قد
سألني أحد الإخوة عن جوابٍ للشيخ عبيد الجابري حول مسألة قطعية الكتاب والسنة من
جهة الدلالة, ولما رأيت أن الشيخ قد أخطأ فيه وانتشر جوابه رأيت التعليق عليه
بما يزيل الخطأ, ويُجلِّي المسألة؛ حتى لا يغتر بالجواب من يغتر.
ولا يلزم من ردّ الخطأ الطعن.
وفي
مثل هذه المسائل – القطع والظن- لابد من التأني والمراجعة؛ لخطورتها, ولما يترتب
على الخطأ فيها من المفاسد.
السؤال
الذي وُجِّه إلى الشيخ وجوابه عنه:
السؤال:
شيخنا - حفظكم لله - يقول السائل: هل دلالات القرآن قطعية أو ظنية؟ وما قولُ أهل السنة في هذه المسألة؟
الجواب:
سبحان لله! النصوص كلُّها دلالتها قطعية القرآن والسُّنة الصحيحة هذا الراجح من أقوال أهل العلم.
القرآن أنا ما أظن أحدًا من أهل السُّنة قال أدلته ظنية، لكنَّ هذه من فلسفة المتأخرين من الأصوليين؛ قطعي الدلالة ظنِّي الدلالة، أهل السُّنة لا يعرفونَ هذا أبدًا، ولا يقولونَ بهذا، فما دلَّ عليه الكتاب صراحةً ظاهرًا، وما صحَّت به السُّنة صراحةً فدلالته قطعية اهـ من فتاوى ميراث الأنبياء. نعم.
شيخنا - حفظكم لله - يقول السائل: هل دلالات القرآن قطعية أو ظنية؟ وما قولُ أهل السنة في هذه المسألة؟
الجواب:
سبحان لله! النصوص كلُّها دلالتها قطعية القرآن والسُّنة الصحيحة هذا الراجح من أقوال أهل العلم.
القرآن أنا ما أظن أحدًا من أهل السُّنة قال أدلته ظنية، لكنَّ هذه من فلسفة المتأخرين من الأصوليين؛ قطعي الدلالة ظنِّي الدلالة، أهل السُّنة لا يعرفونَ هذا أبدًا، ولا يقولونَ بهذا، فما دلَّ عليه الكتاب صراحةً ظاهرًا، وما صحَّت به السُّنة صراحةً فدلالته قطعية اهـ من فتاوى ميراث الأنبياء. نعم.
فقد
ذكر الشيخ في بداية جوابه بعد التعجب مما تضمنه السؤال: أن النصوص كلها دلالتها
قطعية, وبين أنه الراجح, وهذا يشعر أن في المسألة قولين لأهل العلم.
ولا
معنى للتعجب في المسائل التي يقال فيها: الراجح كذا؛ لأنه يسوغ فيها الخلاف.
ثم
ذكر أنه لا يظن أن أحدا قال به من أهل السنة.
وهذا
الظن إن ثبت لا يجعل المسألة اجتهادية, فكيف يقال فيها: الراجح كذا؟!.
ثم
قطع الشيخ بأن قول القائل:"قطعي الدلالة ظني الدلالة" من فلسفة
المتأخرين من الأصوليين, وأنه لا يعرف عند أهل السنة.
وهذا
ينفي أن تكون المسألة اجتهادية.
ثم
إن هذا النفي يحتاج إلى استقراء, وقد قطع الشيخ بما صرح أنه ظنٌّ.
فحصل من الشيخ تعجب مما تضمنه السؤال, ثم ترجيح,
ثم ظن, ثم قطع.
ثم
في آخر جواب الشيخ قيده كلامه بـ:" فما دلَّ عليه الكتاب صراحةً ظاهرًا، وما
صحَّت به السُّنة صراحةً فدلالته قطعية "
فكما
هو ملاحظ حصل اضطراب في جواب الشيخ – حفظه الله-, بل تناقض, فجمع بين الترجيح
والظن والقطع في مسألة واحدة, كما أنه عمم وأطلق في موطن وقيد في موطن آخر.
والجواب
الصحيح أن يقال: نصوص الكتاب والسنة
ليست على درجة واحدة من جهة الدلالة, فمن النصوص ما دلالتها قطعية؛ لعدم وجود
الاحتمال, كدلالة قوله تعالى: [ويبقى وجه ربك] على إثبات الوجه لله, وكدلالة قوله
تعالى: [تلك عشرة كاملة] على العدد.
ومن
النصوص ما دلالتها ظنية؛ لوجود الاحتمال, كدلالة قوله تعالى: [أو لامستم النساء],
فمن الأئمة من حمل الآية على اللمس, ومنهم من حمل الآية على الجماع.
وقوله تعالى: [والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة
قروء], فمن الأئمة من حمل الآية على الطهر, ومنهم من حمل الآية على الحيض.
ونفي
الاحتمال قد يؤخذ من النص نفسه بالوضع, وقد يؤخذ من القرائن.
وأهل
السنة يفرقون بين دلالات النصوص.
والدلالات
منها ما هو من قبيل النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا, ومنها ما هو من قبيل
الظاهر الذي يحتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر, ومنها ما هو من قبيل المجمل,
ومنها ما هو من قبيل المشترك.
فما
كان من باب النص فدلالته قطعية؛ لأنه ينتج منه العلم بنفي الاحتمال, وما كان من
قبيل الظاهر والمشترك فدلالته ظنية إلا إذا احتفت بهذا النص قرائن.
والأئمة
المتقدمون وإن لم يستعملوا لفظ القطع والظن إلا أنهم مقرون بمعناه.
قال
الشافعي في الرسالة: (( فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون
الخبر محتملا للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد: فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين
حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك
إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله.
ولو
شك في هذا شاك لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالما - أن تشك، كما ليس لك
إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر
من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم )).
وهنا
يجب أن يعلم: أن التفريق بين
القطع والظن لا أثر له في العمل, فإنه يجب العمل بالظن كما يجب العمل بالقطع,
والدلالة الظنية تنزل منزلة الدلالة القطعية في العمل.
وأما
الذي أحدثه المتكلمون فهو: أن قطعية النص
من جهة الدلالة متوقفة على مقدمات عشرة, ذكرها الرازي في المحصول وغيره.
وهي
في حقيقة الأمر ترجع إلى موافقة العقل, فلا يكتسب النص القطعية من جهة الدلالة إلا
إذا كان موافقا للعقل, كما بينتُ ذلك في شرحي على منهاج الوصول للبيضاوي.
وترتب
عليه عندهم: رد النصوص إذا صادمت
العقل.
وهذا
الضلال من المتكلمين لا يجعلنا نقول:
" قطعي الدلالة ظني الدلالة من فلسفة المتأخرين من الأصوليين, أهل السنة لا
يعرفون هذا أبدا", وإنما نرد جناية المتكلمين من الأصوليين, مع بيان الحق.
نعم
أهل السنة لا يعرفون الباطل الذي تضمنه إطلاقهم, لا أنهم لا يعرفون هذا الإطلاق
مطلقا.
واستعمال
هذا المصطلح" قطعي الدلالة, وظني الدلالة" على
المعنى الصحيح لا إشكال فيه, وقد استعمله بعض الأئمة, ومن ذلك:
قول
شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأحاديث في مجموع الفتاوى (20/257): (( ثم هي منقسمة إلى
: ما دلالته قطعية ؛ بأن يكون قطعي السند والمتن وهو ما تيقنا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاله وتيقنا أنه أراد به تلك الصورة . وإلى ما دلالته ظاهرة غير قطعية
...))
وقوله
في مجموع الفتاوى (20/ 259): (( ... وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم
في أن ذلك الحديث : هل هو نص أو ظاهر ؟ وإذا كان ظاهرا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح
أو لا ؟ وهذا أيضا باب واسع فقد يقطع قوم من العلماء بدلالة أحاديث لا يقطع بها غيرهم
...))
وإذا
كانت النصوص كلها دلالتها قطعية كما ذكر الشيخ عبيد للزم منه لوازم فاسدة, منها:
1-عدم
جواز الاجتهاد؛ لأن محل الاجتهاد: الظنيات, لا القطعيات.
2-عدم
عذر المخطئ, وأنه يأثم.
فلابد
من ضبط هذه المسألة وإتقانها, فليس كل مصطلح نشأ من المتكلمين يرد مطلقا.
والله
أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه
د/أحمد
محمد الصادق النجار
16-1-1437هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق