الاستغاثة بغير الله
[محل البحث في الاستغاثة التي يجامعها غاية الخضوع والافتقار لا مطلق الاستغاثة بغير الله]
الاستغاثة بالمخلوق نوع طلب مباشر من غير الله
والمعنى الذي روعي في الدعاء والاستغاثة هو إظهار الذل والاخضوع والانكسار الذي لا يكون إلا لله -وهو غايته- وما يصحب ذلك ويقارنه من تعلق القلب بغير الله وقيام غاية الخضوع به..
وهذه هي سمة التعبد وركنه
وجزء ماهيته...
ولما كانت حقيقة الاستغاثة لا تنفك عن هذا المعنى كانت عبادة...
والحكم على هذا النوع بالشرك الاكبر لمن صرفه لغير الله هو من ضرورة الشرع، فهو ينافي المقصود الأعظم للشريعة وهو تحقيق العبودية لله وحده، وفي هذا النوع من الاستغاثة صرف نوع من أنواع العبودية لغير الله
ولما كان ذلك متقررا في قلوب الصحابة وعلمهم لم يستغث أحد منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهم يعلمون علم يقين أن هذا النوع من الاستغاثة مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه شرك؛ لتحقق صرف كمال الخضوع والتذلل الذي قارن الطلب من غير الله .
وأنبه هنا أنه قد توجد صورة الاستغاثة ولا توجد حقيقتها فلا تكون عبادة،
إذ لا يلزم من وجود صورة الاستغاثة وجود حقيقتها........
وتوجد صورة الاستغاثة في الطلب من حي حاضر قادر يسمع
فهذه الصورة لا يوجد معها الافتقار والذل الذي لا يكون إلا لله ولا هو من جزء ماهيتها
وهي جائزة
وجواز هذه الصورة من ضرورة طبيعة البشر واتخاذ بعضهم بعضا سخريا، ومن ضرورة التعايش فيما بينهم.
وقد خلط بعض المجوزين للاستغاثة بغير الله من القبوريين بين صورة الاستغاثة التي هي جائزة وبين حقيقة الاستغاثة التي هي شرك الأكبر؛ فيستدل على جواز الثانية بالشواهد والأدلة التي تدل على جواز الأولى، وهذا من تغاير المحل بين المقدمات والنتيجة المطلوب الوصول إليها.
وبعضهم أخرج حقيقة الاستغاثة عن تضمنها للتعبد بإضافة قيد أجنبي في حقيقة العبادة وهو اعتقاد الربوبية في المستغاث به!!
فحرف مفهوم العبادة والتعبد؛ ليسلم له تجويز الاستغاثة الشركية!!!
ومعلوم من دلالة النصوص الشرعية وفقه السلف أن اعتقاد الربوبية ليس جزءا من حقيقة العبادة ولا هي متضمنة فيها.
وبعضهم بنى جواز الاستغاثة على نفي تأثير الأسباب في مسبباتها
بمعنى أن المستغيث عندما يطلب من المستغاث به فهو في الحقيقة يطلب من الله ولا يعتقد في المستغاث به التأثير، وإنما هو علامة فيتحقق المطلوب عنده لا به!!
وفي هذا إبطال ما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام من جعل الله للأسباب قوة التأثير في المسببات، فخلق في بعضها من القوى الطبيعية ما يكون مؤثرا في الشيء كما خلق في الأكل ما يكون مؤثرا لسد الجوع، وجعل النبات إنما يكون بالماء
وإبطال أيضا لما يعلم من ضرورة الشرع من إبطال شرك العرب واستغاثتهم بالأصنام مع عدم اعتقادهم استقلاليتها بالتأثير.
فإن قيل: الاستغاثة بغير الله من باب المجاز العقلي
بمعنى أن إضافة الاستغاثة إلى المخلوق من باب الاسناد الفعل إلى غير من يقوم به كقول القائل بنى الأمير القصر.
فأسندت الاستغاثة إلى المخلوق والمقصود بها الخالق...
قيل: يلزم منه نفي ما علم بالضرورة من الشرع من كفر مشركي العرب ووقوعهم في الشرك؛ بسبب الاستغاثة بالأصنام ودعائها من دون الله، ولم يحمل فعلهم على المجاز العقلي
وينافي أيضا ما علم بضرورة الحس من وقوع من يستغيث بغير الله من المسلمين في غاية الخضوع والذل لصاحب القبر أو للمستغاث به، وأن إسناد الفعل إليه حقيقي لا مجازي.
ثم إن هناك فرقا بين الحكم على فعل الاستغاثة وبين الحكم على الفاعل، فلا ينظر في الحكم على الفعل إلا إلى حقيقة الفعل فإذا وجد في الفعل طلب من المخلوق مع غاية الخضوع والذل تحقق فيه معنى الاستغاثة وأما في الحكم على الفاعل فينظر إلى مقصوده ومراده.
والبحث في المسألة يطووول
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق