حكم صيام يوم السبت
ورد حديث ينهى عن صوم يوم السبت ولفظه: "لا تصوموا
يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"
واختلف في صحته وضعفه: فقد ضعفه الزهري وقال: هذا حديث
حمصي, وقال مالك: هذا كذب.
وقال أبو داود: هذا حديث منسوخ,
وصححه جماعة.
وسأتجاوز الكلام عنه حديثيا وإنما سأتكلم عنه فقهيا,
فأقول: ظاهر الحديث النهي عن مطلق النفل؛ لاستثناء الفرض, واستثناء الفرض يدل على
تناول النهي إلى كل ما عدا الفرض, فالاستثناء دليل العموم, وليس النهي خاصا
بإفراده؛ لأنه لو كان النهي خاصا بإفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه.
لكن بالنظر إلى الأحاديث الأخرى المعارضة
له:
ومنها:
حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ "
قالت: لا، قال " أتريدين أن تصومي غدا؟
وحديث
أبي هريرة: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو
يوم بعده»
ومنها: أنه كان يصوم شعبان وفيه يوم السبت.
فهذه الأحاديث مع المقصود من استثناء الفرض تقتضي
أن يحمل حديث النهي - على التسليم بصحته- على قصد صيامه بعينه إلا في الفرض, فمعنى
قوله: "لا تصوموا يوم السبب" أي قاصدين صيام يوم السبت؛ تعظيما له.
فاستثناء الفرض؛ لأجل زوال قصده, وهذا يدل على
استثناء كل ما يزيل قصد هذا اليوم, فمن صامه فرضا إنما صام للفرض لا لكونه يوم
السبت.
ومما يدخل في استثناء كل ما يزيل قصده:
1-صيام ذوات الأسباب كأن يأتي يوم عرفة أو
عاشوراء يوم السبت.
فالصائم يوم عرفة صام لأجل السبب ولم يتطوع
تطوعا مطلقا ولو لم يصمه لفاته مصلحة صومه.
ثم
إن النهي كان لسد ذريعة مشابهة اليهود وصيام ذوات الأسباب إنما يصومها الصائم لأجل
السبب ولا يفعلها مطلقا فتمتنع فيه المشابهة.
وهذا
شأن كل ما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
2-أن يوافق عادة.
فهو
إنما صام لكونه وافق عادته لا لكونه يوم السبت.
أما صيامه مقرونا بغيره فهو داخل في عموم
النهي إلا أن الأحاديث المتقدمة أخرجت هذه الصورة.
والخلاصة: أن عموم النهي خرج منه صور,
والمخرِج منه ما هو متصل ومنه ما هو منفصل.
أما الصور التي خرجت بالمخرج المتصل وهو
الاستثناء: فالفرض باللفظ, وما وافق عادة أو كان نفلا من ذوات الأسباب بالمعنى.
وأما الصورة التي خرجت بالمخرِج المنفصل وهو
دليل مستقل أن يقرن بيوم قبله أو بعده.
فبقي النهي في النفل الذي لا يوافق عادة ولا
يكون له سبب, ولا يقرن بغيره, وهو: أن يقصد يوم السبت بصيام نفل مطلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق