الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020

مخالفة العوائد وإنكار المحدثات الزوائد

 

مخالفة العوائد وإنكار المحدثات الزوائد

إن أعظم ما يُخشى على الناس عموما والمشايخ خصوصا ما يدخل على السنن الأصلية والمسائل العلمية والأصول الأثرية من شوائب المحدثات والبدع الزائدات حتى تصبح مجموعها من العوائد التي اعتاد عليها الناس أنها الدين والسنة, ويكون منكرها عندهم مخطئا قطعا وضالا جزما عن سبيل الحق وسلك الأئمة المعتدلين.

فما غلبت عليه العوائد يصبح دينا يصعب إنكاره؛ لأن أهلها يرون أن ما هم عليه هو السنة المحضة والدين الحق, فمنكره يكون خارجا عندهم عن السنة غارقا في البدعة مستحقا للعقوبة.

ولعظم هذه الحال وشدة الوطئة على المنكر جعل الله لإحياء السنن منزلة عظيمة ورفعة لصاحبها, فمن أحيا سنة أميتت له من الأجر مثل أجر من عمل بها إلى قيام الساعة.

والمستمسك بالسنن هو بين أن يتبع السنة ويخالف ما اعتاده الناس فينجو عند الله, وبين أن يترك السنن ويتبع العوائد ويجد لذلك مخرجا ومسوغا فيهلك ويهلك,  وما أجمل وصف الشاطبي القائل في كتاب الاعتصام: (فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس ; فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذا بالله من ذلك، إلا أني أوافقالمعتاد، وأعد من المؤالفين لا من المخالفين؟!

فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئا، فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور، فقامت علي القيامة، وتواترت علي الملامة، وفوق إلي العتاب سهامه، ونسبت إلى البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة.

وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجا; لوجدت؛ غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفطن رقى بي مرتقى صعبا وضيق علي مجالا رحبا، وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات، لموافقات العادات، أولى من اتباع الواضحات، وإن خالفت السلف الأول).

وفي عصرنا هذا نجد من يدندن على بدع محدثات مخلوطة بسنن أصليات, ويروج لها ويكثر الكلام عليها حتى أضحت مجموعها في بعض المجتمعات تقرب من العوائد التي ينسب منكرها إلى البدعة والضلال, ونخشى إن استمر الحال أن تصبح كأنها سنن أصليات وشرائع واجبات, فيختلط المشروع بغير المشروع, ويصبح المستمسك بالسنة كالنابذ للسنة...

فكان لزاما على أهل العلم أن ينكروها قبل أن تصبح من العوائد فيصعب الأمر ويشتد الخطب, كما كان التعصب للمذهب يوما هو الدين, والمعتقد عقيدة المتكلمين هو الموحد, ومن لم يسلك سبيل المتنسكين ليس متنسكا.

ومن أعظم ما يروج له الإعلام الملبس والأئمة المضلون في وقتنا وبلدنا: تسويغ الخلاف في مسائل الإجماع - إجماع أهل الحديث-.

فيا طلبة العلم هلموا لبيان السنن, فهو من الجهاد في سبيل الله, ولا يثبطكم المثبطون الذين يسوغون العوائد ويبررون الشوائب, ولنقف وقفة رجل واحد أمام دعاة السوء.

والله المستعان

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق