خاص بطلبة العلم
ما الإشكال عند من ينفي #الصفات_الخبرية؟
عندما قرأت التعليقات على منشوراتي في توضيح طريقة السلف -أهل الحديث- في إثبات الصفات الخبرية, وأن إثبات #المعنى_الكلي لا يلزم منه تماثل أفراده فيه, فضلا عن أن يكون هناك اشتراك خارج الذهن بعد التقييد, فعندما نقول وجه الله ووجه المخلوق لم يتماثلا في المعنى الكلي للوجه وهو المواجهة, وإنما تفاضلا فيه وإن اشتركا في الذهن,مع اختلاف الحقائق والكيفيات في الخارج, كما هو القول في الوجود والذات...
وجدت أن هناك إشكالا يلاحق كل من ينفي إثبات معنى للصفات الخبرية كالوجه واليد, وهذا الإشكال طغى على تفهم الوضع اللغوي والقدر المشترك بحيث إن كل من أزته فطرته إلى إثبات معنى الوجه -مثلا- لله سبحانه على ما يقتضيه الوضع؛ إذ إن الفطرة تدعوه إلى إثبات معنى يحصل به فهمٌ لكمال الله وتعقل له من جهة المعنى الكلي؛ مما يترتب عليه أثر تعبدي
: يلوح له الإشكال الذي تلوث به ذهنه؛ وهو أنه يلزم منه أن يكون الله جسما مركبا من أعضاء!!
فسجن نفسه في ألفاظ ولم ينتقل منها إلى المضامين وما لا يحيله العقل!
وسأحاول أن أخرج بكم من البحث في الألفاظ إلى النظر في المعاني العقلية, ومن البحث في الصفات الخبرية إلى البحث في الجسمية..
فأقول لهؤلاء: أنتم بنيتم نفي الصفات الخبرية عن الله على نفي الجسم عن الله, وقد اختلف المتكلمون فيما ركبت منه الأجسام, فمنهم من جعلها مركبة من الأجزاء المنفردة، ومنهم من جعلها مركبة من المادة والصورة ومنهم من جعلها ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا, إلى غير ذلك
ومن المعلوم بالضرورة أن الله ليس مركبا من الأجزاء المنفردة، ولا من المادة والصورة، ولا يقبل سبحانه التفريق والانفصال ولم يكن متفرقا ثم جمع
فهذا كله ممتنع في حق الله, ولا تفهم هذه الأمور من ظواهر نصوص الكتاب والسنة, وليست هي لازمة لمن أثبت الصفات الخبرية, فالصحابة ومن تبعهم لم يجعلوا اتصاف الله بها قابلا للتفريق والانفصال ولا أنها كانت متفرقة ثم جمعت في ذاته سبحانه, ولا جعلوا الله مركبا من الجواهر ولا من المادة والصورة
فالله عندهم إنما كان بصفاته, وهو واجب الوجود بها, ولم يركبه مركب, ولا يصح أن يقال هو مفتقر إلى صفاته.
فكما ترون أن المعاني المنفية عن الله التي تثبتونها في الأجسام المحسوسة ننفيها ولا نجعلها لازمة لإثبات الصفات لله, ولا هي ظاهر نصوص الكتاب والسنة, ولا كان الصحابة يعتقدونها عند إثباتهم معاني الصفات الخبرية.
كيف وإثبات تماثل الأجسام المخلوقة باطل في نفسه؟!, وقد قال الرازي في أساس التقديس (إثبات أن الأجسام متساوية في تمام ماهيتها هذا مطلوب صعب الإلزام).
فمن سمى الموجود في الخارج القائم بنفسه المتصف بالصفات جسما؛ لأنه يشار إليه, وله حقيقة تخصه وهو متميز عن غيره
مع نفيه المعاني التي يتنزه عنها الله
يكون النزاع معه في اللفظ وليس في المعنى,
ولا تملكون دليلا على نفي هذا المعنى, بل العقل يوجب إثباته.
وانظر إلى كلام أبي الحسن الأشعري في اللمع (18) وقد نقلته في رسالتي"تبصير ذوي العقول بحقيقة مذهب الأشاعرة في الاستدلال بكلام الله والرسول" يقول فيه: (وإن أراد لم لا تسمونه جسما وإن لم يكن طويلا عريضا مجتمعا؟
فالأسماء ليست إلينا, ولا يجوز أن نسمي الله باسم لم يسم به نفسه, ولا سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم, وأجمع المسلمون عليه, ولا على معناه)
ويقول الآمدي في أبكار الأفكار (2\16): (وإن قيل جسم لا كالأجسلم كان النزاع في اللفظ دون المعنى)
فأين ذهب صنم الجسمية؟!
ولا يمكن لمذهب من المذاهب أن ينفي عن الله مطلق الصفات؛ لأن كونه موجودا يوجب اتصافه بالصفات, وإلا خرج من الوجود إلى العدم.
حتى جهم بن صفوان مع قوله بوجود موجود لا يمكن إحساسه اضطر لإثبات بعض الصفات.
أرأيتم لما انتقل البحث في المعاني تغيرت النظرة!!
فلو قال قائل لمن أثبت صفة العلم أنه يلزم من ذلك أن يكون مركبا من ذات وعلم فيكون جسما لم يكن لفظ الجسمية سببا لنفي صفة العلم؛ لأنه ليس هناك محذور في المعنى, فليس المقصود من إثبات العلم أن العلم ينفصل عنه أو كان متفرقا فجمع, وإنما المقصود أن العلم قائم بذاته على الحقيقة المختصة به.
والذات المستلزمة للصفة لا توجد إلا وهي متصفة بالصفة،
وإذا سميت الوجه جزءا وبعضا مع نفي المعاني التي ينزه عنها الرب ومنها عضو المخلوق فهذا اصطلاح منك, ولا شيء فيه من جهة المعنى؛ إذ المجموع لا يوجد إلا بوجود جزئه.
فرجع الأمر إلى تحرير هذه الألفاظ لا إلى نفي الصفات الخبرية.
لكن المستشنع حقيقة والذي لا يقبل هو:
1-أن تجعل آيات الصفات دالة على معاني تستحيل في حق الله
2-أن يطلب الهدى من غير ما دل عليه ظاهر القرآن والسنة.
3-أن ينفى عن الله ما وصف به نفسه من صفات الكمال.
4- توهم أن الله وصف نفسه بما يفهم منه النقص وما يستحيل في حق الله
5-أن يجعل الصحابة -الذين أثبتوا معاني الصفات- قد أثبتوا لله ما لا يليق به سبحانه ورتبوا عليها أحكاما
فهؤلاء الذين هجم عليه شبح الجسمية قد ألحقوا النقص بذات الله وصفاته وكتابه مع أنهم يريدون تنزيه الله عن النقائص!!
ولما كانت هذه حقيقة صنيع المتكلمين من المعتزلة ومتأخري الأشاعرة مع القرآن جاء الاعتذار منهم بأن الله يفعل ذلك ابتلاء!!
ثم يأتي من لا يفهم حقيقة الخلاف وأصله فيهون الخلاف ويسوغه, ولا يريد منا أن ندافع عن القرآن وصفات الله سبحانه وأن نناقش نقاشا علميا وفق أدب الحوار.
والأدهى أن يجعل الحق متوزعا في الطوائف وهو ضائع فيها, فلم يتمحض الحق في فرقة, فينتفي أن يكون هناك سبيل واحد يجب اتباعه!!
وهذا في نفسه مخالف لقطعي النصوص والإجماع, وفاسد في لوازمه.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق