الاثنين، 20 أكتوبر 2025

موقف الشيخ الألباني من جماعة #الإخوان_المسلمين

موقف الشيخ #الألباني من جماعة #الإخوان_المسلمين

بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

لم يكن للشيخ الألباني موقف واحد ثابت من بداية حياته إلى نهايتها رحمه الله، وإنما تطوّر بحسب ما بان له من حال هذه الجماعة وأخذها بمنهج أهل السنة وابتعادها عنه، وازاد الامر وضوحا بعد ما وقف عليه من تجاربها وواقع تطبيقاتها ومناقشة أفرادها، مما يستدعي تتبّع أقواله استقرائيًا وتحليلها في سياقاتها التاريخية والفكرية.

ففي المرحلة الأولى كان الشيخ يحسن الظن بجماعة الإخوان المسلمين؛ بناء على رفعهم شعار اتباع الكتاب والسنة، 
وكان يشير إلى أنهم من ضمن دائرة أهل السنّة والجماعة؛ لما أظهروه من الاعتماد على الكتاب والسنة في منهجهم..
والذي يستمع أشرطته التي يمدح فيها الإخوان يجد أن الشيخ الألباني يذكر بعض قادة الإخوان الذين كان بعضهم من تلاميذه ويحضرون دروسه ويؤيدونه في دعوته قبل أن تأتيهم الأوامر من التنظيم.. وكان في هذه المرحلة يثني على كتاب فقه السنة لسيد سابق لأنه يلتقي مع دعوة الشيخ الألباني ويثني أيضا على زهير شاويش..
ومع المدح كان الشيخ ينتقد ضعف الجماعة العقدي وانشغالهم بالسياسة على حساب التوحيد والمنهج العلمي.
هكذا اتسمت المرحلة الأولى للشيخ...

وفي المرحلة الثانية بدأ يظهر للشيخ الألباني شيئا من انحرافهم في التطبيق وقد تغير بعض القادة الذين كانوا ينتهجون نهج الشيخ الألباني وألف بعضهم كتابا في ذم الدعوة السلفية وأنها لا تهتم إلا بالقشور ..فاشتد نقده لهم وأصبح أكثر وضوحًا في التفريق بين المنهج السلفي ومنهج الإخوان، واستبعد أن يوجد سلفي حقيقة ويتبنى منهج الإخوان؛ لما عرفوا به من التساهل في العقيدة والسنة من أجل التكتل السياسي؛ حتى قال الإمام الالباني:(ما أعتقد أن سلفيًا عقيدة وسلوكًا بإمكانه أن يتبنى منهج الإخوان المسلمين وأمثالهم،ط...)
وتبين للشيخ بوضوح أن منهجهم قائم على التكتيل والتجميع كيفما كانت العقائد، وما وصلوا إليه من التقارب مع الرافضة، وتقديم السياسة على التصحيح العقدي والمنهجي، وعد الشيخ هذا الأمر انحرافا خطيرا عن المنهج القرآني فقال:(فهم منذ أن كان مرشدهم حسن البنا رحمه الله جمعهم وكتلهم، جمعهم وكتلهم على خلاف المنهج القرآني الذي يقول مثلا : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ...)
ومع ذلك كان يراهم أقرب، فكان يقول  «الإخوان المسلمون هم أقرب الجماعات إلى الحق، لكنهم ليسوا على الحق.»

وفي المرحلة الأخيرة ظهر رفض صريح للجماعة من الإمام الالباني، ورأى أنها تفسد أكثر مما تصلح، وأنها سبب في انحراف كثير من الشباب السلفي، فاشتدّ نقد الألباني تجاهها، وأصبح يركّز على جذور النقص التي يراها في المنهج لا في الأشخاص فحسب، حتى قال«خلافنا مع الإخوان المسلمين خلافٌ في الأصول لا في الفروع فقط» ، وقال «… ليس صواباً أن يُقال الإخوان المسلمون من أهل السنّة، لأنهم يحاربون السنّة».
واستقرَّ رأي الألباني – رحمه الله – إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست على منهج السلف الصالح، ويحذر من تبنّي هذا المنهج الحزبي والحركي

كما يجدر في هذا السياق الإشارة إلى كلام الشيخ الألباني مع أبي الحسن حين بيّن الشيخ أن من أخطأ في جزئية ما
لا يوجب إخراجه من دائرة أهل السنة مطلقا
على وزان ما ذكره الشيخ ابن باز في الأشاعرة لما قال هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة
فلم يُعطِهم الشيخ ابن باز الاسم المطلق ولا وصفهم بـالسنة المحضة، وإنما نسبهم إلى السنة نسبة مقيَّدة بقدر ما وافقوا فيه منهج السلف

وأما كون الشيخ لم ير إلحاق جماعة الإخوان بالفرق الضالة الواردة في حديث الافتراق
فهذا صواب؛ لأن تعيين الفرق يحتاج إل  دليل خاص، ولا دليل...
ولذلك، كان الشيخ يتحدث عن الجماعة بوصفها منحرفةً عن المنهج السلفي في جملة من أصولها...
هذا من جهة
ومن جهةٍ أخرى، كان حديث الشيخ الألباني مع أبي الحسن منصبًّا على الأفراد لا على الجماعة تنظيميًا، ولهذا علَّل الشيخ حكمه بأن هؤلاء الأفراد يُعلنون التزامهم بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ثم استدرك قائلاً:«وإن كانت هذه دعوى تحتاج إلى تطبيقها عمليًا، وذلك ما لا نراه من الجماعة».
فهو إذن يُقرّ بأن الدعوى قائمة، ولكن الواقع العملي للجماعة لا يوافقها تمامًا.
ثم ذكر الشيخ كلمته التي فرح بها من فرح، وهي قوله:«لا أجد رخصةً لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة».
ومراده بذلك – كما يتضح من سياق كلامه – الفرق التي انحرفت في أصل مصدر التلقي، فأعلنت صراحةً مخالفتها للكتاب والسنة ومنهج السلف، كالجهمية والمعتزلة ونحوهم..

وبهذا يُفهم كلام الشيخ على وجهه الصحيح: فهو لم يُطلق التزكية للجماعة، ولا أدخلها في السنة مطلقا، وإنما نفى عنها وصف الافتراق العقدي المحض، مع إثبات الانحراف المنهجي العملي الذي جعله يحذر منها لاحقًا.

وأخيرا أقول
للأسف، يأتي في هذا العصر من يُحسب على العلم أو ينتسب إلى السلفية، فينسب إلى الشيخ الألباني – رحمه الله – مكلقا أنه يراها من الفرق الناجية ولا تخرج من دائرة أهل السنة المحضة متجاهلًا تطور موقفه وسياقات كلامه.
وهذا خلطٌ منهجي واضح؛ لأن أقوال الشيخ لم تكن ثناءً مطلقًا، بل كانت مبنية على حسن الظن بما رفعوه من شعارات الكتاب والسنة، قبل أن يتبيّن له واقع الجماعة ومناهجها التطبيقية.
فمن الإنصاف – بل من الأمانة العلمية – أن تُفهم أقوال العلماء في سياقاتها التاريخية والزمنية، وألا تُنتزع من مراحلها لتُوظّف في غير موضعها.

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_20.html

الخميس، 9 أكتوبر 2025

[هل تحكم حماس بالشريعة؟ ] قياس سلطة حماس على غزة على إمارة كونر (جميل الرحمن)… قياس فاسد لا يصح شرعًا ولا واقعًا

هل #حماس تحكم بالشريعة؟

هل يصح قياس سلطة حماس على غزة على إمارة كونر (جميل الرحمن) من حيث الاعتراف بالولاية… أو هو قياس فاسد؟

من أعجب ما يثير دهشة العاقل أن يُقدِم بعض الناس من بعض الجماعات البدعية على القياس بين واقع غزة اليوم، وبين ولاية كونر الأفغانية في عهد إمارة #جميل_الرحمن زمن الجهاد ضد الروس، زاعمين أن الحال واحد من جهة الحكم والسيادة!

وهذا – بلا ريب – من أفسد أنواع القياس، إذ يجانب حقائق التأريخ، ويتجاهل طبيعة الواقع السياسي، وينبع غالبًا من التحزّب وضيق النظر لا من الفقه والبصيرة.

فأفغانستان في تلك الحقبة كانت مقسَّمة إلى مناطق محرَّرة تديرها قيادات ميدانية محلية، بإدارة عرفية مؤقتة، فلم تكن هناك سلطة سياسية أو مؤسسات رسمية قائمة ذات اعتراف داخلي أو خارجي.
مع العلم أن #إمارة_كونر كانت تُحَكم فيها الشريعة ...

أما عن #واقع_غزة، فقد كانت تحت حكم السلطة #الفلسطينية القائمة بمؤسساتها إلى أن وقع انقلاب حركة حماس، والذي لم يفضِ إلى ولاية تامة، إذ ظلت غزة في عزلة سياسية غير معترف بها دولياً، وبقيت معظم مؤسساتها تتبع للسلطة في رام الله، سواء في الرواتب أو في القوانين أو حتى في التمثيل الدبلوماسي الخارجي، وكانت السفارات تابعة لها..

فسيطرة حماس كانت جزئية على غززة، لا تشمل كل مفاصل الحكم، بل اقتصرت على الجوانب الأمنية والشرطية...

وهذا لا يجعلها في حكم «المتغلب»، ما دامت الإدارة العامة، والأنظمة القانونية، وشؤون الناس المعيشية لا تزال تُدار من قِبل مؤسسات الدولة القائمة.
فالحاكم المسلم المتغلب هو من استولى على زمام الأمور كلها: العسكرية، والإدارية، والمالية، وتمكن من فرض سلطانه على الناس، وباشر علاقاته الخارجية ككيانٍ مستقل...
فليس هناك ولاية حقيقية تحت أيدي حماس وإنما هي سيطرة جزئية...

والأدهى من ذلك أن هذه السيطرة لم تُثمر  #تحكيم_شريعة_الله في القطاع...فلم تحكم حماس شرع الله...
قال حامد البيتاوي: النائب عن (حماس) في المجلس التشريعي الفلسطيني في حوار معه في جريدة (الغد ' الأردنية ') 20 / 2 / 2006 م:( أما مخاوف البعض من الرجعية وفرض الحجاب وتقييد الحريات ومنها حرية المرأة مخاوف غير حقيقية، فنحن لسنا حركة ناشئة ولا حركة غوغائية، بل لنا امتداد تاريخي عبر جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بفكرها المعتدل، وتأثيرنا في الموروث الحضاري الفلسطيني جاء بلا أي نوع من العنف......  نحن لن نطبق الشريعة الإسلامية، ولكننا سنعمل قدر الإمكان على الالتزام بمبادئ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.)
وقال الدكتور خليل الحية في تصريح رسمي نقلته قناة الجزيرة: ( لن نقيم أي إمارة إسلامية في غزة)

لا ولاية تامة ولا تحكيم للشريعة !!

فيا أيها المتحمسون أي ولاية تزعمونها لحماس على قطاع غزززة!!!!
ألم تنزعوا أصل الولاية عن #الحكام؛ لأنهم -على قولكم- تركوا تحكيم الشريعة؟!! فما بالكم تسقطون هذا الشرط مع #حماس!!
ألم تجعلوا #شرط_الولاية: تحكيم الشريعة أم هو سلاح تستعملونه فقط مع من لا ترضون من الحكومات؟!

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_9.html

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

[أثر الاعتراف الدولي والعلاقات الخارجية في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية]

 

كم أتمنى ممن ينتقد ما أكتبه أن يتأنّى في الفهم أولًا قبل الحكم، فالنقد قبل الفهم يُوقع صاحبه في التجنّي والافتراء.

ذكرتُ في منشور سابق أنه لابد في الاعتداد بولاية المتغلب في عصرنا أن تكون له علاقات خارجية فاعلة، وهذا ليس من باب الشرط الشرعي وإنما هو من باب كونه مكونا من مكونات القدرة والسلطان اليوم؛  لأن هذه العلاقات أصبحت اليوم عنصرًا مؤثرًا في قدرة الحاكم المسلم على بسط نفوذه واستقرار حكمه.

فالدعم الدولي والاعتراف المتبادل يساهمان في تعزيز استقرار النظام داخليًا، ويرفعان من قدرته على قيادة الدولة، كما نرى في الحالة السورية اليوم ...

بل حتى طالبان حظيت بدعم دبلوماسي من روسيا، وأكد المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد وجود اتصالات دورية مع أميركا، وطلب للاعتراف الرسمي بالحكومة...
وقال وزير خارجية حركة طالبان أمير خان متقي في 2022: إن الحكومة الجديدة في أفغانستان تقترب من هدف الاعتراف بها دولياً....

ولا يفهم من هذا الخضوع للكفار وأن على الحاكم المسلم أن يرضي الغرب الكافر أو يخضع لأوامره؛ طلبا للاعتراف، فهذا ليس بلازم...وإنما المقصود إدراك أثر العلاقات الدولية في الواقع السياسي المعاصر؛ إذ إن العلاقات الدولية أصبحت عنصرًا مؤثرًا في تحقق السلطان الفعلي الذي اشترط الفقهاء ثبوته في الولاية،
فالشرعية ابتداء  تُستمد من بسط السلطان، والقدرة على الحكم، لا من الاعتراف الدولي
إلا أن هذا الاعتراف لما صار مما يتوقف عليه  النفوذ دخل ضمنا فيه في مفهوم القدرة الفعلية؛ حفظا لمصالح الأمة....
وقد اتفق الفقهاء على أن الإمامة تثبت لمن له شوكة وسلطان فعلي.

والمستغرب أن بعض المعترضين — ممن لم يُحسن الفهم والفقه — أنكروا هذا المعنى بحجة أن الفقهاء لم يذكروا شرط العلاقات الخارجية في ولاية المتغلب، مع أن كلامهم في القدرة والسلطان وبسط النفوذ يتضمن هذا المعنى بحسب تغير الزمان
بمعنى أنه داخل في مفهوم القدرة الفعلية لا في شروط القبول الشرعي..
فقد ذكر الفقهاء أن نفس الولاية هي القدرة والسلطان وبسط النفوذ
قال ابن تيمية:(وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عم القدرة الخاصلة ..)
والقدرة الحاصلة وبسط النفوذ يختلف تقديرهما بحسب تغير الزمان والمكان، ويراعى في فقه الضرورات ما لا يراعى في فقه الاختيار والسعة...
وفي عصرنا هذا لا يتمكن المتغلب من بسط سيطرته ونفوذه واستقرار حكمه إلا بوجود هذه العلاقات...فقد أصبحت من تمام حصول القدرة الفعلية...

فكما كانت القوة العسكرية أساس السلطة في الزمن الأول، أصبحت اليوم القوة السياسية والدبلوماسية والاعتراف الدولي جزءًا من مكونات السلطان الواقعي.

وعليه، فذكر هذا الشرط لا يُعد إحداثًا في الفقه، بل هو من تمام فقه الواقع وتنزيل القواعد القديمة على المتغيرات المعاصرة.

نعم
حين كانت الدولة المسلمة قوية ومكتفية بنفسها لم يكن الاعتراف ولا العلاقات الدولية مؤثرة في الاستقرار وبسط النفوذ
أما اليوم، ومع ضعف المسلمين وتغيّر موازين القوى، فقد أصبحت من أهم عوامل تثبيت الحكم واستقرار الدولة.

وأما تشبيه الواقع المعاصر بحال دمشق زمن التتار وأنه يلزم بطلان ولاية حاكمها؛ لأنه لم يكن لها اعتراف من التتار
فهو مغالطة لا تصدر إلا من جاهل لا يدري أنه جاهل؛ لأن الدول اليوم مرتبطة بشبكة دولية مؤثرة في استقرار الحكم وقدرته على إدارة شؤون الدولة، وأما في العصور السابقة، فكان استقرار الحكم يعتمد على القوة العسكرية في الأرض دون ارتباط بمنظومة دولية.
ولا ينفي ذلك أن لها علاقات خارجية ومعاهدات ووو

وفي الختام
لا تناقض بين ما تقرر في هذا المقال وبين تأييد إمارة الشيخ جميل الرحمن في كنر زمن الحرب مع  الروس؛ لأن الكلام عنها كان ضمن واقع جهادي مفتوح ضد احتلال خارجي، حيث انهار النظام المركزي في كابل، وتوزعت الولايات الأفغانية، فكان لكل قائد ميداني نوع من الولاية العرفية  المؤقتة في حدود منطقته إلى حين استقرار الدولة بحكومة مستقلة عامة...

كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأحد، 5 أكتوبر 2025

خطأ تسوية السيطرة الجزئية بحكم المتغلب

خطأ تسوية السيطرة الجزئية بحكم المتغلب

مجردُ تحصّنِ طائفةٍ في بلدةٍ داخل دولةٍ، وبسطها سيطرةً عسكريةً عليها، لا يجعلها في حكم «المتغلب»، ما دامت الإدارة العامة، والأنظمة القانونية، وشؤون الناس المعيشية لا تزال تُدار من قِبل مؤسسات الدولة القائمة، أو لم تكن السيطرة عليها تامة ... و لم تكن لها علاقات خارجية تتمكن بها من إحكام السيطرة والتعامل الخارجي...

أفَترَون مثلاً لو أن طائفةً أحكمت سيطرتها على مدينةٍ من مدن ليبيا، مع كون تلك المدينة إداريًا وقانونيًا خاضعة لتسيير الحكومة الليبية، أو لم تكن سيطرة تلك الطائفة تامة إداريا وقانونيا، ولم تكن لتلك الطائفة أي علاقات دولية،
فهل تُعطى بمثل هذه السيطرة وصفَ الحاكم المتغلب؟
وهل يُوصف من يُنكر عليها خطأها بأنه على منهج الخوارج؟

إن هذا هو الفقه الأعوج بعينه.

فالحاكم المسلم المتغلب هو من استولى على زمام الأمور كلها: العسكرية، والإدارية، والمالية، وسيطر عليها سيطرة تامة، ٠وتمكن من فرض سلطانه على الناس، وباشر علاقاته الخارجية ككيانٍ مستقل.

وعليه، فإن من يُنكر على هذه الطائفة منكرا فعلته باسمها لا يوصف بأنه على منهج الخوارج، بل هو منضبطٌ بالفقه الصحيح والميزان الشرعي في فهم معنى الولاية والتمكن.
وهذا المعنى يختلف من عصر إلى عصر بحسب معطياته..

✍️ د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/10/blog-post_5.html

الجمعة، 3 أكتوبر 2025

هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟

 


هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟ 


بعض من تجرأ على ما لا يُحسِن زعم أن «النَّكبة» و«المصيبة» بمعنى واحد في جميع السياقات، وجمع لذلك أقوالًا متفرقة من المفسرين واللغويين والمحدثين في تفسير النكبة بالمصيبة. وهذا من أمثلة من يكثر النقل والجمع دون أن يُحسن الفهم والتأصيل... 


بادئ ذي بدء

لم أنكر تفسير النكبة بالمصيبة، وليس هذا هو من محل البحث، وإنما محل البحث:

هل يصح استعمال اللفظين على وجه الترادف التام في جميع السياقات؟ أي: هل يمكن أن تحل «النكبة» محل «المصيبة» في كل سياق دون فرق؟

وهل يصح إهمال الفروق الدلالية بين الكلمات المتقاربة في الدلالة؟ 


الجواب:

ليس ما صح استعماله في سياق يجوز استعمال ما ينوب عنه في كل سياق ؛ إذ الاتفاق في قدر من الدلالة بحيث ينوب أحدهما على الآخر لا يلغي اختصاص كل لفظ بنوع من الدلالة...

وتفسير لفظة بلفظة أخرى لا يعني التطابق التام بينهما، بل لا بد من فرق بين المفسَّر والمفسِّر. 


وقد قرر المحققون من أهل اللغة أن اختلاف الأبنية يستلزم اختلافًا في الدلالة

قال ابن فارس:( ونحن نقول: إن في قعد معنى ليس في جلس

ألا ترى أنا نقول: قام ثم قعد ..ثم نقول كان مضطجعا فجلس، فيكون القعود عن قيام، والجلوس في حالة هي أدنى من الجلوس؛ لأن الجَلس المرتفع...فالجلوس ارتفاع عما هو دونه) 


ونصر ابن تيمية القول بعدم وجود الترادف التام إلا قليلا 

فقال:(فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقَلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه) 


بل ذهب بعضهم إلى أن الأصل في الشيء أن يكون له اسم واحد وما عداه يكون من باب الصفات ولذا لما قال ابن خالوية: أحفظ للسيف خمسبن اسما

تبسم أبو علي الفاسي وقال: ما أحفظ إلا اسما واحدا وهو السيف

قال ابن خالوية: فأين الكهند وابثارم وكذا وكذا

فقال أبو علي: هذه صفات... 


ومن هنا تعلم خطأ من يستعمل الألفاظ التي تنوب بعضها عن بعض في جميع السياقات...


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 


الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

بعض الشبهات التي أثارها أحد المغاربة حول المظاهرات

 

احتج بعضهم على جواز المظاهرات بما ورد عن النبي ﷺ: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» [رواه أبو داود].
فزعم أن اجتماع النساء حول بيت النبي ﷺ للشكوى دليل على جواز المظاهرات المعاصرة.

غير أن التدقيق يظهر بطلان هذا القياس، ووجود فروق جوهرية بين الواقعتين، منها:

• أولا: أن الاجتماع نفسه لم يكن مقصودا، فالنساء لم يقصدن الاجتماع ابتداءً، وإنما توافدن بالشكوى حتى اجتمعن، ولم يجعلن الاجتماع وسيلةً للمطالبة بالحقوق، بخلاف المظاهرات التي تتخذ من الاجتماع وسيلة منظمة للضغط وطريقا للإصلاح.

• ثانيا: الغاية مختلفة، فشكواهن لم تكن إنكارًا على النبي ﷺ، بل طلبًا للإنصاف من أزواجهن، فانتفت بذلك مظنة الفوضى والفتنة العامة، بخلاف المظاهرات التي غالبًا يقصد بها الإنكار.

• ثالثا: انتفاء الفساد، فاجتماعهن لم يُصاحبه تخريب أو استغلال سياسي، أو بث الفوضى، بينما المظاهرات لا تنفك غالبًا عن أعمال عنف وشغب.

• رابعا: النساء قصدن بيت النبي ﷺ وهو صاحب السلطة الشرعية والناس تحت أمره وطاعته، بخلاف المظاهرات التي تجري في الشوارع والميادين وتؤدي عادة إلى مصادمات مع الشرطة.

وعليه، يكون القياس فاسدًا، لمخالفته للنصوص الناهية عن إثارة الفوضى، كما أن الاستدلال ناقص لانعدام الاتفاق بين الأصل والفرع. بل إن العلة الموجبة لمنع المظاهرات ـ وهي ما تؤول إليه من فتنة ـ غير موجودة في اجتماع النساء، إذ لم يترتب عليه فساد ولا خروج.
وقد أثبت الواقع أن المظاهرات لا يمكن ضبطها غالبًا.

أما الاستدلال بما رُوي عن ميمون بن الأصبغ: قال أُخرج أحمد لن حنبل بعد أن اجتمع الناس على الباب وضجوا حتى خاف السلطام فخرج

فليس فيه دليل على الجواز، خاصة وأنه كان من عامة الناس، لا من فقهائهم.
بل قد خرج مع ابن الأشعث جماعة من أهل العلم والدين ولم يكن ذلك دليلا على جواز فعلهم, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 530): (...وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين)
فالاندفاع وقت الفتن قد يحمل الناس على معالجة المنكر بما هو أنكر، بدافع طلب الحق أو دفع الظلم، دون نظر إلى الفساد العام المترتب.

وإن قيل: إن إخراج الإمام أحمد يشبه المظاهرات،
فالجواب أن الفارق واضح؛ إذ لم تصحبه مصادمات أو تخريب كما هو حال المظاهرات اليوم. وحين وُجدت الفروق المؤثرة بطل القياس.

أما قولهم إنه لا علاقة للمطالبة بالحق ورفع الظلم بالخروج على الحكام, فنعم إذا كان الإنكار عليه مشروعا كالإنكار عليه بين يديه كما فعل أبي سعيد الخدري مع مروان, ولم يقل أحد بأنه خروج أو يلزم منه الخروج...لكن الخلط بين المشروع وغير المشروع هو من التدليس.
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في “منهاج السنة النبوية” (4/536): ...إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا, وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا , وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم”. 
✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار




الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته

مراعاة أصول الرجل وسيرته في فهم إطلاقاته 


جرت عادة الأئمة على اعتبار حال المتكلِّم وسيرته وأصوله عند تفسير كلامه المحتمل؛ إذ إن استصحاب الحال دليل اعتمدته الشريعة، ولأن العاقل يجري في كلامه على عادته وأصوله...

ولذا نجد العلماء يستدلون باستصحاب حال النبي صلى الله عليه وسلم في كونه جاء لتعليم الناس الشرع 

على حمل حكمه على الشرعي إذا احتمل أن يكون شرعيا أو عقليا...


وهذا أصل ...

ومن هنا تقرَّر أن الكلام المحتمل لا يُفهم إلا مع ملاحظة حال قائله، وقد الجويني في البرهان وغيره أن القرأئن تحول الظاهر المحتمل إلى نص لا يحتمل إلا معنى واحدا، وأن القرائن تدخل على الصيغ المطلقة لتدل على المعنى الذي يريده المتكلم. 


ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجرّ إلى مذاهب قبيحة”الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 201).

يقول ابن القيم: “والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما محضَ الحق، ويريد الآخر أكبر الباطل، والعبرة بسيرة الرجل ومنهجه وما يدعو إليه، وما يناظر عليه”مدارج السالكين (3/ 409) 


فالنتيجة: لا يُفسَّر كلام المتكلم اعتمادًا على ألفاظهم المجرَّدة، بل يُفهم في ضوء أصولهم وسيرتهم ومنهجهم؛ إذ بذلك يُدرك المراد الصحيح وتُسد أبواب الانحراف في الفهم والاستدلال. 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار 

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/09/blog-post_30.html