يخطئ من يظن أن تعليق الأحكام بالمصلحة أو الالتفات إلى المصلحة في تنزيل الأحكام الشرعية
مسلك ضعيف يفتح الباب لأهل الأهواء ويضعف مدرك الأحكام الشرعية..
ومنشا الغلط عندهم في تصور المصلحة من جهة وظنهم أن ذلك يضعف تعلق الناس بالكتاب والسنة من جهة أخرى
ولو فطنوا لعلموا أن تقدير المصالح لا يرجع إلى أهواء الناس وطباعاهم
وإنما هو نظر دقيق في المنافع التي راعاها الله في التشريع وترجع إليها أصول الأبواب
لا ما يتبادر للناظر عند أول وهلة أنها منفعة يريدها الله .
وهذا يغلق الباب على أهل الأهواء ومن يريد تطويع النصوص الشرعية على هواه
فمن أعظم ما يسد الباب على أهل البدع والزنادقة الذين يلوون أعناق النصوص؛ لخدمة أهوائهم ومذاهبهم ..
هو الاحتجاج عليهم بمقصد الشارع في التشريع وما جرى عليه عرفه في الأبواب الشرعية؛ إذ إن للشريعة معاني وكليات قطعية حاكمة على الجزئيات، ولا تفهم النصوص الشرعية إلا على ضوئها...
نعم
أقدم على تقدير المصالح من ليس له عناية بطرق استخراجها ولا عنده معرفة دقيقة بطريقة الشارع وعرفه في مراعاة الأحكام وأصول الأبواب، وهل الأصل في الباب التعبد أو معقولية المعنى؟ وهل غلب فيه حق الله أو تمحض أو غلب فيه حق العبد؟
وهل قصد الشارع فيه إلى التضييق أو التوسعة؟
وهل المصلحة الخاصة عارضها ما هو مثلها أو اقوى منها؟ وهل تقابلها مفسدة أو لا؟
إلى غير ذلك
وإقدام هؤلاء لا يجعل مسلك إعمال مقاصد الشريعة مسلكا باطلا
كيف والشريعة إنما بنيت على المصالح والمفاسد، وقد أبدع بعض الأئمة المحققين في ربط المسائل بالنظر المصلحي المقاصدي كابن تيمية رحمه الله، فكثير من فتاويه يظهر فيها النظر المقاصدي خصوصا في باب البيوع
وإذا تأملنا في فقه الصحابة والتابعين تجد أنه فقه استقرائي مبني على معرقة مقصد الشارع ومراعاة أصول الأبواب
فانسجم فقههم مع تحقيق مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم
بخلاف طريقة الفقهاء المتأخرين الذين شاع عندهم التقعيد الرياضي والحدود المنطقية والقواعد التجريدية
فلم يتحقق معها الانسجام التام مع طريقة الشارع وفقه الصحابة والتابعين والأئمة؛ إذ إن الشريعة في قواعدها وكلياتها مرنة منسجمة الكليات والجزئيات.
وقد قام فقه الصحابة والتابعين والأئمة المتقدمين وسار عليه المحققون من المتأخرين على تبيين الحكم الشرعي بالنظر الى اللفظ الشرعي مفردا ثم إلى سياقه ثم فهمه على قواعد الشريعة في التشريع مع مراعاة عرف الشارع وطريقة في الأبواب الشرعية؛ فتم فقههم وانتظم وفق مراد الشارع.
ومن الأمثلة على الخطأ في التقدير المصلحي:
من يرى
أن صرف أموال الأضحية في توفير مستلزمات المرضى وعلاجهم أولى بالنظر إلى أن مصلحة الحفاظ على النفس أعظم؛ إذ فيها محافظة على ضروري من الضرورات الخمس، وبالنظر أيضا إلى أن مصلحة الواجب أعظم من مصلحة المستحب..
هذا التقرير مبني على وجود تعارض لا يمكن معه الجمع بين الحفاظ على النفس بشراء وتوفير ما يحتاج إليه العلاج وبين شراء الأضحية، كما بني على توقف الحفاظ على النفس على عدم شراء الأضحية وأن عدم شرائها يكفي لحفظ الأنفس!!
وبناء على هذا التحليل يتضح جليا ضعف هذا التصور وما بني عليه..
فحفظ النفس ليس متوففا على عدم شراء الأضحية؛ إذ يمكن التفريق بينهما، فتحفظ النفس بما يجب على الدولة دفعه من مال، وكذلك مال الزكاة ومال الصدقة ...
وهي أكثر تأثيرا في حفظ النفس من المال الذي يدفع في شراء الأضحية.
فهنا وقع خلل في تقدير المصلحة الشرعية التي يراعيها الشارع في الأبواب
فلم يراع الشارع في باب الأضحية ما راعاه في باب الزكاة والصدقة
ولذا كانت مراعاة ما لم يراعه الشارع خروجا عن طريقته ومراده
فليس كل منفعة طلب الشارع مراعاتها في باب تكون مطلوبة المراعاة في باب آخر...
كتبه منبها
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق