الهوية الدينية الليبية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد, فإن الهوية التي يجب أن ينادي بها المصلحون وتقوم عليها الهوية الدينية الليبية هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار ومن اهتدى بهديهم واقتدى بسنتهم من الأئمة الأبرار في الاعتقاد والسلوك وما هو معلوم من الدين بالضرورة
وما وقع فيه خلاف بينهم يجب أن يوسع فيه الأمر ولا يضيق فيه على الناس, وهو ما كان عليه الإمام مالك لما رفض أن يلزم الناس بالموطأ, خصوصا مع ما وصل إليه زمننا من التفتح على الآراء عبر الانترنت وغيره
هذا الذي يجب عقد المؤتمرات عليه وإقناع الليبين به, أما إحياء النعرات وإذكاء التعصب فما هو إلا زيادة فرقة, وتجذير لها.
ولا يمكن أن يحمل بلد على مذهب واحد؛ لتعدد المشارب واختلافها, ولا أن يحفظ البلد بذلك, وإنما هو سبيل لخلق النزاع وافتراق الكلمة.
وقد عرف عن علماء ليبيا على مر العصور اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربهم, فتجد فيهم الحنفي في الفقه, ومن كان على اعتقاد أهل الحديث, وتجد فيه الإباضي, فعلى أي هوية يتحدث هؤلاء؟!
ثم إذا أردنا أن نشكل هوية دينية لليبيا فيجب في الهوية أن تناسب فطرة الليبين وتعظيمهم للقرآن والسنة لا أن تشكل الهوية على ما هو مخالف للفطرة, ومناقض للنصوص الشرعية, فهذا يؤدي بهم إلى النفرة من الدين ويفتح باب التشكيك فيه.
ويجب أن تُكوَّن الهوية على أساس التعاون على البر والتقوى, ورحمة من تراه مخالفا, وجداله بالتي هي أحسن, لا أن يزرع فيهم ما يؤدي إلى رفع السلاح بينهم.
فمثل هذه المؤتمرات لا أراها إلا زرعا للشقاق وسبببا لرفع السلاح.
ثم نطرح هنا سؤالا: هل الهوية الدينية الليبية في الاعتقاد: الأشعرية؟
المعروف عن أهل المغرب أنهم كانوا على الأثر ولا يقبلون علم الكلام ومن ظهر عليه علم الكلام يعادونه, وإنما نشر فيهم بعد ذلك بالقوة
والقصة أن ابن تومرت سافر إلى المشرق ولقي علماء الأشاعرة فأخذ عنهم المذهب الأشعري, ثم رجع إلى المغرب فحملهم على المذهب الأشعري, وكان يلقب بالمهدي, ولقب أصحابه القائلين بعقيدته بالموحدين, إشارة إلى أن غيرهم ليسو موحدين.
وكان يقرب من المعتزلة في باب الصفات, وفي أكثر المسائل على مذهب الأشاعرة.
وابن تومرت: (( كان يدعي أنه حسني علوي، وهو من جبل السوس في أقصي المغرب. نشأ هناك، ثم رحل إلى المشرق لطلب العلم، ولقي أبا حامد الغزالي، وإلكيا أبا الحسن الهراسي، وأبا بكر الطرطوشي، وجاور بمكة، وحصل طرفا جيدا من العلم. ...
فأتى فاس، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعرية، وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم، ويعادون من ظهرت عليه، فجمع والي فاس الفقهاء له، فناظرهم، فظهر عليهم لأنه وجد جوا خاليا وناسا لا علم لهم بالكلام، فأشاروا على المتولي بإخراجه، فسار إلى مراكش، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلا مالك بن وهيب، وكان متفننا قد نظر في الفلسفة، فلما سمع كلامه استشعر حدته وذكاءه، فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله، وقال: هذا لا تؤمن غائلته، وإن وقع في بلاد المصامدة قوي شره، فتوقف عن قتله دينا، فأشار عليه بحبسه، فقال: علام أسجن مسلما لم يتعين لنا عليه حق، ولكن يخرج عنا، فذهب هو وأصحابه إلى السوس، ونزل تينملل، ومن هذا الموضع قام أمره، وبه قبره، فلما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة، فشرع في بث العلم والدعاء إلى الخير، وكتم أمره، وصنف لهم عقيدة بلسانهم، وعظم في أعينهم، وأحبته قلوبهم، فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونهاهم عن سفك الدماء، فأقاموا على ذلك مدة، وأمر رجالا منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة، واستمالة رؤساء القبائل.
وأخذ يذكر المهدي ويشوق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت في فضله، فلما قرر عندهم عظمة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نسبا إلى علي عليه السلام، وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنف لهم تصانيف في العلم، منها كتاب سماه: " أعز ما يطلب "، وعقائد على مذهب الأشعري في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها، وفي مسائل قليلة غيرها )) تاريخ الإسلام للذهبي 11\408
وأخيرا: ربط #المذهب_المالكي بما استقر ت عليه #العقيدة_الأشعرية تكتنفه عدة اشكالات منها:
١-تأخر العقيدة الأشعرية زمنا ومضمونا، وهذا يلزم منه عدم صحة الربط أصالة؛ لعدم اعتناق مؤسسي المذهب-إن صح التعبير- لهذا المعتقد.
٢-تصريح جماعة من أئمة المذهب المالكي بما يخالف ما استقرت عليه عقيدة الأشاعرة
ومن ذلك ما صرح به إمام المذهب في عدة مسائل عقدية، وكذا ما صرح به ابن عبد البر والطلمنكي وغيرهم
وهذا يمنع من صحة الربط مضمونا
٣- اعتناق جماعة من المتأخرين المنتسبين إلى المذهب المالكي للعقيدة الأشعرية لا يسوغ أن تجعل العقيدة الأشعرية ملازمة للمذهب المالكي؛ لأن إثبات الملازمة فرع اثبات الاعتناق الكلي الشامل، وهذا افتراض وهمي، فمتقدموا أئمة المالكية لم يعتنقوا المذهب الأشعري المتأخر زمنا ومضمونا، ولا يتصور منهم ذلك.
٤-يلزم على هذا الربط إخراج جملة من أئمةالمذهب المالكي ومنهم مالك عن أن يكونوا مالكية؛ لأنهم ليسوا أشاعرة.
٥- عُرف عن أئمة المالكية إنكارهم الشديد لعلم الكلام، والعقيدة الأشعرية بنيت على علم الكلام
فكيف يصح الربط؟!
وفي الختام: لا يشك كل متأمل مطلع متجرد للحق أن مالكا وجماعة كبيرة من ائمة المذهب كانوا على عقيدة أهل الحديث, وهذا الذي يتناسب مع عصر مالك والعصور التي سبقت استقرار العقيدة الأشعرية, وهي التي شهدت الانكار الشديد على علم الكلام.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق