – مكلقا أنه يراها من الفرق الناجية ولا تخرج من دائرة أهل السنة المحضة متجاهلًا تطور موقفه وسياقات كلامه.
وهذا خلطٌ منهجي واضح؛ لأن أقوال الشيخ لم تكن ثناءً مطلقًا، بل كانت مبنية على حسن الظن بما رفعوه من شعارات الكتاب والسنة، قبل أن يتبيّن له واقع الجماعة ومناهجها التطبيقية.
فمن الإنصاف – بل من الأمانة العلمية – أن تُفهم أقوال العلماء في سياقاتها التاريخية والزمنية، وألا تُنتزع من مراحلها لتُوظّف في غير موضعها.
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_20.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق