حكم #الأذانين_لصلاة_الجمعة
إن أول من سن الأذان الأول لصلاة الجمعة هو عثمان رضي الله عنه, فقد أخرج البخاري في صحيحه (2/ 8) عن السائب بن يزيد، قال: «كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء» قال أبو عبد الله: " الزوراء: موضع بالسوق بالمدينة "
وقد صرح بكونه محدثا: الحسن البصري ففي مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470) عن الحسن، أنه قال: «النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام، والذي قبل ذلك محدث»
وروي ذلك عن ابن عمر في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470) وكذلك عن نافع.
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يؤذن للجمعة إلا أذان واحد وهو حين يصعد الإمام على المنبر , كالثوري والشافعي وإسحاق والقاضي أبو يعلى [انظر: فتح الباري لابن رجب (8/ 220)]
قال الشافعي في الأم (1/ 224): ( وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي)
واختلف القول عن مالك [انظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 (5/ 58)]
وقد رُد كونه بدعة بأنه لم يخالف عثمان كبار الصحابة,؛ فكان إجماعا سكوتيا, قال ابن المنذر في الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (4/ 56): (فلم يكره أحد منهم علمناه، ثم مضت الأمة عليه إلى زماننا هذا).
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 193): ( ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه صار أذانا شرعيا)
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 129): (ومن ذلك: أذان الجمعة الأول، زاده عثمان لحاجة الناس إليه، وأقره علي، واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في قيام رمضان).
وله أصل شرعي يشهد له, وهو: الأذان الأول لصلاة الفجر الذي روعي فيه تنبيه الناس وتهيأتهم.
وأما المعنى الذي لأجله أحدث عثمان النداء, ففي مصنف عبد الرزاق (3/ 206) عن ابن المسيب قال: (وأراد أن يتهيأ الناس للجمعة)
وعن الزهري، قال: «كان الأذان عند خروج الإمام، فأحدث أمير المؤمنين عثمان، التأذينة الثالثة على الزوراء ليجتمع الناس» مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470)
والتأذينة الثالثة صارت هي الأولى.
وهذا المعنى قد اعتبره الشارع وأجرى عليه أحكاما, فهو وصف ملائم؛ فيكون أذان عثمان -الذي هو الأذان الأول- من المصالح المرسلة, وليست ألفاظ الأذان مقصودة فيه, وإنما المقصود هو التنبيه والإعلام, فهو من جنس المصالح المرسلة, التي لم يعارضها دليل خاص بالمنع, وهو وسيلة لتحقيق مقصد شرعي, ولم يكن داعيه موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسبب إحداث عثمان للنداء كثرة الناس وانشغالهم, فأراد أن ينبههم لقرب الصلاة؛ حتى يستعدوا لها.
لكن يبقى هل هو سنة مطلقا أو سنة عند وجود المقتضي؟
فمن العلماء من رأى أنه سنة مطلقا.
ومنهم من جعله سنة بقيد وجود داعيه,
وهذا هو الأقرب فيكون عند عدم وجود الداعي غير مشروع, ولذا لم يُلزم به عثمان بقية الأمصار, ففي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 206) عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: «رأيت ابن الزبير لا يؤذن له حتى يجلس على المنبر، ولا يؤذن له إلا أذانا واحدا يوم الجمعة»
واستمر الحال في مكة حتى قال عطاء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 205): (وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف)
وقال عمر بن دينار في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 206): «وأما أول من زاده ببلادنا فالحجاج»
فالخلاصة: أنه إذا احتيج إليه؛ لإعلام الناس بقرب الوقت؛ حتى يستعدوا للصلاة يكون سنة, وأما عند عدم الحاجة فأحب إلينا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر.
وما يفعله بعض الناس من كون الأذان الأول يكون بعد دخول الوقت, وقبل الأذان الثاني بدقائق, ليس هو أذان عثمان الذي كان في السوق وقبل دخول الوقت, ولا يحقق المصلحة التي راعاها رضي الله عنه، فلا يكون من جنس المصلحة المرسلة.
وأنبه في ختام هذه المسألة إلى أنها من مسائل الاجتهاد, فكلا القولين سائغ, ويجب ألا تحصل بسببها فتنة في المساجد, ومما يرفع الخلاف فيها: حكم الحاكم.
وعلى الدعاة أن يتلطفوا مع الناس ويبنوا لهم ما يرونه مشروعا بالحكمة، ويتدرجون معهم في ذلك.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بقسم أصول الدين
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب – الخمس
والمدرس المتعاون مع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (سابقا)
والمتعاون مع الجامعة الإسلامية بمنيسوتا أمريكا (سابقا)
http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/11/blog-post_92.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق