إشكالية الفكر الثوري الداعشي
🔹من أبرز إشكاليات الفكر الثوري الداعشي أنه يُعيد صياغة الوعي الديني للأجيال على قاعدة مغلوطة، مؤداها أن الجهاد هو المعيار المطلق والحل الأوحد لصلاح الأمة، دون اعتبار لواقعها وإمكاناتها. وهنا تكمن الخطورة، إذ يُغفل هذا الفكر الحكمة الشرعية التي قررها القرآن والسنة في التعامل مع مراحل الضعف والابتلاء، فيقفز مباشرة إلى مواجهة غير محسوبة، لا تملك الأمة مقوماتها، فتكون النتيجة: فشلٌ، إحباط، ودماء مهدورة وديار مخربة، وفاتورة باهظة تدفعها الأمة من أمنها وطاقاتها.
وما حال غ ززة عنا ببعيد.
🔹والواقع أن الأمة أصابها الوهن الذي أخبر به النبي ﷺ: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها... قالوا: أومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل...» (رواه أبو داود).
🔹فالأمة في أوقات الاستضعاف لا تحتاج إلى مغامرات عبثية، بل إلى تربية ترسّخ العقيدة، وتغرس معاني الصبر والثبات على الحق، وتبني الوعي الشرعي الراشد. وبهذا تُنشأ أجيال قادرة على حمل الأمانة يوم يقدّر الله لها التمكين.
فالنصر في سنن الله لا يُنال بالاندفاع العاطفي الأجوف، وإنما بالإعداد الإيماني والعلمي والعملي، كما قال تعالى﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].
🔹وقد نبّه العلماء المعتبرون إلى هذا الخلل في الفكر الثوري، ومنهم الإمام المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين #الألباني رحمه الله، الذي قرّر بوضوح ما قرره سلف الأمة وأئمتها وفقهاؤها عبر قرون
أن الجهاد مرتبط بالقدرة والاستطاعة - لا فرق في ذلك بين جهاد طلب ولا جهاد دفع إذا كان للناس فيه اختيار-، وأن الأمة في حال الاستضعاف إنما واجبها: الصبر، وإصلاح النفوس، والدعوة بالحكمة، والإعداد للجهاد، لا المغامرة غير المحسوبة بالدماء والطاقات. وهذا عين فقه المرحلة الذي أهمله دعاة الفكر الثوري القطبي والصحوي.
🔹وإذا عُلِّم الشباب أن القتال هو الحل في كل زمان ومكان، وأن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة مهما كان حال الأمة؛ فإن ذلك لا ينتج إلا أحد مسارين خطيرين:
• الغلو وتكفير المسلمين ووصفهم بالنفاق، والعنف عند محاولة تطبيقه في غير موضعه.
• اليأس والإحباط عند العجز عن إنزاله على الواقع.
🔹فالدواعش لم تكن إشكاليتهم في مجرد سفك الدماء المعصومة فقط، وإنما الإشكالية ابتداء في التربية على الفكر الثوري...
• وأخطر ما في هذا الفكر أنه يدعو لمواجهة مفتوحة دون نظر في النتائج، مع أن الشريعة راعت المآلات: فإذا كان القتال سيجلب مفسدة أعظم، كإبادة الشعوب أو احتلال شامل، فإنه يُمنع.
🔹وأخيرا
ليس هذا الطرح من التخذيل أو الإرجاء في شيء كما يروّج أصحاب هذا الفكر:
• فـ التخذيل المذموم هو تثبيط المسلمين عن واجب شرعي متعيّن مع القدرة عليه، أما الدعوة إلى الصبر والثبات والتصفية والتربية في حال الاستضعاف فهي من صميم فقه السنن الشرعية.
• وأما الإرجاء فهو اختزال الدين في مجرد التصديق بلا عمل، بينما التربية على الصبر والتمسك بالشريعة زمن الابتلاء وإعداد الأمة بالتصفية والتربية: عمل شرعي معتبر، اقتضاه العارض الذي اعتبره الشرع نفسه، وأمرت به النصوص الشرعية، وهو الذي يُبقي جذوة الإيمان حيّة حتى يحين أوان الجهاد المشروع.
🔹وبهذا يتضح أن الفكر الثوري الداعشي ليس إلا انحرافًا عن منهج الوحي، وجهلًا بفقه المراحل، وغفلةً عن سنن الله في التغيير، وقد انتشر في ليبيا وغيره وتبنته مؤسسات في بعض الدول المسلمة، وكثرت الدندنة حوله في مواقع التواصل الاجتماعي
والله غالب على أمره
🔹فالحل ليس في شتم #الحكام ولا في بث الكراهية كما يفعله الخطاب السروري،
وإنما الحل في إصلاح الداخل بتربية الأجيال على الإيمان والعلم، والدعوة إلى وحدة الصف على منهج السلف، والنهوض بالاقتصاد، وإعداد القوة الحقيقية؛ حتى تستعيد الأمة عافيتها، وعندها سيتغير حال حكامها أو يُستبدلون بغيرهم، لكن قبل ذلك فلن يغيّر الصراخ ولا التحريض والتثوير شيئًا، وإنما سيزيد من وهن الأمة.
✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_17.html