هل من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان يجب عليه القضاء؟
سمعت مقطعا لمولود #السريري -هداني الله وإياه- يجهل فيه أهل هذا العصر -هكذا عبر- ممن يقولون بأن من أكل أو شرب ناسيا في رمضان ليس عليه قضاء!!
وأخذ يتهمهم أنهم إذا وجدوا خبرا جعلوه محل الحكم دون النظر إلى الأدلة الأخرى وهو جهل في مسالك النظر...
فصور لمتابعيه أن من قال بعدم القضاء لم ينظر لعموم الأدلة ولا عنده علم بمسالك النظر, ويقول: إن مسلك الفقه قد عطل, ولهذا ظهرت مثل هذه الفتاوى التي يفتي بها من أرباب هذا المسلك الضعيف!!
والإنسان يعجب من هذه الجرأة المذمومة!!
وكأن الفقه لا يدركه إلا هو, وليت هذا التنقص يقف عند أهل هذا العصر, بل قد يتعدى إلى كل من أفتى بعدم القضاء, وهو قول أبي هريرة ، وابن عمر ، وعطاء ، وطاوس ، وابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وإسحاق. انظر: المغني لابن قدامة (620) (4/ 367)0
وقال الترمذي في جامعه (2/ 92): (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق.
وقال مالك بن أنس : إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء ، والقول الأول أصح).
قد يسأل سائل ما النظر الصحيح عند السريري والذي زعم أنه قد تعطل؟
خلاصة مسلكه: أن القياس عنده أن السهو لا يرفع التكليف, والقول بعدم قضاء من سها ونسي فأكل هو على خلاف القياس؛ إذ إنه لا يطرد في بقية الأبواب.
هذا ملخص النظر عنده, والذي لأجله جهَّل واتهم وطعن!! ولم يأت فيه بشيء جديد!!!
وجوابه:
أولا: نمنع أن يكون القول بعدم القضاء على من أكل أو شرب ناسيا على خلاف القياس
وما ذكره قد يصح لو كان الأكل في الصيام من باب ترك المأمور؛ إذ إن منشأ الغلط عنده ظنه أن الأكل في الصيام من باب ترك المأمور فلا تبرأ الذمة بتركه سهوا ونسيانا, كالنية في الصيام
ولكن الأكل في الصيام-على الراجح- من باب فعل المحظور, وكل من فعل محظورا سهوا أو نسيانا تبرأ ذمته ولا يطالب بالقضاء.
ثانيا: لو سلمنا أن عدم القضاء من باب ترك المأمور وأنه عدول عن موجب القياس, إلا أنه عدول عن موجب القياس إلى موجب النص, فكان ترك العمل بموجب القياس للعمل بموجب الحديث استحسانا, فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) قال الدارقطني: إسناد صحيح وكلهم ثقات. سنن الدارقطني (2/ 178)
وفي صحيح ابن خزيمة (3/ 239) عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفطر في شهر رمضان ناسيا، لا قضاء عليه ولا كفارة»
ثالثا: أصل وجوب الصيام لا يتعارض مع عدم القضاء لمن أكل أو شرب ناسيا, فعدم القضاء لعارض النسيان لا ينافي أصل الوجوب.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من نسي وهو صائم ، فأكل ، أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه). صحيح مسلم (3/ 160)
ففيه الأمر بإتمام الصوم الذي كان قبل الأكل والشرب, ولما كان الصوم قبل الأكل صوما شرعيا صحيحا مجزئا وأمر بإتمامه عُلم أن الصوم بعد الأكل صوم صحيح شرعي مجزئ, فحمله على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على صورة الصوم,
بمعنى أنه أمر بإتمام ما ثبتت صحته وكان صوما شرعيا, والأكل العارض معفو عنه كأنه لم يقع؛ بدليل أن التعليل بكون الله أطعمه وسقاه يقتضي أن فعل الأكل لم يصدر بقصد ولا عمد من العبد فلم يتعلق بالفعل حكم ولا مؤاخذة فبقي الصوم على ما كان عليه, ولو كان الصوم فاسدا لأضاف الإطعام إلى العبد؛ ليكون مناسبا لفساد صومه.
قال الماوردي في الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي (3/ 431): (فلما أمره بإتمام صومه دل على أنه لم يفطر، ولأنها عبادة يفسدها الأكل عامدا فوجب أن لا يفسدها الأكل ناسيا كالصلاة، إذا أكل فيها لقمة ناسيا)
ثم لو كان ما أمر بإتمامه غير مجزئ مع كونه محل السؤال لأمر بالقضاء؛ ذلك أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
والخلاصة: أن عدم قضاء من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان موافق للقياس
وتقتضيه مقاصد الشريعة؛ لأنه من التيسير ورفع الحرج, فالأكل والشرب مما يقتضيه الطبع, ونسيانه لا يمكن دفعه إلا بمشقة وحرج.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق