#اللحوم_المستوردة
✍️ بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار
أثير في ليبيا جدل واسع حول اللحوم المستوردة، خاصة القادمة من البرازيل، وكان من أسباب ذلك أن الجهة التي تبنّت التحقيق في المسألة لم تكن محل ثقة عند كثير من الليبيين؛ لصدور فتاوى سابقة عنها اتسمت بالتعميم وعدم الانضباط.
فلما أصدرت حكمًا عامًا بالتحريم على جميع اللحوم المستوردة، وجعلت كل من يأكلها كمن يأكل جيفة، جاء الاعتراض والإنكار. إذ إن مثل هذه القضايا لا يُعالج بالتعميم، وإنما بالتحقيق العلمي الدقيق، مع التفريق بين الشركات والبلدان، ومخاطبة المسؤولين مباشرة لإيضاح الحقائق.
الأصل الشرعي في الذبائح واللحوم
مذهب أكثر العلماء أن الأصل في الذبائح واللحوم: التحريم حتى يثبت تذكيَتُها على الوجه الشرعي. فإذا حصل شكّ: هل ذُبحت بطريقة صحيحة أم لا؟ فالأصل الحرمة.
فالشك معتبر في المنع من الأكل، لما في صحيح مسلم:(وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل،فإنك لا تدري أيهما قتله).
قال النووي عند شرح الحديث:[فيه بيان قاعدةٍ مهمةٍ وهي أنه إذا حصل الشكُّ في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه،وهذا لا خلاف فيه]شرح النووي على صحيح مسلم13/116
وقال ابن العربي المالكي:[...فإذا ورد الشكُّ في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم]أحكام القرآن2/35.
وقال ابن دقيق العيد: «إن الأصل التحريم في الميتة، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وكذلك إذا شككنا أن الصيد مات بالرمي أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت لم يحل» [إحكام الأحكام (2/288)].
فإذا وردت شبهة قوية على اللحوم المستوردة من البرازيل وغيرها
فإننا نمنع من أكلها إلا لمن علم أنها ذبحت بطريقة يجوزها الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ولا تحل الفروج والذبائح بالشبهات]مجموع الفتاوى32/190.
الاعتراض بقاعدة "الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل"
قد يقال: إن الله أباح ذبائح أهل الكتاب، فالأصل الحل.
والجواب: نعم، هذا أصل معتبر، لكن الأصول قد تعارضها القرائن والوقائع والظواهر القوية التي مستندها الحس.
والواقع اليوم في جملة من المذابح الأوروبية والبرازيلية قائم على:
• التدويخ بالكهرباء أو الصعق بالمسدس قبل الذبح.
• ضعف أو غياب الرقابة الشرعية الفعلية، والاكتفاء بتواقيع شكلية من بعض المراكز الإسلامية.
• أن الذابح قد يكون مسلمًا، أو كتابيًا، أو وثنيًا، أو حتى ملحدًا، ولا يُتحقق من حاله.
•
ولما راسلت الرئاسة العامة لإدراة البحوث الغلمية والإفتاء بالسعودية الدعاة والروابط والهيئات في دول الكفر جاءت الأحوبة في مجملها صادمة في طريقة الذبح وفي كون الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد؟ وبعض ابذابحيين يكون وثنيا...مما يبقى الشك ويقويه في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية..
وبناءً على ذلك: إذا وُجدت شبهة قوية في اللحوم المستوردة، فإنها لا تُباح إلا بعد التحقق من أنها ذُبحت بطريقة شرعية.
ومع ذلك لا يمكن أن نقطع بالحكم ولا أن نجعل من يأكلها في حكم من أكل الجيفة إلا عند ما تيقن أو غلب على ظنه أنها لم تذبح بالطريقة الشرعية
تغليب جانب التحريم عند الشك
من القواعد المقررة أنه إذا اجتمع فيما أصله التحريم سببان أحدها مبيح والآخر محرم يغلب جانب التحريم؛ لموافقته الأصل...
ولا يتعارض ذلك مع ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: إِنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا، أَفَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا». فالمسألة هناك متعلقة بذبيحة مسلم قد يترك التسمية جهلًا أو نسيانًا،
والمسألة مبحوثة في مذابح عصرية في دول كفرية قويت فيها الشبهة في أصل السبب المبيح: هل وقع الذبح الشرعي أصلًا أم لا؟
وغلب على هذه الدول الإلحاد واللا دينية...
ومسألة التسمية إذا تركت جهلا أو نسايا من مسلم فيها خلاف معروف في حكم أكل ذبيحته...
الخلاصة
الصحيح أن الأصل في ذبائح النصارى الإباحة، لكن مع الشكوك القوية القائمة في كثير من اللحوم المستوردة اليوم، وخاصة من بعض الدول كالبرازيل، فالواجب التوقف حتى يثبت أنها ذُبحت وفق الطريقة الشرعية، ولا نعمم فنجعل كل من أكلها فهو آكل للجيفة، فمن ثبت عنده أن شركة معينة تذبح بالطريقة الشرعية فله أن يأكل ولا شيء عليه.ط، وإلا فلا.
http://abuasmaa12.blogspot.com/2025/08/blog-post_22.html