حكم صلاة
العيد في البيت
في ظل
وباء (
#فايروس_كورونا )
د. أحمد بن محمّد النّجار
محاضر في كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن صلاة العيد شرعت في المصلى
وما يحقق مقصود شرعيتها وإظهار كونها شعيرة, واعتبار المكان الذي يتحقق فيه
الاجتماع ومقصود الشارع من شرعيتها في صلاة العيد أولى من اعتباره في صلاة الجمعة,
ولذا أمر النساء بالخروج, والسنة أن تقام الصلاة في موضع واحد من المصر؛ لتظهر قوة
الإسلام وشعائره, ويتحقق مقصود اجتماع الكلمة والائتلاف.
وحيث إنه
ثبت طبيا أن الاجتماعات سبب لانتشار وباء فايروس كورونا استجدت نازلة وهي صلاة
العيد في البيت مع عدم قيامها في البلد, فكان لزاما على أهل العلم أن يبينوا
الحكم.
وصلاتها
في البيت له حالان:
الحال
الأولى: أن تفوت صلاة العيد شخصا أو أشخاصا ممن هم أهلها بعد إقامتها في البلد في
مكانها.
وهذه
المسألة ليست هي محل النازلة, وقد تكلم الفقهاء قديما في كتبهم عن حكم صلاتها في البيت,
فمنع من ذلك الحنفية, وجوزها الشافعية, وقال مالك: من وجد الناس قد انصرفوا يوم العيد فلا أرى
عليه صلاة، وإن صلى في المصلى، أو في بيته فلا بأس.
وفي
رواية عن أحمد يصلي وحده أربعا بلا تكبي, وهو ما روي عن ابن مسعود أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات وحده بدون
جماعة, قال ابن رجب في فتح الباري: (ولا عبرة بتضعيف ابن المنذر له؛ فإنه روي
بأسانيد صحيحة).
. تنبيه في مذهب مالك: أن صلاة العيد كصلاة الجمعة في اشتراط الجماعة حتى
تقع سنة، وأما من فاتته فيندب له فقط. [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
(1/ 270)]
وحجة
المانعين: أن صلاة العيد لم تشرع إلا في جماعة في مكان مخصوص وراء إمام البلد
ونحوه, فهيي لم تعرف قربة وعبادة إلا بهذه الصفة, وصلاتها في البيت خروج بها عن
صفتها المشروعة, فتكون مردودة.
ولأن العيد يجري مجرى الجمعة؛ بدليل اشتراط ما يشترط في
الجمعة.
ولأنها صلاة شرعت لها الخطبة فلا يفعلها
المسافر والمنفرد كالجمعة.
وحجة المجوزين: فعل أنس, الذي سيأتي ذكره, وقياسا على
سائر النوافل.
الحال الثانية: ألا تقام في البلد صلاة العيد في مكانها؛
للجائحة أو الحروب, فهنا يصليها أهل البيت على صفتها جماعة أو أفرادا إن لم يكن
هناك عدد؛ حفاظا على مصلحة صلاة العيد, فقد جاء عن أبي هريرة عند أبي داود أنه قال:
(أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد في المسجد)
فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن المصلى إلى المسجد عند
قيام عذر المطر؛ لوجود المشقة؛ حفاظا على مصلحة صلاة العيد؛ لأنها تفوت إن لم تفعل,
فدل ذلك على تقديم مصلحة صلاة العيد مع وجود المشقة, وأولى أن تقدم مع وجود
الضرورة.
ولأن لصلاتها في البيت أصلا من فعل السلف, فقد أخرج
عبد الرزاق في المصنف عن هشيم، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن جده أنس بن
مالك: «أنه كان يكون في منزله بالزاوية، فإذا لم يشهد العيد بالبصرة جمع أهله
وولده ومواليه، ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فصلى بهم ركعتين»
وعلقه
البخاري بلفظ( كان يجمع أهله وبنيه فصلى بهم كصلاة أهل المصر وتكبيرهم)
وأنس لم يفته في المصر بل كان ساكناً خارجاً من المصر بعيداً
منه، فهوفي حكم أهل القرى.
وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد -في رواية عنه. [انظر: فتح
الباري لابن رجب (9/ 76)]
والاستيطان شرط لوجوبها لا لصحتها.
وأخرج
أبوبكر بن أبي شيبة في المصنف فيمن فاتته الصلاة: عن عطاء ، قال : يصلي ركعتين
ويكبر.
وعن
إبراهيم ، قال : إذا فاتتك الصلاة مع الإمام فصل مثل صلاته .
وقال
إبراهيم : وإذا استقبل الناس راجعين فليدخل أدنى مسجد ، ثم ليصل صلاة الإمام ، ومن
لا يخرج إلى العيد ، فليصل مثل صلاة الإمام.
وعن
حماد ؛ فيمن لم يدرك الصلاة يوم العيد ، قال : يصلي مثل صلاته ، ويكبر مثل تكبيره
وسئل
أبا إسحاق عن الرجل يجيء يوم العيد وقد فرغ الإمام ؟ قال : يصلي ركعتين.
وتصلى على صفة صلاة العيد فيكبر في الركعة الأولى: سبع
تكبيرات, وفي الثانية: خمس, ويمتد وقتها إلى زوال الشمس.
وأما
ما روي عن علي في مصنف ابن أبي شيبة عن حنش، قال: قيل لعلي بن أبي طالب: إن ضعفة من ضعفة
الناس لا يستطيعون الخروج إلى الجبانة «فأمر رجلا يصلي بالناس أربع ركعات، ركعتين
للعيد، وركعتين لمكان خروجهم إلى الجبانة»
فهو من رواية حنش بن المعتمر عن علي, قال ابن المديني:
حنش بن ربيعة الذي روى عن علي وعنه الحكم بن عتيبة لا أعرفه, وقال أبو حاتم: حنش
بن المعتمر هو عندي صالح ليس أراهم يحتجون بحديثه, وقال ابن حبان لا يحتج به.
ورواه أيضا من طريق أبي قيس قال أظنه عن هذيل أن علي...
وروي من طريق آخر في المصنف ابن أبي شيبة عن وكيع عن
سفيان عن أبي إسحاق «أن عليا أمر رجلا يصلي بضعفة الناس في المسجد ركعتين»
وهذا أقوى سندا, ويشهد له ما جاء من طريق ابن أبي ليلي«أن
عليا أمر رجلا يصلي بالناس في مسجد الكوفة ركعتين» قال: وقال ابن أبي ليلى: «يصلي
ركعتين» فقال رجل لابن أبي ليلى: يصلي بغير خطبة؟ قال: «نعم»
فالأقوى سندا عن علي أنه أمر بصلاة ركعتين, لا أربع.
وهو ورد في
الضعفة العاجزين عن الصلاة في المصلى فيصلى بهم في المسجد ركعتين.
ولا يشهد للأربع ما جاء عن ابن مسعود في أن من فاتته
صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات؛ لأن هذا فيمن فاتته الصلاة فصلاها في البيت
وحده, وظاهره سواء كان لعذر أو لغير عذر, بينما أثر علي- إن صح- في العاجز.
وأثر ابن مسعود خلاف الأصل مع معارضته للآثار الأخرى؛ لأن
الأصل في القضاء أنه يكون على صفة الصلاة المقضية.
وحكي عن أحمد الجمع بين فعل أنس وقول ابن مسعود على وجه
آخر، وهو: إن صلى من فاته العيد جماعة صلى كصلاة الإمام ركعتين، كما فعل أنس، وإن صلى وحده صلى أربعاً،
كما قال ابن مسعود.[انظر: فتح الباري لابن رجب (9/ 79)]
لكن أثر أنس أقوى وتعضده رواية الاثنين عن علي؛ لأنه لا
بدل لصلاة العيد,
بقي أن نبين أن قول أبي العباس ابن تيمية في مجموع الفتاوى
(24/ 181): (وأما من كان يوم العيد مريضا أو محبوسا وعادته يصلي العيد فهذا لا
يمكنه الخروج فهؤلاء بمنزلة الذين استخلف علي من يصلي بهم فيصلون جماعة وفرادى
ويصلون أربعا كما يصلون يوم الجمعة بلا تكبير ولا جهر بالقراءة ولا أذان وإقامة)
فقد بناه على أثر علي برواية الأربع, وقد تقدم الكلام على ضعفها.
وروى محمد بن الحكم، عن أحمد -فيمن تفوته صلاة العيد -:
يجمع أهله وولده، كما فعل أنس. [انظر: فتح الباري لابن رجب (9/ 83)]
فتبين لنا أن من عجز عن صلاة العيد في المصلى فإنه يصلي
ركعتين على صفة صلاة العيد.
ولا يلزم من صلاها في البيت أن يخطب؛ لأن الخطبة من فعل
الإمام في المصلى وقد تعذرت, ولأنها ليست بدلا من ركعتين وإنما المقصود منها الوعظ,
ولم يأت عن أنس رضي الله عنه أنه كان يخطب.
ولا يصح استحداث الجماعات التي هي مظنة انتشار الفايروس.
وأما فتح التكبير في المسجد وقت صلاة العيد, فلا بأس به؛
إظهارا للعيد, وإحياء للتكبير, وتذكيرا للناس.
خاتمة:
وحيث إن صلاة العيد لا بدل لها جاز فعلها في البيت عند
الجائحة, بخلاف صلاة الجمعة, فإن لها بدلا وهو صلاة الظهر, فلا تذهب مصلحتها
بالكلية, وليس لفعلها في البيت الخاص أصلا من فعل السلف.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم شيخنا الفاضل مقال جدير بالقراءة وفقكم الله
ردحذف