هل المصلحة الشرعية تقتضي التزام المؤسسات الإفتائية في البلدان الإسلامية بمذهب فقهي واحد أو
لا؟
واقع المؤسسات الإفتائية في البلدان الإسلامية بين اعتماد مذهب فقهي واحد تعتمد عليه في الفتوى وبين عدم اعتماد مذهب فقهي واحد في الفتوى وإن كانت تنتسب في الترتيب العلمي إلى مذهب فقهي واحد، من غير أن تخرج إلى الأقوال الشاذة وضعيفة المدرك.
وحتى نصل إلى ما تقتضيه المصلحة الشرعية الراجحة فهذا يستوجب منا أن نذكر ما ذكره أصحاب هذين الاتجاهين من مصالح ومفاسد:
١-أصحاب اتجاه التزام المؤسسة الإفتائية بمذهب واحد تعتمد عليه في الفتاوى
يرون أن ذلك يحقق مصلحة:
-انضباط الناس على قول واحد.
-انضباط الفتوى بانضباط المذهب في أقواله.
-عدم تعدد الآراء والاجتهادات.
٢-أصحاب اتجاه عدم التزام المؤسسة الإفتائية بمذهب واحد تعتمد عليه في الفتوى
يرون أن ذلك يحقق مصلحة:
- تحقيق مصالح الناس بحسب زمنهم وحالهم وعرفهم في الأحكام المتغيرة.
-عدم التحجير على الناس والتضييق عليهم فيما يتعلق بحاجياتهم وما تعلق بنوازلهم.
-عدم التضييق على الناس فيما قصد الشارع فيه التوسعة.
-مواكبة مستجدات العصر وما توسع فيه الناس بما لا يجعلهم في حرج ولا يخرج عن أصول الشريعة وصحة الاستدلال ومن غير إحداث قول جديد فيما تكلم فيه المتقدمون.
والصواب من الاتجاهين هو الاتجاه الثاني؛ لأن المصالح التي ذكروها هي مصالح اعتبرها الشرع وأجرى عليها أحكاما
ولم يلزم منها مفاسد راجحة
وأما من تجرأ على الفتوى فأفتى بغير علم وادعى إعمال الأدلة والقواعد أو تتبع الرخص والشواذ فقد أغلقت الشريعة هذه المفسدة بالترهيب من التقول على الله بغير علم وترتيب العقوبة عليه والتحذير من تتبع الرخص...
بقي أن نبين أن المصالح التي ذكرها أصحاب الاتجاه الأول هي مصالح ملغاة قي الشريعة، ويترتب على اعتبارها مفاسد راجحة ...
ومن تلك المفاسد:
-إلزام المفتي أن يفتي بما يغلب على ظنه أنه ليس هو حكم الله في المسألة.
- التضييق على الناس فيما وسعه الشارع.
-عدم إمكانية الالتزام بمذهب واحد في المسائل المستجدة المتعلقة بالاقتصاد والأمور المالية المعاصرة؛ مما ينقض عليهم ما ذكروه من مصالح.
-التزام مشهور المذهب تارة والخروج عنه تارة أخرى؛ بدعوى تغير أحوال الناس وما يقتضيه القول من إيقاع العبد في الحرج الشديد ونحو ذلك؛ مما ينقض أن الاعتماد على مذهب واحد لا مفسدة فيه.
والذي أوصي به هو عدم الاعتماد على مذهب واحد في المؤسسة الإفتائية مع التشديد في أهلية المفتين
ولا يفتي في النوازل والمستجدات إلا مجموعة تتوفر فيهم أهلية الاجتهاد على اختلاف تخصصاتهم وفنونهم يتم تعيينهم بالنظر إلى أهليتهم...
وعدم التقيد بمذهب واحد يمكنهم من إعمال الأدلة والنظر في دلالتها وتحقيق مناطاتها والنظر في مقاصد الشريعة من غير أن يكون المذهب سببا للجمود عليه...
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق