الثلاثاء، 25 مايو 2021

حكم مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين

 

حكم مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين

د. أحمد بن محمّد النّجار

محاضر في مادة العقيدة بقسم أصول الدين

كليّـة علوم الشّريعة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد, فهذه المسألة من المسائل التي استغل إطلاقها مَن كفر أعيان المسلمين وأنزل عليهم حكم الردة, بعد أن حكوا إجماع العلماء على أن مظاهرة الكفار على المسلمين بكل صورها كفر أكبر, وناقض من نواقض الإسلام.

ولا يصح فيما كان له صور منها ما هو كفر أكبر ومنها ما ليس كفرا أكبر إطلاق الكفر الأكبر عليها, ولو كان من باب التخويف والزجر؛ للإيهام والإلباس, وسد ذريعة التكفير بما ليس بمكفر, فإطلاق الكفر الأكبر على ما ليس كفرا أكبر بكل صوره يقود إلى تكفير المسلمين, وأخطرُ ما يربى عليه الشباب إطلاقات الكفر والردة؛ مما يجعلهم يستسهلون التكفير بغير حق.

وكما ننكر هذا ننكر أيضا جَعْل المظاهرة ليست كفرا أكبر بكل صورها.

والتحقيق في مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين: التفريق بين صور المظاهرة في الحكم؛ بناء على أمرين:

1-    التفريق بين التولي التام والتولي الناقص.

قال أبو حيان في البحر المحيط (3/ 519): (ومن تولاهم بأفعاله دون معتقده ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمّة ، ومن تولاهم في المعتقد فهو منهم في الكفر )

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي، في ‏تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ‏فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: "وذلك الظلم ‏يكون بحسب التولي، فإن كان توليا ‏تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة ‏الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما ‏هو غليظ، وما هو دون ذلك".

وقال ‏أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ ‏يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}: "إن التولي ‏التام، يوجب الانتقال إلى دينهم، ‏والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم ‏يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد ‏منهم".

2- اختلاف صور المظاهرة, فليس كل صورة من صور المظاهرة تحقق فيها المناط الكفري, وهذا يستدعي بيان الصور؛ للتعرف على ما كان كفريا منها وما لم يكن كفريا.

وإليك هذه الصور:

1-الجاسوسية بأن يكون المسلم جاسوسا للكفار على المسلمين لرحم أو لحاجة.

فهذه صورة من صوار المظاهرة وهي محرمة وكبيرة من كبائر الذنوب, ولا تصل إلى الكفر الأكبر, وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه. انظر: فتح الباري لابن حجر (12/ 310)

وإباحة الدم وعدمها وإن وقع فيها خلاف بين الفقهاء إلا أنهم متفقون على عدم كفره

وقد قال ابن العربي في أحكام القرآن (4/ 225): (من كثر تطلعه على عورات المسلمين، وينبه عليهم، ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي، واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين).

وهو عين ما حصل مع حاطب بن أبي بلتعة, وقد اعتذر بأنه لم يفعله ردة ولا كفرا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام, فدل ذلك على أن هذا القيد هو مناط الموالاة الكفرية.

قال الشافعي في الأم للشافعي (4/ 264): (وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين)

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 522): (وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} . وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك. فقال: لسعد بن معاذ: كذبت والله؛ لا تقتله ولا تقدر على قتله؛ قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية. ولهذه الشبهة {سمى عمر حاطبا منافقا فقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه شهد بدرا} فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها. وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة؛ كذبت لعمر الله لنقتلنه؛ إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين؛ هو من هذا الباب).

2-إعانة الكفار على المسلمين بأي نوع من أنواع الإعانة وتوليهم؛ محبة للكفر وظهوره, وهذا كفر أكبر بالإجماع, ولا يجتمع مع أصل الإيمان.

قال الطبري في تفسيره (10/ 400): ( يعني تعالى ذكره بقوله:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولً أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه)

وما أطلقه الطبري في تفسيره في مواطن محمول على هذه الصورة الكفرية.

3-القتال في صف الكفار ضد المسلمين بما يترتب عليه زوال دين الإسلام وظهور الكفر.

فهذه الصورة كفر أكبر؛ لما يلزم من القتال مع أعداء الله ورسوله زوال دين الإسلام, وظهور شعائر الكفر, وإذا كان الصحابة سموا من منع شعيرة واحدة من شعائر الإسلام وهي الزكاة بالمرتد, فكيف بمن منع الدين كله وقام بزواله؟!!

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 548): (وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون، ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف ممن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين مع أنه والعياذ بالله لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله، على أرض الشام ومصر. في مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه).

4-القتال في صف الكفار وإعانتهم بما لا يترتب عليه زوال الإسلام وظهور الكفر.

فهذا لا يكون كفرا أكبر, وهو من جنس ما جاء في قصة حاطب, فقد أعان الكفار بمكاتبه وإفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بما لا يترتب عليه ظهور الكفر وزوال الإسلام.

قال الشافعي في الأم (4/ 264): (وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين)

وقال السرخسي في شرح السير الكبير (2/ 204): (ولو قتل مسلماً كان في صف المشركين يقاتل المسلمين معهم لم يكن له سلبه لأن هذا وإن كان مباح القتل ولكن سلبه ليس بغنيمة لأن مال المسلم ومال المسلم لا يكون غنيمة للمسلمين بحال كأموال أهل البغي) . فحكم عليه بالإسلام.

فاختلاف الصور في الحكم يمنع من إطلاق القول بالكفر الأكبر, وأما من تعدى ذلك حتى حكى إجماع العلماء على كفر من ظاهر بأي نوع من أنواع المظاهرة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة فقد غلط غلطا بينا.

مع التنبيه إلى تجريم مظاهرة الكفار على المسلمين بكل صورها, وأن من وقع فيها من غير إكراه فهو على خطر عظيم, ولا يكون مؤمنا حقا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق