السبت، 30 مايو 2020

مسائل صيام الست من شوال






مسائل
صيام الست من شوال







د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب


مسائل صيام الست من شوال
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فالأصل في مشروعية صيام الست من شوال حديث أبي أيوب الذي رواه مسلم وغيره ولفظه " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر "
فاشتمل هذا الحديث على ترتيب الجزاء على شرط متبوع بقيد, فالجزاء: أجر صيام الدهر, والشرط: صوم كامل رمضان, والقيد أن يتبع رمضان صيام ست من شوال في الوقت.
وإطلاق صيام الست من شوال يفيد ترتب الأجر على صيامه متتابعا كان أو متفرقا؛ لكون شوال كله محلا للصيام.
وأما دلالة "ثم" في الحديث فإنها تفيد التراخي, فلا يلزم في ترتب الأجر أن يتلو صيام الست: الفطر, وإنما يحصل أيضا بتأخره عن أوائل أيام العيد, فالإتباع" ثم يتبعه" يحتمل أن يكون بفاصل ويحتمل أن يكون بلا فاصل, فدلالةـ "ثم" أفادت أنه يكون بفاصل؛ لأنها تفيد التراخي, وكذا جعل الحديث شوال كله محلا للصيام يدل على أنه ليس من شرط الإتباع أن يكون بلا فاصل.
وللحديث منطوق وهو: أن أجر صيام الدهر مرتب على صيام رمضان كله ثم إتباعه بصيام ست من شوال.
وله مفهوم وهو: عدم ترتب الجزاء على من لم يكمل صيام رمضان وإن صام ستا من شوال, وعدم ترتب الجزاء على من أكمل رمضان ولم يتبعه بصيام ست من شوال.
هذا ما يتعلق بظاهر الحديث وما يفهم منه, أما فقهه ففي مسائل:
المسألة الأولى: حكم صيام الست من شوال متصلة برمضان.
ذهب الجمهور إلى الاستحباب. [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم). المغني (4/ 438)
واحتجوا بالحديث الوارد في فضل صيامها, فترتيب الأجر عليها يدل على استحبابها وأنها عبادة.
وذهب المالكية إلى الكراهة إذا صامها متصلة برمضان متوالية مظهرا لها معتقدا سنية اتصالها وإلا فلا كراهة.
وصرح صاحب الذخيرة بأن مالكا استحب صيامها في غير شوال، ولم يأخذ مطرف وغيره بكراهة مالك وتعليله. انظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 459)
واحتجوا على الكراهة:
1-سد الذريعة؛ خوفا من اعتقاد وجوبها.  [انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 243)]
وأجيب: أنه لا يخفى ذلك على أحد, ويلزم على ذلك كراهة صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه, وهذا لا يقوله أحد. [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
2-عدم عمل أهل المدينة, فما عليه عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد.
وأجيب:
أن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض فكونه لم ير لا يضر . [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
تنبيه: اختلف المالكية في بيان سبب الكراهة:  فمنهم من قال: مخافة أن يلحق الجهلة برمضان غيره.
وقيل: لم يبلغه الحديث، أو لم يثبت عنده.
وقيل: وجد العمل على خلافه.
ويحتمل أن مالكا إنما كره وصل صومها بيوم الفطر، فلو صامها أثناء الشهر فلا كراهة . انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 301)
والأقرب هو القول باستحباب صيامها متصلة برمضان؛ لظاهر النص الوارد في فضلها, وأما ما خافه مالك فينتفي بالفصل بين صيام رمضان وصيام الست من شوال بعدم صوم يوم العيد, فيكون من حِكَم تحريم صوم يوم العيد: الفصل بين الصوم الواجب والصوم المستحب.
وتخصيص يوم العيد بالنهي يدل على جواز ما عداه, ورجحان الفعل على الترك دل عليه الفضل الوراد في صيام الست من شوال.
ثم إن النهي المبني على سد الذريعة لا يلتفت إليه إذا عارض مصلحة راجحة, فمصلحة الصيام أقوى من مفسدة صيامه, فكيف إذا انتفت المفسدة؟!
وإذا وجد من يخشى منه اعتقاد الفرضية أو من يجعل عيدا ثانيا بعد صيام الست, فيقال: تأخير صيامها عن أول الشهر أرجح؛ حتى لا يلحق برمضان ما ليس منه, ويكون هذا من قضايا الأعيان, وإلا فالأصل أنه لا فرق بين أول الشهر وآخره؛ لإطلاق الحديث, فكل شوال محل للصيام.
المسألة الثانية: هل تقييد الصيام بشوال يفيد عدم ترتب الأجر إذا وقع الصيام في غير شوال؟
ذهب المالكية إلى أن التقييد لا مفهوم له.
واحتجوا: أن له فائدة أخرى غير التخصيص وهي التخفيف, لا تخصيص حكمها بذلك الوقت.   [انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 243)]
بل المستحب عندهم صومها في غير شوال؛ خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال، وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف لقربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره، فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين.  [انظر: لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (4/ 76)]
وذهب الجمعهور إلى التقييد بشوال.
والأقرب هو التقييد بشوال؛ لأن الأصل في الأوصاف التقييد, ولأنها عبادة مؤقتة بزمن فإخراجها عن زمنها يجعلها غير مشروعة.
وهنا أمر معتبر عند بعض المختلفين في هذه المسألة وهو: هل أجر صيام الدهر من جهة أن الحسنة بعشر أمثالها, فلا يكون للتقييد بشوال اختصاص, أو فكأنما صام الدهر فرضاً، وهذا لا يكون في غير ما قيد به الشرع؟.
ويؤيد المعنى الثاني: حديث ثوبان رضي الله عنه عند أحمد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال)) مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ((
وهذا ليس سببا تاما؛ لأن جماعة من العلماء ممن قيد الأجر بصيام شوال يرى أنه من باب الحسنة بعشر أمثالها.
المسألة الثالثة: من لم يتمكن صيام الست من شوال لعذر, هل إذا قضاها ينال نفس الأجر؟
اختلف العلماء:
فمنهم من جوز قضاءها؛ قياساعلى قضاء الفرائض وقضاء رمضان إذا كان لعذر؛ بجامع كونها عبادة مؤقتة فاتت لعذر, وبالتالي يحصل على نفس الأجر.
ومنهم من منع القضاء؛ لفوات محلها, ولم يقسها على قضاء رمضان؛ لأنها ليست بفرض.
والأقرب: جواز القضاء, فإذا جاز قضاء الفرض لعذر فالنفل من باب أولى, وقياسا على قضاء رمضام بجامع كونها عبادة مؤفتة فاتت لعذر.
المسألة الرابعة: هل يترتب الأجر الوارد على من عليه قضاء من رمضان فقدم صيام الست على القضاء؟
الذي يظهر أن أجر صيام الست مرتب على إكمال رمضان ومن بقي له شيء من رمضان لا يكون قد أتم صوم رمضان, وأيضا لم يحقق التبعية الواردة في الحديث؛ إذ إن صيام الست من شوال ورد مشروعيته على طريق التبيعية لرمضان في الوقت, فمن صامه قبل إكمال رمضان كان قد صامه في غير وقته.
ومن عليه قضاء كثير, فيبدأ بالقضاء ثم يصوم الست ولو تأخر عن شهر شوال, وله أجر من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال بإذن الله.
المسألة الخامسة: هل يصح ينوي الإنسان قضاء رمضان القضاء والست من شوال جميعًا؟
الذي يظهر أنه لا يصح؛ لأن صيام الست من شوال ورد على طريق التبعية لرمضان في الوقت, والقاعدة:" إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد", وهنا ورد على طريقة التبعية, فلم يصح التداخل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق