حكم عبارة "إلا رسول الله"
إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على كل
مسلم, والرد على المسيء دليل على تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته, وقد
كفى الله نبيه استهزاء المستهزئين وعجل الله بعقوبتهم وهلاكهم إلا أن هذه النصرة
يجب أن تكون بالمشروع واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا حقا, ولا تتضمن محذورا
شرعيا وإن لم يقصد القائل هذا المحذور.
فهذه العبارة حذف منها المسند (الفعل وهو المحكوم
به أو المخبر به) والمسند إليه (الفاعل أو نائبه وهو المحكوم عليه أو المخبر عنه)
ثم قيدت بالاستثناء.
ولما كانت مقيدة باستثناء - والاستثناء إذا أطلق
أريد به المتصل لا المنقطع, قال ابن العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على
جمع الجوامع (2/ 14): (وظاهر أن المراد الاستثناء المتصل؛ لأن لفظ الاستثناء حقيقة
فيه فلا يدخل المنقطع في المعيارية)- فإنه يجب أن يسبقها عموم؛ لأن الاستثناء:
إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه, فكل الأفراد واجبة الاندراج, وكونه
إخراجا هو ما ذهب إليه متقدموا أهل اللغة, وأكثر الأصوليين والاستثناء معيار
العموم, والعموم شامل للحكم والأفراد, والاستثناء تخصيص للحكم والأفراد, فيكون
التقدير بالنظر إلى دلالة لفظها وسياق ذكرها: يساء لكل أحد إلا رسول الله, أو يسب
كل أحد إلا رسول الله, أو نقبل إساءة كل أحد إلا رسول الله, وهكذا...
ولاشك في بطلان هذا التعميم, ولا يناسب نصرة رسول
الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة دينه
وعدم الرضا بالإساءة إليه ولا بالإساءة إلى رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه إلى
غير ذلك ...
فبالنظر إلى وضعها وسياقها لا يفهم منها إلا معنى
فيه محذور, ولذا كانت عبارة خاطئة لا تفيد نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: يمكن أن يقدر عموم مخصوص أو تحمل العبارة
على عموم أريد به الخصوص فتصح حينئذ, كما لو قيل في التقدير: نتساهل في كل شيء من
حقوقنا إلا حق رسول الله, ونحوه.
قيل: الأصل في العام عدم التخصيص ولا إرادة الخصوص,
وما ذكر من تقدير هو من هذين البابين – العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص,
وهذان البابان يُعتمد فيهما على المراد بالنظر إلى قصد المتكلم وبيان مراده, بينما
النقد متوجه إلى الصيغة ومفهومها الوضعي في اللغة لا إلى المراد منها بالنظر إلى
مقصود المتكلم, فعبارة "إلا رسول الله" نحتاج إلى قرائن لتكون صحيحة
شرعا, وما لا يحتاج إلى قرائن أولى في الاستعمال خصوصا في مقام نصرة رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
والخلاصة: أن النقد موجه للفظ بحسب ما وضع له, لا
بحسب مراد المتكلم, فما قبل "إلا رسول الله" وُضع لأن يكون عاما
مستغرقا, إلا أن في استعمال هذا الوضع محذورا شرعيا فاحتاج من يصحح العبارة إلى
الخروج عما وضع له في مقام يُحَتِّم على العبد أن يبتعد عن هذا بما لا يحتاج معه
إلى تصحيح, وكذلك فوت مصلحة أعظم ومقصودا أسمى, وأدخل الناس في الخلاف؛ إذ المتكلم
تكلم بما وضعه وحقيقته باطلة, والأولى أن نستعمل عبارات يتوافق فيها فهم السامع
ومراد المتكلم في هذا المقام العظيم.
وليس في هذا اتهام القائل برضاه بسب كل أحد إلا
رسول الله فالحكم بخطأ العبارة لا يلزم منه الطعن في قصد قائلها, وإنما غاية
التنبيه يعود إلى خطأ العبارة.
تنبيه: انتشرت
فتوى لغوية للدكتور سليمان العيوني يجوز فيها عبارة"#إلا_رسول_الله"
وظن أن اشكالية المانعين في عدم جواز الابتداء
بالاستثناء وأن ما سوى المستثنى لا يهم القائل وهذا غلط؛ لأن المنع قائم على أن ما
قبل الاستثناء يجب أن يكون لفظا عاما، فالاستثناء معيار العموم، والعموم وضع
للاستغراق, وما من تقدير تقدره عاما باق على عمومه إلا وفيه محذور شرعي كما لو
قدرت نسكت عن كل إساءة إلا الإساءة لرسول الله ونحوها أفنسكت عن الاساءة للدين
والصحابة ووو؟!
وليس الكلام عليها من جهة الحصر كالكلام على عبارة
لا "شجاع إلا علي" أو لا "ربا إلا النسيئة" فهذه اشتملت على
قصر ما قبل إلا بما بعدها, والقصر هنا ليس حقيقيا وإن كان فيه عموم, فعبارة
"لا شجاع الا علي" وعبارة "الا رسول الله" كلاهما يشتمل على
العموم، إلا أن الأولى مشتملة أيضا على حصر بخلاف الثانية التي فيها إخراج ما بعد
إلا من حكم ما قبلها, والحصر في الأولى إما أن يكون حقيقيا أو إضافيا ولا يمكن أن
يكون حقيقيا لدلالات أخرى كالواقع فيحمل على كونه إضافيا, وهذا مستعمل في لغة
العرب.
وأما "الا رسول الله" فلا كلام عليها من
جهة الحصر؛ لأنها لا تقتضي الحصر , وإنما الإخراج, والإخراج بعد ذلك هل هو إخراج
من عموم مستغرق أو عموم مخصوص إلى آخره, وقد تقدم الكلام عليه.
كتبه: أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق