[مناقشة شبهة مشروعية الأصل تدل على مشروعية الأثر.
والانطلاق منها إلى جواز الاحتفال بالمولد من غير حاجة إلى إثبات دليل خاص]
هل جواز الأصل يدل على جواز أثره؟
كما ذكر ذلك بعضهم
ومثلوا على ذلك بعدة أمثلة
منها أن مشروعية تعظيم المصحف يدل على مشروعية تقبيله وتجليده وطباعته
فمادام أن الأصل مشروع فآثاره كذلك، ولا يسأل عن دليها إلا إذا ورد في وسيلة معينة دليل خاص ينهى عنها.
وتوصلوا بذلك إلى أن الاحتفال بالمولد جائز ولا يسأل عن دليله؛ لأنه أثر من آثار مشروعية تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عنها:
أن ما كان مشروع الأصل وأطلق الشارع وسائله من غير تحديد ولا تعيين(عبروا عنها بالأثر)
لم يكف إطلاق مشروعية الأصل على أن يكون دليلا على تعيين وسيلة مخصوصة وتخصيصها
بمعنى أن الوسيلة المعينة وإن كان يتناولها إطلاق مشروعية الأصل إلا أن تعيينها وتخصيصها من بين الوسائل المتعددة يحتاج إلى دليل خاص، فنطالب بالدليل الخاص على تعيين وتخصيص هذه الوسيلة دون غيرها، ولا نطالب بالدليل على دخول هذه الوسيلة في الإطلاق.
ويزداد الطلب تأكيدا وهو الذي لم يدل عليه الإطلاق الأول إذا دخل تخصيص الوسيلة في تخصيص التشريع
بأن يكون تخصيص هذه الوسيلة في زمن تعظيما لذاتية الزمن أو في مكان تعظيما لذاتية المكان أو بهيئة تعظيما لذاتية الهيئة أو بعدد تعظيما لذات العدد، بأن يكون الزمن مقصودا والمكان مقصودا والهيئة مقصودة والعدد مقصودا.
فهذا التخصيص لم يدل عليه إطلاق المشروعية أصلا
فكيف إذا التزمه وصار يتكرر بتكرر الأوقات؟!
قال الشاطبي في "الاعتصام"(201/1): (.. فإن أتى به المكلف فِي ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار مُتخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصودة شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه: كان الدليل بمعزل عن هذا المعنى المستدل عليه )
فمثلا الشارع وإن عظم المصحف وأطلق وسائله إلا أن من خصص التعظيم بالتقبيل احتاج إلى إثبات ذلك بدليل خاص غير الدليل المطلق
ويزداد الأمر تأكيدا إذا خصص التقبيل بيوم الأحد تعظيما ليوم الأحد، أو لا يقبله إلا في مسجد فلان تعظيما للمسجد ...
فهذا لم يدل عليه الإطلاق أصلا
فعندما نطالب بالدليل إنما نطالب بالدليل الخاص على مشروعية تخصيص التقبيل وإن تناوله إطلاق تعظيم المصحف.
فضلا عن تخصيص التشريع
وعندما نجد السلف قد تركوا هذه الوسيلة مع وجود داعيها ولا مانع يتأكد عندنا أنها ليست مقصودة للشارع، ولا يريدها، بل هذا الترك يخرجها من إطلاق مشروعية الأصل.
قال ابن دقيق في "إحكام الأحكام" (1/200و201): (..إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة، والفعل المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه.. ).
وهكذا الأمر في الاحتفال بالمولد النبوي، فإنه وإن تناوله إطلاق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تخصيص التعظيم بالاحتفال وتعيينه يحتاج إلى دليل خاص
كيف وهذا التخصيص قد قيد بيوم تعظيما لليوم فهو أوكد للمطالبة بالدليل؛ لأن التخصيص أصبح تخصيص تشريع فيما لا يعقل معناه.
كيف وقد التزم وتكرر بتكرر السنة؟!!
وعندما نجد السلف قد تركوا الاحتفال مع وجود داعيه وهو المحبة والتعظيم ولا مانع تأكد لنا أنه ليس مقصودا للشارع، ولا يريده، وكان هذا الترك قد أخرجه من إطلاق مشروعية التعظيم والمحبة؛ لعدم وجود دليل خاص يدل عليه.
وأما قياس ذلك على جمع القرآن فغير سديد؛ لأنه لم يُستدل على جوازه بإطلاق مشروعية تعظيم القرآن، وإنما استُدل على جوازه بفعل الصحابة بل بإجماعهم؛
ونجد أيضا أن عمر رضي الله عنه لم يحتج على جوازه بإطلاق مشروعية تعظيم القرآن؛ لما تقرر عنده أن تخصيص تعظيم القرآن بالجمع يحتاج إلى دليل خاص يدل على مشروعيته،
وإنما ذكر أمرا آخر وهو الخوف من ضياع القرآن بموت القراء وهو ينافي حفظ القرآن.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/09/blog-post_27.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق