[هل العبرة في تصحيح المذاهب العقدية بالبرهان والدليل أو بالكثرة والقلة؟]
من أعظم الشبه التي يستمسك بها من يصحح عقيدة الأشاعرة أو يسوغ الخلاف معها هي
أن كثيرا من شراح الأحاديث والمفسرين ومن اعتنى بالمذاهب الفقهية الأربعة: أشاعرة
حتى بالغ بعضهم فقال جميع الشراح وأكثر العلماء...
[يعني واحد دخل إلى مدرسة فيها أربعة عشر فصلا فدخل إلى ثلاثة فصول منها فوجد أن أغلب من فيها من الجنسية المغربية
فجاء وقال المدرسة أكثر طلابها مغاربة !!
أو وجد أن أكثر الناجحين في الفصلين هم المغاربة
فقال أكثر الناجحين في المدرسة كلها المغاربة!!
قال وهذا يدل على أن طريقة المغاربة أحسن وأضبط؛ لأن أكثر من في المدرسة مغاربة أو أكثر الناجحين فيها مغاربة...
فكانت حجته في الأحسن والأضبط هي الكثرة
مع أن بقية الفصول أغلب من فيها من ليبيا مثلا وأكثر الناجحين فيها من ليبيا
ومجموع المغاربة في كل الفصول بالنسبة إلى مجموع الليبين لا تذكر لقلتها [حتى في الكثرة لم يستعمل طريقة صحيحة]
وسواء قلنا إن المغاربة أكثر أو الليبين أكثر فهذا لا يدل وحده على حسن الطريقة، ويرد عليهم النجاح بطريقة الغش أو بطريقة فيها طول وتعقيد...]
مثال تقريبي فقط
والجواب العلمي:
لا يشك منصف مطلع على الأدلة ومشاهد للواقع وقارئ للتاريخ أن الكثرة في نفسها ليست معيارا للحق وصواب المعتقد
فكم نسبة المسلمين إلى غيرهم من الكفا ر؟!!
والنبي صلى الله عليه وسلم جعل علامة الحق قلة أهله لا كثرتهم [لا تزال طائفة من أمتي على الحق]
وحتى ابن عساكر يقول في كتابه تبيين كذب المفتري :(فإن قيل: إن الجم الغفير في سائر الأزمان وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري ولا يقلدونه، ولا يرون مذهبه، وهم السواد الأعظم، وسبيلهم السبيل الأقوم
قيل لَا عِبْرَة بِكَثْرَة الْعَوام وَلَا الْتِفَات إِلَى الْجُهَّال الغتام..)
ولذا توجهت أنظار المستمسكين بهذه الشبهة إلى تقييد الكثرة بأهل العلم والمشتغلين بعلوم الشريعة، ولسان حالهم يقول: كيف لأخص الناس وهم المشتغلون بأشرف العلوم -وهي العلوم الشرعية-أن يضلوا في باب العقيدة وهم كُثُر؟!
وهنا يرد عليهم سؤال: هل الأشاعرة كانوا أكثر علماء الأمة في جميع القرون من قرن الصحابة إلى يومنا هذا أو كانوا أكثر في بعض القرون دون بعض؟
وإذا كانوا أكثر في بعض القرون دون بعض فما سبب كثرتهم؟
وجواب هذا السؤال ينبني على معرفة سبب انتشار المذهب الاشعري حتى اعتنقه من اعتنقه من أهل العلم..
انتشرت العفيدة الأشعرية في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس باعتناق بعض الملوك ووزارئهم لها (قوة الحاكم وسلطانه)
قال ابن عساكر:(...وولي ابنه آلب أرسلان، واستوزر الوزير الكامل والصّدر العالم العادل أبا علي الحسن بن علي بن إسحاق، فأعزّ أهل السنة(يعني لأشاعرة؛ لانه أشعري) وقمع أهل النفاق، وأمر بإسقاط ذكرهم من السبّ وإفراد من عداهم باللعن والثلب، واسترجع من خرج منهم إلى وطنه، واستقدمه مكرَّما بعد بعده وظعنه، وبنى لهم المساجد والمدارس، وعقد لهم الحلق والمجالس، وبنى لهم الجامع المنيعي في أيام ولد ذلك السلطان)
وقد كان لأبي ذر الهروي أثر كبير في نشره في الحجاز وفي دول المغرب والاندلس
وقد أقام بمكة وكان يأتيه الطلاب في الحج والعمرة يأخذون عنه، وممن أخذ عنه أبو الوليد الباجي وابن العربي...
ولم يكن تأثيرهم عاما في بلاد المغرب، وإنما فرضه بعد ذلك ابن تومرت بقوة السلاح بعد دولة المرابطين
وكذا انتشر بالقوة في مصر على يد الدولة الأيوبية ...
فكما تلاحظون أن تبني الدول لها ساهم في نشره، كما أن بناء المدارس الرسمية وإسناد التدريس فيها للأشاعرة وتولية أصحاب هذا المذهب القضاء من القرن السادس تقريبا
كان له أثر في تنشئة كثير من أهل العلم عليه، فالبيئة مؤثرة، وحماية الدولة له ساهم في انتشاره حتى نشأ عليه كثير من شراح الحديث والمفسرين ووو بعد القرن الرابع
خصوصا إذا استحضرنا الجمود قي هذه القرون والتقليد...
وبهذا يظهر الجواب على من يقول كيف لعالم فاضل أن يعتقد اعتقادا باطلا؟
أضف إلى ما تقدم أن الله لم يعصم آحاد العلماء أن يقعوا في باطل ولو كان في العقيدة
وكم من عالم شهد العلماء له بتبحره في باب من أبواب الشريعة وهو على اعتقاد فاسد كأن يكون على معتقد المعتزلة أو أخطأ في مسألة عقدية أصلية!!...
ولا يخفى عليكم حماد بن سليمان وأبو حنيفة والطحاوي ووو
إذا تقرر هذا تقرر معه أنه لا حجة فيما نشأ عليه أهل العلم بعد القرن السادس بحماية الدولة وقوتها وإن اعتنوا بالحديث والتفسير وشتى أنواع العلوم الشرعية...
لأنه قد عرف سبب اعتناء هذا الكم من الشراح والمفسرين وغيرهم بالعقيدة الأشعرية. مع ظهور التقليد والجمود..
ولو كانت هذه الأسباب موجبة لتصحيح المذاهب العقدية
لتغير الاعتقاد الصحيح بتغير كثرة من يعتنقه في كل عصر من العصور...
ففي عصر غلبة علماء المعتزلة وكثرتهم يكون الاعتقاد الصحيح اعتقاد المعتزلة، وفي عصر غلبة علماء الرافضة وو!!
وهذا لا يقول به من يدري ما يقول...
ولذا كانت العبرة في تصحيح المعتقد بما اعتنقه الصحابة ومن سار على نهجهم من التابعين وتابعي التابعين، فهي القرون التي مدح النبي صلى الله عليه وسلم أهلها، وعصم الصحابة بجملتهم من الوقوع في الضلالة..
فكان الاستدلال بكثرة من اعتنق الأشعرية في القرون المتأخرة غلطا لأمور:
الأول: أن العبرة في تصحيح العقائد بالنظر إلى دلالة الأدلة الشرعية وما كان عليه الإجماع الأول.
الثاني: أن العقائد التي انتشرت بقوة السلاح ونشوء الصغير عليها بعد استقرارها لا يدل على صحتها؛ لقوة تأثير البيئة عليهم، وتغير البيئة بتغير القوة الحاكمة.
الثالث: ان القرون التي أثنى عليها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي التي ينظر إليها وتكون محل اعتبار في صحة المعتقد
ولا يتصور ممن أثنى الله عليهم أن يعتقدوا في جملتهم خلاف الحق، بخلاف من جاء بعدهم فيتصور من أكثرهم أن يعتقدوا اعتقادا خاطئا؛ لأن الله لم يعصمهم، ولم يمدح الكثرة بل لم يثن الله إلا على القلة بعد القرون الثلاثة [لا تزال طائفة من أمتي على الحق ...]
الرابع: لو نظرنا إلى العلماء في جميع القرون لوجدنا أن نسبة الأشاعرة فيهم قليلة...
فتبين لنا بوضوح أن العبرة في العقائد بدلالة الأدلة الشرعية وما كان عليه أهل القرون الثلاثة وأخصهم قرن الصحابة
وليست العبرة بكثرة من اعتنق معتقد ما بعد القرون الثلاثة...
كيف وهم(الأشاعرة) ليسوا أكثر علماء الأمة ولا أعظمهم اجتهادا وإتقانا؟!!
وأما اشتغالهم بنصرة الدين في جانب من الجوانب وأن منهم مجاهدين نصروا الإسلام فإن هذا لا يدل بحال على صحة معتقدهم، فليس من لازم نصرة دين الله أن يكون على اعتقاد صحيح او وليا لله...
ومن أثبت التلازم فقد جهل دلالة النصوص والواقع التاريخي...
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق