[مسلسل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان
الذي سيعرض في رمضان 2023
والذي قدرت تكلفته بمائة مليون دولار]
بغض النظر عن الجدل والمناقشة في حكم الأفلام الهادفة التي لا محذور فيها من جهة الشرع وحاولت محاكاة الواقع بقدر الإمكان...
إلا أن هذا العمل-مسلسل معاوية- تكتنفه عدة إشكالات تخرجه عن محل النزاع وتقضي فيه بالمنع من عرضه وتحرم الإعانة عليه وتحذر الناس منه
كل ذلك بالنظر إلى أصول أهل السنة...
أولا: تمثيل الصحابة محرم؛ لما فيه من نزع هيبتهم من القلوب والإساءة إليهم خصوصا مع تلك الحبكة الدرامية وما فيها من تزوير للحقائق وما تستدعيه من كذب؛ لإخراج العمل في صورة مشوقة تستقطب الجمهور وتجذب المشاهدين مع ظهور فسق من يقوم بتمثيل نقلة الوحي وحملة الدين
مما ينافي أصل أهل السنة في تعظيمهم وتزكيتهم وإبقاء هيبتهم في قلوب الناس...
ثانيا: ما تتضمنه هذه المسلسلات من مخالفة للواقع، وما يقع فيها من محاذير شرعية محاكاة للواقع كالاختلاط والتعري والموسيقى وتقبيل الجبين واليدين وكشف المرأة لزوجها في المسلسل والنوم في جواره ...، وما يصاحبها من أخطاء في العقيدة؛ مما يستوجب منعه والتحذير منه.
ثالثا: وهو من أخطرها أن الأحداث من مقتل عثمان رضي الله عنه إلى مقتل الحسين حصلت فيها فتن عظيمة بين الصحابة وحروب واختلط فيها الحال، والله سبجانه رضي عنهم وزكاهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون...
ولذا كان موقف أئمة أهل السنة والجماعة هو السكوت عن تلك الأحداث وعدم الخوض فيها والمنع من بثها بين الناس؛ تحقيقا لمصلحة حفظ الدين وتوقير الصحابة وحفظ مكانتهم في الأمة...
وهو أصل من أصول أهل السنة...
قال القرطبي رحمه الله تعالى:( لا يجوز أن يُنسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر؛ لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم).
وقال ابن بطة في كتاب « الإبانة » (294): « وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ولا تنظر في كتاب صفين والجمل ووقعة الدار وسائر المنازعات التي جرت بينهم ولا تكتبه لنفسك ولا لغيرك ولا تروه عن أحد ولا تقرأه على غيرك ولا تسمعه ممن يرويه فعلى ذلك اتفق سادات علماء هذه الأمة من النهي عما وصفناه)
وقال الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في "سِيَرِ أعْلامِ النُّبَلاءِ" (10/ 92): "... بأنَّ كَثِيْرًا ممَّا حَدَثَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنْ شِجَارٍ وخِلافٍ يَنْبَغِي طَيَّهُ وإخْفَاؤُهُ؛ بَلْ إعْدَامُهُ، وأنَّ كِتْمَانَ ذَلِكَ مُتَعيِّنٌ على العَامَّةِ؛ بَلْ آحَادِ العُلَمَاءِ، وقَدْ يُرَخَّصُ في مُطَالَعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ العَرِيِّ مِنَ الهَوَى، بِشَرْطِ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُم كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ تَعَالى حَيْثُ يَقُوْلُ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [الحشر:10] فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ وأعْمَالٌ مُكَفِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُم، وجِهَادٌ مَحَّاءٌ، وعِبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ".
وأخيرا: هناك طائفة ممن سيمثلون في هذا الفيلم ومن له علاقة مباشرة به لهم تصور ضال على عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم... ويحملون لهم العداء والسب والطعن
فكيف سيوثق في هؤلاء أنهم سينقلون الصورة الصحيحة للأمة؟
وكيف يؤمن جانبهم في عدم إيغار قلوب العامة على الصحابة؟!
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق