الاثنين، 11 أغسطس 2025

هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

 هل الأنظمة والحكومات في عصرنا فقدت مقومات الولاية الشرعية أصلا وبالتالي لا ينطبق عليهم كلام السلف في حكام زمانهم؟

بقلم د. أحمد محمد الصادق النجار
الجواب:
ليست الإشكالية – كما يظن بعض الإخوة – في تنزيل النصوص على الواقع مع سلامة التأصيل، بل الإشكالية الحقيقية تبدأ من تأصيل المسألة نفسها. فهناك من يؤصل على طريقة السلف، وهناك من يؤصل على طريقة غيرهم.
وسبب ورود هذا السؤال أن تحكيم الشريعة كمرجعية عليا لم يعد قائمًا في أغلب البلدان...وان الحكام مقيدون بأنظمة دولية واتفاقيات...وأن الكفار شاركوا تنصيبهم  بشكل أو بآخر
• فالخلاف الحقيقي بينهم والتأصيلي هو هل مناط نصوص الولاية هو مجرد إسلام الحاكم ولو طلق الشريعة تطبيقا جزئيا، أو إسلامه مع تحكيم الشريعة؟
وهذا يفتح الباب لسؤال آخر وهو ما هو "القدر الواجب" من تحكيم الشريعة حتى تتحقق به أصل الإمامة الشرعية؟ وهل عدم الاستقلالية في الحكم ومشاركة الكفار في التنصيب يؤثر في أصل الولاية؟

• التقرير الصحوي وأشد منه القطبي عادةً يجعل التطبيق الجزئي للشريعة ليس كافيا لبقاء الشرعية، بل هو إخلال جوهري بشرط أصل الولاية، فيربط بين شرط "تحكيم الشريعة" وشرط "الكفر البواح" بحيث يجعل غياب التحكيم الكامل للشريعة أو التحاكم للقوانين الوضعية من انتفاء شرط إقامة الدين أو من صور الكفر البواح، ويسقط بهما أصل الولاية الشرعية حتى في حال الاضطرار  ...ويعتبر أن دعم الكافر الحاكم للوصول للحكم كافٍ لانتفاء أصل الولاية؛ بناءً على قراءة سياسية تربط بين التنصيب الأجنبي وبين انتفاء شرط التحاكم الكامل للشريعة.

• في المقابل، التقرير السلفي يجعل مجرد كون الحاكم مسلمًا، مع تطبيق جزئي للشريعة مصحوبا بالإقرار بوجوب تطبيقها ومرجعيتها، كافيًا لبقاء الشرعية في حال الاضطرار، فيربط مناط الولاية بوجود الحاكم المسلم الذي استقر له الأمر، ويعتبر الحكم بالقوانين الوضعية في بعض أو أكثر الأمور، مع الإقرار بالشريعة ذنبًا عظيمًا لكنه ليس كفرًا أكبر إلا بجحود أو امتناع؛ مستندا في ذلك على أصلي سد الذرائع ودرء الفتنة أكثر من الاستدلال على تمام شروط الإمامة؛ حفظا لوحدة الجماعة
• فوجود ضغط خارجي أو قيود سياسية في التقرير السلفي لا يغير حكم النصوص الشرعية ما لم يتحقق المناط الشرعي لزوال الولاية،
•  ولا يشترط في الولاية الاضطرارية أن يكون تنصيب الحاكم قد تم بالطريقة الشرعية الكاملة حتى تثبت له الولاية، بل يكفي أن يستقر له الأمر وتنعقد له البيعة ولو قهرًا، ما دام مسلمًا ولم يظهر منه كفر بواح.
• ومجرد أن الكفار ساعدوا أو دعموا في الوصول إلى الحكم لا يسقط ولايته عند السلف، إذا تحققت فيه مناط الإمامة (الإسلام، عدم الكفر البواح، استقرار الحكم).
• والتاريخ الإسلامي نفسه فيه أمثلة لحكام وصلوا إلى السلطة عبر تحالفات أو دعم خارجي من أطراف غير مسلمة، ولم يُسقط السلف ولايتهم بمجرد ذلك، كبعض ولاة الأندلس الذين استعانوا بملوك النصارى في الصراعات الداخلية..


👈أعود فأقول: القول بأن "الأنظمة المعاصرة فقدت مقومات الولاية" قول غير منضبط علميًا، لأن البحث في هذا لا بد أن يبدأ أولًا بـ تخريج مناط أحاديث الصبر على الولاة، لا بالقفز إلى الحكم على القياس بالفساد أو الصحة بلا ضبط مناطه، ولا بتحقيق المناط في ولايات زماننا.

🔹 أولًا: مناط هذه الأحاديث – كما قرره أئمة أهل السنة – ليس كمال صلاح الحاكم ولا التزامه التام بالشريعة، وإنما:
• كونه مسلمًا في الجملة.
• استقرار الحكم
• عدم ظهور كفر بواح عليه ببرهان قاطع من الكتاب أو السنة.
• والحكمة التي رعاها الأئمة: دفع المفسدة الكبرى والفوضى العامة.

🔹 ثانيًا: النصوص الشرعية في السمع والطاعة والصبر على الجور، لا تُستبعد من واقعنا إلا إذا انتفى مناطها انتفاءً بيّنًا، وإلا فهي باقية الحكم.
👈 فـ "طبيعة الجور وتغير حال الحكام في زماننا" ليسا مناطين أصلا في النصوص، لا في زمن السلف ولا في غيره، وهذا وحده يسقط دعوى إسقاط الأحاديث بحجة اختلاف الواقع.
👈 فهذا الإمام أحمد عاش في عصر تغير فيه الحاكم واختلف حاله عن حال من تقدمه، فقد شرعن الكفر وعاقب من خالف، ومع ذلك أبقى النصوص على إطلاقها، ولم يخترع شرط "طبيعة الجور" أو "هوية النظام" لإسقاط الولاية قال الإمام أحمد: "ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا، برًّا كان أو فاجرًا"[أصول السنة].

• فالفكر الصحوي في هذه القضية ينطلق من تغيير مناط النصوص الشرعية.
• فالنصوص عند السلف مناطها: الإسلام – عدم الكفر البواح – استقرار الحكم.
• وأما الصحويون فغيّروا هذا المناط إلى: التحاكم للشريعة بصورة كاملة – استقلال القرار السياسي – طريقة الوصول للحكم
• وهذا التغيير يجعل الحكم الشرعي تابعًا لظروف سياسية متغيرة، بدل أن يكون منضبطًا ببرهان شرعي قطعي.

🔹 ثالثًا: دعوى "فقدان مقومات الولاية" من غير برهان شرعي قطعي هي المدخل الذي سلكه القطبيون والسروريون لنسف النصوص، وتحويلها من مسألة توقيفية منضبطة إلى قضية اجتهادية
فوسّعوا معنى الكفر البواح حتى أدخلوا فيه المظالم والسياسات، ثم زعموا أن النصوص الواردة في الصبر على الأئمة لا تنطبق على "الواقع المعاصر" لأن "طبيعة الجور مختلفة"!
وهذا تلبيس وتغيير للمناط الشرعي بنظرية سياسية، ليصبح الحكم الشرعي رهين اجتهادات...
👈وهو يخالف منهج أهل السنة، الذي يضبط المسألة بشروط صارمة، ويمنع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع؛ دفعا للفتننة العامة....

👈وقد تميز منهج أهل السنة عن غيره:
• ضبط المناط بشروطه.
• منع التوسع في زوال الشرعية بلا برهان قاطع.
• ردّ كل تأويل سياسي يُفضي إلى إسقاط النصوص على أهواء الفرق الحركية.

🔹رابعا: أصل الخلاف مع هؤلاء ليس في توصيف فساد الواقع، فنحن نقر بفساد الواقع ومغايرته لواقع السلف، وإنما أصل الخلاف في المنهج في تنزيل النصوص؛ فمن أبقى المناط على ما هو عليه عند السلف، لزمه إبقاء الحكم. ومن بدّله وقع في الانحراف المنهجي الذي قاد إلى الفوضى الفكرية والحركية.

🔹خامسا: وصف القول بأنه فكر قطبي أو سروري أو أنه على سَنن الخوارج والمعتزلة ليس من “التعصب المقيت” إذا كان القول بالفعل يوافق أصولهم ومآلاتهم، لأن الحكم على الأقوال بمآخذها ومآلاتها منهج علمي معتبر عند أئمة السنة.
ومن تبنى أصلاً فاسدًا من أصول الفرق الحركية، ثم شابههم في التنزيل والنتيجة، فإن وصفه بمقتضى ذلك ليس ظلمًا، بل هو توصيف علمي للمسار الفكري الذي يسلكه.


































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق