بيان ما تضمنه
"مشارق
الأنوار في جهل وتعالم النجار "
من ظلم وجهل
بقلم:
د. أحمد محمد الصادق النجار
الحمد
لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما
بعد,
فإن التجني على الشريعة بإثبات أمور لم يثبتها الشارع, أو استعمال قواعدها وأصولها
في غير محالها من الأمور العظيمة التي يجب أن يحذر منها كل مسلم؛ لأنه افتراء على
الله سبحانه, وقد رتب الله عليه العذاب الأليم, قال تعالى: [ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم
الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا
يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليمٍ] .
وهناك
أمور
يجب على من تصدر للكلام في الشريعة, باستخراج أوصافها وقواعدها ومقاصدها, وتنزيل
ذلك على المسائل والأعيان أن يعلمها ويتقنها.
ومن
تلك الأمور:
الأهلية بمعرفته أعيان الأدلة وحجيتها, وكيفية استنباط الأحكام منها, ومعرفة
الأوصاف التي اشتملت عليها أفعال العباد, ومعرفة ضابط رجحان المصلحة الشرعية, وطرق
الترجيح بين تعارض المصالح والمفاسد, ومعرفة الحال والواقع في التنزيل, والبعد عن
الهوى, إلى غير ذلك.
أما إذا تكلم
في الشريعة من لا يحسن فسيأتي بالعجائب, وسيجني على الشريعة وأهلها.
ومن
أولئك المدعو: عبد المعطي بن
جايد الرحيلي الذي تجرأ على الشريعة وجنى عليها -كما سيأتي في رده-؛ نصرة لمن يعظم
من المشايخ.
وإني أحذره من مغبة
ذلك, وأدعوه لأن يتوب إلى ربه من غير أن ألزمه بالتوبة عند المشايخ!!.
وبعد
هذه المقدمة: سأشرع في بيان أخطائه وجرأته
على الشريعة:
قال
في (ص2):
(فوجدت فيما سطره النجار جهلا مركبا وتعالما؛ قاما على ساقي الغرور والجرأة, فمن
دلائل جهل المرء وتعالمه: أن يتبنى قولا باطلا لم يسبق إليه, ثم يستدل لسوء فهمه
بالنص ... )
والرد
عليه:
أنه
جعل من دلائل – وهناك بحث في إطلاق الدلائل على الدليل؛ فقد أنكر ابن مالك أن تأتي
"فعائل" جمعا لاسم جنس على وزن "فعيل" وقد بينتُ وجه الصواب
في شرحي على منهاج الوصول للبيضاوي, فمن أراد فليرجع إليه- الجهل والتعالم: تبني
قولا باطلا لم يسبق إليه.
ولما كنت في
زعمه قد أتيت بقولٍ لم أسبق إليه في إنكاري على الشيخين في مقالي "صكوك التوبة
ليست من السلفية في شيء" رماني بالجهل المركب والتعالم, وهذا الحكم منه بناء
على الدليل المزعوم, وهذا الدليل إن كان موافقا للواقع فإنه يكون صدقا, وإن لم يكن
موافقا للواقع فإنه يكون كذبا.
وإن الناظر
فيما أنكرتُه سيجد أن الدليل الذي استدل به على الجهل راجع إليه؛ لأنه صوَّب فعلا لم
يسبق إليه, ولم يعرفه السلف- كما سيتضح في هذا الرد –؛ فيكون أحق بوصف الجهل
المركب والتعالم.
قال
في ص 2:
( وإن كنت على يقين أن التوبة التي أعلنها أبو الفضل جزاه الله خيرا وما كتبه
الشيخان عليها, لن تعجب من في نفسه على الشيخين ضغينة وحزازة؛ إذ لن يرضى عنهما
حتى يسلكا مسلكه ...)
والرد
عليه:
أن
هذا من الجرأة التي سنراها كثيرا في هذا الرد المزعوم, فهو حكمٌ يقيني قطعي منه
على قلب كل من في نفسه ضغينة؛ لأن "من" من صيغ العموم, ولا أدري أجهل أن
القلوب لا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه!
لكنها الجرأة
على عباد الله, والحكم على نياتهم, والله يقول: [ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ].
ويقول[ قل لا
يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله]
ولا
يخلو حالك يا عبد المعطي من أمرين:
الأول: أن
الوحي نزل عليك, ولذا قطعت بما في القلوب!!
الثاني:
الجرأة والتعدي على الناس, والبغي.
ولو أنك بنيت قولك على الظن لعذرناك, لكنك جريء في
الباطل, والله المستعان.
قال
في ص2:
( أما أن يخرج رجل بما خرج به النجار, فهذا الذي لم يدر في خلدي, ولم يخطر لي على
بال )
والرد
عليه:
نعم,
لم يخطر لك على بال؛ لأن تقديس الشيخين – في ظني, والله أعلم- قد أعمى بصيرتك, فلم
تنظر بنظر الإنصاف, والغيرة على جناب الرب, ولم تتأصل تأصيلا علميا صحيحا, ولذا غلب
عليك نصرة الشيخين على نصرة الحق, والله حسيبك في ذلك.
قال
في ص 3:
( ما قام به الشيخان لا يشك في صوابه أدنى طالب علم ذي فهم سديد؛ لأن ما كتباه
موافق لنصوص الوحيين الشريفين, وأصول الشريعة العظيمة القائمة على تحصيل المصالح
وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها, بل هو من معين التوحيد ومكملاته ...)
والرد
عليه:
أن هذه من الجرأة العظيمة على دين الله وتوحيده.
ولا بد هنا من
تصوير ما حصل ووقع تصويرا صحيحا؛ ليفهم الكلام على حقيقته:
إن الحال الذي
لا يخفى على من له أدنى نظر في الواقع – خصوصا في ليبيا -هو: أن طالب العلم إذا
أخطأ, أو خالف مشايخ معينين كالشيخ عبيد أو محمد المدخلي أو عبد الله البخاري-
فإنه يُلزَم إذا أراد أن يتوب أن يذهب للشيخ الذي حذر منه؛ فيتوب
عنده, ويصحح الشيخ توبته, وإن لم يفعل فلا تعتبر توبته مقبولة.
فهذا أبو الفضل
لم يقبلوا توبته إلا بعد أن صححا توبته الشيخين عبيد الجابري وعبد الله البخاري.
والمفسدة
الحاصلة في هذا الواقع: اشتراط شرط جديد في التوبة –
قوليا كان أو عرفيا-, وتعلق القلوب بتصحيح التوبة.
وهذا أمر لا ينكره إلا
جاهل بالواقع, فلا يصح له أن يفتي, أو مكابر.
ولهذا قلت في مقالي:"صكوك تصحيح
التوبة :"فالذي جرني للكتابة
في هذا الموضوع الذي يُعَدّ من مسلمات السلفية ما وقعت عليه عيني وعين غيري من
تصحيح توبة أبي الفضل الليبي من الشيخين عبيد الجابري وعبد الله البخاري بعد أن
كتب تراجعات على أخطائه
وتعلق القلوب بهذا التصحيح"
وتعلق القلوب بهذا التصحيح"
فيا عبد المعطي الجريء على شرع الله بالباطل!! هل
ما حصل من الشيخين وأبي الفضل موافق لنصوص
الوحيين الشريفين, وأصول الشريعة العظيمة القائمة على تحصيل المصالح وتكميلها,
وتعطيل المفاسد وتقليلها؟!!
وهل هو من معين التوحيد ومكملاته؟ !!
يا هذا: عليك أن تسألك مشايخك ما حكم من
يجعل ما كان ذريعة إلى الشرك من معين التوحيد ومكملاته؟!!
وما أحوجك لأن تدرس كتاب التوحيد على متقنن متفنن
عالم بمقاصده؟
قال في ص 3: (
ينجلي ذلك – أي: كونه موافقا لنصوص الوحيين و وتحقيق المصالح – بأمور:
أولا: الغاية من إمضاء هذه الورقات وإمضاء الشيخين عليها:
تحقيق عبادة عظيمة هي محض حق الله, وهي: التوبة ...)
والرد عليه: أن
شرف
الغاية لا يبرر الوسيلة, فليس كل وسيلة تفضي إلى غاية نبيلة تكون مباحة, فضلا عن
أن تكون مستحبة أو واجبة.
فالتوبة عبادة لا يتوصل إليها إلا بوسيلة مشروعة.
والوسيلة التي فُعلت من الشيخين وأبي الفضل ليست
مشروعة, بل هي منهي عنها؛ لما تتضمنه من مفاسد.
وحتى لو قلنا: إنها مباحة في ذاتها لكنها لما كانت تفضي إلى مفسدة
راجحة فإنها تحرم سدا للذريعة.
ولا أحسبك يا عبد المعطي من دعاة:"الغاية تبرر
الوسيلة".
فانتبه لنفسك!.
قال في ص 3
تكملة للوجه الأول: (فإذا تقرر أن التوبة قد أمر الله بها, فإنه ما من أمر أمر
الله به إلا وهو من حقوق التوحيد ومكملاته )
والرد عليه: أن
هذا تدليس منك فأنا لا أنازعك في وجوب التوبة, وإنما أنازعك في الوسيلة, فلا تدلس
على قرائك!
والخروج عن محل النزاع ليس من الفقه, وتكثير للكلام
في غير محله.
قال في ص 3:
(ثانيا: في إمضاء الشيخين وكتابتهما بالتأيد على ورقات توبة أبي الفضل؛ عمل بأصل
شرعي فيه من المصالح العظيمة التي تعود بالنفع على العباد في المعاش والمعاد؛ ذلكم الأصل هو: التعاون على
البر والتقوى ...)
والرد عليه: أن
الطريقة التي فُعلت من الشيخين وأبي الفضل قد اشتملت على مصالح ومفاسد.
فمن المصالح التي اشتملت
عليها ما زعمته من: إعانة التائب
على توبته, وتشجيعه.
ومن المفاسد التي اشتملت عليها:
زيادة
شرط في العبادة, والزيادة في العبادة كالنقص, وتعلق القلوب بالتصحيح, وقد يتوب
التائب لأجل المخلوق, لا لأجل الله, إلى غير ذلك.
فهذا المفاسد منها: ما
هو متعلق بالعبادة نفسها, ومنها ما هو متعلق بالتائب, ومنها ما هو متعلق بغير
التائب.
والقاعدة: أن
الفعل إذا رجحت مفسدته على مصلحته فإنه ينهى عنه.
ومما يدل على رجحان مفسدته: أن
هذه الصورة لم يأت الشرع بها, ولا فعلها أحد من السلف.
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 345): (( وكثير مما ابتدعه الناس من
العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك حسبوه
منفعة أو مصلحة نافعا وحقا وصوابا ولم يكن كذلك, بل كثير من الخارجين عن الإسلام
من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من
الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا ومنفعة لهم { الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } وقد زين لهم سوء عملهم
فرأوه حسنا ))
وقال شيخ
الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (14/ 144): (( فإن العمل الذي لا مصلحة للعبد
فيه لا يأمر الله به, وهذا بناء على قول السلف : إن الله لم يخلق ولم يأمر إلا
لحكمة كما لم يخلق ولم يأمر إلا لسبب ))
وقد
كان السلف حريصين على إعانة التائب, وتشجيعه, فوُجِد المقتضي وزال المانع,
ولم يفعلوه, وهذا إجماع منهم - إن كنت تحسنه -.
فأنا
أبطل الصورة المجتمعة التي حصلت من الشيخين وأبي الفضل بالإجماع, ودون خرقه خرط
القتاد.
فليتك قبل أن
تكتب وتسود؛ فتُضِلَّ غيرك: أن تحسن وضع القواعد والأصول في مواضعها؛ حتى لا تتجنى
على الشريعة.
وهنا
أطلب من الشيخين ود.محمد بن هادٍ ومن يناصرهم أن يأتوا بسلفٍ لهم في
الصورة التي انتقدتُها, لا الصورة التي في أذهانهم.
قال في ص 4: ((
ثالثا: كتابة الشيخين كانت توكيدا على توفر شروط التوبة الداعية لقبولها فيما كتبه
أبو الفضل جزاه الله خيرا, وشرط التوبة الموجب لهذه الورقات هو: البيان؛ إذ لا
يتحقق هذا الشرط إلا بمثل كتابة هذه الورقات مما يحصل به الإعلان عن الخطأ ...)
والرد عليه: أن
هذه الصورة -وهي: بيان الخطأ وإظهاره"-خارج محل النزاع, وهي لا تتوفر في توبة
أبي الفضل وختم المشايخ عليها؛ لأن فيها أوصافا زائدة على مجرد البيان, من ختمٍ,
وتعلق القلوب, وعدم قبول التوبة منه إلا بعد تصحيح المشايخ, إلى غير ذلك.
فلو كان
الموجِب -كما تزعم- هو البيان فقط, لاكتُفِي به دون شرط؛ لأن الموجب لا يتوقف على
شروط وموانع, والشباب جعلوا البيان مقتضيا بمعنى: أنه متوقف على شرط وهو تصحيح
المشايخ, فكتابة الشيخين لم تكن توكيدا -كما تزعم-, وإنما كانت تحقيقا لشرط عند
الشباب.
وهذا الشرط زيادة في عبادة.
فتأمل وتجرد
للحق.
وكلام الإمام أحمد
الذي نقلته حجة عليك لا لك؛ لأنه لم يشترط أن يكون إظهار التوبة عند المشايخ, ولم
يشترط الختم عليها وتصحيحها.
وقول الإمام
أحمد:"تقبل" أي: بحسب الظاهر, ولم يقل:"صحت توبته".
قال
في ص
4: (رابعا: يحقق الشيخان بما كتبا مقصدا نبيلا, وقاعدة عظيمة هي من جماع الدين
وأساسه: جمع الكلمة وتأليف القلوب ...)
والرد
عليه:
تأليف
القلوب لاشك أنه مقصد شرعي, لكن ليس هذا بإطلاق, وإنما هو مقيد بـ" على الحق
وبالحق", فلابد أن يكون التأليف على الحق, وبالوسيلة الحقة.
قال تعالى: [
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا]
وأما ما فعله الشيخان وأبو الفضل حتى ولو قلنا: إنه
يفضي إلى التأليف لكن بوسيلة باطلة, والغاية لا تبرر الوسيلة.
وهذه الوسيلة لو كانت خيرا لسبق إليها السلف؛ لوجود
المقتضي وزوال المانع.
ثم أخذ عبد المعطي يذكر أمورا إما خارج محل النزاع,
أو مما رددت عليه فيه في ردي الذي سميته:" في عجل بيان ما تضمنه "مشارق الأنوار في كشف وتجاهل
النجار لعبد المعطي الرحيلي" من تعدٍّ وجهل"
فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه في مدونتي, أو على
صفحتي في الفيس.
قال في ص 6:
( فلو أخذنا بتمحلك هذا لأغلقنا بابا عظيما من أبواب الدين: باب الاستتايبة"
)
والرد عليه: قد
ذكرت في ردي الأول :"في عجل ...": (الاستتابة لا تكون من كل أحد, وإنما تكون من الحاكم والقاضي؛
لما يختصا به من أحكام
أفتنزل الشيخين منزلتهما؟!! وهل يترتب على تصحيح الشيخ حد؟!!
ثم الاستتابة قبولٌ لها باعتبار أحكام الدنيا, فليس فيها قطعٌ بالتصحيح, ولا تعلقُ القلوب بها.
ولا يلزم من قبول التوبة القطع بصحتها, وإنما ينظر إلى توفر شروطها الظاهرة فتقبل بناء على ذلك.
وأعطيك مثالا: لو أن منافقا أظهر الإسلام فإننا نقبل منه؛ لإتيانه بالأمور الظاهرة, ولا يلزم من هذا القبول أن يكون إسلامه صحيحا في نفس الأمر
فمن أظهر التوبة, وتوفرت فيها شروطها الظاهرة قبلنا منه, ولا يلزم من ذلك أن تكون صحيحة في نفس الأمر
وهذا لا أظن فقيها يخالفني )
أفتنزل الشيخين منزلتهما؟!! وهل يترتب على تصحيح الشيخ حد؟!!
ثم الاستتابة قبولٌ لها باعتبار أحكام الدنيا, فليس فيها قطعٌ بالتصحيح, ولا تعلقُ القلوب بها.
ولا يلزم من قبول التوبة القطع بصحتها, وإنما ينظر إلى توفر شروطها الظاهرة فتقبل بناء على ذلك.
وأعطيك مثالا: لو أن منافقا أظهر الإسلام فإننا نقبل منه؛ لإتيانه بالأمور الظاهرة, ولا يلزم من هذا القبول أن يكون إسلامه صحيحا في نفس الأمر
فمن أظهر التوبة, وتوفرت فيها شروطها الظاهرة قبلنا منه, ولا يلزم من ذلك أن تكون صحيحة في نفس الأمر
وهذا لا أظن فقيها يخالفني )
وأضيف هنا:
أن الاستتابة: طلب التوبة.
وطلب التوبة شيء, وما نبحث فيه شيء آخر؛ لأنه زائد
على مجرد طلب التوبة, فأين إغلاقي باب الاستتابة لو كنت تفقه؟!!
والواجب عليك أن تفقه المصطلحات وتتصورها تصورا
صحيحا قبل أن تحكم.
والاستتابة مناطة بولي الأمر , لا
بالشيخين.
قال الدسوقي في حاشيتة على الشرح الكبير: "يجب على الإمام
أو نائبه استتابته ثلاثة أيام، وإنما كانت الاستتابة ثلاثة أيام؛ لأن الله أخَّر
قوم صالح ذلك القدر، لعلهم أن يتوبوا فيه، فكون أيام الاستتابة ثلاثة واجبٌ".
ثم ألا تُفَرق بين ما أمر به الشارع وبين ما لم يأمر
به الشارع, فما أمر به الشارع
فلابد أن تكون مصلحته راجحة, والاستتابة أمر بها الشارع, فحتى وإن تضمنت مفسدة إلا
أنها لما كانت المفسدة مرجوحة لم يلتفت إليها الشارع, بخلاف الطريقة التي فعلها
الشيخان وأبو الفضل, فهي طريقة لم يأمر بها الشارع, ولو كانت خيرا, ومصلحتها راجحة
لأمر بها.
وهذا فرق دقيق فتنبه له.
قال الشاطبي في الموافقات (2/ 46): (( فالمصلحة إذا كانت هي
الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعا، ولتحصيلها
وقع الطلب على العباد، ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل، وليكون حصولها أتم
وأقرب وأولى بنيل المقصود على مقتضى العادات الجارية في الدنيا، فإن تبعها مفسدة
أو مشقة، فليست بمقصودة في شرعية ذلك الفعل وطلبه., وكذلك المفسدة إذا كانت هي
الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد، فرفعها هو المقصود شرعا، ولأجله وقع
النهي، ليكون رفعها على أتم وجوه الإمكان العادي ))
وأما احتجاجك بتوبة ابن عقيل, فقد
رددت عليه في ردي على د. محمد
المدخلي , فيما عنونت
له:" وقفة أخرى مع صكوك التوبة"
ومما قلت فيه:" وأما الشيخ محمد بن هادٍ مع دعواه أن هذا أمر معروف لم يذكر إلا توبة
ابن عقيل, لما قال:" توبة ابن عقيل التي حضرها جمع غفير وشهدوا عليها وذكرها
العلماء في كتبهم... وكتب فلان وفلان ممن حضروا هذه التوبة التي كانت في جامع
المنصور فتوبوه وتاب ...
وبعد ذلك قال العلماء: فصحت توبته."
أقول كي تتضح أن الصورة التي ذُكرت في توبة ابن عقيل مخالفة للصورة
التي انتقدتُها أذكر تفاصيل توبة ابن عقيل:
قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: (( ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له
على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم على الحلاَّج وغير ذلك. ووقف على
ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى
دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى
الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، فاصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر لأنه كان
عاتبًا على ولاة الأمر بسبب إنكار منكر قد سبق ذكره في ترجمته
فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكتب خَطّه: يقول علي بن عقيل
بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة
أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم. وما كنت علّقته،
ووُجد بخَطّي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. ولا تَحل
كتابته، ولا قراءته، ولا اعتقاده
وإنني علقت مسألة في جملة ذلك. وإن قوماً قالوا: هو أجساد سود
وقلت: الصحيح: ما سمعته من الشيخ أبي عليّ، وأنه قال: هو عَدمٌ ولا
يسمى جسماً، ولا شيئًا أصلاً. واعتقدتُ أنا ذلك. وأنا تائب إلى الله تعالى منهم
واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الذَين والزُّهد والكرامات. ونصرتُ
ذلك في جزء عملته. وأنا تَائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره،
وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو.
ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة،
والمبتدعة، وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام. ولا يحل
لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان
على هَدْمِ الإسلام "
وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان مَعه من الشيوخ، والأتباع، سادتي
وإخواني - حرسهم الله تعالى - مصيبين في الإنكار عليَّ لما شاهدوه بخالي من الكتب
التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحققُ أني كنتُ مخطئًا غير مصيب
ومتى حفظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار: فلإمام المسلمين
مكافأتي على ذلك. وأشهدت الله وملائكته وأولي العلم، على ذلك غير مجبر، ولا مكرَه
وباطني وظاهري - يعلم الله تعالى - في ذلك سواء. قال تعالى: " وَمنْ عَادَ
فَيَنتقِمُ اللّهُ مِنْهُ، وَاللّهُ عَزِيز ذُو انْتِقَام " المائدة: 199
وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة
وكانت كتابته قبل حضوره الديوان بيوم، فلما حضَر شَهِدَ عليه جماعة
كثيرة من الشهود والعلماء
أقول:
الذي
فعله ابن عقيل لما اشتد نكير العلماء عليه أنه ذهب إلى الشريف, وبين تراجعه من غير
إجبار وإلزام
كما نص هو على ذلك, وأشهد
الشهود, وهذا لا إشكال فيه؛ لأنه لم يُلزَم, ولكي يُبْعِد الأذى عن نفسه.
فهذه
الصورة لم تستلزم شرطا جديدا في التوبة, ولو
أن ابن عقيل كتب كتابا نشر فيه تراجعه, وفنَّد الباطل الذي كان يقول به من غير أن
يذهب إلى الشريف لقَبِل منه العلماء, ولم يُلزموه بالذهاب إلى الشريف.
ولو تأملنا في القصة؛
لوجدنا
أن ابن عقيل طُلب أذاه, واشتد نكير الشريف
عليه, فدفعا لهذا: ذهب إلى الشريف لما تغيب عن مجلس السلطان.
بل أرادوا قتله,
كما في
تاريخ ابن الأثير " فيما ذكره الذهبي في السير قال: كان
قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على ابن الوليد
فأراد
الحنابلة قتله
فاستجار بباب المراتب عدة
سنين، ثم أظهر التوبة.
وفي شذرات الذهب قال ابن عقيل:" فأوذيت من أصحابي حتى طلب
الدم"
ولا شك أن هذه أمور مؤثرة في تصور التوبة التي حصلت من ابن عقيل فينبغي
ألا يُلقَى الكلام على عواهنه من غير نظرٍ لبساط الحال.
قول الشيخ محمد:" وكل من ترجم
له يذكر أنه تاب فصحت توبته, فهل هذه صكوك غفران؟"
أقول:
لم
أقف على من نص على تصحيح التوبة إلا ابن حجر, مع أن الشيخ يقول: إنه قول كل من
ترجم له, وكل تفيد العموم.
قال ابن حجر في لسان الميزان:" وهذا الرجل من كبار الأئمة, نعم
كان معتزليا, ثم اشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك, وصحت توبته"
وتصحيح ابن حجر الذي تفرد به ليست فيه الصورة التي انتقدتُها
فهو
لم يكتب على تراجع ابن عقيل أنه قد صحت توبته, ولم يشهد ذلك, ولم تتعلق القلوب
بتصحيح ابن حجر, كما حصل في طريقة الشيخين: عبيد الجابري وعبد الله البخاري مع أبي
الفضل, وهذه الفروق مؤثرة.
ولا يصح الاستدلال بابن حجر إلا إذا شهد مجلس استتابة ابن عقيل ووقع
بأنه قد صحت توبته, أو تابع من نص على أنه صحت توبته, وكل ذلك غير واقع, فلا تكون
فيه حجة على مسألتنا.
قول الشيخ محمد المدخلي:"
السلف رحمهم الله يكتبون ذلك ويوقعون عليه ويشهدون به ومن خالف هذه الطريق وأنكرها
فهو الذي يكون مخالفا لطريقة السلف"
أقول: الشيخ لا يزال يتكلم عن
الصورة التي لم أنتقدها, وهي الكتابة والإشهاد من غير إلزام وتصحيح, ومع ذلك فإنه
ليس كل من أخطأ عامله الأئمة بهذه المعاملة, فكم من تائب نشر كلامه من غير أن يحضر
عند أحد, أو يُشهِد أحدا, وهذا ينبغي التنبه له.
ثم قول الشيخ:" السلف"وهم
القرون الثلاثة": قد يفهم منه أنها صورة مشتهرة عندهم.
وهنا أوورد أسئلة على الشيخ أتمنى أن يجيب عليها:
هل فعل ذلك الصحابة؟ ولو سلمنا جدلا أنهم فعلوه فهل هو مشتهر عندهم؟
هل فعل ذلك التابعون؟ ولو سلمنا جدلا أنهم فعلوه فهل هو مشتهر عندهم؟
هل فعل ذلك تابعو التابعين؟ولو سلمنا جدلا أنهم فعلوه فهل هو مشتهر
عندهم؟
هذا كله يحتاج إلى إقامة البينة عليه.
ثم كيف يكون المنكر مخالفا لطريقة السلف لأمر لم يفعله السلف (
القرون الثلاثة)؟!
وأنا أتكلم عن الطريقة غير المنتقدة، فكيف بالطريفة المنتقدة؟!
هذا ما يتعلق بتوبة ابن عقيل.
ولم يكتف هذا الجريء (عبد
المعطي)على شرع الله بما تقدم بل قال زاعما
في ص 9: ( فإن قبول جميع العلماء السابقين واللاحقين لتوبة من تاب رد عليك؛ فإنهم
لم يقبلوها إلا بعد قطعهم بصحتها)
والرد عليه:
أن هذه جرأة عظيمة, فالأئمة قبلوا التوبة باعتبار الظاهر من غير أن يقطعوا بأن
التائب قد ندم وعزم على عدم العودة؛ لأنها أمور قلبية لا يطلع عليها إلا الله,
فكيف تأتي وتقول: إن السلف قطعوا بصحتها؟!
ألا يعلم هذا الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري أن
أكثر شروط التوبة قلبية, فأنى للأئمة أن يقطعوا بها!!
قال في 10: (( إلا أن
جميع العبادات بلا استثناء متفقة على شرطين باطنيين قلبيين لا يعلمهما غلا الله:
الإخلاص والنية ...)
والرد عليه: أن
شرط الإخلاص متعلق بالقبول عند الله, وأما شرط النية فلا يفارق العمل, فلا يتصور
عمل بلا نية.
وبالتالي لا تعلق لذلك بمسألتنا.
والذي أقوله: إن
التوبة تختلف عن الصلاة ونحوها, فالتوبة أغلب شروطها قلبية, بخلاف الصلاة, وهذا
فرق مؤثر بينهما.
ومن جهله قال في ص 14: (فالحكم
بصحة توبة الرجل المسلم الذي يأتي بشروطها كالحكم بصحة إسلام الكافر الذي يأتي
بشروطه, وكل ذا وذاك حكم دنيوي ..))
فقيد الحكم بصحة توبة رجل على الإتيان بشروطها,
وأغلب شروط التوبة قلبي, فكيف يعلم أنه أتى بها؟!!
ألا تدري أنك علقت حكمك بوصف ينتفي
الحكم بانتفائه, وهذا الوصف هو الإتيان بشروطها, وأغلب شروطها قلبي.
ثم قاس صاحبنا التوبة على الإسلام.
وهو قياس فاسد؛ للفرق المؤثر بينهما؛
ذلك أن شروط الإسلام ظاهرة لا باطنة؛ إذ إن شرط الدخول في الإسلام أن ينطق
بالشهادتين, وهو أمر ظاهر لا باطن, بخلاف التوبة.
قال في ص 17:
(وكذلك التوبة فهي عبادة من أجل العبادات ... يذكر أهل العلم شروطها على سبيل
العموم, ويحكمون بصحتها على سبيل التعيين ))
والرد عليه: أنه جعل
الجامع بين التوبة والصوم والحج كونها عبادة, وهذا منقوض بالتوكل ونحوه من
العبادات القلبية, فلا يلزم من ذكر شروطه على سبيل العموم الحكم بصحته على سبيل
التعيين.
وأما ما نقله عن بعض العلماء
كاللجنة الدائمة غيرهم, فليس فيه تصحيح التوبة مطلقا, وإنما
هو تصحيح مقيد بما إذا توفرت الشروط, ولذا علقوا تصحيحهم بتوفر الشروط.
وليتأمل القارئ الكريم في كلام النووي
الذي نقله من لم يفقه: ((والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا
صحت توبته بشروطها المعروفة وهي الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها والعزم على
أن لايعود إليها فهذا هو الجاري على قواعد الشرع ))
فجعل متعلَّق القطع إذا صحت توبته
بالشروط المعروفة ومنها الندم والعزم وهما: قلبيان, فيتخلف القطع إذا تخلف العلم
بأحد هذه الشروط, فهذه الشروط مجتمعة علة القطع, فإذا انتفى أحدها انتفى القطع.
ثم أورد أمثلة على قطع
العلماء بصحة توبة أناس معينين, فأبان عن جهله
وتعالمه وجرأته على الشريعة وأهلها.
فنقل كلام ابن حجر في تصحيح توبة ابن
عقيل, وقد تقدم الكلام عليه, وهذا المتعالم جعله قطعا من ابن حجر.
ثم نقل فتوى اللجنة الدائمة, وفيها: ((...وما
دمت قد تبت من ذلك، وندمت على فعلك له، وعزمت ألا يخرج منك مثل ذلك الكلام السيئ
فتوبتك صحيحة ))
فهنا علقت اللجنة الدائمة صحة التوبة
بما لو ندمت وعزمت, بمعنى: أنها لو حققت الشروط القلبية فتكون توبتها صحيحة.
وقد أبعد متعالمنا النُّعجة!!
ولا أريد أن أطيل مع عبد
المعطي
فقد مللت من تجنيه على الشريعة, وتعالمه,
وأحيل القراء إلى ردي الأول وهو بعنوان:" في عجل بيان ما تضمنه "مشارق الأنوار في كشف وتجاهل
النجار لعبد المعطي الرحيلي" من تعدٍّ وجهل "
وسأنقل شيئا منه هنا:
"
... فإنكاري كان على صورة مركبة من:
كتابة التوبة من أبي الفضل للشيخين, وتصحيح المشايخ لها, وتعلق القلوب بهذا
التصحيح.
فكان
كلامي على مجموع هذه الأمور, ولمجموع هذه الأمور جعلتها صكا, وذريعة إلى الشرك.
لكنه
لا يفقه!!, فكيف يرد؟!
وما
ذكرَه من تخريجٍ لصنيع المشايخ يدل على تجرئه على الشريعة, فزعم أن صنيعهما
من باب تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد, وأنه معين على التوحيد.
فأقول:
كيف صنيعهم بالطريقة المذكورة سابقا يُحصِّل المصالح ويُعطِّل المفاسد, وهو يجر
إلى مفسدة أعظم؟ فما من مصلحة تذكرها إلا ومفسدة الشرك ترجح عليها.
وإذا
كان عند تساوي المصلحة والمفسدة تدرأ المفسدة, فكيف إذا ترجحت المفسدة؟
وهل
هذه الطريقة لم يعرف مصالحها إلا أنت؟
أين
السلف من فِعلِ هذه الطريقة؟!
وإذا
كانت مصلحتها راجحة فكيف لا يأتي الشرع بها؟
ولا
تخلط بين التوبة عند الشيخ من غير اشتراط وبين اشتراط ذلك وإلزام المخطئ, وتعلق
القلوب بذلك.
واعلم
أن هذه الطريقة لو كانت الغاية منها تحقيق عبودية التوبة -كما تزعم- لاكتُفِي
بمجرد إعلان التوبة من غير إلزام بالحضور عند المشايخ وتوقيعهم على صحتها.
ولاكتفي
بالدعوة إليها على شروطها المعتبرة شرعا من غير زيادة شرط - لفظي أو عرفي-
أما أن يتوقف الأتباع إلى أن يكتب المشايخ تصحيحا
ويوقعوا عليه فهذا هو المنكر.
وهذا
يجر التائب إلى أن يتعلق قلبه بالمشايخ, وكذلك الأتباع, فأين سد ذرائع الشرك يا
هذا؟
والنبي
صلى الله عليه وسلم في أدنى من هذا الأمر سد ذرائع الشرك, فذاك الصحابي لما قال
للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت, غضب وقال أجعلتني لله ندا؟
مع
أن الصحابي لم يقصد المعنى.
والله
سبحانه إنما أمر بالتوبة مطلقا, ولم يقيدها بالحضور عند المشايخ وتصحيحها.
فاتق الله ولا تحرف.
وتقييد
ما أطلق الله يوقع في البدع.
واشتراط
البيان العلني لمن أخطأ علنا لا إشكال فيه, لكن الإشكال كل الإشكال في تقييده
بصورة مخصوصة تُعلَّق عليها القلوب.
ولا
يمكن جمع الكلمة بما يجر إلى الشرك والبدع, وإنما جمع الكلمة يكون بالحق وعلى الحق.
... وما ذكرته من إعلان المخطئ
لخطئه وكتابته, وشهادة الشهود هذا لا إشكال فيه, ولم يتوجه إليه نقدي, فلا تحمل
الكلام ما لا يحتمله.
وأعجب
ما في رده المنبئ على جرأته ما قام به من ليِّ عنق النص الذي جاء في توبة كعب,
فذكر أن ثمة فرقا بين قبول الله لتوبة كعب وبين الحكم بصحة توبته, وقطع بأن كعبا
صحت توبته قبل قبول الله توبته.
ولم
يفرق بين توبة الله بمعنى: توفيق الله له للتوبة, وبين قبول الله لها
وكعب قد تاب الله عليه بالمعنيين.
وهذا
الرجل يخلط بينهما.
ومن
جرأته أنه قال:" وإلا فإن كعبا ومن معه قد صحت توبتهم من جهة توفر شروطها
كلها, قبل قبول الله توبتهم, فلما نزل الوحي بقبول الله توبتهم كان دالا على صحة
توبتهم وتوفر شروطها ومنها القلبية"
وهذا
فيه جرءة عظيمة!!
فقد
قطع في بداية كلامه بصحة توبته؛ لتوفر الشروط كلها ومنها القلبية, ثم جعل دليل ذلك
نزول الوحي.
والكلام
معك قبل نزول الوحي, فكيف تقطع بما في نفس الأمر قبل نزول الوحي؟!!
والنبي
صلى الله عليه وسلم لم يقطع فكيف تأتي أنت وتقطع؟!
ومن
جرأته يريد أن يصور أن عدم القطع بالصحة قبل نزول الوحي من إساءة الظن بالصحابي
الجليل كعب
وهذا
ليس بلازم؛ لأننا مخاطبون بالظاهر, وأن نكل السرائر إلى الله
وكعب
صدق في حديثه ولا يلزم منه القطع بصحة التوبة؛ لأنها متوقفة على أمر غيبي لا يعلمه
إلا الله.
ولهذا
النبي صلى الله عليه وسلم أرجأ القطع إلى حكم الله.
ثم
إنك أوَّلت الحديث بما يتماشى مع قولك ففسرت"حتى يقضي الله فيه" بأن
يحكم فيه بحكم, بينما التأويل الصحيح حتى يقضي الله فيك بالتوبة.
قال
القسطلاني: (( (وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها الثلاثة (حتى قضى الله فيه) بالتوبة))
وهو
الذي دل عليه قوله تعالى: [وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما
رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا]
وهذه
جرأة على كلام الله وكلام ورسوله صلى الله عليه وسلم
... ثم ختمتَ ردك الذي لا يستحق أن يلتفت إليه أصلا
بملحق: أبنت فيه عن سوء فهمك, وعدم تصورك.
فخلطت
بين مسألتنا وهي: ذهاب أبي الفضل ببيان ذكر فيه أخطاءه للشيخين ثم كتبا عليه
تصحيحا لتوبته, وعليه قبل الشباب التوبة,
وبين
ما حصل من مناصحة أبي الحسن وكتابة ما دار في الجلسة, وما حصل فيه من تراجع.
وهذه
المناصحة بناء على طلب المشايخ, لا أنه قصدهم ليتوب عندهم, ولا أنه ألزم بها.
ألا
ترى فرقا بين الصورتين أم أعماك التعصب؟
..."
انتهى ما أردت بيانه مختصرا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
د. أحمد
محمد الصادق النجار
21-3-1437ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق