وقفات مع تعقبات الاخ صبري المحمودي
الحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد؛ فقد وقفت على بعض التعقبات لأخينا صبري المحمودي على جوابي حول ما كتبه بعنوان: متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة؟
فرأيتها قد خرجت عن حدِّ العلم المؤصَّل, والتحقيق المدقق, بل خرجت جملة من تعقباته عن كونها علما يستحق أن ينظر فيه, أو يُعلَّق عليه, وقد ساءني جدا تماديه, وتغييره للحقائق
ولله در القائل:( من خاض في غير فنه أتى بالعجائب)
وقد أحجمت على الرد برهة من الزمن؛ للمودة التي بيني وبينه, وقد كنت أتمنى ألا يجرني إلى هذا الرد, لكن لما رأيت نشره لكلامه، وانخداع بعض الناس به: استوجب مني أن أبين ما وقع فيه من الزلل والشطط؛ حتى أُرجع الحق إلى نصابه.
ولا أطيل في المقدمة, وسأدخل في المناقشة مباشرة, على أن هذا الرد سيكون آخر ردٍّ لي عليه إلا إذا اقتضت المصلحة.
وأنبه: أني لن أذكر كل ما تضمنه تعقبه من أخطاء؛ لأن الوقت أنفس من أضيعه في بيان أخطائه فيه, وإنما سأذكر بعضها:
قوله: ((قلت: وقد تقدم هذا في مقالي الأول تقريره فقلت: (أن باب التكفير والتبديع والتفسيق واحد) ثم قلت: (ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق)، فبابها واحد من جهة أنها أحكام وليست واحدا من جهة تنزيل الحكم، وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع ))
جوابي: لم أر تناقضا لسني مثل هذا, ويظهر التناقض من وجوه:
الأول: الذي قاله في مقاله السابق الذي أجبت عنه: (( لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع بم يسلكوه في التكفير والتفسيق, ولهذا قلت الباب ليس واحدا )) فصرح أن الباب ليس واحدا.
ثم هنا نفي أنه قال ذلك, وأترك للقارئ الحكم.
الثاني: عرف الأخ صبري حفظه الله أنه إذا قرر أن الباب واحد انهدم عليه بناؤه, وبطل كلامه وتقعيده: فاحتاج أن يفسر معنى كونها على باب واحد
فلما أراد أن يفسر كلامه جاء بما لم يُسبَق إليه, فزعم أن معنى أنها من باب واحد أنها أحكام وليس من جهة تنزيل الحكم؛وهذا تفسير من خاض في غير فنه.
وهو يدل على الاضطراب وعدم الثبات.
فكون البدعة لها أحكام كما أن للكفر أحكاما يجعل الباب واحدا في التنزيل مع مراعاة توفر الشروط وانتفاء الموانع, فكلاهما يجمعه باب واحد وهو باب الأسماء والأحكام, وهذا الباب قاعدته واحدة.
قال أبو العباس ابن تيمية مقرراً عدم التفريق بين باب التكفير والتفسيق والتبديع: (( وإنما المقصود هنا أن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة, أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه, إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه, وإما لعدم قدرته, كما قد قررته في غير هذا الموضع, وقررته أيضا في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد. فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة, ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين, إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع, لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع, هذا في عذاب الآخرة؛ فإن المستحق للوعيد من عذاب الله, ولعنته, وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار, أو غير خالد, وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق, يدخل في هذه القاعدة سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية, أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا؛ فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم؛ إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة, وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة.)
الثالث: لما شعر أن كلامه يناقض ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أتى بشبهة ظاهرها الحق وباطنها الباطل وهي: (وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع )
وهذه بضاعة من عجز عن بيان الحق.
وليعلم أني لم أجعل يوما كلام شيخ الإسلام حكما على منهج السلف, وإنما أستأنس على فهم منهج السلف بكلام شيخ الإسلام.
وفي رسالتي "تبصير الخلف بضابط الاصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف" لم أقتصر على كلام شيخ الاسلام، وانما ذكرتُ أقوال جملة من السلف.
وهذه الدندنة صرنا نسمعها من بعض المنحرفين عن الحق إذا رأوا أن ما هم عليه مخالف لما يقرره شيخ الإسلام اتجهوا للطعن في شيخ الإسلام ولو باللمز.
وهذه الكلمة من الأخ صبري تكفي في نقض ما يقرره.
-قوله: (( فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع،إذ كيف يُجعل كلام العالم حكماً على الدليل؟!!))
وهذا من تناقضه وعدم ضبطه؛ لأنه يقر أن السلف اختلفت مواقفهم في التبديع, فكيف يدعي إجماعهم بعد ذلك؟!
ثم زعم قائلا: (( وأيضا قد نص شيخ الإسلام على إطلاق لفظ المبتدع على الجاهل المتأول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل). "مجموع الفتاوى" (23/ 356).
فتأمل كيف أنه لم يجعل الجهل والتأويل مانعًا من إطلاق اسم البدعة عليهما، مع أن الجهل والتأويل عذران مانعان من إنفاذ الوعيد في حقهما.
وقال أيضاً: (ولا ريب أن مَن قال: إن أصوات العباد قديمة فهو مُفتَرٍ مبتدع، له حُكم أمثاله، كما أن مَن قال إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله فهو مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضُه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما (التكفير) فالصواب أنه مَن اجتهد مِن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقَصَد الحق فأخطأ لم يُكفَّر؛ بل يُغفر له خطؤه، ومَن تبيَّن له ما جاء به الرسول، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلُّ مخطئ ولا مبتدع ولا جاهلٍ ولا ضال يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا، لا سيما في مثل مسألة القرآن، وقد غلط فيها خَلْق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين، وغالبُهم يقصد وجهًا من الحق، فيتبعه، ويَعزب عنه وجه آخر لا يُحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق، جاهلًا بعضه، بل مُنكرًا له). "مجموع الفتاوى" (12/179-180).
وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله أمران:
الأمر الأول: أنه أطلق ابتداء اسم المبتدِع على مَن قال: إن أصوات العباد قديمة، وعلى مَن قال: إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله، ولم يجعل الجهل مانعًا من إطلاق التبديع.
الأمر الثاني: أنه لما جاء للكلام على التكفير فصَّل بين مَن تبيَّن له الحق الذي جاء به الرسول، ثم جَحَده مِن بعد ذلك، وبين غيره، فالأول كافر حقيقةً، وهذا هو الذي يلزم لإطلاقه قيام الحجة على تفصيلٍ كذلك.
وقوله: (ليس كُل مُخطئ، ولا مبتدع، ولا جاهل، ولا ضال، يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولا عاصيًا)، فمراده: أي: أن العقوبة المترتبة على التفسيق أو التبديع قد تُدفع عنه، لكنها لا تَدفع إطلاق الاسم عليه.))
أقول:
الأخ صبري لا يفرق بين الحكم المطلق والحكم على المعين, ولا يزال يتخبط؛ لأن بحثه في السني إذا أخطأ لا في المبتدع الأصلي
فكفاك تخبطا وجهلا عفا الله عنك
ولكي يتضح ما ادعيته أقول:
هل مذهب السلف أن الأصوات قديمة؟
وهل مذهب السلف أن القرآن ليس هو كلامَ الله؟
وهل مذهب السلف أن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد؟
فإطلاقه اسم المبتدع ابتداء وقع في محله؛ لأنه يتكلم عن المبتدع الأصلي الذي خالف في مصدر التلقي.
وأما قول شيخ الإسلام: ((... مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل ))
فحق؛ "فقد", و"قد" هنا للتقليل, فلا يكون الجهل مانعا لمن كان مبتدعا أصليا, وقد تقدم تقرير ذلك.
وإذا أردت أن تفهم كلام شيخ الإسلام فاجمعه لا أن تجتزئه فتأخذ منه ما يوافق هواك.
فالتكفير فيمن ثبت له الإسلام بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط, وكذلك التبديع فيمن ثبتت له السنة بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط.
فالباب واحد لكن لا تريد أن تقرَّ بخطئك, والله المستعان.
-قوله: ((وأما التفريق بين المبتدع الأصلي والمبتدع الغير الأصلي فقد سألت ونظرت فلم أجد من قال به من السلف وإلا المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج والقدرية وغيرهم
وكل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ !! ))
أقول: يكفي في ردي على هذا الكلام مجرد ذكره .
فالقارئ البصير يعرف أن هذا كلام من لم يتصور مسألة التبديع وأقوال الفرق, ولا أدري كيف يتجرأ على الرد وهو لا يعرف بدايات ما يتعلق بالفرق والتبديع؟!
ولهذا لن أسترسل معه في الرد, ولن أعلق على كل ما يذكره، ونصيحتي له أن يذهب ويتعلم هذا الباب.
1-زعم في التفريق بين المبتدع الأصلي وغير الأصلي أنه سأل ونظر.
وجوابي: متى مكان سؤالك ونظرك حجة علي؟ أهذا جواب طالب علم؟! أهذه هي حجتك؟!
ثم أخبرني مَن سألتَ؟ وما هي الكتب التي استقرأتها ليتحقق نظرك؟!
2- ألا تتقي الله! تُقوِّلني ما لم أقل, متى قلت: إن هناك مبتدعا غير أصلي؟
الذي أقوله: الرجل الذي وقع في الخطأ, ومصدر التلقي عنده مستقيم هو سني إذا لم تقم عليه الحجة.
وأما من خالف في مصدر التلقي فهو مبتدع ولا نقيم عليه الحجة.
٣- تضمن كلامك تناقضا عجيبا! هنا تقرر ان المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج
وفي المقال الأول تقرر أنه يبدع من خالف في جزئي اشتهر, ألا تثبت على قول واحد؟!
ثم جئت بالطامة التي أبنت بها عن جهلك بهذا الباب, وهي: ((كل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ ))
ويكفيني في رد كلامك أن أورد عليك أسئلة:
س/1 هل الخوارج تحتج بالسنة المخالفة لظاهر القرآن؟
س/2هل المعتزلة تحتج بالكتاب والسنة في العقائد؟
س/3 هل متأخروا الأشاعرة يحتجون بالكتاب والسنة في العقائد؟
الجواب عن الأسئلة المتقدمة: لا, وأنت تدعي أنهم يأخذون بالكتاب والسنة, فيا لله العجب.
قال أبو المعالي الجويني: (( والظواهر التي هي عرضة التأويلات لا يسوغ الاستدلال بها في القطعيات ))
وقال الرازي: (( فهذا تقرير البحث عن قولنا: التمسك بالدلائل اللفظية في المطالب اليقينية لا يجوز ))
-قوله: ((هذا هو التقرير الذي درج عليها علمائنا فلا يجعلون أحكام التكفير كأحكام التبديع إذ الكفر أشد وأحكام التكفير والتفسيق تترتب عليه أحكام تخص الشخص المكفر أو المفسق بخلاف الوصف بالبدعة فهو وصف تحذيري والأحكام المترتبة على التبديع المراد بها التأديب والزجر حماية للآخرين من المبتدع ))
أقول لك: حتى الإجماع لا تعرف حكايته, هل شيخ الإسلام ليس من أهل الإجماع عندك؟, أو أستصحب نقدك السابق.
هل الشيخ العثيمين ليس من أهل الإجماع عندك؟
وقد نقلتُ في رسالتي "تبصير الخلف" عن أئمةٍ في أن تبديع السني لابد فيه من إقامة الحجة, فلازم قولك أنهم ليسو بعلماء.
ثم هل هناك أحد ادعى أن أحكام الكفر مثل أحكام البدعة؟
ومن اين لك ان الوصف بالبدعة وصف تحذيري فقط
ألم تقرأ احاديث النبي صلى الله عليه وسلم في البدعة؟
وحديثه عن الخوارج؟
ثم أليست الاحكام في الفاسق بارتكابه كبيرة هي احكام الفاسق بوقوعه في بدعة في الجملة؟
او ترى ان الاحكام مختلفة؟!
تحتاج الى أن تتفقه قبل أن تتكلم وتنتقد.
وأما شيخ الإسلام فهو يفرق بين ما كان جليلا من المسائل وما كان دقيقا, وهذا حق, لكن ما ضابط الجليل والدقيق.
هذا الذي لم تدركه وتتصوره, وقد بينته في رسالتي "تبصير الخلف", فلا أريد أن أعيد.
ثم انتقل الأخ صبري إلى بيان أن حديث الصورة ليس مشتهرا؛ لأنه ينقض عليه تأصيله، ويبطل تقعيده، ويُظهر للناس ان ما يقرره خلاف الحق والعدل، وخلاف مقصود الشارع.
فقال: ((وانظر لما نقله الراد عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستنبط منه أمورا تجعل الواحد من هذه الأمور تدل على اشتهار المسألة وجعلها من أصول أهل السنة:
1-ففي النقل الأول نص شيخ الإسلام على أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟!!
2-في النقل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية وهنا بيان منه رحمه الله إلى بداية ظهور المخالفة وعدم اشتهارها ولا أدري من أين استنبط الراد الاشتهار فيها؟
ومما يدل على خفاء المسألة وعدم وضوحها أن بعض أهل السنة قال بقول الجهمية كأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم إذ لو كان الخلاف قد وقع فيها واشتهر لما قال بها أحد من أهل السنة لكن لما قالوا بها بدأ يظهر إنكار أهل السنة على هذه المقالة وينتشر
ومما يقال للراد أيضا هل مجرد وقوع الإجماع في مسألة خالف فيها أهل السنة أهل البدع تجعلها أصلاً مشتهراً؟
ولا نذهب بعيداً فمسألة الصورة انعقد إجماع القرون المفضلة على أن الضمير يعود إلى الله ومع ذلك خفيت على ابن خزيمة إمام السنة في زمانه وعلى غيره من أهل السنة
فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقدياً ولا أظن أن مثل هذا يخفى على طالب علم ))
جوابي:
أولا: بقراءتي لكلامه تعجبتُ هل أنا أرد على طالب علم أو جاهل بهذا الباب؟!, ولو كان كل إنسان لا يخوض إلا فيما يحسنه لقلَّ الخلاف نوعا ما, لكن الله المستعان.
ثانيا: قوله: ((أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟))
لا زال الأخ صبري مضطربا في معرفة ضابط الاشتهار, وقد طالبته سابقا ببيان الضابط لكنه لم يفعل, فشيخ الإسلام بين أن حديث الصورة متفق عليه بين السلف في إرجاع الضمير إلى الله, وهذا الاتفاق من السلف يجعل المسألة مما لا يسوغ لأحد أن يخالف فيها، وأنه قد اشتهرت موافقتها للسنة، ثم لما ظهرت الجهمية خالفوا هذا الاتفاق والاشتهار وأرجعوا الضمير إلى آدم,
فهذه المسألة:
اشتهرت موافقتها للسنة عند السلف – وهذا ما لم يدركه الأخ صبري -,
واشتهر فيها الخلاف بين السلف والجهمية بعد ظهور الجهمية, حتى قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله خلق آدم على صوته فهو جهمي ))
وقد بدع الإمام إسحاق من ترك الأخذ بظاهر الحديث, وأرجع الضمير إلى غير الله.
لكن الأخ صبري لم يذكر هذه الآثار التي ذكرتها في جوابي عليه؛ لأنها نص في الباب, والله المستعان.
ثم اقول له: أبعد هذا التجهيم والتبديع من الأئمة لا تكون مشتهرة عندك؟ وهل بعد اتفاقهم عليها لا تكون قد اشتهرت موافقتها للسنة؟
فلا أدري أي ضابط تسير عليه في الاشتهار؟! ان كان لك ضابط
وعليك أن تعلم ان اشتهار مخالفتها للسنة مبني على اشتهار موافقتها للسنة، فليتك تتفقه
ثم اعلم ثانية: ان إنكار اهل السنة انما ظهر بعد اشتهار موافقتها للسنة.
والإشكال عند صبري وغيره أنه لا يفرق بين النوع والعين, فيظن أننا إذا قلنا إن حديث الصورة أصل يبدَّع من خالفه أنه يلزم منه تبديع الأعيان كابن خزيمة.
وهذا ليس بلازم, فليته يفهم هذا.
ومن عجيب كلام الاخ صبري أنه يستدل على خفاء المسألة بقول بعض الأئمة بها, وهذا تقرير باطل, وإلا فلنجعل مسألة الإيمان من المسائل الخفية, ومسألة تأويل بعض الصفات مسألة خفية, وهكذا
وحتى مسألة الخروج على الحاكم المسلم يلزم على قوله أن تكون مسألة خفية.
ومن مقاصد الشريعة: النظر الى مآلات الاقوال.
فليتك تنظر الى مآلات أقوالك قبل ان تتكلم
وأنت في كثير من أقوالك وآرائك مقلد لغيرك وان لم تصرح!
ثم أبنت عن أمر غريب وهو قولك: (( فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقديا))
وهل يشك في هذا طالب علم؟!, فآحاد أهل السنة ليسو معصومين, ولا محيطين بكل العلم, فقد يخفى عليهم الإجماع, وخفاؤه عليهم لا يقدح في اشتهار المسألة ووضوحها, فلا تخلط بين المسائل.
ثم قال:(( قال أحمد النجار عفا الله عنه في رسالته "تبصير الخلف" بعدما تكلم على حديث الصورة وجعلها أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة: (ومما يؤكد ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية عن أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفصول": [في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف "نكت القرآن"، وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ ولا بالعذاب.
فنقول: هذا تأويل تفرد به ولم يتابعه الأئمة، والقول ما ذهب إليه الجمهور، وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم]).
قلت: زعم أحمد النجار أن الكرجي وقع في مخالفة تعد أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة ولكن لا أدري من سبقه لهذا؟! وهل هو فهم حقيقة قول الكرجي؟! ))
لا أدري ماذا أقول! ياله من كلام متناقض متهافت تقول: لا أدري من سبقه لهذا؟ وقبل هذا نقلت قولي: ومما يؤكذ ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية ...
فهو نقل عن ابن تيمية يا رجل ألا تفهم؟! ألا تعي ما تنقل؟!
فابن تيمية هو الذي نسب إليه ما نسب, وأنا استفدتُ من موقفه من الكرجي, وتعامله معه.
وما نقلته عن الكرجي لا ينافي ما نسبه شيخ الإسلام إليه.
وكونه تفرد بهذه المسألة يدل على إجماع السلف على خلافه.
وأما كلامه عن كلام الرازيين فقد نقضته في ردي على عبد الله الخليفي, فلا داعي للإعادة
ومن تناقضه قوله: (( بل ينبغي طرح المسائل العلمية لأجل المباحثة العلمية والوصول من خلالها للحق)) مع قوله: ((بل نتج من بحثه التميع مع أهل البدع)).
قوله: ((وقد أوضحت شيئاً من هذا)) أي من التميع, فأقول: قد تبين للقارئ الكريم أن ما ذكره لا يرقى لكونه بيانا وحجة, وإنما هي مجرد شبه وأوهام علقت في ذهنه, يتذبذب فيها تذتببا عجيبا, ويتناقض فيها تناقضا بعيدا.
وليته لما اعترف بأنه: ((وأنا عن نفسي أعترف بأني جاهل ولازلت في إطار التعلم والتلقي على الأشياخ والعلماء)) أن يمسك عن الكلام في هذه المسألة؛ حتى يتقنها
ولا يجتزئ مواقف السلف, فمنهج السلف يؤخذ من مجمل مواقفهم لا من آحادها.
ولا يعتمد على متشابه كلامهم دون محكمه؛ فيضل.
وأكتفي بهذا القدر, وإنما أردت أن أبين مقدار علمه في هذه المسائل.
والشدة في موضعها حق, فأسأل الله أن يهدي الجميع.
كتبه أحمد محمد الصادق النجار
19-7-1436هـ
ملحوظة:
بعد ردي على الأخ صبري المحمودي بدل أن يتراجع عما أخطأ فيه بدأ يصحح بعض سقطاته ويعدل, وهذا مخالف للأمانة العلمية.
كما زاد أوجها لم يذكرها من قبل مما يدل على عدم تمكنه في الباب
وهذا مما جعلني أزيد أوجها ردا على بعض ما زاد,
وما زاده فضلا عما كتبه قبل ذلك ينبئ عن عدم فقهٍ لهذا الباب
والله المستعان.
ومن ذلك:
قبل أن أرد قال: ((لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق ولهذا قلت الباب ليس واحداً. ))
وبعد أن رددت عليه قال: ((ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق))
أما بعد؛ فقد وقفت على بعض التعقبات لأخينا صبري المحمودي على جوابي حول ما كتبه بعنوان: متى يخرج الرجل من السنة إلى البدعة؟
فرأيتها قد خرجت عن حدِّ العلم المؤصَّل, والتحقيق المدقق, بل خرجت جملة من تعقباته عن كونها علما يستحق أن ينظر فيه, أو يُعلَّق عليه, وقد ساءني جدا تماديه, وتغييره للحقائق
ولله در القائل:( من خاض في غير فنه أتى بالعجائب)
وقد أحجمت على الرد برهة من الزمن؛ للمودة التي بيني وبينه, وقد كنت أتمنى ألا يجرني إلى هذا الرد, لكن لما رأيت نشره لكلامه، وانخداع بعض الناس به: استوجب مني أن أبين ما وقع فيه من الزلل والشطط؛ حتى أُرجع الحق إلى نصابه.
ولا أطيل في المقدمة, وسأدخل في المناقشة مباشرة, على أن هذا الرد سيكون آخر ردٍّ لي عليه إلا إذا اقتضت المصلحة.
وأنبه: أني لن أذكر كل ما تضمنه تعقبه من أخطاء؛ لأن الوقت أنفس من أضيعه في بيان أخطائه فيه, وإنما سأذكر بعضها:
قوله: ((قلت: وقد تقدم هذا في مقالي الأول تقريره فقلت: (أن باب التكفير والتبديع والتفسيق واحد) ثم قلت: (ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق)، فبابها واحد من جهة أنها أحكام وليست واحدا من جهة تنزيل الحكم، وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع ))
جوابي: لم أر تناقضا لسني مثل هذا, ويظهر التناقض من وجوه:
الأول: الذي قاله في مقاله السابق الذي أجبت عنه: (( لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع بم يسلكوه في التكفير والتفسيق, ولهذا قلت الباب ليس واحدا )) فصرح أن الباب ليس واحدا.
ثم هنا نفي أنه قال ذلك, وأترك للقارئ الحكم.
الثاني: عرف الأخ صبري حفظه الله أنه إذا قرر أن الباب واحد انهدم عليه بناؤه, وبطل كلامه وتقعيده: فاحتاج أن يفسر معنى كونها على باب واحد
فلما أراد أن يفسر كلامه جاء بما لم يُسبَق إليه, فزعم أن معنى أنها من باب واحد أنها أحكام وليس من جهة تنزيل الحكم؛وهذا تفسير من خاض في غير فنه.
وهو يدل على الاضطراب وعدم الثبات.
فكون البدعة لها أحكام كما أن للكفر أحكاما يجعل الباب واحدا في التنزيل مع مراعاة توفر الشروط وانتفاء الموانع, فكلاهما يجمعه باب واحد وهو باب الأسماء والأحكام, وهذا الباب قاعدته واحدة.
قال أبو العباس ابن تيمية مقرراً عدم التفريق بين باب التكفير والتفسيق والتبديع: (( وإنما المقصود هنا أن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة, أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه, إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه, وإما لعدم قدرته, كما قد قررته في غير هذا الموضع, وقررته أيضا في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد. فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة, ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين, إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع, لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع, هذا في عذاب الآخرة؛ فإن المستحق للوعيد من عذاب الله, ولعنته, وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار, أو غير خالد, وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق, يدخل في هذه القاعدة سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية, أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. فأما أحكام الدنيا فكذلك أيضا؛ فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقا بدعوتهم؛ إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة, وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة.)
الثالث: لما شعر أن كلامه يناقض ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أتى بشبهة ظاهرها الحق وباطنها الباطل وهي: (وإن كان الراد يزعم التحقيق والتقعيد فلا يجعل كلام شيخ الإسلام وتلميذه حكماً على منهج السلف فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع )
وهذه بضاعة من عجز عن بيان الحق.
وليعلم أني لم أجعل يوما كلام شيخ الإسلام حكما على منهج السلف, وإنما أستأنس على فهم منهج السلف بكلام شيخ الإسلام.
وفي رسالتي "تبصير الخلف بضابط الاصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف" لم أقتصر على كلام شيخ الاسلام، وانما ذكرتُ أقوال جملة من السلف.
وهذه الدندنة صرنا نسمعها من بعض المنحرفين عن الحق إذا رأوا أن ما هم عليه مخالف لما يقرره شيخ الإسلام اتجهوا للطعن في شيخ الإسلام ولو باللمز.
وهذه الكلمة من الأخ صبري تكفي في نقض ما يقرره.
-قوله: (( فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع،إذ كيف يُجعل كلام العالم حكماً على الدليل؟!!))
وهذا من تناقضه وعدم ضبطه؛ لأنه يقر أن السلف اختلفت مواقفهم في التبديع, فكيف يدعي إجماعهم بعد ذلك؟!
ثم زعم قائلا: (( وأيضا قد نص شيخ الإسلام على إطلاق لفظ المبتدع على الجاهل المتأول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل). "مجموع الفتاوى" (23/ 356).
فتأمل كيف أنه لم يجعل الجهل والتأويل مانعًا من إطلاق اسم البدعة عليهما، مع أن الجهل والتأويل عذران مانعان من إنفاذ الوعيد في حقهما.
وقال أيضاً: (ولا ريب أن مَن قال: إن أصوات العباد قديمة فهو مُفتَرٍ مبتدع، له حُكم أمثاله، كما أن مَن قال إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله فهو مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضُه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما (التكفير) فالصواب أنه مَن اجتهد مِن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقَصَد الحق فأخطأ لم يُكفَّر؛ بل يُغفر له خطؤه، ومَن تبيَّن له ما جاء به الرسول، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلُّ مخطئ ولا مبتدع ولا جاهلٍ ولا ضال يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا، لا سيما في مثل مسألة القرآن، وقد غلط فيها خَلْق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين، وغالبُهم يقصد وجهًا من الحق، فيتبعه، ويَعزب عنه وجه آخر لا يُحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق، جاهلًا بعضه، بل مُنكرًا له). "مجموع الفتاوى" (12/179-180).
وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله أمران:
الأمر الأول: أنه أطلق ابتداء اسم المبتدِع على مَن قال: إن أصوات العباد قديمة، وعلى مَن قال: إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله، ولم يجعل الجهل مانعًا من إطلاق التبديع.
الأمر الثاني: أنه لما جاء للكلام على التكفير فصَّل بين مَن تبيَّن له الحق الذي جاء به الرسول، ثم جَحَده مِن بعد ذلك، وبين غيره، فالأول كافر حقيقةً، وهذا هو الذي يلزم لإطلاقه قيام الحجة على تفصيلٍ كذلك.
وقوله: (ليس كُل مُخطئ، ولا مبتدع، ولا جاهل، ولا ضال، يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولا عاصيًا)، فمراده: أي: أن العقوبة المترتبة على التفسيق أو التبديع قد تُدفع عنه، لكنها لا تَدفع إطلاق الاسم عليه.))
-قوله: (( فكما لا يخفاه أن فعل السلف حجة بنفسه وصورة من صور الإجماع،إذ كيف يُجعل كلام العالم حكماً على الدليل؟!!))
وهذا من تناقضه وعدم ضبطه؛ لأنه يقر أن السلف اختلفت مواقفهم في التبديع, فكيف يدعي إجماعهم بعد ذلك؟!
ثم زعم قائلا: (( وأيضا قد نص شيخ الإسلام على إطلاق لفظ المبتدع على الجاهل المتأول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل). "مجموع الفتاوى" (23/ 356).
فتأمل كيف أنه لم يجعل الجهل والتأويل مانعًا من إطلاق اسم البدعة عليهما، مع أن الجهل والتأويل عذران مانعان من إنفاذ الوعيد في حقهما.
وقال أيضاً: (ولا ريب أن مَن قال: إن أصوات العباد قديمة فهو مُفتَرٍ مبتدع، له حُكم أمثاله، كما أن مَن قال إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله فهو مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل بعضُه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مُفتَرٍ مبتدع له حُكم أمثاله.
ومَن قال: إن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد فهو مفتر مبتدع، له حكم أمثاله.
وأما (التكفير) فالصواب أنه مَن اجتهد مِن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقَصَد الحق فأخطأ لم يُكفَّر؛ بل يُغفر له خطؤه، ومَن تبيَّن له ما جاء به الرسول، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كلُّ مخطئ ولا مبتدع ولا جاهلٍ ولا ضال يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا، لا سيما في مثل مسألة القرآن، وقد غلط فيها خَلْق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين، وغالبُهم يقصد وجهًا من الحق، فيتبعه، ويَعزب عنه وجه آخر لا يُحققه، فيبقى عارفًا ببعض الحق، جاهلًا بعضه، بل مُنكرًا له). "مجموع الفتاوى" (12/179-180).
وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله أمران:
الأمر الأول: أنه أطلق ابتداء اسم المبتدِع على مَن قال: إن أصوات العباد قديمة، وعلى مَن قال: إن هذا القرآن ليس هو كلامَ الله، ولم يجعل الجهل مانعًا من إطلاق التبديع.
الأمر الثاني: أنه لما جاء للكلام على التكفير فصَّل بين مَن تبيَّن له الحق الذي جاء به الرسول، ثم جَحَده مِن بعد ذلك، وبين غيره، فالأول كافر حقيقةً، وهذا هو الذي يلزم لإطلاقه قيام الحجة على تفصيلٍ كذلك.
وقوله: (ليس كُل مُخطئ، ولا مبتدع، ولا جاهل، ولا ضال، يكون كافرًا، بل ولا فاسقًا، بل ولا عاصيًا)، فمراده: أي: أن العقوبة المترتبة على التفسيق أو التبديع قد تُدفع عنه، لكنها لا تَدفع إطلاق الاسم عليه.))
أقول:
الأخ صبري لا يفرق بين الحكم المطلق والحكم على المعين, ولا يزال يتخبط؛ لأن بحثه في السني إذا أخطأ لا في المبتدع الأصلي
فكفاك تخبطا وجهلا عفا الله عنك
ولكي يتضح ما ادعيته أقول:
هل مذهب السلف أن الأصوات قديمة؟
وهل مذهب السلف أن القرآن ليس هو كلامَ الله؟
وهل مذهب السلف أن معنى آية الكرسي وآية الدَّين و﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿تبت يدا أبى لهب﴾ معنى واحد؟
فإطلاقه اسم المبتدع ابتداء وقع في محله؛ لأنه يتكلم عن المبتدع الأصلي الذي خالف في مصدر التلقي.
وأما قول شيخ الإسلام: ((... مسألة الحَرْف والصوت ونحوها، فقد يكون كُلٌّ من المتنازِعَيْن مبتدِعًا، وكلاهما جاهلٌ مُتأوِّل ))
فحق؛ "فقد", و"قد" هنا للتقليل, فلا يكون الجهل مانعا لمن كان مبتدعا أصليا, وقد تقدم تقرير ذلك.
وإذا أردت أن تفهم كلام شيخ الإسلام فاجمعه لا أن تجتزئه فتأخذ منه ما يوافق هواك.
فالتكفير فيمن ثبت له الإسلام بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط, وكذلك التبديع فيمن ثبتت له السنة بيقين لا يكون إلا بعد توفر الشروط.
فالباب واحد لكن لا تريد أن تقرَّ بخطئك, والله المستعان.
-قوله: ((وأما التفريق بين المبتدع الأصلي والمبتدع الغير الأصلي فقد سألت ونظرت فلم أجد من قال به من السلف وإلا المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج والقدرية وغيرهم
وكل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ !! ))
أقول: يكفي في ردي على هذا الكلام مجرد ذكره .
فالقارئ البصير يعرف أن هذا كلام من لم يتصور مسألة التبديع وأقوال الفرق, ولا أدري كيف يتجرأ على الرد وهو لا يعرف بدايات ما يتعلق بالفرق والتبديع؟!
ولهذا لن أسترسل معه في الرد, ولن أعلق على كل ما يذكره، ونصيحتي له أن يذهب ويتعلم هذا الباب.
1-زعم في التفريق بين المبتدع الأصلي وغير الأصلي أنه سأل ونظر.
وجوابي: متى مكان سؤالك ونظرك حجة علي؟ أهذا جواب طالب علم؟! أهذه هي حجتك؟!
ثم أخبرني مَن سألتَ؟ وما هي الكتب التي استقرأتها ليتحقق نظرك؟!
2- ألا تتقي الله! تُقوِّلني ما لم أقل, متى قلت: إن هناك مبتدعا غير أصلي؟
الذي أقوله: الرجل الذي وقع في الخطأ, ومصدر التلقي عنده مستقيم هو سني إذا لم تقم عليه الحجة.
وأما من خالف في مصدر التلقي فهو مبتدع ولا نقيم عليه الحجة.
٣- تضمن كلامك تناقضا عجيبا! هنا تقرر ان المخالفة في القواعد الكلية هو ما وقع فيه أصحاب الفرق كالخوارج
وفي المقال الأول تقرر أنه يبدع من خالف في جزئي اشتهر, ألا تثبت على قول واحد؟!
ثم جئت بالطامة التي أبنت بها عن جهلك بهذا الباب, وهي: ((كل الفرق تدعي الأخذ من الكتاب والسنة قديماً وحديثاً والخلل هو في كيفية الأخذ ))
ويكفيني في رد كلامك أن أورد عليك أسئلة:
س/1 هل الخوارج تحتج بالسنة المخالفة لظاهر القرآن؟
س/2هل المعتزلة تحتج بالكتاب والسنة في العقائد؟
س/3 هل متأخروا الأشاعرة يحتجون بالكتاب والسنة في العقائد؟
الجواب عن الأسئلة المتقدمة: لا, وأنت تدعي أنهم يأخذون بالكتاب والسنة, فيا لله العجب.
قال أبو المعالي الجويني: (( والظواهر التي هي عرضة التأويلات لا يسوغ الاستدلال بها في القطعيات ))
وقال الرازي: (( فهذا تقرير البحث عن قولنا: التمسك بالدلائل اللفظية في المطالب اليقينية لا يجوز ))
-قوله: ((هذا هو التقرير الذي درج عليها علمائنا فلا يجعلون أحكام التكفير كأحكام التبديع إذ الكفر أشد وأحكام التكفير والتفسيق تترتب عليه أحكام تخص الشخص المكفر أو المفسق بخلاف الوصف بالبدعة فهو وصف تحذيري والأحكام المترتبة على التبديع المراد بها التأديب والزجر حماية للآخرين من المبتدع ))
أقول لك: حتى الإجماع لا تعرف حكايته, هل شيخ الإسلام ليس من أهل الإجماع عندك؟, أو أستصحب نقدك السابق.
هل الشيخ العثيمين ليس من أهل الإجماع عندك؟
وقد نقلتُ في رسالتي "تبصير الخلف" عن أئمةٍ في أن تبديع السني لابد فيه من إقامة الحجة, فلازم قولك أنهم ليسو بعلماء.
ثم هل هناك أحد ادعى أن أحكام الكفر مثل أحكام البدعة؟
ومن اين لك ان الوصف بالبدعة وصف تحذيري فقط
ألم تقرأ احاديث النبي صلى الله عليه وسلم في البدعة؟
وحديثه عن الخوارج؟
ثم أليست الاحكام في الفاسق بارتكابه كبيرة هي احكام الفاسق بوقوعه في بدعة في الجملة؟
او ترى ان الاحكام مختلفة؟!
تحتاج الى أن تتفقه قبل أن تتكلم وتنتقد.
وأما شيخ الإسلام فهو يفرق بين ما كان جليلا من المسائل وما كان دقيقا, وهذا حق, لكن ما ضابط الجليل والدقيق.
هذا الذي لم تدركه وتتصوره, وقد بينته في رسالتي "تبصير الخلف", فلا أريد أن أعيد.
ثم انتقل الأخ صبري إلى بيان أن حديث الصورة ليس مشتهرا؛ لأنه ينقض عليه تأصيله، ويبطل تقعيده، ويُظهر للناس ان ما يقرره خلاف الحق والعدل، وخلاف مقصود الشارع.
فقال: ((وانظر لما نقله الراد عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستنبط منه أمورا تجعل الواحد من هذه الأمور تدل على اشتهار المسألة وجعلها من أصول أهل السنة:
1-ففي النقل الأول نص شيخ الإسلام على أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟!!
2-في النقل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية وهنا بيان منه رحمه الله إلى بداية ظهور المخالفة وعدم اشتهارها ولا أدري من أين استنبط الراد الاشتهار فيها؟
ومما يدل على خفاء المسألة وعدم وضوحها أن بعض أهل السنة قال بقول الجهمية كأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم إذ لو كان الخلاف قد وقع فيها واشتهر لما قال بها أحد من أهل السنة لكن لما قالوا بها بدأ يظهر إنكار أهل السنة على هذه المقالة وينتشر
ومما يقال للراد أيضا هل مجرد وقوع الإجماع في مسألة خالف فيها أهل السنة أهل البدع تجعلها أصلاً مشتهراً؟
ولا نذهب بعيداً فمسألة الصورة انعقد إجماع القرون المفضلة على أن الضمير يعود إلى الله ومع ذلك خفيت على ابن خزيمة إمام السنة في زمانه وعلى غيره من أهل السنة
فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقدياً ولا أظن أن مثل هذا يخفى على طالب علم ))
جوابي:
أولا: بقراءتي لكلامه تعجبتُ هل أنا أرد على طالب علم أو جاهل بهذا الباب؟!, ولو كان كل إنسان لا يخوض إلا فيما يحسنه لقلَّ الخلاف نوعا ما, لكن الله المستعان.
ثانيا: قوله: ((أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟))
لا زال الأخ صبري مضطربا في معرفة ضابط الاشتهار, وقد طالبته سابقا ببيان الضابط لكنه لم يفعل, فشيخ الإسلام بين أن حديث الصورة متفق عليه بين السلف في إرجاع الضمير إلى الله, وهذا الاتفاق من السلف يجعل المسألة مما لا يسوغ لأحد أن يخالف فيها، وأنه قد اشتهرت موافقتها للسنة، ثم لما ظهرت الجهمية خالفوا هذا الاتفاق والاشتهار وأرجعوا الضمير إلى آدم,
فهذه المسألة:
اشتهرت موافقتها للسنة عند السلف – وهذا ما لم يدركه الأخ صبري -,
واشتهر فيها الخلاف بين السلف والجهمية بعد ظهور الجهمية, حتى قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله خلق آدم على صوته فهو جهمي ))
وقد بدع الإمام إسحاق من ترك الأخذ بظاهر الحديث, وأرجع الضمير إلى غير الله.
لكن الأخ صبري لم يذكر هذه الآثار التي ذكرتها في جوابي عليه؛ لأنها نص في الباب, والله المستعان.
ثم اقول له: أبعد هذا التجهيم والتبديع من الأئمة لا تكون مشتهرة عندك؟ وهل بعد اتفاقهم عليها لا تكون قد اشتهرت موافقتها للسنة؟
فلا أدري أي ضابط تسير عليه في الاشتهار؟! ان كان لك ضابط
وعليك أن تعلم ان اشتهار مخالفتها للسنة مبني على اشتهار موافقتها للسنة، فليتك تتفقه
ثم اعلم ثانية: ان إنكار اهل السنة انما ظهر بعد اشتهار موافقتها للسنة.
والإشكال عند صبري وغيره أنه لا يفرق بين النوع والعين, فيظن أننا إذا قلنا إن حديث الصورة أصل يبدَّع من خالفه أنه يلزم منه تبديع الأعيان كابن خزيمة.
وهذا ليس بلازم, فليته يفهم هذا.
ومن عجيب كلام الاخ صبري أنه يستدل على خفاء المسألة بقول بعض الأئمة بها, وهذا تقرير باطل, وإلا فلنجعل مسألة الإيمان من المسائل الخفية, ومسألة تأويل بعض الصفات مسألة خفية, وهكذا
وحتى مسألة الخروج على الحاكم المسلم يلزم على قوله أن تكون مسألة خفية.
ومن مقاصد الشريعة: النظر الى مآلات الاقوال.
فليتك تنظر الى مآلات أقوالك قبل ان تتكلم
وأنت في كثير من أقوالك وآرائك مقلد لغيرك وان لم تصرح!
ثم أبنت عن أمر غريب وهو قولك: (( فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقديا))
وهل يشك في هذا طالب علم؟!, فآحاد أهل السنة ليسو معصومين, ولا محيطين بكل العلم, فقد يخفى عليهم الإجماع, وخفاؤه عليهم لا يقدح في اشتهار المسألة ووضوحها, فلا تخلط بين المسائل.
ثم قال:(( قال أحمد النجار عفا الله عنه في رسالته "تبصير الخلف" بعدما تكلم على حديث الصورة وجعلها أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة: (ومما يؤكد ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية عن أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفصول": [في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف "نكت القرآن"، وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ ولا بالعذاب.
والشدة في موضعها حق, فأسأل الله أن يهدي الجميع.
كتبه أحمد محمد الصادق النجار
19-7-1436هـ
2-في النقل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تأويل الصورة لم يظهر إلا في المائة الثالثة من جهة الجهمية وهنا بيان منه رحمه الله إلى بداية ظهور المخالفة وعدم اشتهارها ولا أدري من أين استنبط الراد الاشتهار فيها؟
ومما يدل على خفاء المسألة وعدم وضوحها أن بعض أهل السنة قال بقول الجهمية كأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم إذ لو كان الخلاف قد وقع فيها واشتهر لما قال بها أحد من أهل السنة لكن لما قالوا بها بدأ يظهر إنكار أهل السنة على هذه المقالة وينتشر
ومما يقال للراد أيضا هل مجرد وقوع الإجماع في مسألة خالف فيها أهل السنة أهل البدع تجعلها أصلاً مشتهراً؟
ولا نذهب بعيداً فمسألة الصورة انعقد إجماع القرون المفضلة على أن الضمير يعود إلى الله ومع ذلك خفيت على ابن خزيمة إمام السنة في زمانه وعلى غيره من أهل السنة
فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقدياً ولا أظن أن مثل هذا يخفى على طالب علم ))
جوابي:
أولا: بقراءتي لكلامه تعجبتُ هل أنا أرد على طالب علم أو جاهل بهذا الباب؟!, ولو كان كل إنسان لا يخوض إلا فيما يحسنه لقلَّ الخلاف نوعا ما, لكن الله المستعان.
ثانيا: قوله: ((أن المسألة لم يقع فيها نزاع بين أهل القرون المفضلة أي أن المسألة متفق عليها ولم يحصل فيها خلاف، فإذا علم هذا فكيف يقال إنها اشتهر الخلاف فيها وهي محل اتفاق بل لم يظهر المخالف فيها بعد؟))
لا زال الأخ صبري مضطربا في معرفة ضابط الاشتهار, وقد طالبته سابقا ببيان الضابط لكنه لم يفعل, فشيخ الإسلام بين أن حديث الصورة متفق عليه بين السلف في إرجاع الضمير إلى الله, وهذا الاتفاق من السلف يجعل المسألة مما لا يسوغ لأحد أن يخالف فيها، وأنه قد اشتهرت موافقتها للسنة، ثم لما ظهرت الجهمية خالفوا هذا الاتفاق والاشتهار وأرجعوا الضمير إلى آدم,
فهذه المسألة:
اشتهرت موافقتها للسنة عند السلف – وهذا ما لم يدركه الأخ صبري -,
واشتهر فيها الخلاف بين السلف والجهمية بعد ظهور الجهمية, حتى قال الإمام أحمد: (( من قال إن الله خلق آدم على صوته فهو جهمي ))
وقد بدع الإمام إسحاق من ترك الأخذ بظاهر الحديث, وأرجع الضمير إلى غير الله.
لكن الأخ صبري لم يذكر هذه الآثار التي ذكرتها في جوابي عليه؛ لأنها نص في الباب, والله المستعان.
ثم اقول له: أبعد هذا التجهيم والتبديع من الأئمة لا تكون مشتهرة عندك؟ وهل بعد اتفاقهم عليها لا تكون قد اشتهرت موافقتها للسنة؟
فلا أدري أي ضابط تسير عليه في الاشتهار؟! ان كان لك ضابط
وعليك أن تعلم ان اشتهار مخالفتها للسنة مبني على اشتهار موافقتها للسنة، فليتك تتفقه
ثم اعلم ثانية: ان إنكار اهل السنة انما ظهر بعد اشتهار موافقتها للسنة.
والإشكال عند صبري وغيره أنه لا يفرق بين النوع والعين, فيظن أننا إذا قلنا إن حديث الصورة أصل يبدَّع من خالفه أنه يلزم منه تبديع الأعيان كابن خزيمة.
وهذا ليس بلازم, فليته يفهم هذا.
ومن عجيب كلام الاخ صبري أنه يستدل على خفاء المسألة بقول بعض الأئمة بها, وهذا تقرير باطل, وإلا فلنجعل مسألة الإيمان من المسائل الخفية, ومسألة تأويل بعض الصفات مسألة خفية, وهكذا
وحتى مسألة الخروج على الحاكم المسلم يلزم على قوله أن تكون مسألة خفية.
ومن مقاصد الشريعة: النظر الى مآلات الاقوال.
فليتك تنظر الى مآلات أقوالك قبل ان تتكلم
وأنت في كثير من أقوالك وآرائك مقلد لغيرك وان لم تصرح!
ثم أبنت عن أمر غريب وهو قولك: (( فهذا يدلك على أنه قد يخفى الإجماع على بعض أهل العلم ولو كان عقديا))
وهل يشك في هذا طالب علم؟!, فآحاد أهل السنة ليسو معصومين, ولا محيطين بكل العلم, فقد يخفى عليهم الإجماع, وخفاؤه عليهم لا يقدح في اشتهار المسألة ووضوحها, فلا تخلط بين المسائل.
ثم قال:(( قال أحمد النجار عفا الله عنه في رسالته "تبصير الخلف" بعدما تكلم على حديث الصورة وجعلها أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة: (ومما يؤكد ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية عن أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفصول": [في تأويل الشيخ أبي أحمد محمد بن علي الفقيه الكرجي الإمام المعروف بالقصاب للآيات والأخبار الواردة في إحساس الميت بالعذاب، وإطنابه في كتابه المعروف "نكت القرآن"، وذهابه إلى أن الميت بعد السؤال لا يحس طول لبثه في البرزخ ولا بالعذاب.
فنقول: هذا تأويل تفرد به ولم يتابعه الأئمة، والقول ما ذهب إليه الجمهور، وتفرده بالمسائل لا يؤثر ولا يقدح في درجاتهم]).
قلت: زعم أحمد النجار أن الكرجي وقع في مخالفة تعد أصلا اشتهر الخلاف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة ولكن لا أدري من سبقه لهذا؟! وهل هو فهم حقيقة قول الكرجي؟! ))
لا أدري ماذا أقول! ياله من كلام متناقض متهافت تقول: لا أدري من سبقه لهذا؟ وقبل هذا نقلت قولي: ومما يؤكذ ما سبق ما نقله الإمام ابن تيمية ...
فهو نقل عن ابن تيمية يا رجل ألا تفهم؟! ألا تعي ما تنقل؟!
فابن تيمية هو الذي نسب إليه ما نسب, وأنا استفدتُ من موقفه من الكرجي, وتعامله معه.
وما نقلته عن الكرجي لا ينافي ما نسبه شيخ الإسلام إليه.
وكونه تفرد بهذه المسألة يدل على إجماع السلف على خلافه.
وأما كلامه عن كلام الرازيين فقد نقضته في ردي على عبد الله الخليفي, فلا داعي للإعادة
ومن تناقضه قوله: (( بل ينبغي طرح المسائل العلمية لأجل المباحثة العلمية والوصول من خلالها للحق)) مع قوله: ((بل نتج من بحثه التميع مع أهل البدع)).
قوله: ((وقد أوضحت شيئاً من هذا)) أي من التميع, فأقول: قد تبين للقارئ الكريم أن ما ذكره لا يرقى لكونه بيانا وحجة, وإنما هي مجرد شبه وأوهام علقت في ذهنه, يتذبذب فيها تذتببا عجيبا, ويتناقض فيها تناقضا بعيدا.
وليته لما اعترف بأنه: ((وأنا عن نفسي أعترف بأني جاهل ولازلت في إطار التعلم والتلقي على الأشياخ والعلماء)) أن يمسك عن الكلام في هذه المسألة؛ حتى يتقنها
ولا يجتزئ مواقف السلف, فمنهج السلف يؤخذ من مجمل مواقفهم لا من آحادها.
ولا يعتمد على متشابه كلامهم دون محكمه؛ فيضل.
وأكتفي بهذا القدر, وإنما أردت أن أبين مقدار علمه في هذه المسائل.والشدة في موضعها حق, فأسأل الله أن يهدي الجميع.
كتبه أحمد محمد الصادق النجار
19-7-1436هـ
ملحوظة:
بعد ردي على الأخ صبري المحمودي بدل أن يتراجع عما أخطأ فيه بدأ يصحح بعض سقطاته ويعدل, وهذا مخالف للأمانة العلمية.
كما زاد أوجها لم يذكرها من قبل مما يدل على عدم تمكنه في الباب
وهذا مما جعلني أزيد أوجها ردا على بعض ما زاد,
وما زاده فضلا عما كتبه قبل ذلك ينبئ عن عدم فقهٍ لهذا الباب
والله المستعان.
ومن ذلك:
قبل أن أرد قال: ((لو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكا في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق ولهذا قلت الباب ليس واحداً. ))
وبعد أن رددت عليه قال: ((ولو نظرنا لكتب السنة نجد أن السلف رحمهم الله سلكوا مسلكاً في التبديع لم يسلكوه في التكفير والتفسيق))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق