حكم التعريف في مساجد الأمصار يوم عرفة
والمقصود بالتعريف هو المكوث في المسجد عشية عرفة للدعاء والذكر
من غير أن يخصَّص مكان يُقصَد بعينه تعظيما له، كقبر...
هذا الفعل اختلف فيه السلف، فأجازه ابن عباس وعمر بن حريث والحسن البصري وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل...
ومنع منه الشعبي وإبراهيم النخعي..
والأقرب جوازه وعدم نهي الناس عنه؛ لموافقته الأصول، فيوم عرفة له فضل خاص وفيه يدنو الرب من الواقفين بعرفة يباهي بهم ملائكته
والبقاء في المسجد للدعاء والذكر عموما مما تحث عليه الشريعة
والدعاء مستحب عشية عرفة...
فهذا أصولٌ بالنظر لدلالة النصوص الصريحة عليها...
واعتضد تخصيص المكث بالدعاء والذكر عشية عرفة في مساجد الأمصار بفعل صحابيين: ابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهما، فخرج بذلك عن كونه بدعة؛ لعدم مخالفة فعلهما أصول الشريعة، ولم يعارضهما نص صريح ولا قول صحابي آخر؛ فصح الاحتجاج به على الجواز..
ولهذا كان من فقه الإمام أحمد احتجاجه على جواز التعريف بفعل بعض الصحابة وبعض التابعين
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة؟ قال: (أرجو ألا يكون به بأس، فعله غير واحد)، قال أبو عبد الله: (الحسن، وبكر، وثابت، ومحمد بن واسع؛ كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة).
وإنما احتج بفعلهما على الجواز لشهادة أصول الشريعة عليه، وليس هو بسنة مستحبة.
والمقصود بالجواز هنا أنه سائغ الفعل ولا ينكر.
ومن أهل العلم من عده من البدع مطلقا، وهذا يصعب القول به؛ لفعل بعض الصحابة له وفي زمن الخليفة علي ولم ينكره، وما كان هذا شأنه لا يدرج في البدع.
ويمكن حمل كونه بدعة على تخصيص بقعة بعينها تعظيما لها كما خص الحجاج جبل عرفة.
أو يمكن حمل كونه بدعة على من فعله على وجه التشريع الخاص.
وينبه هنا أننا لم نحتج على جواز التعريف في الأمصار بمجرد شهادة الأصول العامة له والتي لم تنص على جواز الفعل بعينه، وإنما احتججنا بفعل الصحابي للفعل نفسه وأيدنا ذلك بشهادة الأصول له.
وأما اجتماع الناس يوم عرفة في المسجد لأجل الدعاء للناس، فهذه الصورة محدثة؛ فعن أبي حفصٍ المدنيِّ قال: ( اجتمعَ الناسُ يومَ عرفةَ في مسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يدعونَ بعدَ العصرِ، فخرجَ نافعٌ مولى ابنِ عمرَ من دارِ آلِ عُمَرَ فقال: أيها الناسُ إنَّ الذي أنتُم عليهِ بدعةٌ وليست بسنَّةٍ، إنا أدركنا الناسَ ولا يصنعُون مثلَ هذا، ثمَّ رجَعَ فلم يجلس، ثمَّ خرَجَ الثانيةَ ففَعَلَ مثلَها، ثمَّ رجَعَ )رواه ابن وضاح في البدع ص53 .
وقد منع منها الإمام مالك؛ لأجل الاجتماع للدعاء للناس؛ قال ابن وهب: " سألتُ مالكاً عن الجلوس يوم عرفة، يجلس أهل البلد في مسجدهم، ويدعو الإمام رجالاً يدعون الله تعالى للناس إلى غروب الشمس؟
فقال: ما نعرفُ هذا، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه".
قال ابن وهب: " وسمعتُ مالكاً يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدُّعاء؟.
فقال: ليسَ هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع".
وفي معناها الاجتماع على الذكر بصوت واحد، أو الذكر بما يشتمل على أمور منهي عنها.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق