الجمعة، 22 أغسطس 2025

#اللحوم_المستوردة

#اللحوم_المستوردة 


✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار 


أثير في ليبيا جدل واسع حول اللحوم المستوردة، خاصة القادمة من البرازيل، وكان من أسباب ذلك أن الجهة التي تبنّت التحقيق في المسألة لم تكن محل ثقة عند كثير من الليبيين؛ لصدور فتاوى سابقة عنها اتسمت بالتعميم وعدم الانضباط.

فلما أصدرت حكمًا عامًا بالتحريم على جميع اللحوم المستوردة، وجعلت كل من يأكلها كمن يأكل جيفة، جاء الاعتراض والإنكار. إذ إن مثل هذه القضايا لا يُعالج بالتعميم، وإنما بالتحقيق العلمي الدقيق، مع التفريق بين الشركات والبلدان، ومخاطبة المسؤولين مباشرة لإيضاح الحقائق. 


الأصل الشرعي في الذبائح واللحوم 


مذهب أكثر العلماء أن الأصل في الذبائح واللحوم: التحريم حتى يثبت تذكيَتُها على الوجه الشرعي. فإذا حصل شكّ: هل ذُبحت بطريقة صحيحة أم لا؟ فالأصل الحرمة. 


فالشك معتبر في المنع من الأكل، لما في صحيح مسلم:(وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل،فإنك لا تدري أيهما قتله).

قال النووي عند شرح الحديث:[فيه بيان قاعدةٍ مهمةٍ وهي أنه إذا حصل الشكُّ في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه،وهذا لا خلاف فيه]شرح النووي على صحيح مسلم13/116

وقال ابن العربي المالكي:[...فإذا ورد الشكُّ في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم]أحكام القرآن2/35.

وقال ابن دقيق العيد: «إن الأصل التحريم في الميتة، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وكذلك إذا شككنا أن الصيد مات بالرمي أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت لم يحل» [إحكام الأحكام (2/288)]. 


فإذا وردت شبهة قوية على اللحوم المستوردة من البرازيل وغيرها 

فإننا نمنع من أكلها إلا لمن علم أنها ذبحت بطريقة يجوزها الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ولا تحل الفروج والذبائح بالشبهات]مجموع الفتاوى32/190.


الاعتراض بقاعدة "الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل" 


قد يقال: إن الله أباح ذبائح أهل الكتاب، فالأصل الحل.

والجواب: نعم، هذا أصل معتبر، لكن الأصول قد تعارضها القرائن والوقائع والظواهر القوية التي مستندها الحس. 

والواقع اليوم في جملة من المذابح الأوروبية والبرازيلية قائم على: 


• التدويخ بالكهرباء أو الصعق بالمسدس قبل الذبح.

• ضعف أو غياب الرقابة الشرعية الفعلية، والاكتفاء بتواقيع شكلية من بعض المراكز الإسلامية.

• أن الذابح قد يكون مسلمًا، أو كتابيًا، أو وثنيًا، أو حتى ملحدًا، ولا يُتحقق من حاله.

• 

ولما راسلت الرئاسة العامة لإدراة البحوث الغلمية والإفتاء بالسعودية الدعاة والروابط والهيئات في دول الكفر جاءت الأحوبة في مجملها صادمة في طريقة الذبح وفي كون الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد؟ وبعض ابذابحيين يكون وثنيا...مما يبقى الشك ويقويه في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية..

وبناءً على ذلك: إذا وُجدت شبهة قوية في اللحوم المستوردة، فإنها لا تُباح إلا بعد التحقق من أنها ذُبحت بطريقة شرعية. 

ومع ذلك لا يمكن أن نقطع بالحكم ولا أن نجعل من يأكلها في حكم من أكل الجيفة إلا عند ما تيقن أو غلب على ظنه أنها لم تذبح بالطريقة الشرعية


تغليب جانب التحريم عند الشك

من القواعد المقررة أنه إذا اجتمع فيما أصله التحريم سببان أحدها مبيح والآخر محرم يغلب جانب التحريم؛ لموافقته الأصل... 


ولا يتعارض ذلك مع ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: إِنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا، أَفَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا». فالمسألة هناك متعلقة بذبيحة مسلم قد يترك التسمية جهلًا أو نسيانًا، 

والمسألة مبحوثة في مذابح عصرية في دول كفرية قويت فيها الشبهة في أصل السبب المبيح: هل وقع الذبح الشرعي أصلًا أم لا؟

وغلب على هذه الدول الإلحاد واللا دينية...

ومسألة التسمية إذا تركت جهلا أو نسايا من مسلم فيها خلاف معروف في حكم أكل ذبيحته...


الخلاصة

الصحيح أن الأصل في ذبائح النصارى الإباحة، لكن مع الشكوك القوية القائمة في كثير من اللحوم المستوردة اليوم، وخاصة من بعض الدول كالبرازيل، فالواجب التوقف حتى يثبت أنها ذُبحت وفق الطريقة الشرعية، ولا نعمم فنجعل كل من أكلها فهو آكل للجيفة، فمن ثبت عنده أن شركة معينة تذبح بالطريقة الشرعية فله أن يأكل ولا شيء عليه.ط، وإلا فلا.

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_22.html

الخميس، 21 أغسطس 2025

التناقض بين الخطاب والواقع عند بعض الجماعات ذات النزعة #القطبية أو المتأثرة بها كالصحوية

 

التناقض بين الخطاب والواقع عند بعض الجماعات ذات النزعة #القطبية أو المتأثرة بها كالصحوية
✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

( الكلام هنا على الجماعات لا على الحكومة السورية، فهي حكومة لها ولاية شرعية)

زعم بعض المنتسبين لهذه الجماعات أن من حرر سوريا إنما كان على خلفية قطبية…!
وقالوا: إن المنهج الذي "يدك حصون الصهاينة ويربي الأبطال" هو منهج #سيد_قطب…!
فهل سيثبتون على ما زعموه، أو أن خطابهم سيُصيبُه ما أصابهم من التناقض والتأتأة؟

إن المتأمل في خطاب هؤلاء يدرك حجم التناقض الصارخ بينهم وبين ما يظهرونه من دعوى الثبات على المنهج والمبدأ، فقد رأيناهم في بلادنا على صورتين متضادتين:

– في التنظير:
• يصفون #الحكومات بالردة بحجة الاستبدال، أو بإسقاط حكم الطائفة الممتنعة عليها.
• ويهاجمون كل من يخالفهم في "منهج سيد قطب" أو غيره من الشعارات التي يتبنونها.

– في الممارسة العملية:
• إذا فُتحت لهم أبواب التمويل من الحكومة، أو مُكِّنوا في أرضها من بعض المناصب، أو وُعدوا بالمكاسب، انقلب خطابهم فجأة من العداء والتكفير إلى المدح والتزكية.
• وكأن معيار “الثبات على الحق” عندهم ليس صدق المعتقد، وإنما حجم ما يُغدَق عليهم من منافع، أو رفع شعار الأسلمة...

والخلاصة:
أنهم يتخذون من الشعارات الكبرى – كالحاكمية، ومحاربة المشروع الصهيووني، وحكم الطائفة الممتنعة – أدواتٍ للتهييج والتعبئة، فإذا تبدلت الظروف وصرفت لهم الميزانيات ، تغيّر الخطاب فجأة من حدّة العداء إلى نعومة الدفاع والتسويغ.

الموقف الشرعي من #التطبيع

• التطبيع محرّم شرعًا، لأنه نوع إقرار بالاحتلال وتنازل عن حق ثابت للأمة، فضلًا عن مخالفته لقطعيات الشريعة.

• لا يجوز تسويغه بحجج "المصلحة"، أو "وقف العمليات العسكرية"، أو "الاعتراف بالقيادة الجديدة"، أو "التفاوض حول الجولان".

البديل المشروع

إذا اقتضت الضرورة، فالمشروع هو الهدنة المشروطة المؤقتة – كما فعل النبي ﷺ في صلح الحديبية – دون اعتراف بشرعية الاحتلال، ودون إقامة علاقات طبيعية معه.

✍️فالتطبيع لا يصبح حلالا مهما كانت الضغوطات لكن إذا أُجبر الناس قهرًا وفق ما يقتضيه فقه الضرورة، فيدخل في باب الإكراه، وحكمه يختلف:
• الدولة تعذر بقدر الضرورة بعد التحقق من دخولها تحت فقه الضرورات..
• ولا يسقط ذلك عن الأمة واجب رفض الاحتلال والسعي لتحرير الأرض بالضوابط الشرعية.

الأربعاء، 13 أغسطس 2025

مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب


مناقشة موقف الشيخ فيصل قزاز من النقد زمن الحرب

بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار –

يُثار هذه الأيام سؤال مهم: هل يجوز نقد القيادات المقاومة زمن الحرب، خاصة إذا كان القتال مع الكفار أو أن هذا النقد يُضعف الصف ويُعد خيانة أو نفاقًا؟؟
وقد عبّر الشيخ فيصل قزاز عن موقف مانع من النقد وجعله من باب الخيانة والنفاق، معتبرًا أن هذا النقد لا يُعرف في تاريخ المسلمين إلا من الخونة والمنافقين.

قال:"لا يعرف في تاريخ المسلمين أن حربًا قامت بين المسلمين والكفار ووقف عالم من علماء المسلمين ينتقد المسلمين والحرب قائمة، بل لا يعرف هذا إلا من الخونة والمنافقين...

وإذا أردنا مناقشته:
.أولا: من حيث التأصيل الشرعي

النهي عن نقد المسلمين زمن الحرب ليس حكمًا مطلقًا عند علماء أهل السنة، بل هو مقيّد بحال تحقق الجهاد الشرعي واستكمال شروطه وانتفاء موانعه، مع رجحان المصلحة في السكوت
• أما إذا كان القتال فاقدًا لشروطه الشرعية، أو محققًا لمفسدة أكبر، فإن بيان الحكم الشرعي يصبح واجبًا، ولو في زمن الحرب، بشرط أن يكون بأسلوب منضبط يراعي المصلحة ويدرأ المفسدة.

والواقع أن الشيخ فيصل ومن على شاكلته يتكلمون عن أحكام الجهاد الشرعي الذي وُجد سببه وتحقّق شرطه، بينما يتحدث السلفيون عن قتال وُجد سببه لكن لم يتحقق شرطه الشرعي...

ثانيا: من حيث الاستقراء التاريخي

الاستقراء الذي يذكره الشيخ فيصل غير مكتمل؛ فالتاريخ الإسلامي شهد حالات نقد وتصحيح زمن الحرب إذا كان القتال غير مستوفٍ لشروطه.
ومن ذلك ما جرى زمن اجتياح التتار لدمشق، حيث خرج كثير من الناس يستغيثون بالأموات، فأنكر العلماء ذلك رغم أن العدو على الأبواب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولِما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا..."

فهذا المثال يدل على أن النقد زمن الحرب قد يكون مشروعًا إذا كان الهدف إصلاح المسار وتصحيح الفعل قبل المضي فيه.

ومن هنا، فإن من ذمّ الإقدام على قتال لم تكتمل حقيقته الشرعية، لم يذمه لأنه قاتل الكفار أو شارك في جهاد مستوفٍ لشروطه، بل ذمه؛ لأنه أقدم على فعل ناقص الشروط، ترتّب عليه ضرر عام ومفسدة راجحة لا تقرّها الشريعة...

وأما رميه لمخالفيه بتهم التخذيل والخيانة والنفاق فهو تعد ظاهر ولم يراعِ المعنى الذي اعتبرته الشريعة في النهي عن التثبيط والتخذيل في جهاد وجد سببه وتحقق شرطه، وهو:التأثير السلبي المباشر والراجح على سير الجهاد في ساحة المعركة.[انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (12/217)]
فما كان ضرره على الجهاد في ميدان القتال عظيماً، مُنع منه شرعاً.
أما ما كان ضرره مرجوحاً ومصلحته راجحة، أو كان الشروع في القتال خطأً لعدم تحقق شرطه الشرعي – ولو كان جهاد دفع – فإن التصحيح واجب؛ حماية للأرواح والمصالح الشرعية.

والذي يؤسفني -حقيقة- الحال الذي وصل إليه الشيخ فيصل قزاز بسبب خصوماته مع بعض المشايخ، فضيع البوصلة...

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_13.html

الاثنين، 11 أغسطس 2025

هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

 هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار
الجواب:
ليست الإشكالية – كما يظن بعض الإخوة – في تنزيل النصوص على الواقع مع سلامة التأصيل، بل الإشكالية الحقيقية تبدأ من تأصيل المسألة نفسها. فهناك من يؤصل على طريقة السلف، وهناك من يؤصل على طريقة غيرهم.
وسبب ورود هذا السؤال أن تحكيم الشريعة كمرجعية عليا لم يعد قائمًا في أغلب البلدان...وان الحكام مقيدون بأنظمة دولية واتفاقيات...وأن الكفار شاركوا تنصيبهم  بشكل أو بآخر
• فالخلاف الحقيقي بينهم والتأصيلي هو هل مناط نصوص الولاية هو مجرد إسلام الحاكم ولو طلق الشريعة تطبيقا جزئيا، أو إسلامه مع تحكيم الشريعة؟
وهذا يفتح الباب لسؤال آخر وهو ما هو "القدر الواجب" من تحكيم الشريعة حتى تتحقق به أصل الإمامة الشرعية؟ وهل عدم الاستقلالية في الحكم ومشاركة الكفار في التنصيب يؤثر في أصل الولاية؟

• التقرير الصحوي وأشد منه القطبي عادةً يجعل التطبيق الجزئي للشريعة ليس كافيا لبقاء الشرعية، بل هو إخلال جوهري بشرط أصل الولاية، فيربط بين شرط "تحكيم الشريعة" وشرط "الكفر البواح" بحيث يجعل غياب التحكيم الكامل للشريعة أو التحاكم للقوانين الوضعية من انتفاء شرط إقامة الدين أو من صور الكفر البواح، ويسقط بهما أصل الولاية الشرعية حتى في حال الاضطرار  ...ويعتبر أن دعم الكافر الحاكم للوصول للحكم كافٍ لانتفاء أصل الولاية؛ بناءً على قراءة سياسية تربط بين التنصيب الأجنبي وبين انتفاء شرط التحاكم الكامل للشريعة.

• في المقابل، التقرير السلفي يجعل مجرد كون الحاكم مسلمًا، مع تطبيق جزئي للشريعة مصحوبا بالإقرار بوجوب تطبيقها ومرجعيتها، كافيًا لبقاء الشرعية في حال الاضطرار، فيربط مناط الولاية بوجود الحاكم المسلم الذي استقر له الأمر، ويعتبر الحكم بالقوانين الوضعية في بعض أو أكثر الأمور، مع الإقرار بالشريعة ذنبًا عظيمًا لكنه ليس كفرًا أكبر إلا بجحود أو امتناع؛ مستندا في ذلك على أصلي سد الذرائع ودرء الفتنة أكثر من الاستدلال على تمام شروط الإمامة؛ حفظا لوحدة الجماعة
• فوجود ضغط خارجي أو قيود سياسية في التقرير السلفي لا يغير حكم النصوص الشرعية ما لم يتحقق المناط الشرعي لزوال الولاية،
•  ولا يشترط في الولاية الاضطرارية أن يكون تنصيب الحاكم قد تم بالطريقة الشرعية الكاملة حتى تثبت له الولاية، بل يكفي أن يستقر له الأمر وتنعقد له البيعة ولو قهرًا، ما دام مسلمًا ولم يظهر منه كفر بواح.
• ومجرد أن الكفار ساعدوا أو دعموا في الوصول إلى الحكم لا يسقط ولايته عند السلف، إذا تحققت فيه مناط الإمامة (الإسلام، عدم الكفر البواح، استقرار الحكم).
• والتاريخ الإسلامي نفسه فيه أمثلة لحكام وصلوا إلى السلطة عبر تحالفات أو دعم خارجي من أطراف غير مسلمة، ولم يُسقط السلف ولايتهم بمجرد ذلك، كبعض ولاة الأندلس الذين استعانوا بملوك النصارى في الصراعات الداخلية..


👈أعود فأقول: القول بأن "الأنظمة المعاصرة فقدت مقومات الولاية" قول غير منضبط علميًا، لأن البحث في هذا لا بد أن يبدأ أولًا بـ تخريج مناط أحاديث الصبر على الولاة، لا بالقفز إلى الحكم على القياس بالفساد أو الصحة بلا ضبط مناطه، ولا بتحقيق المناط في ولايات زماننا.

🔹 أولًا: مناط هذه الأحاديث – كما قرره أئمة أهل السنة – ليس كمال صلاح الحاكم ولا التزامه التام بالشريعة، وإنما:
• كونه مسلمًا في الجملة.
• استقرار الحكم
• عدم ظهور كفر بواح عليه ببرهان قاطع من الكتاب أو السنة.
• والحكمة التي رعاها الأئمة: دفع المفسدة الكبرى والفوضى العامة.

🔹 ثانيًا: النصوص الشرعية في السمع والطاعة والصبر على الجور، لا تُستبعد من واقعنا إلا إذا انتفى مناطها انتفاءً بيّنًا، وإلا فهي باقية الحكم.
👈 فـ "طبيعة الجور وتغير حال الحكام في زماننا" ليسا مناطين أصلا في النصوص، لا في زمن السلف ولا في غيره، وهذا وحده يسقط دعوى إسقاط الأحاديث بحجة اختلاف الواقع.
👈 فهذا الإمام أحمد عاش في عصر تغير فيه الحاكم واختلف حاله عن حال من تقدمه، فقد شرعن الكفر وعاقب من خالف، ومع ذلك أبقى النصوص على إطلاقها، ولم يخترع شرط "طبيعة الجور" أو "هوية النظام" لإسقاط الولاية قال الإمام أحمد: "ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا، برًّا كان أو فاجرًا"[أصول السنة].

• فالفكر الصحوي في هذه القضية ينطلق من تغيير مناط النصوص الشرعية.
• فالنصوص عند السلف مناطها: الإسلام – عدم الكفر البواح – استقرار الحكم.
• وأما الصحويون فغيّروا هذا المناط إلى: التحاكم للشريعة بصورة كاملة – استقلال القرار السياسي – طريقة الوصول للحكم
• وهذا التغيير يجعل الحكم الشرعي تابعًا لظروف سياسية متغيرة، بدل أن يكون منضبطًا ببرهان شرعي قطعي.

🔹 ثالثًا: دعوى "فقدان مقومات الولاية" من غير برهان شرعي قطعي هي المدخل الذي سلكه القطبيون والسروريون لنسف النصوص، وتحويلها من مسألة توقيفية منضبطة إلى قضية اجتهادية
فوسّعوا معنى الكفر البواح حتى أدخلوا فيه المظالم والسياسات، ثم زعموا أن النصوص الواردة في الصبر على الأئمة لا تنطبق على "الواقع المعاصر" لأن "طبيعة الجور مختلفة"!
وهذا تلبيس وتغيير للمناط الشرعي بنظرية سياسية، ليصبح الحكم الشرعي رهين اجتهادات...
👈وهو يخالف منهج أهل السنة، الذي يضبط المسألة بشروط صارمة، ويمنع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع؛ دفعا للفتننة العامة....

👈وقد تميز منهج أهل السنة عن غيره:
• ضبط المناط بشروطه.
• منع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع.
• ردّ كل تأويل سياسي يُفضي إلى إسقاط النصوص على أهواء الفرق الحركية.

🔹رابعا: أصل الخلاف مع هؤلاء ليس في توصيف فساد الواقع، فنحن نقر بفساد الواقع ومغايرته لواقع السلف، وإنما أصل الخلاف في المنهج في تنزيل النصوص؛ فمن أبقى المناط على ما هو عليه عند السلف، لزمه إبقاء الحكم. ومن بدّله وقع في الانحراف المنهجي الذي قاد إلى الفوضى الفكرية والحركية.

🔹خامسا: وصف القول بأنه فكر قطبي أو سروري أو أنه على سَنن الخوارج والمعتزلة ليس من “التعصب المقيت” إذا كان القول بالفعل يوافق أصولهم ومآلاتهم، لأن الحكم على الأقوال بمآخذها ومآلاتها منهج علمي معتبر عند أئمة السنة.
ومن تبنى أصلاً فاسدًا من أصول الفرق الحركية، ثم شابههم في التنزيل والنتيجة، فإن وصفه بمقتضى ذلك ليس ظلمًا، بل هو توصيف علمي للمسار الفكري الذي يسلكه.


































الأحد، 10 أغسطس 2025

إنزال حكم #الطائفة_الممتنعة على الحكومات اليوم

إنزال حكم #الطائفة_الممتنعة على الحكومات اليوم
بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار

يرى بعض المغرضين من أفراد الجماعات الجهادية أن الحكومات المسلمة المعاصرة تأصيلا تُكيَّف شرعًا على أنها طوائف ممتنعة بشوكة عن تطبيق شرع الله، فيوجبون قتالها؛ مستندين إلى حكم الطائفة الممتنعة .....

ولتمرير باطلهم، استدعوا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال التتار، وأخرجوه من سياقه التاريخي والفقهي، وأسقطوه على واقع مختلف تمامًا. فقد كان ابن تيمية يتكلم عن قوم يجمعون بين الكفر الصريح والشرك البواح، ويخلطون جيوشهم من الكفار والمنافقين ومن يظهر الإسلام، حتى قال عنهم: ( وبالجملة فمذهبهم ودين الإسلام لا يجتمعان ولو أظهروا دين الإسلام الحنيفي الذي بعث رسوله به لاهتدوا وأطاعوا) وقال:(فكيف بمن كان فيما يظهره من الإسلام يجعل محمدا كجنكسخان)
بل ذكر أنهم لم يكونوا حتى يؤذنون في معسكراتهم. وهذا يختلف جذريًا عن حال أكثر الحكومات المسلمة اليوم.

ومع هذا التحريف الصارخ لكلام شيخ الإسلام، يأتي من يزعم أن هؤلاء "نبتة تيمية وهابية"؛
والحقيقة أنهم أبعد ما يكونون عن منهج ابن تيمية، وإنما هو استغلال لكلامهم الحق وإسقاطه في غير سياقه، كما أسقط الخوارج الأول  "،إن الحكم إلا لله" في غير سياقه...

🔹 ضابط الطائفة الممتنعة
-أن تكون طائفة ولها شوكة وقوة
-أن تترك شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة
-أن تتطالَب من دولة قوية بفعل ما تركته من الواجبات الظاهرة أو بترك ما فعلته من المحرمات الظاهرة فترفض وتقاتل على ذلك..

🔹 خلاف العلماء في أصل المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم الطائفة الممتنعة إذا قاتلت مع إقرارها بوجوب الشرائع:
• هل تكفر وتقاتل قتال كفار؟
• أو لا تكفر وتقاتل قتال بغاة؟
قال ابن تيمية مبينًا مذهب الإمام أحمد:«كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها، على روايتين».

🔹 محل المسألة
ومحل هذه المسألة عند أهل السنة وجود دولة قوية قائمة عندها القدرة على قتال الطائفة الممتنعة بعد مطالبتها بفعل ما تركت من الشرائع، كما كان الحال في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قاتل مانعي الزكاة بعد وفاة النبي ﷺ، وكما هو الحال في قتال التتار
وهو قتال منظم تحت راية إمام شرعي ودولة مستقرة، لا مغامرة فوضوية لجماعات متفرقة.

فالسؤال الذي يجب أن يُطرح عليهم: هل الحكومات المعاصرة واجهت حالة شبيهة بحال مانعي الزكاة أو التتار، حيث طالبهم إمامٌ شرعي لدولة قوية بإقامة الشريعة فامتنعوا وقاتلوا؟!!

🔹 تحريف الجماعات الجهادية للمسألة:
الغريب أن هذه الجماعات نقلت المسألة من سياقها الشرعي إلى سياق فوضوي؛ فجعلوا أنفسهم – وهم مجموعات متفرقة – أصحابَ الحق في الحكم على الحكومات المسلمة بأنها "طوائف ممتنعة"، ثم استباح بعضهم بذلك التفجير والاغتيال في بلاد المسلمين، تحت شعار الجهاد....

🔹 خلاف الجماعات الجهادية الداخلي في التنزيل:
حتى داخل هذه الجماعات، اختلفوا في كيفية إسقاط حكم الطائفة الممتنعة على الحكومات ومن تحتها:

• بعضهم قال: كل فرد في الحكومات له حكم الطائفة؛ فإذا كان رأس الطائفة مرتدًا، فكل من تحت سلطانه مرتد.

• أبو محمد المقدسي قال: لا يُكفّر كل فرد، بل يكفر من يقر بباطلهم أو يعينهم على قوانينهم أو ينصرهم.
      وقال أبو بصير الطرطوسي :" تكفير الحكام المبدلين للشريعة والذين لا يحكمون بما أنزل الله .. لا يستلزم كفر وتكفير كل من يعمل في حكوماتهم ـ كما يروج البعض ترهيباً لعامة المسلمين من تكفير طواغيت الحكم! ـ وإنما الذي نقوله: من دخل في نصرة الحاكم الطاغوت وظاهره على المسلمين .. فهو كافر مثله .. ومن بطانته .. وهذا وصف لا يلزم كل من عمل في الحكومة"

• طائفة أخرى جعلت مسألة تكفير أعيان الحكام ومناصريهم مسألة فتوى وقضاء، مبناها على الاجتهاد، فهي من العلم الذي سبيله النظر والاجتهاد والاستدلال، ولم تصل إلى حد العلم الضروري المقطوع به....

🔹 الخلاصة والتحذير

إن تكفير الحكومات المسلمة بالجملة منهج باطل شرعًا، وما تفعله هذه الجماعات اليوم من إسقاط الأحكام في غير موضعها، ما هو إلا إشعال لنار الفتنة وتمزيق لصف الأمة، وتحويل سلاح المسلمين إلى صدور المسلمين.
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_10.html

الخميس، 7 أغسطس 2025

ركائز فكر #سيد_قطب الثلاثية

 ركائز فكر سيد قطب الثلاثية 


✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار 


لفهم المنظومة الفكرية لسيد قطب، لا بد من استيعاب المرتكزات الثلاثة التي قامت عليها رؤيته الفكرية والتربوية: الحاكمية، الجاهلية، المنهج الحركي.

فهي ليست مجرد مفاهيم منفصلة لا علاقة بينها، بل هي شبكة مترابطة تشكل "تصورًا عقديًا وحركيًا" شاملًا. 


أولًا: الحاكمية 


ركب لكلمة التوحيد مفهوما خاصا جعله مداره على الحاكمية التشريعية من قبل الحكام، والخضوع لجميع تلك الأحكام من قبل المحكومين،  

فالحاكمية هي المُعَبّر الرئيس لمعنى كلمة التوحيد

وأصبح سيد يرى المجتمعات من خلالها فيحكم عليها بكفر أو إسلام فهي معيار تقييم المجتمعات. 


فهو يرى أن المجتمع كوحدة سياسية وتشريعية إذا لم يحتكم لشرع الله فهو "مرتد"، لكن لا يلزم من ذلك تكفير أفراده.


غير أن هذا التصور يُعد انحرافًا عن منهج السلف في باب الإيمان والكفر؛ حيث رفع قطب الحاكمية إلى أعلى مراتب التوحيد، وعدّ تعطيلها كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وهو ما لم يقل به علماء السلف، وإنما هو من تقريرات الخوارج القدامى


ثانيًا: الجاهلية 


وضع سيد قطب مصطلح "الجاهلية المعاصرة"، ليصف به المجتمعات الإسلامية التي انفصلت – بحسب رؤيته – عن منهج الله في الحكم والتشريع، حتى وإن حافظت على الشعائر الدينية. 


ولهذا قال"لقد ارتدت البشرية إلى الجاهلية... إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، وارتفعت راية الشرك مرة أخرى." 


ويرى سيد أن هذه الجاهلية لا تختلف في جوهرها عن جاهلية قريش، بل هي أعنف وأشد خطرًا لأنها تتزيّن بمظاهر الإسلام. 


ورتب على هذا التصور تقسيم المجتمعات إلى:

• مجتمع مسلم: حيث تُقام شريعة الله.

• مجتمع حاهلي مرتد: حيث لا تحكم فيه شريعة الله. 


وبناء على هذا، تصبح المجتمعات الإسلامية المعاصرة – بحسب قطب – أقرب إلى "دار الحرب"، وهو ما يقتضي في ظل التهديد الانفصال الشعوري والعقدي عنها، انتظارًا لإقامة "دار الإسلام". 


فبغياب الحاكمية يغيب المجتمع المسلم، وسبيل النجاة الوحيد هو الانفصال والعزلة العقدية والشعورية عن أهل هذه الجاهلية.  يقول سيد: "لا نجاة للعصبة المسلمة -في كل أرض- من أن يقع عليها هذا العذاب" إلا إذا:انفصلت عقديا وشعوريا ومنهجَ حياة عن أهل الجاهلية من قومها إلى أن يأذن الله لها بقيام دار إسلام).

وبما أن المجتمعات المسلمة اليوم في حاهليتها تشبه الجاهلية الأولى فلابد أن تمر بذات المراحل التي مر بها الإسلام في بداية الدعوة:

• الدعوة السرية والتكوين العقائدي.

• الانفصال والاعتزال الشعوري عن الجاهلية.

• الهجرة إلى أرض آمنة.

• إقامة دولة الإسلام. 


يقول سيد: "فأما اليوم وقد عادت الأرض إلى الجاهلية وارتفع حكم الله -سبحانه- عن حياة الناس في الأرض، وعادت الحاكمية إلى الطاغوت في الأرض كلها، ودخل الناس في عبادة العباد بعد إذ أخرجهم الإسلام منها. الآن تبدأ جولة جديدة أخرى للإسلام -كالجولة الأولى- تأخذ في التنظيم كل أحكامها المرحلية حتى تنتهي إلى إقامة دار إسلام وهجرة، ثم تمتد ظلال الإسلام مرة أخرى بإذن الله فلا تعود هجرة، ولكن جهاد وعمل كما حدث في الجولة الأولى". 


ثالثًا: المنهج الحركي 


في فكر سيد قطب، لا يتحقق الفهم الصحيح للنصوص الشرعية إلا عبر بوابة التفاعل الحركي مع الواقع.

فالعقل الحركي – أي المجاهد والمنخرط في التغيير السياسي – هو وحده المؤهل لفهم دلالات القرآن وأحكامه. 


ومن هنا جاءت فكرة "الطليعة المؤمنة"، وهي جماعة مؤمنة معزولة شعوريًا عن المجتمع الجاهلي، تتحرك لإقامة الحكم الإسلامي، تمامًا كما فعلت الجماعة الأولى في مكة. 


هذا الربط بين الفهم الصحيح للنص والحركة الثورية يهمّش فهم الفقهاء والعلماء غير المنخرطين في العمل السياسي، ويُقصي الاجتهادات العلمية التي لا تنبع من "حركة مقاومة".


أخيرا

نعم سيد

ذكر أنه يفرق بين تكفير المجتمع وتكفير أفراد المجتمع

فهو لا يرى نفسه قاضيا وحاكما على الأفراد ولهذا كان يقول أنا لا أكفر الناس 


وحتى لو سلمنا بصحة ذلك فقد تُرجمت نظريته إلى مشاريع تكفيرية تبناها تنظيم القاعدة وداعش وغيرهما، حيث تم إسقاط حكم الجاهلية والردة على الأفراد، واعتبارهم مشركين مرتدين تجب محاربتهم واستباحة دمائهم..؛ لأنه بقوة طرحه وغموض حدوده

ترك لهم الفراع ليملؤؤه، فهو أشبه بمن وضع البنزين بجانب النار وهيأ الأسباب لاندلاع نار عظيمة

ثم انسحب وترك الناس يشعلونها ...

فالفكر الذي يُحرّك الوجدان ويعبّئ القلوب دون أن يضع ضوابط محكمة وضمانات فقهية واضحة،  يتحول إلى أداة للفتنة وسفك الدماء، ....

الاثنين، 4 أغسطس 2025

حول مصطلح "#الجاهلية" في فكر #سيد_قطب

حول مصطلح "#الجاهلية" في فكر #سيد_قطب

✍️ بقلم: د. أحمد محمد الصادق النجار

يحاول بعض المدافعين عن فكر سيد قطب التقليل من دلالة مصطلح "الجاهلية" الذي يستخدمه، فيوهمون القارئ أنها مجرد وصف اجتماعي أو أخلاقي عابر، دون أبعاد عقدية خطيرة، وهذا تدليس واضح، وابتعاد عن التحقيق العلمي والتدقيق البحثي، ، إذ إن نصوص سيد قطب الصريحة، والسياق العام لفكره، تنقض هذا الادعاء من جذوره، فهم يتجاهلون نصوصًا صريحة وأبعادًا عقدية بالغة الأهمية في فكره.

أولًا:
لا أحد ينكر أن مجرد وصف مجتمع بـ"الجاهلية" لا يلزم بالضرورة تكفير جميع أفراده.
لكنّ المشكلة الحقيقية في فكر سيد قطب ليست في مجرد الوصف، وإنما في ربط هذا الوصف بـ حكم شرعي عقدي صريح بالكفر والردة على المجتمعات التي لم تطبق حاكمية الله، حتى ولو نطق أهلها بالشهادتين

قال سيد:(البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدّت عن لا إله إلا الله) (في ظلال القرآن ـ 2/1057- دار الشروق).
وقال (ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان؛ ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن : لا إله إلا الله)(في ظلال القرآن ـ 4/2009- دار الشروق)
فهو لا يتحدث فقط عن "وصف اجتماعي"، بل يُقرر حكمًا شرعيًا عقديًا بالكفر أو الشرك على من لا يطبق الحاكمية، ولو نطق بالتوحيد.

ثانيًا:
ارتباط مفهوم الجاهلية بمفهوم الحاكمية عند سيد قطب يعني تكفيرًا سياسيًا وعقديًا.
وهذا التصور كان هو الأساس النظري والفكري الذي تبنته لاحقًا جماعات الغلو والتكفير، كـ"القاعدة"، و"داعش"، و"التكفير والهجرة"، وغيرها، واعتبرته سندها الشرعي في تكفير المجتمعات، واستحلال الخروج والقتل والقتال.
وبعضهم يتوارى تحت مصطلح الامتناع...

ثالثًا:
قوله"لم نكفّر الناس" لا تُبطل النصوص العقدية السابقة.....
🛑قول سيد قطب في كتابه "لماذا أعدموني؟" ص22 :"إننا لم نكفّر الناس، وهذا نقل مشوّه. إنما نحن نقول: إنهم صاروا – من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية – إلى حال تُشبه حال المجتمعات في الجاهلية."
لا يبطل نصوصه الصريحة السابقة
والغريب أن بعض المدافعين يستندون إلى هذا النص الواحد المتأخر لينفوا عنه كل التبعات العقدية والفكرية التي ظهرت في كتبه السابقة، ولا سيما:
• في ظلال القرآن (الطبعة الثانية)،
• معالم في الطريق،
• العدالة الاجتماعية في الإسلام،

وهي المصادر التي اعتمد عليها كثير من الجماعات التكفيرية مثل القاعدة، وداعش، وجماعات الهجرة والتكفير وغيرها.

🛑فاستناد هؤلاء المدافعين إلى نص واحد مجمل هو محاولة منهم نسخ العبارات الصريحة التي تُقرر حكمًا شرعيًا عامًا على المجتمعات المسلمة اليوم بأنها "مرتدة" و**"لا توحد الله"**.

هذا الأسلوب الانتقائي منهم في قراءة فكر سيد قطب يُعد نوعًا من التزييف المنهجي؛ لأنه يُعلّق الفكر العقدي الكامل على نص واحد مجمل ومتأخر، في مقابل نصوص كثيرة صريحة في التكفير، لم يُبدِ فيها قط تراجعًا واضحًا أو استدراكًا صريحًا.
وهذا هو الندليس بعينه وابتعاد عن المنهجية العلمية.....

فقوله: "لم نكفر الناس" دون أن ينفي نصوصًا سابقة له تحتوي تكفيرًا عامًا وصريحا، لا يُعتبر تراجعًا شرعيًّا .
👈 ولذلك فإن العلماء الكبار مثل ابن باز، الألباني، ابن عثيمين، لم يعتبروا هذا النص تراجعًا كافيًا، بل بقوا يحذرون من عباراته في الحاكمية والتكفير.

⚖️ تنبيه مهم:

إن نقد الفكر لا يستلزم بالضرورة الحكم على النيات أو المصير، ولا يعني الجزم بعدم التوبة أو المراجعة، فالحكم على الأقوال والأفكار شيء، والحكم على الذوات والمآلات شيء آخر.

http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_4.html