مدارسة أصولية فقهية
حكم #الوضوء_من_أكل_لحم_الإبل
[الخلاصة: ينقض الوضوء على الراجح]
عن جابر بن سمرة، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فتوضأ من #لحوم_الإبل» قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» أخرجه مسلم
المعنى الذي راعاه السائل في السؤال هو نقض الوضوء, لا مطلق الوضوء,
وقرنه الوضوء بالصلاة في سياق واحد يؤكد أن سؤاله كان عن الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي.
هاتان المقدمتان تقتضيان أو توجبان
وجوب الوضوء من أكل لحم الأبل
وتمنعان من حمل الأمر بالوضوء على الاستحباب أو على غسل اليدين والمضمضمة...
والخطاب الموجه للواحد موجه للأمة إلا بدليل...
بمعنى أن السائل لم يسأل عن مجرد الوضوء؛ حتى يحمل على الاستحباب, أو على غسل اليدين, وإنما محل سؤاله عن نقض الوضوء, وما كان ناقضاً للوضوء وجب الوضوء منه, ولذا جاء الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم بالتخيير في لحم الغنم والأمر بالوضوء في لحم الإبل؛ مما يدل على أن الأمر بالوضوء في لحم الإبل ليس لمجرد الإذن بل للطلب الجازم.
والفرق في الحديث بين لحم الإبل ولحم #الغنم لا يثبت إلا بإيجاب الوضوء في لحم الإبل ونفي الإيجاب في لحم الغنم...
فنفي الإيجاب في لحم الغنم يقتضي الإيجاب في لحم الإبل.
واختصاص لحم الإبل بالنقض من بين المأكولات هو من باب الخروج بالمسألة عن نظائرها لمقتضي الدليل الخاص.
وليست العلة أنه مسته النار؛ بدليل التفريق في الحديث بين لحم الغنم ولحم الإبل, وقد مستهما النار, وإنما لحم الإبل ينقض الوضوء لكونه لحم الإبل، لا لكونه مسته النار, وهذا يقتضي نقضه للوضوء سواء أُكل نيئا أو مطبوخا,
وكونه يقتضي وجوب الوضوء سواء كان نيئا أو مطبوخا يمنع من كون وجوب الوضوء منسوخا, والمعنى الذي أوجب الوضوء منه نيئا يدل على أن العلة ليست هي مس النار.
وهل العلة تعبدية أو معقولة المعنى؟ قولان...
وعليه فلا يَرِد القول بالنسخ؛ استدلالا بقول جابر رضي الله عنه: " «كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار» " رواه أبو داود وغيره.
ولأنه ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما يحكي جابر ما رآه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة معينة, لا في عموم أحواله صلى الله عليه وسلم, ومحلها لحم الغنم, قال النووي: (رواه أبو داود وغيره عن جابر قال (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى امرأة من الأنصار فقربت شاة مصلية, (أي مشوية) فأكل وأكلنا فحانت الظهر فتوضأ ثم صلى ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل ثم حانت صلاة العصر فصلى ولم يتوضأ) قالوا فقوله آخر الأمرين يريد هذه القضية وأن الصلاة الثانية هي آخر الأمرين يعني آخر الأمرين من الصلاتين لا مطلقا: وممن قال هذا التأويل أبو داود السجستاني) المجموع شرح المهذب (2/ 58)
ومن نقل عن الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم وخلط بين مسألة نقض الوضوء من أكل لحم الإبل ومسألة عدم الوضوء مما مست النار.
إلا أن #الجمهور حملوا التفريق بين لحم الغنم ولحم الإبل على وجود دسومة في لحم الإبل دون لحم الغنم, فناسب ذلك أن يتوضأ من لحم الإبل إما على جهة الاستحباب أو على جهة حمل الوضوء على غسل اليدين والفم...
ويجاب عن ذلك بأن وجود الدسم ليس موجبا للوضوء في الشريعة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنا فمضمض وقال: إن له دسما» ",
وكون الإبل فيها زيادة دسومة لا يلزم ذلك اختصاصها بنقض الوضوء.
سؤال: من قال من الأئمة بنقض الوضوء من أكل لحم الإبل؟
القول بنقض الوضوء من لحم الإبل: حكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة: زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة, وحكاه ابن المنذر عن جابر بن سمرة الصحابي ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة واختاره أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر
وهو: مذهب الشافعي في القديم رجحه البيهقي والنووي, وهو مذهب أحمد, خلافا للجمهور [انظر: المجموع شرح المهذب (2/ 57)]
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار