هل يجوز سجود الشكر بعد تسجيل الأهداف فرحا بها لا
بالعوض بالمحرم؟
الأقرب في الحكم المطلق لسجود الشكر هو الاستحباب؛
لمقتضى أدلة كثيرة مرفوعة وموقوفة، خلافا لما ذهب إليه المالكية في المشهور من
الكراهة..
عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
«إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا لله» سنن أبي داود (3/ 89)
وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه،
ذكره البخاري.
وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه، أنه (سجد حين وجد ذا
الثدية في قتلى الخوارج)
وذكر سعيد بن منصور (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه
سجد حين جاءه قتل مسيلمة) . انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 351)
فالأحاديث والآثار دلت على أن الوصف الظاهر الذي
علق عليه الحكم وجود ما يفرح به المسلم ويسر به فيما استجد له مما هو منتظر, وهذا
الوصف يتحقق به مقصد الشارع من تحقيق العبودية لله والخضوع والتذلل له؛ إذ إن
الفرح والانبساط للنعم قد يوقع الإنسان في الكبرياء والإعجاب بالنفس؛فناسب ذلك أن
يسجد لله خضوعا وذلا حتى يُذهب ما في نفسه من الأشر, وكذلك تجدد النعم المنتظرة
يحدث للنفس رغبة فيما عند الله وتعلق به.
وتحقيق الوصف للمقصد قد يكون قطعا وقد يكون غالبا
وقد يكون قليلا وقد لا يتحقق ومع ذلك يكون وصفا مناسبا على الأصح, كالمشقة في
السفر.
قال البغوي في شرح السنة ٣/٣١٦:(سجود الشكر سنة
عند حدوث نعمة طالما كان ينتظرها، أو اندفاع بلية ينتظر انكشافها(
فعند تجددها يقابل الفرح بها خضوع وذل لله المنعم
المتفضل، فكل النعم من الله سبحانه، ويتحقق بالسجود مقصد العبودية لله سبحانه،
والتعلق به.
ولا يشترط في النعمة الموجبة للسجود أن يعم نفعها
ويكون فيها مصلحة للمسلمين، وإنما هي متعلقة بالأفراد, فقد كان سجود كعب لأمر خاص
يتعلق به.
ولا يشترط لها الطهارة ولا استقبال القبلة ولا ستر
العورة المخففة التي تشترط للصلاة على الراجح.
وهنا يأتي السؤال، هل تسجيل الأهداف مما يشرع فيه سجود
الشكر؟
والجواب: أن التكييف الدقيق للعبة كرة القدم التي
تنظمها الدول وتكون لها منتديات أنها مباحة الأصل اكتنفتها محرمات خارجة عن أصلها,
فلحق التحريم اللعبة لما اشتملت عليه من محرمات, لا لأصلها, وهذا التكييف يفيدنا
جدا في مسألتنا؛ لأن مسألتنا ليست من المحرم لذاته ولا كان السجود لأجل المحرم
نفسه؛ إذ لا يشرع السجود لأجل معصية فرحا به..
وإذا كان كذلك فمن مقاصد سجود الشكر مقابلة الفرح
بنعمة من النعم المستجدة والانبساط لها بالخضوع والتذلل لله؛ إذ إن الفرح
والانبساط للنعم قد يوقع الإنسان في الكبرياء والإعجاب بالنفس
فناسب ذلك أن يسجد لله خضوعا وذلا حتى يُذهب ما في
نفسه من الأشر, وكذلك تجدد النعم يحدث للنفس رغبة فيما عند الله وتعلق به, كما
تقدم.
وإذا نظرنا للأهداف التي يسجلها اللاعب نجد أن
النفس تفرح بها فرحا بالغا يتردد فيها اللاعب بين إعجابه بنفسه والغرور بها وبين ما
يحدث للنفس من افتقار إلى خالقها وحاجتها إليه؛ فناسب ذلك أن نقول بجواز سجود
الشكر عند تسجيل الأهداف فرحا بها لا بالعوض المحرم.
لكن الأمر الذي قد يشكل ما يصاحب لعبة كرة القدم
من أمور محرمة كالقمار وإشغال المسلمين عن واجباتهم إلى غير ذلك.
ويجاب عن ذلك بما ذكرناه من تكييف للعبة كرم القدم
وهو أن أصلها مباح إلا أنه صاحبها محرمات خارجة عن أصل اللعبة, فأمكن انفكاك الجهة
إذا لم تكن المحرمات هي مقصودة للاعب، فتكون جهة السجود غير جهة ما يصاحب كرة
القدم من محرمات، بمعنى أن جهة الطاعة غير جهة المعصية، فجهة الطاعة: سجود
الشكر لوجود سبب مباح، وجهة المعصية: ما صاحب لعب الكرة من أمور محرمة، وكونها
منفكة؛ لأن السجود من حيث هو سجود طاعة إذا وجد سببه، وكونه وقع من لاعب صاحب لعبه
أمور محرمة معصية.
وهذا إذا لم يكن الباعث
على الفرح بتسجيل الهدف الحصول على المحرم كالعوض.
وقد منع طائفة من أهل العلم سجود الشكر بعد تسجيل
الأهداف؛ بعلة أن تسجيل هدف لا يعد نعمة حقيقية وإنما هي نعمة في ظن اللاعب.
ويجاب عن هذا: أن سجود الشكر معلق بما استجد
للمسلم من أمر يفرحه منتظر، فشُرع له السجود تحقيقا لمقاصد شرعية
وهذا المناط وما يترتب عليه من تحقيق مقصود
الشارع: موجود في تسجيل اللاعب الهدف بغض النظر عن كون هذا الأمر فيه منفعة
للمسلمين أو لا، وهل هو نعمة حقيقية أو لا؟
فقد وردت الآثار بتعليق السجود على نعم خاصة، كما
في سجود كعب لما بشر بتوبته< ولأنه لوحظ في مشروعية السجود مقاصد.
فالسبب الذي علق عليه السجود هو فرح المسلم بما
استجد له مما كان منتظرا, فلو أن مسلما رزق بيتا بعد فقر وحاجة كان هذا الفرح بما
استجد له داعيا شرعا إلى سجود الشكر.
والخلاصة: يجوز للاعب أن يسجد بعد تسجيله الهدف
الذي فرح به لا بالعوض عنه؛ خضوعا لله وتعلقا به, مع أني أقر بقوة حجة من منع.
وبما أن سجود الشكر
للاعبين جائزا فيصح أن يكون وسيلة لدعوة الكفار إلى التعرف على الإسلام والدخول
فيه
فمادام أنها تحقق مقصد
الشارع من تحقيق العبودية لله في الأرض ووسيلة من وسائل إبلاغ دين الله للناس
فتكون سائغة.
وقد كان لها أثر في دخول
بعض الكفار إلى الإسلام.
والأقرب عندي في وسائل الدعوة التي لم يأت الشرع بإثباتها ولا
بنفيها أنها اجتهادية، وليست توقيفية؛ فيكون المرجع فيها إلى تحقيق المقصود من غير
مفسدة راجحة
ذلك أن الله أمر
بالدعوة وإبلاغ شرع الله أمرا مطلقا من غير أن يحدد وسيلته، كما قال تعالى:[يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك]
فلما لم يعين وسيلة دل
على أن مقصد الشارع في الدعوة التوسعة من جهة الوسائل وعدم التضييق، وهذا يقتضي
استخدام كل وسيلة يتحقق بها مقصود الشارع.
ومن هذا الوجه تكون كل
وسيلة يتوقف عليها الإبلاغ والهداية مأمورا بها؛ لأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو
مأمور به، والأمر بالشيء أمر بلوازمه.
وأما لا يتوقف عليها
الإبلاغ وكانت محققة لمقصد إنزال القرآن فإنها تأخذ حكم المقصد؛ لأنها مباحة الأصل
ليست مقصودة لذاتها وإنما تفعل ليتوصل بها إلى المقصود لذاته.
وليس منه ما كان من الوسائل
محرم؛ لاشتمالها على محرم، أو كانت تفضي إلى محرم، أو كانت من جنس التشريع الذي لا
يكون إلا لله.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق