الترحم على الكافر بعد موته
قبل الكلام عن هذه المسألة, يجب أن نوضح أمرين:
الأول: أن الدعاء للكافر بالنجاة من النار والاستغفار له
بعد موته لا ينفعه وإن كان الداعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى {ما
كان للنّبِيّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا
أولي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لهُمْ أنهم أصْحَابُ الجحيم}, وقال تعالى: {فما
تَنْفَعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن
لي".
وهذا أمر مقطوع به؛ لتواتر النصوص الشرعية به ووقوع
الإجماع القطعي عليه.
الثاني: التفريق بين موجبات الرحمة العامة وموجبات
الرحمة الخاصة؛ فموجبات الرحمة العامة والتي تكون في الدنيا ووسعت كل الخلق ليس
شرطها الإيمان, بخلاف موجبات الرحمة الخاصة التي تكون في الآخرة بالنجاة من النار
ودخول الجنة فشرطها الإيمان.
والدعاء للكافر الميت بالرحمة ممنوع من جهات:
الأولى: أن فيه إيهام أن المقصود بالرحمة: الرحمة الخاصة
التي تقتضى إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, وهو مخالف لقطعيات الشريعة بأن
الكافر لا يخرج من النار ولا يغفر له كفره.
ولذا منع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الدعاء
بالمغفرة لعمه أبي طالب مع حصول نوع مغفرة له بتخفيف العذاب.
فتخفيف العذاب نوع مغفرة, قال الزين بن المنير: (ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك
وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر)
فتعقبه ابن حجر, فقال: وهي غفلة شديدة منه؛ فإن الشفاعة
لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه, وإنما وقع النهي عن طلب
المغفرة العامة) فتح الباري لابن حجر
(8/ 507)
وهذا الإيهام يجر إلى مخالفة قطعي, فيجر الناس إلى ما لا
يحمد عقباه؛ مما يقتضي منعه وعدم تسويغ الخلاف فيه.
الثانية: أن من الكفار من وقع منه مناصرة للمسلمين في
القرون الثلاثة وبعدها ولم يعرف عنهم دعاء له بالرحمة مع وجود مقتضيه ولا مانع فدل
ذلك على منع الدعاء.
وكذا لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار إلى
الرحمة بعد أن نهي عنه.
الثالثة: أن تخفيف العذاب جاء في النصوص مناطا بالشفاعة
لا بخصوص الرحمة, وورد خاصا لا عاما, بل الآيات نصت على انتفاء عمومه, قال تعالى:
[والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك
نجزي كل كفور]
والذي لاحظته في كثير من المقالات المجوزة للترحم على
الكافر احتجاجهم على جوازه بتخفيف العذاب على الكافر بسب أعمال صالحة,
والجواب: أنه لا تلازم بين تخفيف العذاب والدعاء له بالرحمة,
بل تخفيف العذاب منوط بالشفاعة, كما تقدم.
كما عول بعضهم على التفريق لغة بين الرحمة والمغفرة, وهو
تعويل بعيد؛ لأن الرحمة متضمنة للمغفرة, وكما أن هناك رحمة عامة وخاصة فهناك أيضا
مغفرة عامة وخاصة.
ثم إن موجب الاستغفار والدعاء بالرحمة واحد, فإذا منع
الشرع من الاستغفار يكون قد منع أيضا من الدعاء بالرحمة, فدليل منع الاستغفار هو
دليل منع الرحمة؛ لاتحاد الموجب للمنع, قال تعالى: [ما كان للنبي والذين آمنوا أن
يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم]
كتبه مختصرا د.
أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق