السبت، 14 نوفمبر 2020

متى يسقط وجوب إنكار المنكر عند العز بن عبدالسلام؟

 

متى يسقط وجوب إنكار المنكر عند العز بن عبدالسلام؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد, فإن العز بن عبد السلام رحمه الله فقيه عٌرف بشجاعته وشدة إنكاره على بعض حكام عصره مع ما أُخِذ عليه من اعتناق عقيدة المتكلمين والدفاع عنها, وتأليب بعض الحكام على من خالف عقيدته في زمنه!.

وبسبب شجاعته في إنكار منكرِ بعض حكام زمانه في قصص ذكرها أهل التراجم؛ صار يًشبَّه به كل من يحسب أنه يتكلم بالحق ولا يخشى في ذلك أحدا, وتوسع الناس في ذلك؛ حتى وقع بعضهم في الظلم وتعدي الحق.

ولذا أردت أن أبين قواعد سار عليها في إنكار المنكر؛ ليتضح للقارئ الكريم أن الشجاعة في الحق وعدم الخوف من السلاطين وغيرهم محكوم بمقاصد الشريعة وكلياتها ونصوصها الجزئية؛ فإطلاق العنان لإنكار المنكر من غير اعتبار مقاصد الشرع ومراعاة حال العبد, وكذا الطعن مطلقا فيمن لم ينكر: من المنكر الذي ينكره العز بن عبد السلام, وإن كان العز رحمه الله يرى أن المخاطرة بالنفس في سبيل إعزاز الدين مندوب إليها, كما قال في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 94): (التقرير على المعاصي كلها مفسدة لكن يجوز التقرير عليها عند العجز عن إنكارها باليد واللسان، ومن قدر على إنكارها مع الخوف على نفسه كان إنكاره مندوبا إليه ومحثوثا عليه، لأن المخاطرة بالنفوس في إعزاز الدين مأمور بها) .

وقد ظن بعضهم أن من لم يقل قولة الحق في كل مكان ومع كل أحد- إن سلم أن ما يعتقده هذا القائل حقا- فهو خائن جبان على هوى السلطان...!!

وفي ضوء هذا الانبهار بمثل هذه الادعاءات وتزييف الحقائق وتغييرها كان لابد من ذكر أمور لها تأثير عظيم بمسألة المجاهرة بالإنكار:

ومن هذه الأمور التي كان يراعيها العز رحمه الله ويرتب الأحكام عليها: الخوف على النفس, فمتى كان المنكِر خائفا على نفسه فإنه يسقط عنه الإنكار باليد واللسان, وفي هذا رد على من ينفي الشجاعة وقول الحق من عالم سكت عن الإنكار؛ خوفا على نفسه, قال العز في شجرة المعارف: (...فإن قدر على إزالته بنفسه لزمه ذلك إلا أن يخاف على نفسه فسقط الوجوب وانتفى الاستحباب)  

وكذا كان يراعي العجز, فيجعله عذرا لترك الإنكار على الحاكم, فقال في شجرة المعارف (214) عن الحاكم الجائر: (وإذا كرهت أعماله وعجزت عن إنكارها فأنت مأجور على كراهيتها؛ إجلالا لله تعالى وتعظيما لأمره)

كما كان يراعي أيضا حال الإكراه ويرى وجوب طاعة المكره؛ لدفع مفسدة أكبر, فقال في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 134): (فمن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة له، إلا أن يكره إنسانا على أمر يبيحه الإكراه فلا إثم على مطيعه، وقد تجب طاعته لا لكونه آمرا بل لدفع مفسدة ما يهدده به من قتل أو قطع أو جناية على بضع)

وهذا كله يدور في فلك حفظ النفس, فمصلحة حفظ النفس أعظم من مصلحة الإنكار هنا, ولذا جاز ترك الإنكار.

وإذا جاز الأخذ بالرخص؛ دفعا للمشقة, كما قال العز في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 51): (وفي الرخص تترك المصالح الراجحة إلى المصالح المرجوحة للعذر دفعا للمشاق) وقال (1/ 52): (والحاصل أن الشرع يجعل المصلحة المرجوحة عند تعذر الوصول إلى الراجحة أو عند مشقة الوصول إلى الراجحة، بدلا من المصلحة الراجحة)

فما فوقها من باب أولى.

والعلماء ليسوا على درجة واحدة, فمقام أحمد بن حنبل ليس كمقام يحيى بن معين وعلي بن المدينى, ولذا صبر أحمد وصار إمام أهل السنة وأجاب في الفتنة يحيى وعلي رحمهم الله جميعا وهم أئمة يرجع إليهم ويؤخذ منهم.

لكن لا يعني ذلك تبرير الباطل وتسويغه بلا موجب شرعي كالإكراه.

كتبه أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق