السبت، 2 نوفمبر 2024

ما المقصود مسألة #أول_واجب_على_العبيد، ومن المخاطب بها؟

 


اعترض بعض المتكلفين على مسألة أول واجب على العباد, بعدة اعتراضات منها:


أولا: أنه سؤال محدث؛ لأنه لم يرد في النصوص الشرعية بلفظ السؤال, وإنما أحدثه المتكلمون.

ثانيا: أن السؤال في نفسه بهذا الإطلاق غير صحيح, وإنما يخاطب به من أراد الدخول في الإسلام, فيكون الجواب الصحيح هو أن أول واجب في حق من لم يدخل الإسلام هو الشهادتان, وليس جوابه التوحيد بإطلاق..


ومنشأ الغلط عند هؤلاء: فهمهم أن المخاطب بالسؤال كل مكلف بعينه على كل حال.


وجوابه: 


أولا كون السؤال محدثا من جهة ألفاظه لا يعني حدوثه من جهة معناه, فقد جاء بمضمون السؤال وجوابه الحديثِ الصَّحِيحِ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ  لما بعَثَهُ إلى اليمن: (( إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ...)), والسؤال وجوابه من الأسئلة المميزة والفارقة بين أهل الحديث وغيرهم؛ فصح تلقينه الأطفال وغيرهم, ولا يلزم من حدوث السؤال أن نترك مخاطبة الناس به, وإذا منعنا السؤال لكونه محدثا فلنمنع السؤال عن القرآن أمخلوق أو لا؟ ووو


ثانيا: إن المقصود بهذا السؤال في باب العقائد: بيان العلم الواجب ابتداء على العبد من حيث الإطلاق, 

بمعنى أن المقصود من ذكره في باب العقائد بيان أن التوحيد أول الواجبات على الإطلاق, فصارت مسألة أول واجب على العبد عنوانا على أن التوحيد أولا, هذا هو المقصد الأصلي.


والمخاطب بهذه الأولية: العبد من حيث هو مكلف لا باعتبار آخر؛ لوجوب وجود التوحيد عند التكليف, فإذا وجد منه قبل البلوغ كفاه ولا يطالب بتجديده؛ لأنه موجود عنده بعد البلوغ.


فأول ما يؤديه العبد من الواجبات: التوحيد, وهي أولية مطلقة في الواجبات, والمخاطب بذلك العبد من حيث هو مكلف, وليس المخاطب به كل مكلف على كل حال.


وإنما لا يصح الإطلاق إذا كان المقصود المخاطب به المكلف على كل حال, وهذا غير مقصود, وهو منشأ الغلط.


وقد اختلفت أنظار الناس في الأولية المطلقة بحسب عقائدهم, فأوجب المتكلمون النظر على كل أحد باعتبار كونه مكلفا.

والذي عليه أهل الحديث أن أول ما يجب على العبد من حيث هو مكلف: التوحيد أو الشهادتان, فالأولية المطلقة للواجبات: التوحيد, وليس النظر والمعرفة: لأن معرفة الله فطرية, والمخاطب بذلك العبد من حيث هو مكلف, وليس المخاطب به كل معين

فعند التعيين تختلف الأولية في الواجبات بحسب أحوال الناس, فتكون أولية نسبية, فيجب على بعض الناس ابتداء ما لا يجب على غيرهم, فالأولية بالنسبة للمسلم المعين أن يأتي بالطهارة والصلاة؛ لكونه أتى بالتوحيد, وهكذا ...

قال ابن تيمية عند كلامه في التعيين: (فإنما يأمر العبد ابتداء بما لم يؤده من الواجبات دون ما أداه, فلم يخاطب المشركين ابتداء بالمعرفة إذا كانوا مقرين بالصانع وإنما أمرهم بالشهادتين, ولو لم يكونوا مقرين بالصانع فإنه لم يأمرهم بإقرار مجرد عن الشهادتين بل أمرهم بالشهادتين ابتداء والشهادتان تتضمن المعرفة...)


وتلقين الأطفال هذا السؤال ليس من باب أن إسلامهم متوقف على أن يعلموا السؤال وجوابه, أو أنهم لم يدخلوا في الإسلام بعد, وإنما يلقنون ما يجب عليهم اعتقاده من كون التوحيد أولا أولية مطلقة ويخاطب به العبد من حيث إنه مكلف, فإذا أتى به انتفت انتفت مخاطبته به لا لكون التوحيد ليس أولا وإنما لكونه قد أتى به...


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 31 أكتوبر 2024

هل الشيخ الصادق الغرياني في شرح عقيدة ابن أبي زيد على طريق السلف ومنهجهم؟

 

هل الشيخ الصادق الغرياني في شرح عقيدة ابن أبي زيد على طريق السلف ومنهجهم؟ 

كثيرا ما يردد بعض الإخوة أنه في شرحه على طريقة السلف وهنا نسأل ما هي طريقة السلف في إثبات الصفات؟

وجوابه: هي إجراء ألفاظ الصفات على ما دلت عليه من معنى ظاهر في لغة العرب، كما قال الإمام أحمد:(ولا تفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت) أي وفق المعنى الظاهر الذي جاءت به، وهذا هو معنى قول السلف "أمروها كما جاءت" و "قراءتها تفسيرها" ولا يمكن بحال أن يتوهم من المعنى الظاهر معنى لا يليق بالله، ولو أمكن ذلك ما تعبدنا الله بظاهر نصوص الصفات ولا خاطبنا بها.

ولما سئل الإمام أحمد عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت.

قال: بلى إن ربك تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما حاءت) أي على المعنى الظاهر. وقال يزيد بن هارون: ( من توهم [الرحمن على العرش استوى] خلاف ما في قلوب العباد فهو جهمي] اي توهمه على خلاف المعنى الظاهر.

 

لكن نجد أن الشيخ الغرياني في شرحه يشيد بالقاضي عبد الوهاب ويذكر أن شرحه على عقيدة ابن أبي زيد كان على طريقة ومنهج السلف.

والذي غاب عنه أن القاضي عبد الوهاب كان تلميذا للباقلاني الأشعري, وعلى طريقته, قال القاضي عياض:( ودرس الفقه والاصول والكلام على القاضي ابي بكر الباقلاني وصحبه) ترتيب المدارك(٧/٢٢١),  وقد اعتمد القاضي عبد الوهاب على الباقلاني في شرحه العقيدة ونقل عنه وكان يقول: قال شيخنا, وكان من طريقة الباقلاني أنه يرفض تأويل الصفات الخبرية كالاستواء والوجه...ويسلم للنصوص الشرعية إلا أنه يثبتها مع نفي ما توهمه من كون ظاهر النص يفيد ما لا يليق بالله، ولهذا قال في الاستواء:(أنه على عرشه لا على معنى كون الجسم بالملاصقة والمجاورة) التمهيد(٢٦٤) فتوهم أن ظاهر معنى الاستواء الملاصقة والمجاورة فاحتاج إلى نفيه مع إثبات أن الله على العرش وهذه قاعدة له, والقاضي الباقلاني أقرب إلى السنة ممن جاء بعده كالجويني.

 وقد تأثر القاضي عبد الوهاب بطريقة شيخه الباقلاني ... فالقاضي عبد الوهاب نصر عقيدة متقدمي الأشاعرة في الصفات الخبرية

وقد كانت قاعدة القاضي عبد الوهاب التي ينطلق منها في إثبات الصفات الخبرية هو التسليم بما ورد به النص مع نفي ما توهمه من كون ظاهر النص يفيد ما لا يليق بالله. ولهذا يرى الإمساك عما أمسك عنه السلف من ألفاظ زائدة على ما ورد به النص ولو كانت الألفاظ في حقيقتها تبين معاني النصوص ومرادات السلف؛ خوفا من الوقوع فيما توهمه أنه يؤول به إلى التجسيم, فالاستواء مثلا يثبته تسليما للنص الشرعي لكنه لا يفهم من حقيقة لفظ الاستواء إلا التحيز وشغل مكان والتحول والافتقار ... فاحتاج عند إثباته الاستواء، أن ينفي عنه ما تبادر إلى ذهنه من استقرار وانتقال وشغل مكان، وإثبات الاستواء صفة تسليما للنص استوجب منه ألا يفسره؛ فرارا من الوقوع في التجسيم.

وقد اغتر الشيخ الغرياني بالقاضي عبد الوهاب؛ لكونه غير متخصص وليست له معرفة تفصيلية بعقيدة السلف فدخل عليه شيء من كلامه ففي إثباته للصفات يكتفي بالتسليم لألفاظ النصوص على ظاهرها من غير خوض في المعاني المتعلقة بالمعنى الظاهر للفظ، ويرى ذلك من التعمق الذي يخرج عن منهج السلف من غير أن يفرق بين المعاني المستقرة عند السلف كاستقرار كلمة غير مخلوق في مسألة كلام الله, فالصحابة وإن لم ينطقوا بكون كلام الله غير مخلوق إلا أن هذا المعنى مستقر عندهم فذكره عند الحاجة إليه ليس تعمقا ولا خروجا عن منهجهم, وبين الزيادة على المعاني المستقرة عند السلف والمبالغة في الإثبات, فلما لم يميز الشيخ بين الأمرين أنكر كل لفظة لم ينطق به السلف ولو كان اللفظ محققا للمعنى الذي قصده السلف وموضحا له؛ ظنا منه أنه ينطلق من قاعدة الإمساك عما أمسك عنه السلف من ألفاظ, ولذا في شرحه على ابن أبي زيد أنكر لفظة "بذاته" في قول ابن أبي زيد (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته) واستأنس في ذلك بكلام الذهبي, وجعل "بذاته" صفة للعرش,...

ومعلوم أن لفظة بذاته ذكرها الأئمة وحكوها في سياق ذكر إجماعات السلف في إثبات الاستواء على ظاهره, ولم ينكروها؛ لأنها من الألفاظ التي تبين المعنى الظاهر للاستواء الذي هو مستقر عند السلف, واحتيج إلى اللفظ في الرد على النفاة, قال شيخ الإسلام: ((وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الطلمنكي الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ ": أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى بِذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَافِظُ الْكُوفَةِ فِي طَبَقَةِ الْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ السجستاني الْإِمَامُ فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي السُّنَّةِ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى مَلِكِ بِلَادِهِ.وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ السجزي الْحَافِظُ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ " لَهُ. قَالَ: وَأَئِمَّتُنَا كَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَة وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ؛ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الطَّرْقِيُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الجيلي وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَشُيُوخِهِ.)). [5/ 189]

وقال ابن القيّم - كما في مختصر الصواعق (2/ 134) -: (الوجه الرابع عشر: أن الجهمية لما قالوا عن الاستواء مجازٌ = صرَّحَ أهل السنَّةِ بأنه مستوٍ بذاته على عرشهِ ....).

فليس في إثبات هذه اللفظة إثبات شيء زائد على ما دلت عليه النصوص, قال شيخ الاسلام رحمه الله:(فأهل السنة لم يثبتوا بهذه الألفاظ صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينوا بها ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته من خلقه وثبوت حقيقته )

قال ابن تيمية: (والقول الذي قاله الشيخ " محمد بن أبي زيد " وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه قد تأوله بعض المبطلين بأن رفع المجيد. ومراده أن الله هو المجيد بذاته وهذا مع أنه جهل واضح فإنه بمنزلة أن يقال: الرحمن بذاته والرحيم بذاته والعزيز بذاته. وقد قال ابن أبي زيد في خطبة " الرسالة " أيضا على العرش استوى وعلى الملك احتوى ففرق بين الاستواء والاستيلاء على قاعدة الأئمة المتبوعين ومع هذا فقد صرح ابن أبي زيد في " المختصر " بأن الله في سمائه دون أرضه هذا لفظه

والذي قاله ابن أبي زيد ما زالت تقوله أئمة أهل السنة من جميع الطوائف. وقد ذكر أبو عمرو الطلمنكي الإمام في كتابه الذي سماه " الوصول إلى معرفة الأصول ": أن أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله استوى بذاته على عرشه. وكذلك ذكره محمد بن عثمان بن أبي شيبة حافظ الكوفة في طبقة البخاري ونحوه ذكر ذلك عن أهل السنة والجماعة. وكذلك ذكره يحيى بن عمار السجستاني الإمام في رسالته المشهورة في السنة التي كتبها إلى ملك بلاده.

وكذلك ذكر أبو نصر السجزي الحافظ في كتاب " الإبانة " له. قال: وأئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد وإسحاق: متفقون على أن الله فوق العرش بذاته؛ وأن علمه بكل مكان وكذلك ذكر شيخ الإسلام الأنصاري وأبو العباس الطرقي والشيخ عبد القادر الجيلي ومن لا يحصي عدده إلا الله من أئمة الإسلام وشيوخه). مجموع الفتاوى (5/ 189)

فهذه اللفظة لم ينكرها أئمة أهل الحديث, بل تتابعوا على ذكرها؛ لأنها من الألفاظ التي تبين معاني النصوص, قال ابن تيمية: (والمقصود هنا أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة؛ لما فيه من لبس الحق بالباطل, مع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة والألفاظ التي بينت معانيها)

وإنما أنكرها الذهبي لعدم تحقق الحاجة التي لأجلها استحدث هذا اللفظ, فقد كان مؤولة الاستواء بالاستيلاء يستعملون لفظة بذاته في تأويلهم, قال الذهبي: (قولك بذاته هذا من كيسك ولها محمل حسن, ولا حاجة إليها؛ فإن الذي يأول استوى يقول أي: قهر بذاته واستولى بذاته بلا معين ولا مؤازر) العلو للعلي الغفار (ص: 245)

وطريقته خلاف أكابر أهل العلم

ومع نفرة الشيخ الغرياني من التأويل إلا أن إشكالية توهم معنى لا يليق بالله يؤخذ من حقيقة اللفظ يؤول به إلى التجسيم جعل إثباته في بعض المواطن مقيدا، وهذا ما صرح به في موقعه لما قال:(صفة العين ثابتة لله تعالى؛ لكن ليس بمعنى الجارحة والحدقة التي يبصر بها الناس)

فما الذي جعله ينفي الحدقة إلا ما توهمه من كونها هي حقيقة لفظ العين!!!

فهو مع تسليمه لألفاظ النصوص إلا أن أشكالية توهم ما لا يليق تراوده في بعض الصفات, ولا أظنه يراها ظاهرا لجميع الصفات الخبرية وإلا خرج بذلك عن اعتقاد السلف بالكلية.

فالذي يظهر لي أن الشيخ الغرياني ينفر من تأويل الصفات إلا ما أوله السلف على زعمه، فقد عد تفسير السلف لقوله تعالى:( وهو معكم) بالنظر إلى السياق تأويلا ظنا منه أنهم ينفون التفسير الإفرادي ل "مع"؛ لأن حقيقة "مع" عند الشيخ تفضي إلى التشبيه ومع نفرته من التأويل إلا أن إشكالية توهم معنى لا يليق بالله يؤخذ من حقيقة اللفظ ومعناه الظاهر يؤول به إلى التجسيم جعل إثباته مقيدا، وجعله يفر للتسليم للنص من غير تفسير.

وهذا ما صرح به في موقعه لما قال:(صفة العين ثابتة لله تعالى؛ لكن ليس بمعنى الجارحة والحدقة التي يبصر بها الناس) ففي إثباته للصفات يكتفي بالتسليم لألفاظ النصوص من غير الخوض في المعنى الظاهر للفظ، ويرى ذلك من التعمق الذي يخرج عن منهج السلف فهو مع تسليمه لألفاظ النصوص إلا أن أشكالية التوهم لا تنفك عنه, وهذا جعله ينفي عن العين الحدقة؛ لأنه يرى أن هذا هو حقيقة لفظ العين ومعناه الظاهر...

ولما سئل في موقعه عن إثبات الصفات قال:(صفات الباري عز وجل يجب إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة على (المعنى الذي أراده الله عز وجل ورسوله بها من غير تكييف)، وقد كان السلف الصالح يقولون: أمرّوها كما جاءت...)

تنبيه لا أعرف معتقده في الصفات الفعلية....

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 24 أكتوبر 2024

ما معنى قول العلماء بتأثيم الأمة جميعا بترك الواجب الكفائي؟

ما معنى قول العلماء بتأثيم الأمة جميعا بترك الواجب الكفائي؟ 

وهل يصح الانطلاق من هذا الإطلاق إلى تأثيم أكثر الأمة بتركها مسألة من مسائل الواجب الكفائي؟


لننطلق من فهم كلام النووي حتى نوضح المسألة

قال: (وأما اليوم فهو - الجهاد- ضربان، أحدهما: أن يكون الكفار مستقرين في بلدانهم، فهو فرض كفاية، فإن امتنع الجميع منه، أثموا، وهل يعمهم الإثم، أم يختص بالذين يدنوا إليه؟ وجهان.

قلت: الأصح أنه يأثم كل من لا عذر له)


(حكم ابتداء بإثم الجميع ثم أورد سؤالا هل يعمهم أو لا؟ ثم أجاب بأن الأصح تقييد الإثم بانتفاء العذر)


وتوضيح ذلك:

ليس مقصود الأصوليين ومن وافقهم من أهل العلم بكون الأمة تأثم إذا تركت الواجب الكفائي أن يعم الإثم الأمة كلها أو أكثرها أو حتى كثير منها

وهذا منشأ الغلط عند من تكلم في هذه المسألة, فينطلق من قول العلماء بأن الأمة تأثم بترك الواجب إلى تأثيم أكثر المعينين أو كثير منهم من غير اعتبار للعذر الشرعي الخاص في إطلاقه تأثيم أكثر المعينين أو كثير منهم، ظنا منه أن يحذر من ترك الواجب


بمعنى هل يؤخذ من قول الأصوليين "إن جميع الأمة يأثم بترك الواجب الكفائي" تأثيم أكثر المعينين 

أو لا يؤخذ وإنما ينظر في كل معين وما قام به من عذر؟


فإن قلت: يؤخذ منه تأثيم أكثر المعينين كنت قد خرجت عن قواعد الشريعة وسنن أهل العلم, 

وإن قلت: لا, بل لابد من النظر إلى الشروط والموانع في كل معين, كنت أعملت كلامهم في محله، ولم يصح منك الانطلاق من قولهم إلى تأثيم أكثر الأمة أو كثير منها...............

فليس مقصود العلماء من قولهم إذا تُرك الواجب الكفائي أثم جميع الأمة 

إطلاق التأثيم من باب التحذير, وإنما هو تأثيم لجميع الأمة من حيث هو جميع؛ لكون الخطاب كان موجها للجميع من حيث هو جميع، فهو بيان لحقيقة الواجب الكفائي من جهة توجه الخطاب وإثم الترك....

جاء في التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام (2/ 135): (الإيجاب على الجميع من حيث هو فإنه لا يستلزم الإيجاب على واحد ويكون التأثيم للجميع بالذات ولكل واحد بالعرض)


والتأثيم للجميع من حيث هو جميع لا يستلزم تأثيم كل فرد من الأمة أو أكثرهم؛ لأن تأثيم المعينين لابد فيه من العلم والقدرة الشرعية، والنظر في الموانع والأهلية...

وهذا الذي جعل الغزالي في الوسيط في المذهب (7/ 7) يقول: (ولتعلم أنه إذا تعطل فرض كفاية في موضع أثم من علم ذلك وقدر على إقامته ويأثم من لم يعلم إذا كان قريبا من الموضع وكان يليق به البحث فلم يبحث, أما من هو معذور لبعده أو لتعذر البحث عليه فلا يأثم)


من الفقه تحرير المسائل وإعمالها في محالها.


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار


http://abuasmaa12.blogspot.com/2024/10/blog-post_24.html

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

هل يصح إطلاق أن جميع الأمة آثمون بترك الجها د في غ زة؟

 


[لا يصح الإطلاق؛ لأن الوجوب على كل فرد من أفراد الأمة مقيد بما في إمكانه, وهذا يتفاوت الناس فيه, ولا يجمعهم فيه حكم واحد؛ بحيث يمكننا إطلاق القول بالتأثيم أو عدمه.

ومتى عزم المسلم على القتا ل فقعد السلطان أو منعه: لم يأثم, قال ابن الهمام في فتح القدير(5/ 440): (ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج، وقعوده لعدم خروج الناس وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه)]


وتحرير ذلك:

أولا: لولا وجود من يُطلق ويؤثم وينطلق من عاطفته ما صح لي أن أتكلم في هذا الوقت, لكن عند اشتباه الأحكام ووجود من يخلط بين الأمور وجب البيان ولو كان في وقت القتال ...


ثانيا: يشكل على غير المتخصص في أصول الفقه عدم ذكر قيود المسألة في موطن واحد, فالأصوليون لا يذكرون الموانع والعوارض التي يسقط بهما الإثم عند كلامهم عن الواجب الكفائي؛ لاكتفائهم بذكرها في شروط التكليف أو في عوارض الأهلية, فقد يظن غير المتخصص أن كل الأمة تأثم إذا لم يقم بالواجب الكفائي أصحابه المختصون به, وإذا انتبه قد يستثني الصبي والمجنون والعاجز عجزا حسيا, ومن فعل جميع الأسباب..!!

من غير التفات إلى المانع الشرعي والعجز الحكمي, ومما يدخل في المانع الشرعي: ما مفسدته أرجح من مصلحته..

ولهذا جاء في شرح عليش المالكي على خليل هذا القيد: ( ...إن لم يخش غير المفجوئين معرة على نسائهم وعيالهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بالدفع عمن فجأهم العدو)

فحتى وإن تعين الفعل لابد من انتفاء المانع الشرعي والعجز الحكمي حتى يستحق الإثم ولو كان بالغا عاقلا سليم الآلة.

وقد يجوز تخلفه لحفظ المكان والأهل, وقد يعذر بتخلفه لمنع السلطان له, فكيف يقال بأنهم أثمون؟!!

قال ابن قدامة: (واجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا ...ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال, ومن يمنعه الأمير من الخروج..)

وكثير من أفراد الأمة يعجز بل أكثرهم لا يمكنه أن يصل إلى غ ز ة إلا بما مفسدته أرجح فهؤلاء لا يقال عنهم آثمون بترك الجها د؛ لوجود مانع شرعي, 

وليس المطلوب منهم شرعا أن يثوروا على حكا مهم كما يدعو إليه الحركيون؛ لما في ذلك من مفاسد راجحة ....


ثالثا: ترك الواجب الكفائي مقتض لتأثيم جميع الأمة, وليس موجبا كما يظنه البعض, بمعنى أن التأثيم متوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع الشرعية

ولا أتكلم هنا عن العجز الحسي كأن يكون أعمى أو مريض, فهذا واضح ومفروغ منه, وإنما أتكلم عن العجز الحكمي.

رابعا: ليس كل من ترك فعل الأسباب المشروعة أو الوسائل التي توصل إلى إيجاد الواجب الكفائي يكون آثما؛ لأنه قد يكون عدم فعله السبب لعدم علمه به, والعلم شرط في التكليف, وقد يكون عالما به لكنه فاقد لطريق الوصول إليه والتمكن من فعله, وقد يكون عالما به قادرا على وسيلته إلا أنه منشغل بما هو أوجب في حقه, أو يترتب على فعله ما هو أكثر مفسدة وأعظم. 

خامسا: تعميم التأثيم فيما يحتمل صورا وأحكاما مختلفة ليس هو الأليق؛ لأن المسألة إذا احتملت صورا واحكاما مختلفة كان الإطلاق موهما ومشتبها, ومتى كان الإطلاق موهما استوجب التفصيل, والتفصيل هنا لا يضيع خطر ترك الواجب الكفائي, وإنما يدفع الاشتباه الذي يترتب عليه ظلم وبغي.

ولذا لما أطلق الخوارج أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر لم يحتمل الصحابة هذا الإطلاق منهم؛ لأن الإطلاق كان لمسألة اختلفت صورها وأحكامها .

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 13 أكتوبر 2024

وقفة مع بيان من سموا أنفسهم بـ #علماء_الطوفان

وقفة مع بيان من سموا أنفسهم بـ #علماء_الطوفان


متى يتركون لغة التخوين والرمي بالنفاق ومزيد تفريق الأمة؟ متى ينتهون عن بث الفوضى في بلدان المسلمين؟ 

فالأمة يكفيها ما أصابها...


نعم, يجب على الدول الإسلامية المطبعة أن تنقض الاتفاق مع الدول الكا فرة التي تساند اليهو د, وأن تقوم بالواجب الذي أوجبه الله عليها تجاه المسلمين وأراضيهم وأموالهم.

نعم, مناصرة إخواننا في غ زة في بقية أقطار المسلمين تختلف من شخص إلى شخص بحسب ما هو في إمكانه وما تعين عليه.


نعم, من قصر من الحكام في أمر هو باستطاعته فهو آثم ظالم, وعند المالكية ضامن... 


نعم، الأمة قصرت...

ومن يقول: إن الأمة -بحكامها ومحكوميها-

قادرة اليوم ومهيأة...

فالحقيقة أنه لا يعي ما يقول، ووقع في رق عاطفته..!! 

وما خذلانها وبعدها عن دينها إلا  دليل من أدلة عدم قدرتها...


وأما الملاحظات على هذه البيان:

1- صُدر بما يزيد الأمة فرقا وشتاتا؛ إذ جعلوا أنفسهم هم علماء الأمة وأما من عداهم فهم علماء السلطة, ويتهمونهم بالنفاق, مع أن كثيرا من أصحاب هذا البيان يعيشون في تركيا ودول الكفر, ولا يمارس عليهم أي ضغط, فغرتهم الحرية التي يتنعمون بها في إبداء آرائهم, وليتهم مع هذا كانت معالجتهم للمسألة بحكمة وفق نور النبوة..!!!

ليتهم انطلقوا من نظر شرعي صحيح..


وهنا يأتي سؤال من وضع هذه الهيئات؟ ولمن تتبع؟ وما هي خلفيات أعضائها وأفكارهم؟ فالعالم دين...

ولو تريث هؤلاء وأمعنوا النظر لميزوا بين المعاني الشرعية والنظر المصلحي وبين ما تشربوه من موروث أفكار منحرفة كان له أثره في تحديد المواقف واتخاذ المعايير ..

قال ابن مسعود – رضي الله عنه –: (إنها ستكون أمور مشتبهات، فعليكم بالتُّؤدة؛ فإنك أن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر)


2- الملاحظ على أصحاب هذه البيانات أنهم لا يلتفتون إلى حال النساء والأطفال والشيوخ المحصنين في بيوتهم والذين لا علاقة لهم بالقتال المباشر, فلا ترى بياناتهم تناقش المفاسد الواقعة عليهم ولا تراهم يبحثون في المفسدة المخوف منها والتي يخطط لها اليهود هل هي أعظم من مفسدة قتل الأبرياء وتدمير البيوت على رؤوسهم أو لا؟ 

 وهذا يحتاج إلى فقه دقيق بالشريعة وإدراك الواجب فيها, والوصول إلى الحكم المناسب لا يحتاج إلى أمثال أصحاب هذه البيانات الذين لهم نفسية ثورية وتحكمهم أفكار الجماعات التي ينتسبون إليها أو الهيئات التي تقيد حرية تفكيرهم, فليس الأمر أن يطلب منهم أبو عبي دة أن يعلنوا الجها د فيلبوا طلبه ويعلنوا الجها د, ويسموا أنفسهم بعلماء الطوفان وانتهى الأمر!!!

أين صراخات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ؟ وهل قتلاهم مجرد خسائر تكتيكية لا قيمة لها؟


3- من الخطأ الدعوة إلى النفير العام من كل الأمة وفتح الحدود للمدنيين من غير تهيئة واستعداد وتدريب على القتال؛ حتى لا يتعرضون للإبادة العامة بالصواريخ والطائرات, فهذه الأمور تحتاج إلى تقدير خاص لا إلى عاطفة جياشة..

وتقييدها باستئذان الحاكم له وجهه من جهة درء مفسدة الإبادة الجماعية للمدنيين غير المستعدين للقتال, ونحو ذلك..


4- ليس من نصرة إخواننا ما اشتمل عليه البيان من محاولة بث الفوضى في بلاد المسلمين ومطالبة الشعوب بعدم السماع مطلقا لأنظمتها, فليس هذا طريقا للإصلاح والنصرة, فإصلاح ما فسد من الأنظمة لا يكون علاجه بالفوضى وبث الفتنة, ومخاطبة الشعوب بما يجر عليهم الويلات, وانظر للدول التي ثارت ما حالها؟

فتحريضهم على أنه "ليس على المسلمين سمع ولا طاعة (بإطلاق)، لأي نظام أو حاكم يمنعهم من مساندة المجا هدين في غ زة؛ بل يجب عليهم مقاومة هذه الأوضاع واستفراغ الجهد والطاقة في ذلك"


ولا شك أن نقد الفتاوى المحرضة على المقاومة وإذكاء الفتنة في الدول المسلمة تحت شعار نصرة أهل غ ز ة أعظم من عدم نقدها, ومعلوم شرعا وواقعا أن بث الفتنة في بلاد المسلمين لا يحقق نصرا على العدو, بل مع إذهابها لأنفس مسلمة وإشعال نار الحرب بين المسلمين سيمنح للدول الكافرة الفرصة لاحتلال أرضهم وتسلطهم على رقاب المسلمين وأموالهم, فلا حافظنا على رأس المال ولا أدركنا ربحا!!!


5-لابد من فهم الآخر, فالذين منعوا لم يمنعوا منه لكونه جهادا عندهم, أو أنهم منعوا لأجل وجود خسائر في أرواح المقاتلين, أو منعوا لعدم وجود التكافؤ, وإنما منعوا منه لعدم تحقق شرطه عندهم, وهو القدرة الشرعية, ولكون الخسائر تعلقت بالمدنيين, فكيف يأتي من ينزل عليهم نصوص النفاق؟, هذا فيه جناية عليهم.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


http://abuasmaa12.blogspot.com/2024/10/blog-post_13.html

الخميس، 10 أكتوبر 2024

تحليل عقلية الشيخ #الصادق_الغرياني في مواقفه وتعامله مع الأحداث

 تحليل عقلية الشيخ #الصادق_الغرياني في مواقفه وتعامله مع الأحداث 


إن مما اضطرني لهذا التحليل هو تفهيم الناس مواقفه، وتأصيله الذي ينطلق منه ويفهم به الأحداث ويوجه الناس على ضوئه....

وقد سألني بعض المشايخ أن أحلل عقليته ليفهم موافقه

فلبيت طلبه:


من أعظم إشكاليات الشيخ أنه ينطلق من العقل المثالي فيخاطب الناس بما يفترض أن يكون ولو ترتب على تحقيقه مفاسد كبرى

والغريب أن خطابه يتوجه لمن لا يملك تغيير الواقع؛ لعدم قدرته واستعداده، 

ولو فعل من يخاطبهم -وهم عموم الناس- ما يأمرهم به الشيخ لسُفكت دماء كثير منهم.....!!!!

فتراه مثلا يحرض أهل الأردن على فتح المعابر ليخففوا على إخوانهم في غ ز ة من غير أن يلتفت إلى المفاسد، بل يرى أن دماء أهل الأردن ليست بأولى من دماء أهل غ زة

ويرى بأنه لا عبرة بما تسفك من دماء مهما كثرت في سبيل نصرة قضية..

رأيتم هذه العقلية 

وتراه كثيرا ما يهيج الشعوب ويدعوهم إلى التحرك والقيام على أنظمتهم

المهم أن يثوروا ولا يلتفت إلى نوع المفاسد المترتبة ودرجتها....... 


وللأسف يفصل للدين ثوبا من لم يلبسه يكون خائنا منافقا........... 


هذه المثالية التي يطالب بها يرى أنها غير قابلة للنقاش ... 


وتراه يأتي للواقع المعقد المركب فينزل عليه أحكاما مطلقة ويتعامل معه أنه على أنه واقع بسيط 

فيزيد الواقع المعقد تعقيدا، ويصر أتباعه على مناصرة قوله والدفاع عن رأيه..!!

متوهمين أنه الحق وأن من ينتقده فيه فكأنه ينتقد الإسلام... 


والشيخ لا يختلف كثيرا عن الددو في تضخيم التفسير السياسي للدين 

والذي بُني على أن الحاكمية هي أعلى الغايات وجوهر التوحيد متابعة للمودودي وسيد قطب في أصل الفكرة......

فالشيخ له نوع تأثر بثورية سيد ومفهومه السياسي...... 


ومن هنا نتفهم دفاعه المستميت عن سيد قطب ونصحه بقراءة كتبه، ونتفهم تهييجه الشعوب على حكامها وعدم التفاته لما ينتج عن هذا التهييج من الفتنة العامة؛ لأنها في نظره دون مسألة الحاكمية ونظرته الإصلاحية

فمهما أزهقت من أنفس فهي دونها... 


[وتضخيم التفسير السياسي ليس هو كون السياسة من الدين ووجوب حاكمية الله ...] 


ومع تضخيم التفسير السياسي عنده وجعله أعلى مقامات الشريعة وأولى أولوياتها إلا أن الذي طغى على الشيخ 

وكان له أثر واضح في تشنجه في التعامل مع الأحداث-الخارجية والداخلية-  ورمي مخالفيه بالخيانة والنفاق وعدم الفقه

هو محاربة المشروع (الصهيو أمر يكي) (على كل حال) واتهام من يراعي درء المفاسد وضعف الأمة بالخيانة والنفاق

حتى جعل محاربته (على كل حال) هو أعلى غايات الشريعة مهما أذهبت من ضرورات...........

وانتبهوا لقولي(مهما أذهبت من ضرورات) 


[ وليس الحديث هنا عن وجود المشروع وخطره ووجوب محاربته بالطريقة الشرعية، وإنما الحديث عن تضخيمه ووو] 


ومن المعلوم أن محاربة مشروع ما لا يعني تضخيمه وجعله أعلى الغايات على حساب تهميش غيره وعدم الالتفات إلى قاعدة الشريعة في درء المفاسد 


والإشكال أن هذا التضخيم جعله ينظر لكل إصلاح يخالف رأيه أنه يخدم المشروع الصهيو ني وأن صاحبه خائن منافق...

فأصبح يشيطن كل من خالفه... 


ولأجل هذا هون من الخلاف العقدي في باب الصفات والقدر بل حتى مع الرافضة.

فتجده مرة يدافع على الإباضية ويبرؤهم مما في كتبهم....

ومرة يهون من الخلاف مع الرافضة ويجعلهم أبطالا؛ لأنهم قصفوا ... 

ويجعل طائفتهم من أهل القبلة ولهم جهود في محاربة الكفار وو


فصار يقرب كل من يوافقه في نظرته ولو على غير عقيدته.... 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 9 أكتوبر 2024

مقال مهم في تحليل عقلية #محمد_الحسن_الددو وبيان شذوذه في إنكار وجود فرقة ناجية واحدة

 لم ينفرد الددو بإنكار وجود فرقة ناجية واحدة، فقد قامت #جمعية_التجديد_الثقافية_الاجتماعية

بإقامة مؤتمر في #البحرين بعنوان "الوحدة الإسلامية"
قرروا فيه نفي وجود #الفرقة_الناجية في خطوة منهم للقفز على تراث الأمة وموروثها من أجل الوصول إلى وحدة إسلامية متوهمة..!!
هذه الجمعية تنادي بالتقريب بين السنة والشيعة بترك النقاش حول الماضي والتراث الخلافي والنظر في المشترك من أجل المستقبل
وتحاول أن تؤسس للمنطق الإنساني الذي يكون الزمن فيه عامل تغيير وتجديد، وتدعو إلى حرية الرأي في التعبير عن الإيمان الخاص والقراءة الذاتية للنص الشرعي بمشاركة أهل كل زمن بحسب قدراتهم دون الاعتماد على الموروث والمناهج التي يسمونها بالتقليدية- كل ذلك بدعوى التجديد وترك التقليد..
وهي وجه آخر للحداثة وإن حاولوا التفريق بين الحداثة وتجديدهم المزعوم

الغريب أن #محمد_الحسن_ولد_الددو قد وافقهم وربما أخذ عنهم الفكرة
فزعم أن #الفرقة_الناجية غير موجودة، انطلاقا فيما يبدو من من ضغط البيئة الأشعرية الموريتانية
وما أوصله إليه تضخيم تفسيره السياسي للدين الذي بني على أن الحاكمية هي أعلى الغايات وجوهر التوحيد متابعة للمودودي وسيد قطب في أصل الفكرة وإن كان قد يختلف معهم في لوازمها
[وتضخيم التفسير السياسي ليس هو كون السياسة من الدين ووجوب حاكمية الله ...]
وقد تولد عن هذا التضخيم لدى الددو وأمثاله عقلية تجميعية بين فرق الأمة،
ومن هنا ندرك وجه ثنائه على الخليلي ، وجعله الحق متفرقا بين أهل الحديث والأشاعرة والماتريدية، ونتفهم موقفه من الصوفية....وأنه ممكن أن بعض الشيعة يكونون ناجين وبعض المعتزلة ووو
ونتعرف على وجه استشكاله أحاديث الصبر على ولاة الجور  وقيامه بتثوير الشعوب...
ونتفهم لماذا يريد أن يجعل وجود التفرق في الأمة علامة نضج واتساع في العقول؟!!
مع أن التفرق والتنازع لم يأتيا في النصوص إلا على وجه الذم

ولم يكتف بنفي وجود الفرقة الناجية بل زعم أن الطوائف لا يمكن أن يُحكَم عليها بحكم واحد؛ لأن الطائفة لا تبعث يوم القيامة، وإنما يبعث الناس فرادى.

وهي الفكرة نفسها التي دعا إليها عباس النجار في ورقته التي قدمها في مؤتمر البحرين والتي كانت بعنوان:"الفرقة الناجية في الميزان"

وإن كانا قد يختلفان في المنطلق والباعث لهذا النفي.......

والرد عليهم أن إنكارهم وجود الفرقة الناجية هو خلاف ما عليه الجماعة في القرون الثلاثة، فقد اشتهر عنهم واستفاض أن الفرقة الناجية موجودة وواحدة
ولذا أجمعوا على محاربة الفرق وتضليلها، ولما ذكر يوسف بن أسباط أن أصول البدع أربعة وهي الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة قال والثالث والسبعون الجماعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها الفرقة الناجية . الإبانة لابن بطة (١/٣٧٦)
وقد سمى ابن بطة كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة
وذكر الإسماعيلي في اعتقاد أىمة الحديث(٧٩) الفرقة الناجية
وبوب ابن حبان في صحيحه(١/١٧٨):(ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق)
ومن فقهه أنه لم يذكر في هذا الباب إلا حديث العرباض الذي فيه( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)
للإشارة إلى أن علامة الفرقة الناجية تمسكها بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعدم التعريج على غيرها.

وقد كان أئمة السلف يعينون الفرقة الناجية، فلو لم تكن موجودة ما صح منهم تعيينهم لها
قال الإمام احمد:(إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟)
وقال ابن المديني:( هم أهل الحديث)
وقال ابن تيمية:(إن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة)
وسمى أبو المظفر السمعاني كتابه ب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين.
وممن يرى وجودها الشاطبي في الاعتصام حيث قال( فالسالك سبيلها معدود في الفرقة الناجية)

وما من طائفة إلا وهي تعتقد أنها هي الفرقة الناجية؛ مما يدل على إجماع كل الطوائف المنتسبة للإسلام على وجود فرقة ناجية
فالخوارج لم يكفروا غيرهم إلا وهم يعتقدون أنهم هم الفرقة التاجية وما عداهم كفارا
والرافضة يعتقدون انهم هم الفرقة التاجية فقد ذكر الهلالي بسنده عن علي رضي الله عنه(وأما الفرقة التاجية المهدية...فهي المؤتمة بي المسلمة لأمري)
والمعتزلة خصوا أنفسهم بأنهم هم أهل التوحيد والعدل دون غيرهم
وذكرها عبد القاعر البغدادي الأشعري في مقدمة كتابه الفرق ببن الفرق، وبوب لها بابا قال:(باب في بيان الفرقة الناجية وتحقيق نجاتها)
وأيضا الإيجي الأشعري في كتابه المواقف قال:(وأما الفرقة الناجية المستثناة...)
...وغيرهم كثير....

فالدوو وأصحاب الخطاب الإنساني والقراءة الذاتية جعلوا الموروث عن السلف والأئمة وأهل العلم بل والطوائف في إثبات الفرقة الناجية خلف ظهورهم ولم يعتبروا به...

وأما إنكاره أن يكون للطائفة حكم واحد كأن يقال الجهمية كفار....
ودليله أن الناس يبعثون يوم القيامة فرادى وأن الطائفة لا تبعث..!!!

فالذي يلاحظه الناظر ببداية النظر أنه لا تلازم بين الدليل والمدلول، فكون البعث في الآخرة يكون للأفراد لا يلزم منه ألا يكون للطائفة حكم في الدنيا.
وهذا النفي منه مبني على تصور خاطئ للطائفة، فقد درج أئمة السلف على أن الطائفة المنحرفة لا بد أن تكون مخالفة لأصول أهل السنة ومفارقة للجماعة، وتخصيص طل طائفة باسم لتميزها بأصول عن غيرها......
فلم يجعلوا الرافضة طائفة منحرفة إلا لما خالفت أصولا، وكذلك الجهمية والمعتزلة  ووو
وهذه المخالفة لاصول الشريعة وقطعيها توجب الحكم عليها مباشرة بالبدعة أو بالكفر من غير نظر لكون الطائفة تبعث كطائفة أو لا
وعلى هذا قام علم الفرق....

والحكم على الطائفة بحكم واحد استفاض عن أئمة السلف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" قالا يوسف بن أسباط وعبدالله بن المبارك وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا :" أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن المبارك والجهمية فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد وكان يقول إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم". " مجموع الفتاوى" (3/350).
ولما قيل لعبد الله ابن المبارك: لم أسمعك تذكر الجهمية قال:(إنما سألتني عن فرق المسلمين) الإبانة لابن بطة(١/٣٧٩)

وهنا سؤال: ما منشأ الغلط عند #الددو في إنكاره الحكم على الطوائف بحكم واحد؟
منشأ الغلط فيما يظهر هو الفرار من الحكم على كل فرد بعينه بحكم الطائفة؛ ظنا منه وجود تلازم بين الحكمين..............
فمثلا الحكم على الرافضة كطائفة هو الكفر فظن أن هذا الحكم يلزم بالضرورة كل فرد بعينه منتسب للطائفة، فأراد أن يفر من هذا اللازم بإنكار أن يكون للطائفة حكم واحد٠

والتحقيق في هذا أن الحكم على الطائفة يقصد به أمران:
١- بيان نوع المسائل التي تقول بها هذه الطائفة ودرجتها.
٢-الحكم على الأفراد لا بأعيانهم.

ولا يلزم من الحكم على الطائفة الحكم على كل أعيان المنتسبين لها بمجرد الانتساب إلا إذا تحقق الموجب الخاص، وهو محل اتفاق
فالفرد المعين وإن كان يتناوله الحكم المطلق للطائفة إلا أن كونه هو المقصود بعينه بالحكم يحتاج إلى دليل خاص
وهذه هي قاعدة الشريعة في الإطلاقات....

كتبه‬
‫أحمد محمد الصادق النجار‬