السبت، 4 يوليو 2020

هل #الولاية في الشرع تقوم على #التعاقد بين الراعي المسلم والرعية على أداء الواجبات؟


هل #الولاية في الشرع تقوم على #التعاقد بين الراعي المسلم والرعية
على أداء الواجبات؟
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناظر في الكليات الشرعية والنصوص الجزئية المتعلقة بباب الإمامة وما جرى عليه عمل الصحابة ومن اتبعهم بإحسان يجد أن الولاية لم يقمها الشارع على أصل التعاقد على أداء الواجبات، ولا جعلها التزاما تعاقديا ينقص الالتزام بتقصير أحدهما،
وإنما أقامها الشارع على العبودية لله والعهد بالطاعة في المغروف، وأناطها بباب دفع المفاسد الكبرى، والنظر إلى المآلات.
نعم، أوجب الشارع على الراعي أمورا، وأوجب على الرعية أمورا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً
لكن لم يبن علاقة تلازمية بينها في اعتبار الولاية من عدمها، وهذا يتضح جليا لمن استقرى أحاديث الولاية ونظر إلى كليات الشريعة
وعلى سبيل المثال: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ:إنَّهَا ستَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ متفقٌ عليه.
فأمر الرعية بأداء الحق الذي عليهم كاملا مع وجود التقصير والنقص من الراعي المسلم، ولو كانت العلاقة علاقة تعاقد لما أمرهم بأداء الحق الذي عليهم مع تقصير الحاكم في الحق الذي عليه.
وقريب منه حديث: عن أبي هُنيدة وائل بن حُجر t قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول ﷺ فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم[1]، رواه مسلم
فإن قيل: إن نظام الحكم في الشريعة يقوم على بيعة، وهذا يقتضي تعاقدا.
قيل: لو سلمنا أنه تعاقد؛ لوجود البيعة، لكنه ليس تعاقدا على أساس أداء الحقوق؛ لما تقدم في الأحاديث، وهو الذي جرى عليه عمل الصحابة كابن عمر وغيره مع عبد الملك والحجاج إلى غير ذلك
وجري عليه العمل في عصر الإمام أحمد مع أئمة شرعوا الكفر وهو القول بخلق القرآن وإنكار الرؤية ووو
فإن قيل: ما العلاقة بينهما؟
قيل: علاقة استمداد من الشارع من وجه ووكالة على الأمة من وجه آخر.
وليس في هذا: إثباتٌ لعصمة الحاكم ولا سكوت عن أخطائه وتقصيره، ولا إثبات لطاعة مطلقة للحاكم، وإنما يحقق هذا التقرير ما دعت إليه كليات الشريعة من درء المفاسد الكبرى وتحقيق المصالح العامة.
ومما يلزم من جعل العلاقة علاقة تعاقد على الواجبات: أن للرعية فسخ العقد؛ لحصول التقصير في الواجبات.
وهذا يلزم منه الفوضى وتحقق المفاسد الكبرى وفتح باب شر على الأمة المكلومة.
ومن هنا قلنا: إن الشريعة لم تبن العلاقة على التعاقد على أداء الواجبات.
وأما قول القائل أن القول بأن العلاقة علاقة تعاقد لا يعني الخروج على الحاكم المسلم فهذا بعيد؛ لأنه لازم له، وإلا فما الفائدة من توصيف العلاقة بأنها علاقة تعاقد على الحقوق؟!
نعم، ليس هو اللازم الوحيد لكنه من لوازمه التي لا تنفك عنه.
فإن قيل: يلزم على هذا أن تكون أحاديث الطاعة للحاكم ناسخة لنصوص أداء الأمانة.
قيل: لا نسخ؛ لعدم ترتب نصوص أداء الأمانة على نصوص السمع والطاعة في المعروف، فالشريعة لم تعلق هذا على هذا، وإنما أوجبت السمع والطاعة مع حصول التقصير والنقص في الأمانة، كما تقدم، وهذا هو مقتضى العدل بالنظر إلى المصلحة العامة الكلية، ومعارضة الحاكم بالطرق الشرعية لا يلزم منها عدم السمع والطاعة في المعروف، فيسمع له ويطاع في المعروف ويعترض عليه إذا ارتكب منكرا.
لكن يجب ألا تؤدي المعارضة إلى نقض الأصل الذي بني عليه باب الولاية وهو مراعاة درء المفاسد الكبرى.
واخيرا أكتفي بهذه المباحثة المختصرة التي أرجو منها نيل ما عند الله سبحانه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق