الاثنين، 17 مايو 2021

إهدار إنكار المنكر المتعلق بأصول الدين وقت ظهوره بدعوى المصلحة

 

إهدار إنكار المنكر المتعلق بأصول الدين وقت ظهوره

بدعوى المصلحة

إن هذه الإشكالية التي طرأت على أذهان جملة من المنتسبين للعلم مبنية على تحكيم العقول في تحديد المصالح وتعيينها واتباع أهوائهم, فذهب هؤلاء –حالا- إلى ألمصلحة يحددها العقل البشري, كما ذهب إليه الحداثيون –مقالا-,  فكلما ظنوا أن المصلحة تقتضي السكوت عن أخطاء المتكلمين في أصول الدين وقت ظهور من يدعو إليها نهوا المنكرين عن الإنكار, ولم يكتفوا هم بعدم إنكارهم!.

وتغافل هؤلاء عن أن تحديد المصالح مرجعه إلى الشرع, وأما العقل فليس مرجعا مستقلا لتحديد المصالح؛ لكونه قاصرا عن إدراك تفاصيل المنافع والمضار حتى إنه يرى في الشيء أنه منفعة ولا منفعة فيه, أو تكون منفعته منفعة مرجوحة.

ومعلوم أن الشريعة لم تهمل مصلحة راجحة, فراعت في أوامرها تحقيق المصالح الراجحة, فهي عندما أمرت بإنكار المنكر في أصول الدين لم تهمل مراعاة المصالح الراجحة, كما أنها حافظت على المصالح الضرورية؛ إذ إن حفظ الدين أعظم مقصد للشارع.

وإذا نظر المجتهد إلى أن إنكار المنكر في أصول الدين وقت ظهور من يدعو إليه يحافظ على أعظم المصالح الضرورية وهو الدين, وأنه لا قوام له إلا بذلك: أدرك تمام الإدراك أنه ما من مصلحة مدعاة تمنع الإنكار فهي دون مصلحة حفظ الدين, وقاعدة الباب: "كل ما يفوت المصلحة الأعظم فهو مفسدة".

وهي أيضا مصلحة ملغاة, فعن أبي واقد الليثي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين ونحن حديثو عهد بكفر فمررنا على شجرة يضع المشركون عليها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: " الله أكبر قلتم كما قال أهل الكتاب لموسى عليه السلام {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستركبون سنن من كان قبلكم» أخرجه أحمد

فقد أنكر النبي صل الله عليه وسلم عليهم مع كونهم في غزوة وقتال عدو كافر, ولم يؤخر البيان والإنكار مراعاة للمصلحة.

وعند التحقيق تجد أن كثيرا من هذه المصالح المدعاة دعت إليها أهواء الناس وما يلاقونه من تبجيل وتعظيم بسبب سكوتهم, وقد أبدع الشاطبي لما قال في الموافقات (2/ 63): (المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية).

والله أعلم

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق